طارق السويدان لـ"الاستقلال": الثورات العربية لم تحقق "معادلة التغيير".. وهذه شروطها

12

طباعة

مشاركة

شدد الداعية الإسلامي طارق السويدان، على أن "الصراع اليوم ليس بين التيارات الإسلامية واليسارية، بل بين التيارات التي تريد الحرية والديمقراطية، وعلى رأسها التيارات الإسلامية، والاتجاهات التي تريد إبقاء أمتنا في الديكتاتورية وبالذات القوى المسيطرة على الدول الآن". 

وقال السويدان في حوار مع "الاستقلال" إن "احتكاكه بقيادات العمل الإسلامي التي كانت تحرك ثوراث الربيع العربي، واطلاعه على رؤيتهم، وانطلاقا من خبرته في الإدارة يستطيع القول أن رؤيتهم كانت ممتازة، بل أبهرته أكثر مما كان يتوقع".

وفي الملف الأفغاني، اعتبر أن نجاح حركة "طالبان" أو فشلها في إدارة الدولة هو الشرط المفصلي للحكم عليها، موضحا "ما قيمة حركة وطنية تقاوم الاستعمار وتحكم بلدا ثم تدمره مثلا؟".

وأكد السويدان أن "الأمة الإسلامية لا تريد التفكك، وأن كل الاتجاهات كيفما كانت تجد فيها أشخاصا مخلصين يسعون لمصلحة وطنهم، في شيعة العراق أو أكراد العراق ستجد أشخاصا وطنيين يريدون مصلحة العراق وليس فقط مصلحة طائفتهم".

كما تطرق إلى مسألة نجاح الثورات العربية وفشلها، وتحدث عن وجهة نظره فيها ورده على الأصوات التي تتحدث عن "عدم امتلاك شروط التغيير قبيل اندلاع الثورات".

والسويدان، شخصية إسلامية معروفة، وصاحب إسهامات فكرية متعددة، لعل أقلها تأليف نحو 125 كتابا، وإصدار أكثر من 100 مادة صوتية ومرئية، وتأسيس أكثر من 90 شركة ومنظمة، بينها قناة "الرسالة" الفضائية.

معادلة التغيير

بداية، كيف يمكن الخروج من مأزق عدم السماح للشعوب العربية بنيل حقها من الحرية والكرامة والاستقلال، والوصول إلى أحلامها وتطلعاتها المشروعة؟

كان من الواضح أن الربيع العربي سيفشل، فنحن في "علم الإدارة" لدينا معادلة واضحة اسمها "معادلة التغيير"، نستطيع من خلالها القيام بتحليل منهجي وليس عاطفيا.

فعاطفتنا تقول: إذا أرادت الشعوب أن تتحرر فلا بد أن تتحرر، وإذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، لكن هذا كله طرح عاطفي، أما الطرح العلمي فيقول: لنجاح التغيير هناك ثلاث معادلات، و بدونها مكتملة لا يتحقق التغيير". 

في الربيع العربي، كان بعضها موجودا وبعضها غير موجود، وأول هذه الشروط هو وجود درجة عالية من الألم، فكلما زادت درجة الألم كلما زادت فرصة نجاح التغيير.

وفي بعض أجزاء العالم العربي كان من الواضح أن هناك ألما كبيرا، لكن في أماكن أخرى مثل الخليج العربي، لم تكن هناك درجة كافية من الألم فلم يكن من الممكن أن ينجح التغيير، وفي الأصل لم يكن من الوارد أن ينجح التغيير في كل مكان من البداية. 

المعادلة الثانية هي "وضوح الرؤية للمستقبل البعيد"، أي أنه يجب أن تكون عند قادة التغيير رؤية واضحة للمستقبل البعيد وأن يكونوا على وعي بالاتجاه الذي يريدون أن ينطلقوا إليه.

