مجزرة جبلة.. كيف قتل الأمن العراقي 20 شخصا تحقيقا لأغراض شخصية؟
فضحت "مجزرة جبلة" التي شهدتها مدينة بابل في العراق، التعاطي "الطائفي" للأجهزة الأمنية مع العراقيين، الذي تنتهجه منذ تشكيلها عقب الاحتلال الأميركي للبلد عام 2003، حيث تصاعدت المطالبات بوضع حد للانتهاكات التي ترتكبها، وضرورة إعادة هيكلتها.
وفي فجر 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021، أسفرت عملية أمنية نفذتها قوات من وزارة الداخلية العراقية عن مقتل 20 شخصا من عائلة سنية واحدة بينهم نساء وأطفال، بادعاء أن رب الأسرة هو من قتلهم ثم انتحر بعد محاولة اعتقاله.
قرارات حكومية
بعد ساعات من البيان الرسمي للأجهزة الأمنية العراقية الذي اتهم رب الأسرة، رحيم الغريري، المقتولة بتجارة المخدرات وإيواء "إرهابيين" خرجت شقيقته على وسائل الإعلام لتفند الرواية هذه، وتتهم زوج ابن شقيقها الضابط بالشرطة بتلفيق التهمة بسبب خلاف عائلي بينهما.
الحادثة المروعة في بابل أثارت تساؤلات كثيرة فيما إذا كانت خطأ وقعت فيه هذه الأجهزة الأمنية، أم نهجا تتبعه مع العراقيين، ولا سيما السنة منهم الذين دائما ما يعتقل أبناؤهم بتهمة الإرهاب بوشاية من مخبر سري، وهل تكون الحادثة هذه بداية لتقويم أداء هذه المؤسسات؟
على وقع "مجزرة جبلة"، وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بالتحقيق في الجريمة؛ للتوصل إلى الحقائق والمتورطين بها، وأيضا تأشير الخلل في المنظومة الأمنية الذي سمح بنقل معلومات استخبارية غير دقيقة لأغراض شخصية، وتسبب بسقوط أبرياء، أو السماح بتضليل المراجع الأمنية والرأي العام حول حقيقة الحادث وملابساته.
وذكر بيان لمكتب الكاظمي في 3 يناير/ كانون الثاني 2022، أن "رئيس الحكومة تلقى تقريرا من رئيس جهاز الأمن الوطني تضمن شرحا حول الظروف التي رافقت الجريمة المروعة".
يشمل التقرير تأشير التقصير الواضح في أداء المنظومة الأمنية، وجرى بالتعاون مع السلطة القضائية إلقاء القبض على 14 من المشتركين في الجريمة سواء بنقل معلومات كيدية أو في التنفيذ، وفق البيان.
ووفق كل ذلك، قرر الكاظمي "تشكيل فريق تحقيق أمني برئاسة رئيس أركان الجيش، يتولى توسيع نطاق التحقيق في الظروف التي سمحت بالجريمة وتعدد مصادر المعلومات الاستخبارية، والاستمرار في تلقي إبلاغات كيدية والتصرف على أساسها من دون إخضاعها للتدقيق الموضوعي، وإحالة كل المقصرين إلى القضاء وتقديم تقريرها خلال أسبوع واحد".
وكذلك اتخذ قرارا بإقالة قائد شرطة بابل ومدير استخبارات بابل وجبلة وإحالتهم إلى التحقيق الفوري، وتقديم كل المتورطين بالجريمة إلى القضاء لتنفيذ أقصى العقوبات بحقهم.
إضافة إلى إحالة المعنيين في نقل المعلومات الأمنية وإعلانها في وزارة الداخلية، وخلية الإعلام الأمني إلى التحقيق حول نشر معلومات مضللة عن الحادث.
وكلف الكاظمي، مستشار الأمن القومي بتقديم تقرير نهائي إلى القائد العام للقوات المساحة حول تنظيم ساحات العمل الأمني والاستخباري للوزارات والمؤسسات الأمنية كافة، والثغرات التي تتيح التداخل في ساحات العمل الأمني والاستخباري، وبما يمنع بشكل بات تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلا.
