خلافا لحليفه الشيعي.. لماذا يصر "الوطني الحر" على تأجيل الانتخابات اللبنانية؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

على غير رغبة الرئيس اللبناني ميشال عون بتأجيل الانتخابات النيابية إلى مايو/ أيار 2022، أعلن المجلس الدستوري في لبنان في 22 ديسمبر/كانون الأول 2021 عدم قبول الطعن في قانون تبكير الانتخابات، ما يعني إجراءها في موعدها المبكر في 27 مارس/آذار 2022.

ونهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021، أقر البرلمان اللبناني قانونا ينص على تبكير موعد الانتخابات النيابية إلى 27 مارس 2022 عوضا عن 8 مايو/أيار من العام ذاته.

فيما رفض عون، الموافقة على القانون وأعاده إلى البرلمان لإعادة النظر فيه، وهو ما لم يغير رأي البرلمان الذي صوتت جميع كتله بالموافقة ما عدا تكتل لبنان القوي (23 نائبا من أصل 128)، وبعد مرور خمسة أيام من الموافقة الثانية أصبح القانون ساريا.

وردا على ذلك، تقدم التكتل المكون من حزب التيار الوطني الحر، الذي يرأسه صهر عون، جبران باسيل، ومستقلين، بطعنٍ أمام المجلس الدستوري، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حول قانون تبكير موعد الانتخابات.

وبعد سبع جلسات منذ 6 ديسمبر 2021، أعلن المجلس الدستوري (مستقل ويبت في دستورية القوانين) في 22 من الشهر ذاته، أنه "تعذر تأمين أكثرية سبعة أعضاء من أصل 10 على جميع النقاط المطعون فيها، وبالتالي قانون الانتخاب ساري المفعول".

ويرجع عون وباسيل سبب رفضهما للقانون لأنه "يعرض العملية الانتخابية لإحجام الناخبين عن الاقتراع لأسباب مناخية ولوجستية عدة".

باسيل غاضب

قرار المجلس الدستوري، أثار غضب باسيل ودفعه لمهاجمة حليفيه "الثنائي الشيعي" (حركة أمل، حزب الله)، إذ صرح أنه "اليوم جرى إسقاط المجلس الدستوري وتعطيله لأن الطعن لم يسقط بل لم يصدر قرار بشأنه".

وقال باسيل في سلسلة تغريدات على "تويتر" في 22 ديسمبر/كانون الأول 2021 إن "ما حصل هو ضرب للميثاقية وصلاحية رئيس الجمهورية في المادة 57 وسقوط إضافي للدستور الذي نحاول أن نحافظ عليه".

ووصف وزير الخارجية اللبناني السابق أن "ما جرى هو نكسة للحق وليس للتيار وما حصل جرى بقرار سياسي واضح من قبل منظومة متحالفة مع بعضها".

واتهم باسيل الثنائي الشيعي بالضلوع في عدم قبول الطعن، مؤكدا أن "هذا ستكون له مترتبات سياسية".

وفي إشارة إلى صفقات سياسية غير معلنة، أضاف باسيل: "لم أقبل يوما ربط موضوع الطعن بأي أمر آخر كلما فاتحني أحد بالأمر، فهذا حق ولن ندفع ثمنا لنحصل عليه وأي كلام عن مقايضة مجرد كذب".

وزاد باسيل: "نقول للثنائي الشيعي لا يوجد مبرر لعدم انعقاد مجلس الوزراء وكذلك لرئيس الحكومة إذ لا يبدو أن هناك استعجالا لهذا الأمر".

ويقصد باسيل بذلك تأجيل انعقاد مجلس الوزراء إلى أجل غير مسمى، منذ 13 أكتوبر 2021 إثر إصرار الوزراء المحسوبين على "حزب الله" وحركة "أمل"، على بحث المجلس ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، تمهيدا لتنحية المحقق العدلي طارق البيطار، بعد اتهامه بـ"التسييس".

صراع سياسي

وتعليقا على هذه التطورات، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني إبراهيم حيدر إن "هناك صراعا سياسيا بين القوى السياسية والطائفية في البلد حول الاستحقاقات المقبلة وخصوصا الانتخابات البرلمانية، فهناك شروط وشروط مضادة وهو جزء من عملية الانسداد السياسي القائم في لبنان".

وأضاف حيدر لـ"الاستقلال" أن "عون يريد أن تكون الانتخابات في مايو 2021، بينما مجلس النواب أقر القانون لإجرائها في مارس 2021، والرغبة في تأجيل الانتخابات مؤشر على المأزق السياسي القائم في البلد".

وأوضح أن "ذلك يفتح على احتمالات أخرى لا تتعلق فقط بالانتخابات، بل أيضا باستحقاق الرئاسة المقبل، لذا نحن أمام أزمات كبيرة ليس أولها تعطيل الحكومة اليوم، وهذا يدل على أن الصفقات السياسية التي جرى الحديث عنها وصلت إلى طريق مسدود ولم تسر بالشكل المتفق عليه".

