"لجان السيسي الأجنبية".. هل تفلح بتغيير الصورة القمعية لنظامه لدى الغرب؟

12

طباعة

مشاركة

بعد "فشل" اللجان الإلكترونية الداخلية والإعلام التابع لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، في صد "الانتقادات العنيفة" لانتهاكات الحريات التي تشهدها البلاد، سعى السيسي بتمويل إماراتي إلى إنشاء منصات خارجية لتلميع النظامين.

إحدى هذه المنصات الخارجية التي أنشأها السيسي وولي عهد الإمارات محمد بن زايد بدعوى أنها "موقع استقصائي محايد"، تم الكشف عنها في قاعات المحاكم البريطانية.

صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أوضحت أن المنصة تدعى موقع "The Investigative Journal".

فيما كشفت رئيسة تحرير الموقع، الصحفية جاين كايهاين، أن "السيسي وابن زايد استغلوها وخدعوها تحت لافتة العمل المحايد، وتبين أخيرا أنه آلة دعائية".

ترويج للاستبداد

الفضيحة التي وصلت للقضاء البريطاني، انتهت بإصدار حكم بتعويض الصحفية "كايهاين" بحوالي 80 ألف جنيه إسترليني، عن الأضرار نتيجة "خداعها".

المفاجأة التي كشفتها كايهاين، هي أن من قام بتوظيفها هو الصحفي السابق بقناة الجزيرة الإنجليزية محمد فهمي الذي سجنه السيسي في قضية خلية "الماريوت"، ثم أطلق سراحه وسافر إلى كندا، لكنه تعاون مع السيسي لاحقا.

وقالت كايهاين في شهادتها أمام المحكمة إن "فهمي تلقى مساعدات وتوجيهات من وكلاء وممولين من الإمارات، كما قابل السيسي في يونيو/حزيران 2019، لمناقشة التوجه التحريري والمحتوى الخاص بالموقع!".

وأضافت أنها "أدركت أن الموقع في تصميمه، وغرضه، ومقصده، وتمويله، وتشغيله، كان يستهدف تقديم الدعم والترويج للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، وتحديدا مصر والإمارات".

ولفتت كايهاين إلى أن المقالات والتقارير التي نشرها الموقع "كانت تستهدف تشويه جماعة الإخوان المسلمين، ودولا مثل تركيا وقطر داعمة للربيع العربي".

بعد صدور الحكم القضائي، أشارت مجلة "Press Gazette" البريطانية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أنه تم إغلاق الموقع الدعائي في "هدوء تام" عقب إدانته بالحصول على "تمويلات غامضة" من المستبدين.

صفقة "فهمي"

رغم المئات من لجان السيسي والإمارات الإلكترونية، وتوظيف شركات دعاية (لوبي) في أميركا بملايين الدولارات وشراء أقلام صحفيين وباحثين غربيين، فقد فشلوا في تغيير صورة أنظمتهم القمعية.

جديد السيسي، كما كشفته قضية موقع "TIJ" هو السعي لتدشين منصات أجنبية إخبارية تخاطب الغرب كأنها "محايدة"، لكنها قائمة للدفاع عن حكمه والمستبدين الآخرين.

واللغز الذي كشفته القضية، هو دور الصحفي فهمي، الذي قام بتوظيف كايهاين رئيسة لتحريره خلال الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2018 ويوليو/تموز 2019.

خلال نظر دعواها أمام محكمة لندن، قالت كايهاين إن فهمي قدم لها الموقع في فبراير/شباط 2018 باعتباره موقعا صحفيا مستقلا، لكنها اكتشفت أنه يرفض نشر موضوعات تدين مصر والإمارات، ويتلقى تمويلات وتعليمات منهما.

وأوقف نظام السيسي الصحفي فهمي ضمن ما سمي "خلية الماريوت" التي ضمت صحفيي قناة "الجزيرة" الإنجليزية في ديسمبر/كانون الأول 2013، وأصدر حكما ضده بالحبس سبع سنوات في تهم تتعلق بنشر "أخبار كاذبة".