وفي السياق ذاته، صدقت محكمة تحقيق الحلة (مركز محافظة بابل) اعترافات 13 متهما من بينهم تسعة ضباط وثلاثة منتسبين، إضافة إلى المخبر الذي أدلى بالمعلومات غير الصحيحة، عن جريمة قتل العائلة.
خلل بنيوي
وأوضح بيان لمجلس القضاء الأعلى في 3 يناير أنه "من خلال التحقيقات التي جرت مع المتهمين تبين أن سبب حصول الحادث هو إخبار كاذب من (ابن أخ المجني عليه / زوج ابنته) نتيجة خلافات عائلية بينهما حيث أدلى بمعلومات غير صحيحة للأجهزة الأمنية".
وادعى هذا الشخص وجود إرهابيين مطلوبين وفقا للمادة (4 /1) من قانون مكافحة الإرهاب في دار (المجني عليه) ليتم مداهمة منزله من الأجهزة الأمنية.
وأضاف البيان أن "هناك أربعة أوامر قبض صدرت لمتهمين آخرين، وأن التحقيق جار"، لافتا إلى أن "التحقيقات الأولية تشير إلى أن الحادث جنائي".
وتعليقا على ذلك، قال العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع ببرلمان العراق، حامد المطلك، إن "ما أقدمت عليه القوات الأمنية في جبلة يؤشر لخلل بنيوي سبق أن تحدثنا عنه، هو أن معظم هذه الأجهزة لم تبن على أساس إداري ومهني صحيح بعد عام 2003، وإنما تشكلت من أحزاب نافذة".
وأضاف المطلك في حديث لـ"الاستقلال" قائلا: "ليس جديدا أو مستغربا في العراق أن تحصل مثل هذه المجزرة بناء على معلومات لم يجر التأكد من صحتها وتدقيقها من المراجع الأمنية، وإنما جرى الأخذ بها ونتجت عنها هذه الكارثة بحق 20 بريئا، أساسها خلاف عائلي".
وتابع: "لولا أن شقيقة رب المنزل المقتول تحدثت عما حصل وغيرت مجرى القضية بشكل كامل، لما عرفت الدولة ومسؤولوها والرأي العام حقيقة ما حصل من تزييف واتهامات ليس لها أساس من الصحة".
وأشار المطلك إلى أن "هذه الحادثة أثبتت أنه ربما ارتكبت من مثيلاتها الكثير في مناطق مختلفة من البلد لكن لم يجر كشفها كما حصل مؤخرا في منطقة جبلة بمحافظة بابل".
لذلك لا بد من وقفة جادة للمسؤولين والقوى الوطنية في البلد لتقويم عمل الأجهزة الأمنية بالشكل الصحيح، وفق قوله.
وأردف: "لا نريد أن نتهم أحدا بتنفيذ مثل هذه المجازر في البلد، لكن حجم الإدانة والاستنكار لما جرى من القوى السياسية والعراقيين بشكل عام، يثبت أنها مرفوضة من الجميع، ولا بد ألا تتكرر في المستقبل".
وختم المطلك حديثه بالقول: "نتمنى أن تكون هذه المجزرة المفجعة كفيلة بإعادة هيكلة وتنقية هذه الأجهزة الأمنية، وبنائها على أساس مهني إداري رصين، ولا يستغل أفرادها وضباطها مناصبهم لأغراض شخصية".
نهج طائفي
وفي المقابل، استنكرت هيئة علماء المسلمين في العراق خلال بيان لها في 31 ديسمبر 2021 هذه الجريمة التي وصفتها بالمروعة، محذرة من استمرار هذا النهج الإجرامي المقيت والخطير.
وأكدت الهيئة أن "هذه الجريمة أتت على إثر الانقياد للوشايات والخضوع للرغبات الشخصية للمسؤولين المدنيين والعسكريين، وأنها اتخذت من ملابسات الوضع في المنطقة وتوجهات القوى الأمنية ذات البعد الطائفي ذريعة لتنفيذ هذه الجريمة البشعة".
بيان رقم (1486) المتعلق بجريمة القتل المروعة لعشرين شخصًا من عائلة واحدة في منطقة (جبلة) بمحافظة بابل.#مجزرة_جبلة pic.twitter.com/qf993Mq1hX
— هيئة علماء المسلمين في العراق (@amsiiraq) December 31, 2021
من جهته، قال الإعلامي والباحث في الشأن السياسي العراقي، عمر الجنابي إن "النقطة الأهم والجوهرية في قضية مجزرة جبلة أنه بمجرد أن اتهم صاحب البيت بإيواء شخصين من منطقة اللطيفية جنوبي بغداد أبادت قوات الأمن عائلة متكونة من 20 شخصا دون التحقق".