ورأى أن إجراء الانتخابات هو جزء من حل المشكلة في لبنان وليس الحل بكامله، فالانتخابات مسألة ضرورية لإعادة إعطاء الحيوية للمشهد السياسي وهي مقدمة ربما للتغيير.

"خصوصا أن هناك ضغوطا دولية كبيرة على أكثر من مستوى وتريد تمرير هذا الاستحقاق وحذرت من أن إلغاءه سيؤدي إلى فرض عقوبات على لبنان، لأن بالنسبة لها الأمر مفصلي على المستوى السياسي"، يضيف حيدر.

ولفت المحلل اللبناني إلى أن "الصراع اليوم يتخطى مستوى الانتخابات، فهو وصل إلى النظام السياسي نفسه، فرئيس الجمهورية يريد انتزاع مواقف حازمة فيما يتعلق بمصير الرئاسة، لذا موقفه من الانتخابات كان جزءا من هذا الموضوع".

وأشار حيدر إلى أن "تأجيل الانتخابات نتيجة الانسداد السياسي قد يؤدي إلى إلغاء إجرائها، لأن هناك قوى تعتبر أن الموازين على الأرض لا تعطيها أكثرية حاليا".

وأردف أنه "حتى الآن لا مؤشرات على أن هناك قوى قد تقلب الوضع رأسا على عقب، ولا يتوقع أن تغير الانتخابات كثيرا من المشهد التمثيلي الحالي".

واستدرك: لكنها قد تؤثر على بعض القوى من ألا يكون لديها أكثيرة داخل طوائفها، فالتيار الوطني الحر الذي أسسه عون يعاني من مشكلات كبيرة ويخاف من أن تأخذ الانتخابات جزءا من تمثيله النيابي.

وزاد: هذه التخوفات لدى قوى أخرى باستثناء الثنائي الشيعي المطمئن على ضعه داخل بيئته.

وأكد حيدر أن الانتخابات قد تغير قليلا لكنها لن تقلب المشهد السياسي القائم، خصوصا أن الانتفاضة اللبنانية عام 2019 لم تستطع بناء حاضنة شعبية كبيرة تستطيع من خلالها أن توصل مجموعة من المستقلين أو من ممثليها إلى البرلمان.

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تفجرت احتجاجات شعبية غاضبة في بيروت رفضا لفرض مزيد من الضرائب، سرعان ما توسعت لتعم معظم أنحاء البلاد، في مشهد عكس توحد الشعب اللبناني ضد الطبقة السياسية.

مخاوف انتخابية

من جانبها كشفت ديانا البابا، منسقة البرامج في "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" (لادي) غير الحكومية، عن مخاوف تتعلق بالعملية الانتخابية في لبنان.

وتأسست "لادي" في لبنان بمبادرة من ناشطين مدنيين في 13 مارس/آذار 1996، ومن أهدافها مراقبة سير العمليات الانتخابية على مختلف أنواعها، وإصدار تقارير مفصلة حولها.

وقالت البابا: "بعد التمديد للمجلس النيابي في الحقب الماضية، بات السؤال عما إذا كانت ستجرى الانتخابات، يرافق كل عملية انتخابية؛ علما أن هذا الاستحقاق دستوري ويجب عدم التعامل معه باستنسابية"، مضيفة أنه "لدينا تخوف من عدم إجراء الانتخابات في موعدها، لكننا نشدد على أهمية احترام الدستور اللبناني".

وتعد أجواء البلاد الحساسة، على مختلف الصعد، واحدة من المخاوف لدى "لادي". ولفتت البابا إلى أن "لبنان وضعه حساس ويمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، ما يمكن أن يؤثر على كيفية تعاطي الأحزاب السياسية مع الملف الانتخابي".

ورأت أن "أي مشكلة أمنية يمكن أن تعرض العملية الانتخابية للتأجيل"، ولم تخف تخوفها من استغلال الأحزاب للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون للحصول على أصوات انتخابية إضافية.

وركزت البابا على أن "استغلال الأزمة الاقتصادية لتقديم خدمات للمواطنين، يعد نوعا من أنواع الزبائنية، وبدأنا نراها بكثرة اليوم، ومن المرجح أن ترتفع وتيرتها".

وأضافت أن "كثير من الخدمات العامة توفرها الأحزاب، منها تأمين لقاحات كورونا، معونات غذائية، أدوية، مازوت وبنزين، وهذه الأشياء تستخدم لكسب شعبية أكبر، من دون اللجوء إلى عرض برامج انتخابية تقدم مشاريع وحلولا لمشكلات الناس".

ومنذ أكثر من عامين تعصف بلبنان أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي واحدة من بين 3 أسوأ أزمات اقتصادية في العالم، أدت إلى انهيار مالي وتراجع قياسي في احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي.

وتدهور سعر الليرة اللبنانية تدريجيا بدءا من ديسمبر/كانون الأول 2019، لتصل في السوق الموازية حاليا لأكثر من 28 ألف ليرة مقابل الدولار، بعدما كانت مستقرة لأكثر من ربع قرن، عند 1510 ليرات للدولار.