وسط معركة تكسير عظام.. كيف تبدو سيناريوهات تشكيل حكومة العراق المقبلة؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

صادقت المحكمة الاتحادية العليا في العراق 27 ديسمبر/ كانون الأول 2021، على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وردت الدعوى التي رفعتها قوى "الإطار التنسيقي" الموالية لإيران لإلغاء النتائج بدعوى أنها "مزورة".

وأثارت هذه الخطوة الحاسمة من المحكمة، تساؤلات عن سيناريوهات تشكيل الحكومة الجديدة، التي تنقسم القوى السياسية الشيعية حيالها إلى قسمين.

ووفق نتائج الانتخابات التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تصدر التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الاقتراع بـ73 مقعدا من أصل 329، بينما حصلت قوى الإطار التنسيقي على نحو 56 مقعدا، وكلاهما شيعيان.

ويطالب الصدر بحكومة أغلبية وطنية، بينما يدعو الإطار التنسيقي (يضم غالبية القوى والمليشيات الشيعية المتحالفة مع طهران) إلى تشكيل حكومة توافقية تشارك فيها كل الكتل الفائزة بمقاعد برلمانية.

وحكومة "الأغلبية الوطنية" التي يسعى الصدر إلى تشكيلها، تقتصر على القوى الحاصلة على أعلى النتائج في الانتخابات من مختلف المكونات (سنية، شيعية، كردية)، ويرى فيها خلاصا للعراق من الفساد المالي والإداري والسلاح المنفلت، وإعادة هيبة الدولة.

ولتشكيل الحكومة في العراق يجب الحصول على نصف المقاعد زائد واحد (165 مقعدا على الأقل)، ما يعني أن المكونات السياسية، السنة والشيعة والكرد ومكونات أخرى، تحتاج إلى التوافق.

ثلاثة سيناريوهات

وبعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات بصورة نهائية وردها الدعوى التي رفعها هادي العامري زعيم تحالف "الفتح"، رئيس الإطار التنيسقي، رأى الكاتب إياد السماوي أن المعركة بين الأطراف السياسية المتصارعة انتقلت من المسار القانوني إلى المسار السياسي.

وأضاف السماوي في مقال نشرته صحيفة "الأخبار" العراقية في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أنه هكذا انتقلت الكرة إلى ملعب القادة الكبار والمفاوضين الدهاة.

وتابع: المعركة الآن سياسية بالكامل، والخاسر فيها هو الطرف الذي سيخسر معركة تشكيل الكتلة الأكبر، وجلسة البرلمان الأولى التي تحددت في 9 يناير/ كانون الثاني 2022 ستشهد ثلاثة سيناريوهات محتملة لإعلان الكتلة الأكبر".

ورأى السماوي أن "السيناريو الأول هو أن يدخل كل من الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية متوحدين في كتلة واحدة، وهذا الاحتمال لا زال قائما ومتوقعا رغم إعلان الكتلة الصدرية أنها لن تذهب للتوافق مع الإطار موحدا".

 وأوضح أن الصدر لا يزال يسعى جاهدا لجر تحالف الفتح بزعامة العامري (١7مقعدا) للتحالف معه وعزله عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي (33 مقعدا) ضمن الإطار التنسيقي، من خلال إغرائه بالوزارات والمناصب، ولا خلاف أن الحكومة التي ستنبثق عن هذا السيناريو ستكون حكومة قوية".

ويخيم العداء على العلاقة بين الصدر والمالكي منذ سنوات، ووصل إلى جولات قتال من بغداد إلى البصرة عندما كان المالكي رئيسا للوزراء (2006 - 2014)، وقاد حملة عسكرية ضد أنصار الصدر جنوبي البلاد.