ورأى الجنابي خلال تغريدته على "تويتر" في 31 ديسمبر أن "السبب هو سياق عمل مستمر منذ سنوات في هذه المناطق الممتدة إلى شمال بابل (غالبية سنية). الدافع طائفي والسياق هو شيطنة الآخر".
النقطة الأهم والجوهرية في قضية #مجزرة_جبلة أنه بمجرد أن اتهم صاحب البيت بإيواء شخصين من منطقة اللطيفية (جنوبي بغداد) ابادت قوات الأمن عائلة متكونة من ٢٠ شخصا دون التحقق. والسبب هو سياق عمل مستمر منذ سنوات في هذه المناطق الممتدة إلى شمال بابل.
— عمر الجنابي (@omartvsd) January 1, 2022
الدافع طائفي والسياق هو شيطنة الآخر.
وعلى الوتيرة ذاتها، غرد حسين دلي المتحدث السابق باسم مركز "أفاد" العراقي لحقوق الإنسان، قائلا: "أعتقد أنه بعد بيان حقيقة مجزرة جبلة ظهر زيف آلاف من قضايا 4 إرهاب، هذه المرأة (شقيقة المقتول) فضحت كل التحريض الذي قتل وسجن بسببه الآلاف وكان يغطى عليه منذ سنوات حكوميا وإعلاميا بروايات أمنية مكذوبة".
وأضاف دلي، قائلا: إن "هذه المجزرة فرصة للقضاء العراقي للتكفير عن ذنوبه طيلة سنين ومعاقبة المسيئين في قوات الأمن والقضاء".
أعتقد بعد بيان حقيقة #مجزرة_جبلة ظهر زيف آلاف من قضايا 4 إرهاب
— حسين دلّي (@hudly76) December 31, 2021
هذه المرأة فضحت كل التحريض الذي قتل وسجن بسببه الآلاف وكان يُغطى عليه منذ سنوات حكوميا وإعلاميا بروايات أمنية مكذوبة
��هذه المجزرة فرصة للقضاء العراقي للتكفير عن ذنوبه طيلة سنين ومعاقبة المسيئين في قوات الأمن والقضاء pic.twitter.com/2dmloojHrA
أما الصحفي العراقي، مصطفى سعدون، فقد كتب في الثاني من يناير، تغريدة على "تويتر" قال فيها: "لنعد إلى معارك تحرير الموصل. تخيل، كم عدد الأبرياء الذين قتلوا بسبب القصف العشوائي وعدم مراعاة وجود المدنيين!".
وتابع سعدون، قائلا: "في محافظة غير خاضعة لسيطرة التنظيم، ومن أجل القبض على شخصين، نقتل عشرين، فكيف كان الحال في مدينة صور البعض كل من فيها داعشيا؟".
لنعد إلى معارك تحرير الموصل. تخيل، كم عدد الأبرياء الذين قتلوا بسبب القصف العشوائي وعدم مراعاة وجود المدنيين! في محافظة غير خاضعة لسيطرة التنظيم، ومن أجل القبض على شخصين، نقتل عشرين، فكيف كان الحال في مدينة صوّر البعض كل من فيها "داعشياً".
— Mustafa Saadoon (@SaadoonMustafa) January 1, 2022
وتتهم قوى سياسية سنية عراقية ومنظمات حقوقية محلية ودولية، الأجهزة الأمنية العراقية، ولا سيما قوات الحشد الشعبي بارتكاب مجازر كبيرة بحق آلاف الأبرياء بينهم نساء وأطفال، في معارك استعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة في 2016- 2017.
وفي 26 ديسمبر 2017، كشف تحقيق أجرته "وكالة أسوشيتد برس" الأميركية، أن "الخسائر البشرية لمعركة استعادة مدينة الموصل كانت أكبر عشر مرات من الرقم الرسمي المعلن". وتقدر وكالة الأنباء رقم الخسائر بـ 9 آلاف قتيل أو أكثر.