ترميم الخلافات.. هل يعاد إحياء "البيت الشيعي" لتشكيل الحكومة العراقية؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع انتهاء الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، وإظهار النتائج النهائية فوز "التيار الصدري" بقيادة مقتدى الصدر بـ73 مقعدا، وتراجع القوى الموالية لإيران مجتمعة إلى نحو 46 مقعدا، دخلت البلاد في أزمة جديدة حول الجهة التي تشكل الحكومة المقبلة.

وعلى ضوء الجدل الحاصل وتشكيك حلفاء إيران في العراق بنتائج انتخابات 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وإعلان رفضهم لها، بعث الصدر برسالة مطولة إلى خصمه السياسي نوري المالكي، رئيس تحالف "دولة القانون" (34 مقعدا/شيعي)، تحدث فيها عن إمكانية عودة "وشائج المودة".

ونصح الصدر في رسالته، حزب "الدعوة الإسلامية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق المالكي، للاعتراف بالأخطاء التي حصلت خلال حكم الأخير (2006-2014)، ولا سيما تفشي الفساد وسقوط مدينة الموصل ومدن أخرى بيد "تنظيم الدولة" عام 2014، لعل ذلك يعيد "وشائج المودة" بين آل الصدر والحزب.

"البيت الشيعي"

رسالة الصدر النادرة إلى المالكي، دفعت وسائل إعلام تابعة لحلفاء إيران في العراق إلى الحديث عن احتمالية إعادة إحياء "البيت الشيعي الكبير" الذي دعا إليه زعيم التيار الصدري قبل أشهر عدة، الأمر الذي أثار تساؤلات بخصوص إمكانية إحياء "البيت الشيعي" لتشكيل الحكومة العراقية.

وكان زعيم التيار الصدري، قد كتب تغريدة على "تويتر" في 2 ديسمبر/كانون الأول 2020 جاء فيها: "في خضم التعدي الواضح والوقح ضد (الله) ودينه ورسوله وأوليائه من قبل ثلة صبيان لا وعي لهم ولا ورع تحاول من خلاله تشويه سمعة الثوار والإصلاح والدين والمذهب.. مدعومة من قوى الشر الخارجية ومن بعض الشخصيات في الداخل".

وتابع: "أجد من المصلحة الملحة الإسراع بترميم البيت الشيعي من خلال اجتماعات مكثفة لكتابة ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي".

وتعليقا على ذلك، قال السياسي والبرلماني السابق، وائل عبد اللطيف لـ"الاستقلال" إن "إدارة الحكم يجب أن تكون منسجمة، وإلا فإن الأمر سينعكس بكارثة على العراق، وبما أن الصدر حصل على أغلب الأصوات وهو من سيرشح رئيس الحكومة المقبلة، فعليه إشراك آخرين بالحكومة".

وأوضح عبد اللطيف أن "الصدر وحده لا يستطيع تشكيل الحكومة، فهو بحاجة إلى أكثر من 100 مقعد في البرلمان لكي ينجز هذه المهمة، وهو بحاجة إلى الكرد والعرب السنة، حتى تكون الحكومة من جميع الأطياف، وليس للشيعة فقط ليديروا الحكم، وإنما بمشاركة الكرد والسنة، إضافة إلى الأقليات الموجودة".

وتساءل السياسي العراقي، قائلا: "لكن هل الصدر سيذهب وحده للحكم ممثلا للشيعة؟ الجواب: لا، فالآخرون سيرفضون، بينما في الأنظمة الديمقراطية يذهب الحكم إلى من يأتي بالأغلبية البرلمانية، والتيار الصدري حصل عليها".

واستبعد عبد اللطيف عودة "البيت الشيعي"، لكنه رأى أن "رسالة الصدر إلى المالكي هي بداية للتهدئة بعد رسائل تهديد صدرت من أطراف عدة، الأمر الذي يتطلب فيه الوضع حاليا إيجاد تهدئة قبل أن تنضج الأمور التي تقود إلى المسارات الرسمية للدولة".

أغلبية سياسية

وفي النتائج النهائية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية (رسمية)، فإن "الكتلة الصدرية" تصدرت بـ73 مقعدا من أصل 329، فيما حصلت كتلة "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي (سني) على 37 مقعدا، وحلت ثالثا كتلة "دولة القانون" بزعامة المالكي.

كما حل تحالف "التحالف الكردستاني" رابعا بـ32 مقعدا، وتحالف "عزم" 12، و"تحالف الوطني الكردستاني" 16، وتحالف "الفتح" 17 (شيعي)، و"حركة امتداد" 9، و"حركة الجيل الجديد" 9، ومقعدان لكل من تحالف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، و"تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، فيما حصل المستقلون على 40 مقعدا في البرلمان.

وفي ضوء هذه النتائج، فإن رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري وعضو اللجنة التفاوضية نصار الربيعي، قال لوكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إن "الكتلة الصدرية ستعلنها صراحة بأن مرشحها لرئاسة الوزراء المقبل سيكون من التيار الصدري".

