أديب ميالة.. خازن "بيت مال الأسد" يتحول لإدارة استثمارات مشبوهة لمصلحة النظام
بجرة قلم من أمير حرب معاقب أميركيا، أصبح أديب ميالة وزير الاقتصاد السوري الأسبق وحاكم المصرف المركزي لمدة 12 عاما مديرا تنفيذيا لمجموعة "قاطرجي".
ونقل موقع "صاحبة الجلالة" الموالي للنظام السوري، في 24 يناير/كانون الثاني 2022، أن أديب ميالة باشر العمل مديرا تنفيذيا في الشركة القابضة لرجل الأعمال حسام قاطرجي.
ولد أديب مفضي ميالة في محافظة درعا عام 1955، وهو حائز على درجة الدكتوراه في الاقتصاد اختصاص علاقات دولية من "جامعة آكس أون بروفانس" في فرنسا عام 1991، وعلى دبلوم دراسات معمقة في النقود والمصارف والتمويل في 1983 من الجامعة ذاتها.
وحاصل كذلك على دبلوم دراسات معمقة في الاقتصاد الكلي التطبيقي عام 1985 من الجامعة الفرنسية المذكورة، وبكالوريوس في الاقتصاد سنة 1981 من جامعة دمشق.
كما أصبح عضو هيئة تدريسية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، والمدير المشرف على مديرية مكتب الحاكم ومديرية التدقيق الداخلي ومديرية الرقابة الداخلية في "مصرف سوريا المركزي".
وتقلد أيضا منصب رئيس مجلس إدارة "مصرف سوريا المركزي"، ورئيس مجلس "النقد والتسليف"، ولجنة "هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
ذراع الأسد
بدأت النقلة النوعية في حياة ميالة، حينما عينه رئيس النظام السوري بشار الأسد، حاكما للمصرف المركزي منذ عام 2005 وحتى 2016.
وهذا المنصب حساس لدرجة أن راتب حاكم المصرف المركزي الذي أسس عام 1956 وتعويضاته تصدر بمرسوم جمهوري.
وكجائزة ترضية قبل إبعاده عن دوائر السلطة، منحه بشار الأسد منصب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في سوريا، لسنة واحدة في الفترة بين 2016 وحتى 2017.
وعقب ذلك تحول ميالة إلى مجرد مدير ومالك لـ"شركة إيكونوموس للاستشارات" التي أطلقها عام 2020.
وهذه الأخيرة مختصة في مجال إعداد وتصميم وتطوير أنظمة الشركات الإدارية والمالية وتقديم الدراسات والاستشارات الاقتصادية، واستيراد وتصدير كافة المواد المسموح بها، وتمثيل الشركات والوكالات العربية والأجنبية، ودخول المناقصات والمزايدات.
وكانت تلك الشركة بمثابة واجهة وشبكة صيد قوتها فقط باسم مالكها أديب ميالة، لكون الأخير يعي تماما أنه مع وجود "قانون قيصر"، لا حركة لشيء سوى لاقتصاد الحرب وأمرائه.
و"قانون قيصر" الأميركي أقره الكونغرس ودخل حيز التنفيذ منذ 17 يونيو/ حزيران 2020، لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.
خبرة ميالة الاقتصادية الطويلة، ومعاصرته لأربع حكومات ثلاثة منها عقب الثورة السورية في مارس/آذار 2011، وتقلده لمناصب مهمة في الدولة، أهلته لأن يحوز على ثقة حسام قاطرجي كي يعينه مديرا تنفيذيا لشركته.
ويبدو واضحا أن ميالة الذي يصف نفسه بـ "مشاور حكومي مالي"، بات اليوم جزءا من شركة تدير جميع عمليات تمويل النظام السوري بحكم استطالاتها في النفط والغاز ومحطات توليد الطاقة الكهربائية ومشاريع إعادة الإعمار وغسيل الأموال.
وحسام قاطرجي البالغ من العمر أربعين عاما، اسم صاعد في عالم المال والأعمال بضوء أخضر من رئيس النظام، ويعد حاليا من أبرز "أمراء الحرب" المحسوبين على عائلة الأسد.