أما السيناريو الثاني، بحسب السماوي، فهو أن "يذهب الإطار التنسيقي موحدا لتشكيل الكتلة الأكبر بدون الكتلة الصدرية وتشكيل حكومة توافقية مع الكرد والسنة، وهذا السيناريو محتمل ومتوقع جدا في ظل الرفض الحالي للكتلة الصدرية للدخول مع الإطار التنسيقي في حكومة توافقية".

وزاد: "والذي يرجح كفة هذا السيناريو هو أن الطيف الشيعي بأكمله عدا التيار الصدري موجود داخل الإطار التنسيقي، وهذا ما يدفع الأطراف السياسية الأخرى للتحالف معه".

وأشار الكاتب العراقي إلى أنه "من الطبيعي جدا أن تكون الحكومة المنبثقة عن هذا السيناريو ليست بقوة وفاعلية الحكومة المنبثقة عن السيناريو الأول".

والسيناريو الثالث، وفق السماوي، يتمثل في ذهاب الكتلة الصدرية بدون الإطار التنسيقي لتشكيل الكتلة الأكبر وتشكيل حكومة مع الطرفين الكردي والسني، وهذا السيناريو هو الأضعف.

وأرجع ذلك إلى "نظرة الأطراف الأخرى لمزاجية زعيم الكتلة الصدرية وعدم ثبات مواقفه، وهذا قد يدفعها للتردد في الدخول مع الصدريين في حكومة ستكون الأضعف على الإطلاق".

شرط الصدر

وعقب يومين من مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، زار وفد من "الإطار التنسيقي" ترأسه هادي العامري، مقتدى الصدر بمقر إقامته في مدينة النجف، على أمل التوصل إلى اتفاق بخصوص تشكيل الحكومة المقبلة.

لكن الصدر عقب اللقاء أظهر تمسكا بموقفه الداعي إلى تشكيل "حكومة أغلبية وطنية"، حيث نشر صورة لكتابة بخط اليد عبر تويتر، جاء فيها: "حكومة أغلبية وطنية. لا شرقية ولا غربية".

pic.twitter.com/iQBFLhLyOh

— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) December 29, 2021

من جهته، قال مكتب العامري إن "اللقاء كان إيجابيا ومنطلقا من تغليب مصلحة الدولة القوية والنجاح في المرحلة المقبلة"، مشيرا إلى أنه "سيتم استكمال بحث ضمانات النجاح في بناء الدولة، وفي الأيام المقبلة ستكون لنا عودة مرة أخرى إلى النجف"، في إشارة إلى مقر الصدر.

ويعد هذا اللقاء الثاني الذي يجمع الصدر مع قادة "الإطار التنسيقي" منذ إجراء الانتخابات.

وسربت شخصيات سياسية عراقية شرط الصدر الوحيد للقبول بالدخول في تحالف مع قوى "الإطار التنسيقي" تمهيدا لتشكيل الحكومة المقبلة، وذلك بإقصاء غريمه السياسي نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون من أي حكومة مقبلة.

وقال السياسي العراقي المستقل عزت الشابندر: "المشروع السياسي الذي يقبل أن يجمع الحزبين  الكرديين الرئيسين، (الحزب الديمقراطي الكردستاني) و(الاتحاد الوطني الكردستاني)، والكتلتين السنيتين الوحيدتين (عزم) و(تقدم)، مع كل الشيعة عدا (المالكي) لا يمكن أن يطلق عليه أغلبية وطنية أو أغلبية سياسية".

 واستدرك في تغريدة عبر تويتر في 29 ديسمبر 2021:  "هو مشروع توافقي بامتياز يستهدف عزل كتلة بعينها فقط".

المشروع السياسي الذي يقبل ان يجمع الحزبين الكورديين الرئيسيين ، ( پارتي ) +(يكتي) ، والكتلتين السُنيتين الوحيدتين (عزم)+(تقدم) ، مع كل الشيعة عدا (المالكي)
لايمكن ان يُطلق عليه اغلبية وطنية او اغلبية سياسية ، هو مشروع توافقي بامتياز يستهدف عزل كتلة بعينها فقط .