وانطلاقا من احتكاكي بقيادات العمل الإسلامي التي كانت تحرك هذا الحراك، اطلعت على رؤيتهم، وانطلاقا من خبرتي في الإدارة أستطيع القول أن رؤيتهم كانت ممتازة، بل أبهرتني أكثر مما كنت أتوقع.

فلا أعتقد أن المشكلة كانت مشكلة تحديد ماذا نريد على المدى البعيد، فطبعا هناك معان عامة نريدها على المدى البعيد، نريد بلداننا أن تصبح ديمقراطية، متقدمة، حرة، نريد تعليما جيدا، احتراما للإنسان. هذا أمر معروف، لكن هذا الكلام العام يحتاج أن يوضع على شكل خطط قابلة للقياس، وهذا كله كان موجودا، لم يكن منشورا لكنه كان موجودا.

المعادلة الثالثة هي وضوح الخطوات الأولى، أي ماذا يجب أن نفعل خلال الـ 18 شهرا الأولى، على سبيل المثال، وهناك كان الخلل، أي أن الأمر لم يكن واضحا، ولا أحد كان عنده جواب عن الأمر، خاصة أنه كان هناك مقاومة للتغيير وكانت هنالك فئة تريد إبقاء دولنا في الديكتاتورية، وقادة التغيير لم يكن لديهم جواب عن هذا الإشكال. 

يوجد لدينا مصطلح في "علم الإدارة" يسمى مقاومة التغيير، ومصطلح أعمق وهو "مقاومة المقاومة"، فالدراسات العميقة تشير إلى أنه لمقاومة التغيير تستعمل 20 طريقة، وهذه الطرق لكل واحدة منها طريقة لمواجهتها وكلها مدروسة.

إذا لم يعرف الإنسان هذه المعادلات سيتخبط، وهذا ما حدث في الربيع العربي، تخبط شديد لقيادات التغيير مع إمكانيات محدودة في مواجهة مقاومة شديدة بإمكانات كبيرة. 

كيف ينعكس استهداف الإسلام السياسي والإسلاميين بالقتل والاعتقال والتنكيل لصالح "الإسلام الجهادي"؟

إذا كان المقصود بـ"الإسلام الجهادي" تجربة أفغانستان، فأنا لا أعتقد أن الربط بين التجربتين صحيح، فكثير من المعادلات نخطئ في تحليلها عندما نحاول ربط كل المشاهد مع بعضها.

أعتقد أن الوضع في أفغانستان له خصوصية مختلفة عن الوضع في الجزائر، ومختلفة بشكل جذري عن الكويت مثلا، ما يجري في بلد لن ينعكس بالضرورة على ما يجري في بلد آخر، كان الأمر موجودا عندما كانت الأمة متماسكة، أما الآن فالأمر غير موجود.

يمكن أن يحدث تقدم ديمقراطي ويفتح باب حرية كبيرة في بلد ما، و"عمل جهادي" عميق في بلد آخر دون أن تكون هناك أي علاقة بالمطلق بين التجربتين.

فمثلا الكويت، يقع بين ثلاث دول كبيرة العراق والسعودية وإيران، لكن تجربته مختلفة تماما عن هذه الدول الأخرى، أما إن كانت الإحالة على "الإسلام الجهادي" في نفس الدولة فطبعا يؤدي التنكيل بـ"الإسلام السياسي" إلى تزايد النزوع إلى "الميولات الجهادية".

ما رأيك بتجربة أفغانستان وخروج أميركا بعد 20 عاما من الاحتلال، هل يمكن اعتبار حركة "طالبان" مقاومة وطنية تقدم نموذجا ملهما لبقية الشعوب؟

نجاحها وفشلها في إدارة الدولة هو الشرط المفصلي لنستطيع الحكم على الحركة، فما قيمة حركة وطنية تقاوم الاستعمار وتحكم بلدا ثم تدمره مثلا.