خرج فهمي لاحقا من السجن في سبتمبر/أيلول 2015، بناء على عفو رئاسي من السيسي، بعد تنازله عن الجنسية المصرية للاستفادة من تعديل تشريعي مرره السيسي يقضي بتسليم متهمي دول أجنبية إلى دولهم لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم.

عقب خروجه من السجن في 13 فبراير/شباط 2015، سافر إلى كندا، ثم ردت وزارة الداخلية المصرية له جنسيته في يونيو/حزيران 2016.

لم يعرف شيء عن عمل فهمي عقب خروجه من السجن، إلا حين ظهر خلال تدشين موقع "TIJ" الاستقصائي في 15 سبتمبر/أيلول 2015، من مقر كاتدرائية ساوثوارك بالعاصمة البريطانية لندن، قبل أن يتم معرفة علاقة الموقع بمصر والإمارات.

بعد الإفراج عنه بيوم واحد، هاجم فهمي قناة "الجزيرة" وطلب لقاء السيسي في حديث مع صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، مؤكدا أنه تم سجنهم لـ''تصفية حسابات جيوسياسية كانوا هم فيها مثل البيادق''.

وقال فهمي حينئذ للصحيفة الإنجليزية إنه مصمم على لقاء الوزراء المصريين وزيارة مكتب السيسي، "طلبا للحرية" خارج البلاد.

حديث الصحفية كايهاين عن لقاء فهمي مع السيسي في يونيو/حزيران 2015، أي بعد العفو عنه، تشي بأنهما التقيا قبل سفر فهمي إلى كندا، وأن "صفقة ما" ربما كانت وراء الإفراج عنه تتضمن تدشين هذه المنصة الأجنبية.

وكشفت كايهاين أن فهمي أمر فريق العمل بعدم الكشف عن علاقته بالموقع لعدة أشهر، حتى يتم تعيينه في منصب الرئيس التنفيذي رسميا خلال مايو/أيار 2021، كي تظل هي الواجهة كصحفية مستقلة لإضفاء المصداقية للموقع.

تلميع السجل

سبق لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الكشف في 6 سبتمبر/أيلول 2014 عن ضغوط حكومات أجنبية على دول منها مصر لتحسين صورتها، وتلقى أكثر من 10 مراكز بحثية أميركية عشرات الملايين من الدولارات لهذا الغرض. 

وذكرت الصحيفة أسماء مراكز، مثل "بروكنغز"، و"أتلانتيك كونسيل"، و"الدراسات الإستراتيجية"، حصلوا على ملايين الدولارات "لتحسين صورة دول معينة في الشرق الأوسط"، منها مصر بغرض عدم وصف حكم السيسي بـ"الانقلاب".

وفي 10 أغسطس/آب 2021، نشر موقع "Responsible Statecraft" الأميركي تقريرا حول الدور الإماراتي في شراء صمت مؤسسات الرأي والفكر الأميركية حتى لا تنتقد القمع في مصر والإمارات.

ورغم أن السيسي نجح في تثبيت أركان نظامه بالقمع الذي مارسه طوال 8 سنوات منذ انقلاب 2013، إلا أنه يشعر بـ"القلق وعدم الاستقرار"، ويرى أن اعتراف الدول الغربية بشرعية نظامه عبر التعامل معه بلا تحفظات حقوقية أو اشتراطات هو "مفتاح هذا الاستقرار"، وفق متابعين للشأن المصري.

وجاء إرساله وفد "الحوار الدولي" من نواب وأعضاء في المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) إلى العاصمة واشنطن، جزءا من خطته للضغط الخارجي لإقناع الغرب بتحسن سجل النظام.