— عزت الشابندر (@IAlshabandar) December 29, 2021

فيما رأى الكاتب العراقي رائد الحامد أن "الكتلة الصدرية تواجه تحدي احتمال نجاح قوى الإطار التنسيقي في حشد عدد من المقاعد أكبر من عدد مقاعدها، لتكون الكتلة النيابية الأكثر عددا".

وأضاف في مقال نشرته وكالة "الأناضول" التركية في 30 ديسمبر 2021 أن هذا احتمال وارد وفق تصريحات لقيادات في الإطار تتحدث عن تفاهمات جانبية وتحالفات غير معلنة رسميا مع عدد من الكتل الصغيرة والمستقلين ستفضي إلى حشد ما يزيد عن 90 مقعدا".

وزاد الحامد: "قد تجد القوى الشيعية المتنافسة نفسها أمام طريق مسدود يرغمها على تبني خيار يبدو أكثر قبولا ويلبي رغبات عموم القوى السياسية الشيعية والكردية والسنية خارج الكتلة الصدرية".

وأوضح أن "هذا خيار حكومة (أغلبية موسعة) سبق أن طرحها السياسي الشيعي عمار الحكيم كسبيل للخروج من الأزمة السياسية وضمان تشكيل الحكومة بأغلبية تنحي جانبا التجاذبات السياسية التي تحول دون الإسراع بتشكيل الحكومة".

بين سيناريوهين

من جهته، أكد حيدر البرزنجي، رئيس "منظمة ألوان للحوار" العراقية، أن شكل الحكومة المقبلة سيكون توافقيا، وهذا الأمر لا يختلف عليه أحد، على اعتبار أن الفرقاء السياسيين تحدثوا عن ذلك، سواء السنة أو الكرد، أو الشيعة".

ولفت البرزنجي خلال تصريحات نقلتها تقارير صحفية في 27 ديسمبر 2021 إلى أنه "لا يمكن أن تكون حكومة إلا من خلال التوافق"، على اعتبار أنه "أساس وسنة سياسيان، منذ بداية العملية السياسية إلى الآن".

وعن شخصية رئيس الوزراء الجديد، أشار البرزنجي إلى أنها "غير معروفة حتى الآن، لأن هناك معايير وضعت من جانب الكتل السياسية من أجل اختيار رئيس الوزراء. وصرح السياسيون بهذا الأمر".

ونوه البرزنجي إلى أن هذا الأمر يخص المكون الشيعي، كمكون سياسي، وبالتالي فهو يقدر هذه القضية"، على اعتبار أن "هناك صفقات سوف تتم على رئاستي الجمهورية والبرلمان".

في المقابل، يقول الباحث في الشأن السياسي العراقي، أحمد الشريفي، إن "حكومة الأغلبية تمثل مطلبا جماهيريا وشرطا من مرجعية النجف لا يمكن التنازل عنه، فضلا عن كونها مطلبا للتوازنات الإقليمية والدولية، وهذا الأمر يجعل العودة إلى حكومة التوافق مسألة صعبة".

وأضاف الشريفي، في تصريحات نقلتها تقارير صحفية في 4 ديسمبر 2021 أن العودة إلى التوافق السابق باتت "أمرا صعبا"، خصوصا أن الصدر لن يجازف بالخوض في تحد مع قواعده الجماهيرية والرأي العام الذي يطالب بالأغلبية، وهو الأمر الذي يعرقل احتمالات العودة إلى سياق التوافق.

ويبدو أن رغبة الأطراف الموالية لإيران بالعودة إلى التوافق لا تمثل فقط محاولة منها للحصول على مكاسب في الحكومة المقبلة، بحسب الشريفي، الذي يلفت إلى أن تلك الأطراف "تخشى خسارة الحصانة السياسية التي تتمتع بها خلال المرحلة المقبلة، الأمر الذي سيسهل استهدافها سواء بملفات فساد أو إرهاب".