لا نريد فقط مقاومة الاستعمار، نريد مقاومة الاستعمار لننهض بأمتنا، أما أن نقاوم الاستعمار لنتراجع، هذا ليس بالأمر المطلوب. أنا لا أقول أن أفغانستان ستتراجع أنا أقول أن نجاحها أو فشلها في الإدارة هو الديدان.

نموذج أفغانستان عبر التاريخ وعلى مدى 14 قرنا، لم تبق أفغانستان خاضعة للاستعمار الخارجي.

لا يمكن أن تحكم إلا داخليا بسبب التركيبة الجغرافية والسكانية، فهل نقول أنها "حركة مقاومة وطنية ملهمة" أم هي امتداد جغرافي لطبيعة تركيبة السكان، ليس لدي معطيات كافية للحكم، وإن كنت أميل إلى أنها تجربة أفغانية خاصة، لأن هذا الفكر لا يشترك فيه كل أهل أفغانستان. 

حتى الحركات الإسلامية داخل أفغانستان لا تتبنى نفس الفكر، بل وبينها صراع مسلح، أعتقد أن مقاومة "طالبان" للاحتلال الأجنبي هذا بحد ذاته أمر مشرف، لكن الأهم هو ما سيجري بعده، وإلى الآن ليست لدي مؤشرات كافية لأحكم هل هم متجهون نحو الفشل أم نحو النجاح؟ هل هم مستعدون للمرونة أم مستمرون في التشدد؟

كل المؤشرات تبدو غير إيجابية في رأيي، فأنا لم أؤيد ما حدث في أفغانستان ولكنني لم أشجبه كذلك.

فلو أردت أن أحكم عليهم تاريخيا فأكيد سيكون سلبيا، وتجربة لا أتمنى أن تمثل العمل الإسلامي في أي مكان بل تجربة شوهت العمل الإسلامي، لكن هل تغيروا كما يقولون هم وكما يقول من يحتك بهم، أنا لم أر مؤشرات على ذلك سواء فيما يتعلق بالمرأة أو التعليم أو الإدارة أو التعامل العالمي أو استيعاب الآخر وغيرها، باختصار أنا "غير متفائل بهذه التجربة".

برأيك هل الشعوب العربية تحتاج لهذا الخصام والعداء في هذا الظرف الحساس، أم أن ذلك ينعكس لصالح الأنظمة السابقة ويقدم خدمة مجانية لها؟

عندما كنا صغارا كان المد اليساري يصول ويجول وكان له الصوت الأعلى وكان له الامتداد الجماهيري، وفي المرحلة الجامعية أتذكر أنهم كانوا مسيطرين على الجامعة.

مع الأيام، تغيرت المعادلة لصالح الاتجاه الإسلامي بشكل كبير وأيضا تغيرت المعادلة اليسارية العالمية.

ففي ذلك الوقت كان المد الشيوعي الماركسي هو المسيطر، اليوم الشيوعية صارت رأسمالية، وكثير من التيارات اليسارية ما عادت صاحبة فكر حقيقي، طبعا مع وجود استثناءات، كثير منها أصبحت أقرب إلى الليبرالية والانحلالية وليس إلى الفكر.

من الضروري أن نفرق بين الفكر اليساري والخطاب الانحلالي، فالفكر نستطيع مواجهته بالفكر.

أما الشهوات ستتحرك الناس نحوها سواء جاءت من يساري أو من مطرب أو غيره وستتحرك لعكسها إذا جاءت دعوات خالصة صادقة منصفة تستطيع أن تخاطب الروح والقلب فسيتغير الناس معها، وهذا ما عملنا عليه وعمل عليه غيرنا بفضل الله لسنوات، ولذلك فأمتنا اقتربت أكثر وأكثر نحو التدين. 

اليوم حجم التدين في العالم العربي يقاس علميا، فعندما قامت شركة "غالوب" الأميركية بقياس معدل التدين وجدت أنه تجاوز 90 بالمئة في أغلب البلدان العربية، ما عدا تونس.