"مصدر حكومي" أكد ذلك بقوله إن "مصر تعول على الزيارة لتشجيع الإدارة الأميركية على عقد لقاء بين السيسي والرئيس الأميركي بايدن في قمة المناخ بمدينة غلاسكو الأسكتلندية في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021".

وأضاف المصدر لموقع "مدى مصر" في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن السيسي سيشارك بنفسه في قمة غلاسكو لو قبل بايدن لقاءه (أي نجحت مهمة وفد الحوار الدولي)، بينما سيرسل رئيس الوزراء لو تعذر ترتيب لقاء له مع بايدن".

من جانبه، أفاد منسق "وفد الحوار الدولي"، محمد أنور السادات، لـ"مدى مصر" بأنه "سيتم قبل احتفالات افتتاح السيسي لبعض مجمعات السجون الجديدة أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021 أو بالتزامن معها انفراجة بإطلاق معتقلين"، وذلك لتبييض وجه السيسي قبل لقاء بايدن.

لكن الصحفي المقيم في واشنطن، عبد الرحمن يوسف، أوضح عدم اهتمام إدارة بايدن بمصر، بدليل أنه لن يتم دعوتها لـ"قمة الديمقراطية" التي يرعاها البيت الأبيض، نهاية العام 2021.

وكشف في مقال نشره بموقع "عربي بوست" في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021 نقلا عن مصادر أميركية، أن إدارة بايدن ستوجه الدعوة لإسرائيل والعراق فقط من الشرق الأوسط لحضور القمة، لأن "مصر ليست دولة ديمقراطية".

"يوسف" الذي حضر لقاءات وفد السادات بوفود مراكز بحثية وشخصيات أميركية، أكد أن "النظام أراد أن يرسل رسائله (عبر وفد السادات) بشكل غير رسمي، لأن كرامته مجروحة بقرار عقابه بقطع 130 مليون دولار من المعونة".

وأوضح أن أجندة أعضاء الوفد المصري ركزت على إبلاغ الأميركان بثلاثة أمور هي: لا ضغوط على النظام، إعادة بناء الثقة، اعتراف النظام بالمشاكل (الحقوقية) والإقرار بها (لكن على طريقة إستراتيجية الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك في الاحتواء).

بوابة الشرعية

يرى مسؤولون أميركيون وأوروبيون أن "مصر أكبر من أن تفشل"، لذا يريدون دعم نظامها، ما يعزز ثقة نظام السيسي بنفسه ويقوي نظامه أمام الغرب، بحسب دراسة لـ"المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

الدراسة نقلت عن مسؤول أميركي أن مصر "أكبر من أن تفشل"، مؤكدة أن "السيسي يدرك مع هذا أن الشرعية السياسية لنظامه مستمدة من الولايات المتحدة".

ونقلت عن مسؤولين آخرين أن شرعية نظام السيسي "مستمدة بشكل أساسي من المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والقوى الإقليمية مثل الإمارات".

كرر ذلك "مسؤول أمني مصري كبير متقاعد" في حواره مع باحثي الدراسة، معتبرا أن "السيسي يعتمد في الشرعية الممنوحة له على الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وأوروبا".

وأضاف أن "الثقة تتزايد في القاهرة بأن الولايات المتحدة تحتاج إلينا أكثر مما نحتاجها"، كاشفا أن "السيسي سعى لتعيين جماعات ضغط أميركية بارزة (لوبي) عقب تولي إدارة بايدن أوائل عام 2021، تحسبا لحدوث تدهور كبير في علاقاته مع أميركا، لكن ظل بايدن يتجاهله حتى جاءت الفرصة للسيسي في حرب غزة الأخيرة (خلال مايو/أيار 2021)".

وبسبب غزة وليبيا، عادت أميركا للاعتماد على دور مصر لـ"حل" أزمات المنطقة، وكوفئ السيسي بمكالمتين هاتفيتين مع بايدن خلال أسبوع واحد، إضافة إلى زيارة رسمية من وزير الخارجية أنتوني بلينكن للقاهرة في 26 مايو/أيار 2021، واستقبال رئيس المخابرات المصرية عباس كامل في واشنطن في 25 يونيو/حزيران 2021.