وساهم في صعوده قدرته على التعبئة العسكرية من مليشيات محلية لصالح الأسد، ودوره في ملفي تأمين القمح والنفط المغذي للنظام ودوائره الحكومية وآلته العسكرية.
وأدرج حسام قاطرجي، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ضمن قائمة عقوبات جديدة لوزارة الخزانة الأميركية طالت شخصيات وكيانات على صلة بالنظام السوري.
اللافت أن قاطرجي ما يزال محميا من بشار الأسد وزوجته أسماء رغم تغريم كبار رجال الأعمال المقربين من النظام وسلبهم جزءا من ثروتهم التي جنوها على مدى عقد من الزمن عبر التهرب الضريبي.
وذلك ضمن حملة أشرفت عليها أسماء الأسد شخصيا سميت بـ"ضبط اقتصاد الحرب" لتجعله يدار من غرفة واحدة.
مدمر الليرة
يعتبر أديب ميالة أبرز المسؤولين عن تدهور الليرة السورية منذ أن أعلن النظام قمع الثورة وجابهها بالحديد والنار وأصبح همه الوحيد تأمين العملة الأجنبية لحربه ومليشياته القادمة من الخارج.
إذ وصل سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى 500، ثم استقر حاليا عن عتبة الـ 3600 مقابل الدولار الواحد، وبذلك تحولت حياة المواطن السوري في مناطق نفوذ الأسد إلى جحيم يعجز فيها المواطن عن تأمين قوت يومه.
كما أدى الغلاء والتضخم إلى سحق الطبقة المتوسطة السورية؛ مما دفع الناس إلى الهجرة خارج البلد وفسح المجال أمام تغيير ديموغرافي في بعض المناطق تقوده إيران.
ومنذ صعود حافظ الأسد الأب إلى الحكم بموجب انقلاب عسكري في 1971 وحتى وفاته عام 2000، وتسلم ابنه بشار السلطة، تحول منصب حاكم المصرف إلى موظف تابع للقصر الجمهوري وينفذ قرارات سيده، بما يخدم مصالحه وأهدافه الاقتصادية لا الصالح العام.
وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية كشفت في يونيو/حزيران 2013 عن فحوى سجل الاتهام الذي قدمه الادعاء النمساوي المؤلف من 83 صفحة، وفيه توجيه للتهم إلى تسعة أشخاص من بينهم نائب رئيس المصرف المركزي النمساوي، متهما إياهم بمؤامرة إجرامية دفعوا فيها 14 مليون يورو على شكل رشى لقاء عقود من عام 2005 إلى 2011.
وأشار الادعاء النمساوي إلى أن حاكم مصرف سوريا المركزي آنذاك "أديب ميالة" تلقى رشى من مصنع صك وطباعة العملة التابع للبنك المركزي النمساوي لقاء منح الأخير عقودا لطباعة العملة.
واتفق المسؤولون النمساويون مع ميالة على تضخيم سعر الليرة السورية بنسبة 14 بالمئة، وذلك وفقا للائحة الاتهام، كما شمل الاتفاق الموقع بينهم أيضا صك العملة المعدنية.
وميالة يحمل الجنسية الفرنسية، ويعرف هناك باسم "اندريه مايار"، ولا سيما أنه بدأ عمله الحكومي كموظف في الملحقية التجارية في السفارة الفرنسية بدمشق في التسعينيات.
وجرى طرده بسبب تسريبه وبيعه معلومات وأسرار الشركات الفرنسية العاملة في سوريا إلى شركات منافسة.
كانت لميالة تصريحات إذاعية مستهجنة عقب الإطاحة به من منصبه كحاكم للمصرف المركزي، حينما اعتبر أن هناك تهويلا إعلاميا كبيرا حول تأثير "قانون قيصر" على الشعب السوري.
وعزا ذلك إلى أن السوريين "يعانون العقوبات منذ عام 1979 ومثلها من واشنطن منذ عام 2004 عبر قانون محاسبة سوريا ومن عقوبات فرضت أيضا عام 2011".