مشكلة التيارات اليسارية أن صوتها عال، ولأن صوتها عال يظن الناس أن لها جمهورا، إلا أنه يجب التوضيح أن الصراع اليوم ليس بين التيارات الإسلامية واليسارية، الصراع اليوم بين التيارات التي تريد الحرية والديمقراطية وعلى رأسها التيارات الإسلامية والاتجاهات التي تريد إبقاء أمتنا في الدكتاتورية وبالذات القوى المسيطرة على الدول الآن. 

حلم بعيد المنال

هل بات هناك مخطط يجري لتفتيت الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات عرقية وطائفية، ويجري العمل على أن تكون إسرائيل هي الدولة القومية الأقوى؟

في حقيقة الأمر لا أتفق مع هذا الطرح، فالجغرافيا في عالمنا العربي تشكلت في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وليس الثانية (1939-1945)، وظل التقسيم مستقرا منذ ذلك الوقت. 

هناك استثناءات قليلة جدا مثل السودان الذي لديه ظروفه الخاصة وليست تابعة لمخطط التقسيم، بل لأن التركيبة السكانية في السودان مختلفة، بين شمال مسلم وجنوب نصراني بامتياز.

كأمثلة مضادة لفكرة التقسيم، هو كون البلد الذي كان مرشحا للتقسيم بدرجة أولى هو العراق لكنه ظل متماسكا رغم كل شيء، أو المثال الليبي، لم تنقسم ليبيا، بسبب التحرك التركي السريع من جهة وكذلك الوعي الليبي من جهة أخرى.

اليوم أمتنا لا تريد التفكك، علينا أن نفهم أن كل الاتجاهات كيفما كانت تجد فيها أشخاصا مخلصين يسعون لمصلحة وطنهم، في شيعة العراق أو أكراد العراق ستجد أشخاصا وطنيين يريدون مصلحة العراق وليس فقط مصلحة طائفتهم.

وجود هؤلاء المخلصين الذين يغلبون المصلحة الكبرى للوطن يجعل التفكك غير وارد، بالإضافة إلى حلم وحدة الأمة في أذهان الشباب العربي يجعل فرص التفتت أقل.

أنا لا أؤمن أن هناك مخططا للتفتيت، رغم أن إسرائيل بطبيعة الحال تحلم بذلك، لكن لن تحصل على كل ما تحلم به، فإسرائيل تتمنى دولة من الفرات إلى النيل لكنها لم تستطع السيطرة حتى على فلسطين واضطرت غصبا عنها أن تغادر قطاع غزة.  

نحن كعرب نتصور أن كل شيء وراءه إسرائيل وأميركا وهذا أمر غير صحيح، هي معادلات تغيير بعضها بيدهم وبعضها بيدنا، بعضها نستطيع مقاومته وبعضها سيأخذ وقتا، هي المعادلة بهذه الطريقة، وبالتالي أنا لا أخشى مخطط التفتت ولا أؤيد هذا التحليل. 

قيم وهوية

لماذا هذا الانتشار الواسع للتشجيع على الشذوذ والتطبيع معه في الذهنية الإسلامية على وجه الخصوص، من خلال الأفلام وألعاب الأطفال وغيرها؟

تشكيل القيم يتم حسب العمر، فنجد أنه في الأعمار الصغيرة إلى غاية 10 سنوات يكون المؤثر الرئيس هو الأسرة، من 11 إلى 14 سنة يصير المحدد هو المدرسة، من 15 إلى 18 الأصحاب، ومن 19 إلى 25 يصبح الإعلام هو المؤثر الأول وبعد 25 تصبح قيم الإنسان بشكل عام ثابتة.

هذه هي المعادلة العالمية لتشكيل القيم، لكن هذه المعادلة تغيرت في الآونة الأخيرة، فصحيح أن الأسرة هي التي تشكل قيم الأطفال، لكن من يشكل قيم الأسرة؟ ومن يشكل قيم المناهج والمعلمين؟ وكذلك الأمر بالنسبة للأصحاب.