منذ ذلك الحين، توقف البيت الأبيض عن "النقد الفعال" لسجل مصر الحقوقي، ورفض فرض شروط على التمويل العسكري الأميركي المستقبلي لمصر، باستثناء مبلغ بسيط هو 130 مليون دولار، مقابل وقف التحقيق مع منظمات التمويل الأجنبي.

مصالح وصفقات

تعامل أوروبا مع السيسي يختلف، حسبما نقلت الدراسة عن مسؤولين أوروبيين، فموقفهم من نظامه "غامض وغير موحد"، ويعتمد على المصالح التجارية وصفقات السلاح لإيطاليا وبريطانيا وألمانيا.

دفع هذا السيسي لاستغلال خوف الأوروبيين من شبح الهجرة غير النظامية والإرهاب، للقيام بمزيد من الضغط عليهم بإثارة هذه المخاوف التي تصب في مصلحة النظام، فصمتوا عن انتهاكات حقوق الإنسان.

وخلال مؤتمره الصحفي مع رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حرص السيسي على الترويج لحاجة الغرب إلى نظامه لحمايتهم من الهجرة والإرهاب.

وبعدما كرر رفضه الانتقادات التي توجه إلى مصر في ملف حقوق الإنسان، ضرب على وتر المخاوف الأوروبية من موجة الهجرة، واستعرض خدمات نظامه للغربيين في هذا الملف وحمايته أوروبا من المهاجرين.

كما طالبهم بمزيد من المعونات (ثمن حمايتهم من المهاجرين غير النظاميين) لتحسين أوضاع مصر السياسية والاقتصادية "حتى نصل إلى مقاربة مختلفة فيما يخص حقوق الإنسان اللي دايما بتكون موضوع جدلي بينا"، وهددهم قائلا: "مصر بها 6 مليون مواطن مهاجر غير شرعي، ولم نقبل أنهم يتحركوا باتجاه أوروبا".

لذا اتهم الباحث في منظمة هيومان رايتس ووتش عمرو مجدي "رعاة السيسي الغربيين" بأنهم "يخونون نضال مصر الديمقراطي" في تقرير نشره على موقع "منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي" (DAWN) في  14أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وأوضح أن "الدعم الغربي المستمر لحكومة السيسي في مواجهة وضع حقوق الإنسان المؤسف والمتدهور في مصر، يقوض بشدة نضال المصريين الشجعان من أجل الديمقراطية وسيادة القانون".

وأكد مجدي أن "عشرات المسؤولين الأميركيين والأوروبيين الذين قابلهم يتفقون على أن نظام السيسي قمعي ووحشي، لكنهم يقولون بصراحة أو بصوت خافت أن المصالح الأخرى لها الأولوية، مثل كبح الهجرة ومحاربة الإرهاب وصفقات الأسلحة!".

واعتبر أن "كل يوم يمر دون توقف المساعدات العسكرية الأجنبية والضغط المستمر ومعاقبة المسؤولين عن كل انتهاكات حقوق الإنسان، هو خيانة لسعي المصريين للكرامة ويخدم السيسي وبقية الأوليغارشية الحاكمة في مصر".

موقع "صوت أميركا" نقل عن صحفيين ومحللين غربيين في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن خطة الغرب في التعامل مع نظام السيسي هي "محاولة تأمين تمويل ودعم أجنبي لنظامه مرهون بسجل مصر في مجال حقوق الإنسان".

لكن الخبير الإعلامي المصري المقيم في أميركا شريف منصور استخف بهذه الخطة لأنها "بلا أسنان ولا خطة عمل للمساءلة"، ومجرد وعود "لن تغير حالة قمع الحريات في مصر بأي شكل من الأشكال".