لكن الحقيقة أن العقوبات الأوروبية ومن ثم الأشد أميركيا عبر "قيصر" شلت اقتصاد النظام السوري وجعلته عاجزا عن تأمين مستلزمات حربه ضد الشعب عقب الثورة، فلجأ إلى إيران وروسيا لإنقاذه فقط عسكريا وتركاه وحيدا يصارع التهاوي الكبير لليرة والعجز في الموازنة وبلوغ معدل التضخم 263.64 بالمئة.
كما اعتبر ميالة أن "قانون قيصر له تأثير نفسي ينعكس على الليرة ويمكن مجابهته بطمأنة المواطنين بسياسات واضحة وواعية للحكومة السورية".
عقب عام 2011 ذهب ميالة إلى ألمانيا بهدف التفاوض لاستعادة أوراق نقدية من فئة الألف ليرة سورية، لكنه فشل بسبب امتناع الحكومة الألمانية عن تسليمها للنظام رغم طباعتها.
وكذلك فعلت الحكومة الهولندية، فعاد ميالة إلى دمشق، ما دفع النظام للتوجه إلى روسيا لطباعة النقد.
خبير مجرب
لكن السؤال الأبرز الذي يدور في ملف ميالة، هو مدى الإضافة التي سيمنحها لرجل مثل القاطرجي الذي تتشعب شركاته كالأخطبوط في عمق الاقتصاد السوري.
وهنا يرى مراقبون اقتصاديون أن ميالة سيوفر كثيرا على مجموعة قاطرجي من الالتفاف القانوني على كثير من المشاريع أو حتى معرفة مفاتيح نجاحها من فشلها نظرا لخبرته في التمويل ودراسة السوق.
ويقيس هؤلاء على حقبة سابقة كان ميالة رائدها، بقولهم إن حسام قاطرجي جلبه إلى شركته في هذا التوقيت لدوره الكبير في تنمية إمبراطورية أخطبوط الاقتصاد السوري رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد.
وأطاح الأسد بمخلوف عام 2020 وحجز على أملاكه، وأزاحه تماما عن واجهة المشهد الاقتصادي الذي بقي مهيمنا عليه لثلاثة عقود خلت.
ويمتلك ميالة بنكا من المعلومات عن المشاريع ودهاليزها بسوريا، إثر إدارته وراء الكواليس تحركات مخلوف الاستثمارية والتهرب الضريبي.
كما قاد ميالة الكثير من العلاقات والصفقات الخارجية للنظام، لإنشاء وتحقيق مصالح مالية ترتبط بنشاطات غير مشروعة، عبر تحويل المصرف المركزي العريق إلى مجموعة "مافياوية" حقيقية تدار من قبل الأجهزة الأمنية وعراب الاقتصاد السوري آنذاك رامي مخلوف.
يؤكد الخبير الاقتصادي ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، أن واقع المصرف المركزي بعد عام 2011 وفي زمن أديب ميالة، تحول لمجرد فرع أمن يملك محل صرافة كبير.
ولفت إلى أن ميالة "كان يحتكر سوق الصرافة السورية ويفرض أسعاره بقوة الأمن والبطش فأغلق محال صرافة، وزج بالصرافين في السجون بحجة ضبط السعر".
ولفت الخبير الاقتصادي في حوار نشره مركز حرمون في 29 أبريل/نيسان 2021، إلى أن المصرف كان يجري المزاودات مع مجموعة صرافين على مبالغ الدولارات وفرض سعر معين من خلالهم.
كما أن المركزي السوري بعد أن طالته عقوبات "قانون قيصر" الأميركي بات التعامل معه يعرض المتعامل إلى عقوبات دولية، بحيث لا تستطيع أي دولة أن ترسل مبالغ له، من قبل أي بنك مركزي حليف للنظام.
وبين أنه "كانت إحدى مهامه الإشراف على طباعة عملة لا قيمة لها استجابة للتضخم السوري الجامح".