النتيجة اليوم هي أن الإعلام صار المؤثر الأكبر بشكل هائل، والإعلام له أدوات، هناك أدوات صغيرة مثل صحيفة انتشارها محدود، وهناك أدوات كبيرة مثل "نيويورك تايمز" وفي أدوات أكبر مثل شبكة "CNN"، وهناك أدوات أكبر مثل "Universal studio" وأمثالها، كلما كانت الماكينة أكبر كلما كانت القدرة على زرع وتغيير القيم أكبر.

اليوم المسيطرون على الإعلام وعلى هذه الماكينة الكبيرة هم الذين يريدون لهذه الظاهرة أن تنتشر، كما يريدون للإلحاد أن ينتشر وكذلك المساواة غير الصحيحة بين الرجال والنساء.

في الأفلام وألعاب الأطفال تأتي شخصية في كرتون غير قادرة على اختيار جنسها، وأصدقاؤها يشجعونه على الاختيار، ويصفقون له عندما يختار الجنس الآخر، هذه كلها تزرع قيما بالتأكيد، وعلاج هذا الأمر لا يكون بالانزعاج والهجوم لأنه لا يغير الأمر و إنما يكون بزرع قيم بديلة لا تقل قوة. 

أقوى قوة لمواجهة هذه الأفلام هي الأفلام، لنشر الإسلام مثلا لا يكفي أن نوزع كتبا ولكن الأجدى أن نصنع فيلما عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن مقصرون في هذا.

اليوم حتى في الغرب يوجد من يقف ضد الشذوذ وهناك من المفكرين الغربيين والإعلاميين الغربيين من يواجه الظاهرة بوضوح، لكن ماكيناتهم الإعلامية أيضا صغيرة، وبالتالي فالغلبة اليوم لهذه الماكينة الكبيرة. 

ومع الصوت العالي أصبح أصحاب القرار يخافون منهم، وبالتالي صار السياسيون يخطبون ودهم، وانطلاقا عليه صارت القوانين تجرم من يقف ضدهم، صار الشذوذ له اتجاه قانوني وسياسي وتعليمي، هنالك بعض الدول تقاوم الأمر بوضوح. 

باختصار، إلى أن نشكل تلك الماكينة الإعلامية التي ستواجه الظاهرة، يبقى الدور على الأسرة، أو أن نسميها سلسلة محاضرات داخل البيت، باستمرار يتم الحديث عن هذه المعاني مع الأبناء بدون ملل إلى أن تغرس غرسا في نفوس الأبناء.

من أجل دمج أبناء المسلمين في المجتمعات الغربية، كيف يمكن الجمع بين شروط الاندماج والحفاظ على الهوية الإسلامية من التحلل والانصهار في قيم المجتمعات الغربية؟

في مسألة الهوية، من الضروري التمييز بين العناصر والظواهر، أما العناصر الأساسية للهوية فهي الدين، اللغة، التاريخ، الانتماء العرقي، الجغرافيا والانتماء الاقتصادي

أما المظاهر فهنا نتحدث عن اللباس، الأكل، الفلكلور، الغناء، نوع الموسيقى.

فإذا كان المطلوب في الاندماج يخص المظاهر فليست هنالك مشكلة في الأمر، أما إن كان الأمر يخص العناصر فهنا ينبغي التدخل.

أتذكر أنني لما كنت ألقن الشهادة للمسلمين الجدد كنت أسألهم هل تعرف ما هو الإسلام؟ يجيب بنعم، فأؤكد عليه أنه ليس مطلوبا منه تغيير الاسم ولا أكل الأرز باليد.

نريدك أن تبقى أميركيا اسمك ريتشارد ولباسك أميركي وغناؤك أميركي، حافظ على مظاهرك، لكن اعتز بهويتك أي بالعناصر وعلى رأسها الدين، وتعلم اللغة العربية لأنها تسهل التواصل مع المسلمين ولكن حافظ على لغتك معها، الإسلام حافظ على كل اللغات ولكن أوجد لغة مشتركة للتواصل كما هي، الإنجليزية لغة التواصل في العالم اليوم.

هذه هي الفلسفة الإسلامية، لم تلغ ثقافات الآخرين فهذا التنوع هو الذي يجعل الحياة جميلة، هذا التنوع هو المطلوب فلا مشكلة في الاندماج على مستوى المظاهر لكن مع الحفاظ على العناصر

فالمسلمون الذين يعيشون في أوروبا خصوصا من الجيل الثاني والثالث من الطبيعي أن يعيشوا أوروبيين لكن دون أن يخالفوا أحكام الشرع، هذا أمر مطلوب لأنه سيجعلهم أقدر على التواصل مع مجتمعهم وحتى الدعوة داخله

نريد لكل مجتمع أن تكون له خصوصيته ونريد أبناء المجتمع أن ينصبغوا بهذه الخصوصية ما دامت لا تتعارض مع مبادئ دينهم.

تميز بالأخلاق

ظاهرة الإسلاموفوبيا منذ هجمات "11 سبتمبر" وهي تتنامى  ككرة الثلج، برأيك كيف يمكن الحد منها، وهل ترونها مرشحة لمزيد من التأزم؟

أولا ظاهرة الإسلاموفوبيا هي أقدم من 11 سبتمبر/أيلول 2001، فعندما كنت في أميركا في السبعينيات كانت أشد، وبما أنني عشت ما قبل وما بعد هذه الأحداث، فأستطيع القول أن الحملات الإعلامية المغرضة التي شنت على المسلمين بعد الأحداث كانت لصالح المسلمين، لأنه انبثق عنها وعي مضاد لصالح الإسلام.

بل تبعتها موجات من دخول الإسلام، حيث كانت فرصة لكي يرد المسلمون ويوضحوا ويدافعوا عن مواقفهم وقناعاتهم.

وصار ممثلو المسلمين يدعون إلى البرامج الإعلامية لتوضيح أفكارهم، لأن الوسط الغربي مفتوح ويقبل الرأي والرأي الآخر، ففتح لنا مجالا لم يكن متاحا من قبل، واستطعنا الوصول إلى جماهير لم نكن قادرين على الوصول إليها من قبل، وهو كله أمر صب لمصلحتنا في الأخير.

شيء آخر يتعلق بالجامعات في الغرب، هناك حجم غير عادي من الإنصاف في الأوساط العلمية الغربية والحيادية البحثية التي تجاوزت الإسلاموفوبيا إلى درجة أنهم هم من صار يحمل لواء الدفاع عن المسلمين في أمور معينة. 

أما الأمر الثالث وهو أن الكثير من أبناء المسلمين الذين هاجروا قديما إلى الغرب صاروا من الجيل الثالث أو الرابع، أي أن أبناء المهاجرين وأحفادهم وربما أبناء أحفادهم ولدوا وتربوا في الغرب،  فلم يعد لديهم أدنى شعور بأنهم لا ينتمون إلى هذا البلد، حتى اللغة الأجنبية المكسرة لم تعد موجودة عند هذا الجيل.

الفكرة هنا أنه هنالك معادلات رئيسة تغيرت، طبعا هذا لا ينفي أنه ما زال هنالك أشخاص عنصريون وخاصة مع مجيء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وفريقه، إلا أن هذا الأمر ليس بسبب 11 سبتمبر، هذه موجة كانت دائما موجودة. 

والذين عاشوا في أميركا يعرفون أنها كانت موجودة في الجنوب خصوصا، الجنوب الذي أصلا كان ضد تحرير العبيد، ضد كل شخص غير أبيض. 

لا نجد هذه الظاهرة في نيويورك ولوس أنجلوس ولا نجدها حتى في الشمال، هي موجودة في الوسط والجنوب، طبعا توجد استثناءات لكننا نتحدث عن الظاهرة، جاء ترامب وحركها أكثر من "11 سبتمبر"، وأبرزها بشكل أكبر بكثير، فعندما نربط أحداث "11 سبتمبر" والإسلاموفوبيا يكون التحليل خطأ.

طبعا الأحداث ساهمت وترامب وأفعاله ساهمت وبعض السلوكيات التي يقوم بها بعض المسلمين كذلك ساهمت، لكن المحصلة النهائية اليوم هي لصالحنا وهي مكسب مقارنة بما كان يعيشه المسلمون في الغرب في سنوات سابقة. 

نشهد بروز وجوه إسلامية تتصدر المشهد السياسي في الغرب وتتبوأ مناصب حساسة، برأيك كيف يمكن لهذا الأمر أن ينعكس لصالح الإسلام ويحسن الصورة النمطية؟

المهم ليس وصول وجوه إسلامية ولكن وصول قيم إسلامية، هذا هو الأهم، فمن الممكن أن يصل مسلم إلى السلطة ويشوه الإسلام بتصريحات سيئة ومواقف سيئة، وممكن أن يتقلد المسؤولية شخص غير مسلم ولكن لديه قيم إنصاف وعدالة وحرية، فيكون أنفع للمسلمين.

أظن أن مقياسنا للأمور يجب أن لا يكون عاطفيا، فالمعادلة يجب أن لا تكون بهذا الشكل، مسلم وصل أو فاز على آخر غير مسلم، فأحيانا يكون مرشح مسلم لكنه منسلخ من دينه، فما قيمة إسلامه؟ وقد يكون بالمقابل مرشح غير مسلم لكنه معتدل مع المسلمين ومنصف لهم، علينا أن نقيس دائما بالنتائج. 

وصول واحدة مثل عضو الكونغرس الأميركي، إلهان عمر مثلا كان جيدا لأنها جمعت بين الهوية الظاهرة والباطنة، أيضا كانت قوية تدافع بقوة وجرأة عن مجموعة من القضايا المهمة.

هذا النموذح الذي نطمح إليه ونتمناه ونشجع أبناءنا وبناتنا عليه، في رأيي هذه الظاهرة ستزيد في المستقبل، خاصة وأن الغرب نفسه عنده إنصاف، فمن الممكن في منطقة بأغلبية نصرانية أن يفوز فيها مسلم لأنهم لا يقيسون هل هو مسلم أم غير مسلم، وإنما هل ستخدم سياسته البلد والمجتمع الذي يعيش فيه أم لا؟ وهل ستصب سياسته لمصلحتهم أم لا؟

فإذا استطعنا أن نربي بناتنا وأبناءنا أن يفهموا مجتمعاتهم وأن يعملوا لصالح بلدهم سواء كان بلدهم أميركا أم الكويت لا يهم، المهم أن يعملوا لمصلحة بلدهم وأن يكونوا جادين في خدمة بلدهم.

المسلمون لما فتحوا إندونيسيا لم يفتحوها بالسلاح وإنما فتحوها بأخلاق التجار الذين كانوا يتاجرون هناك، والمسلمون الذين حاولوا لمدة 700 سنة فتح أوروبا بالسلاح لم يستطيعوا فتحها، فالأمر ليس رهينا بمدى القوة التي عند الإنسان وإنما حقيقة مدى القوة الأخلاقية التي يتحلى بها.

هذا هو الحكم الكبير الذي يحكم أثرنا، فلو ربيناهم ليكونوا مخلصين فعلا لبلدهم المحلي أوروبي أو أميركي أو غيره، أظن أنهم سيكونون أقدر حتى في الدعوة إلى الله عز وجل، بهذه المنهجية نستطيع أن نغير العالم من جديد فكما فتحناه بالأخلاق سابقا نفتحه مرة أخرى بالحرص على مصالح الناس بأخلاقنا.