وأضاف الربيعي، أن "الحكومة المقبلة غير توافقية، وستكون حكومة تحكمها أطراف سياسية، ولا تخضع للتوافقات، بحيث تكون مشكلة من جميع المكونات، والمعارضة ستكون من جميع المكونات".

وأضاف القيادي الصدري، أن "التيار سيحول الحق الحزبي إلى استحقاق وطني"، مؤكدا أن "الحكومة المقبلة مسؤولة مباشرة من التيار الصدري، وتتحمل كافة الإخفاقات".

وعقب إثارة تصريحات الربيعي ضجة كبيرة في الأوساط السياسية العراقية، أصدر مكتب التيار الصدري بيانا في اليوم نفسه نفى فيه تصريحات الربيعي، حيث أوضح الأخير أنه "لم يجر أي مقابلات أو يتحدث إلى أي وسيلة إعلامية بهذا الشأن".

الصدر، بات يملك ورقة ضغط في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل، إثر مكاسبه في الانتخابات التشريعية، لكن لا يزال عليه التوافق مع قوى "الحشد الشعبي" رغم تراجع أدائها الانتخابي، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وإذا كان التيار الصدري، يهدف إلى تشكيل حكومة "غير توافقية"، فإن ذلك يعني إمكانية تشكيل الحكومة بعيدا عن قبول تحالف "الفتح" الذي يعتبر المظلة السياسية لـ"الحشد الشعبي".

لكن المحلل السياسي، علي البيدر، لا يرى خلال تصريحاته لـ"فرانس برس" إمكانية عدم المشاركة في الحكومة المقبلة، لافتا إلى أن "ثقافة المعارضة بعيدة كل البعد عن السياسة في العراق، الكل يريد تقاسم السلطة".

وأشار إلى أن "التحالف يحاول تحصين الجماعات المسلحة من أي مساءلة، لذلك رأى أنه من الصعب جدا أن يوجد خارج منظومة السلطة".

وفي هذا السياق، أوضح الباحث في مركز "تشاثام هاوس" البريطاني، ريناد منصور، خلال تصريحات للوكالة الفرنسية، أن "النتائج تعطي الصدر اليد العليا على المشهد السياسي وفي المفاوضات، لكن ذلك ليس العامل الوحيد المهم"، مضيفا "لا بد له من التفاوض مع الكتل الكبرى الأخرى".

حكومة توافقية

أما الكاتب والمحلل السياسي العراقي، أثير الشرع، فقد رأى أن "معظم المخاوف من التصعيد والعنف المحتمل من قبل القوى السياسية الرافضة لنتائج الانتخابات قد تبددت، بسبب بوادر حسن النية من القوى السياسية بأن تكون الحكومة المقبلة توافقية".

وأضاف الشرع خلال تصريحات صحفية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أنه "لن يكون هناك مشادات أو مواجهات بين قوى صاعدة وقوى خاسرة للانتخابات، بسبب وجود توافقات على النأي بالعراق عن كل هذه الأمور، كما أن هناك تجارب سابقة حدت من هذه المخاوف".

ونوه الكاتب العراقي بأن "إعلان المفوضية عدم مسؤوليتها عما جرى إعلانه من نتائج أولية ليس تنصلا، وإنما يعطي انطباعا للداخل والخارج بأن هناك محاولات للتدخلات في آلية العمل والنتائج".

في المقابل، رأى رئيس مركز "المورد للدراسات والإعلام" العراقي، نجم القصاب، أن "رسالة الصدر للمالكي مكملة للرسائل السابقة من زعيم التيار الصدري، بأن الكتلة الأكبر والفائزة هي التي تشكل الحكومة، وهذا يقطع الطريق أمام المالكي ومن يؤيده بأنكم لا تستطيعون تشكيل الحكومة".

وأوضح القصاب خلال تصريحات صحفية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن "هذا الأمر لا يرضي المالكي، لأن الأخير يرغب إما بطرح نفسه رئيسا للحكومة أو يرشح أحدا عن طريقه لشغل هذا المنصب، وهذا غير مقبول لا عند الصدر ولا عند قوى السنة والأكراد، وبالتالي ستحول ضغوطات سياسية وإقليمية ودينية على المالكي للالتحاق بالصدر".

وأعرب رئيس مركز "المورد" عن استغرابه من القول إن رسالة الصدر إلى المالكي "كانت ودية"، لأنها عكس ذلك فهي تحمل الأخير "جميع الأخطاء والخطايا" التي حصلت أثناء فترة حكومته، وهذا يضع المالكي "في زاوية حرجة أمام السنوات الماضية التي فشل فيها العراق".

ورأى القصاب أنه "حتى الآن صعب جدا في الوقت الحالي الحديث عن إعادة إحياء الائتلاف الشيعي الموحد (البيت الشيعي)، فالفجوة والخلافات كبيرة بين هذه الأطراف، لكن زعيم التيار الصدري يحاول حاليا استخدام الحرب النفسية على الخصوم".

وكانت الرئاسة العراقية ومجلس القضاء الأعلى بالبلاد، حذرا في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 من "أي تصعيد يمس السلم والأمن المجتمعي"، على خلفية اعتراض قوى شيعية على نتائج الانتخابات البرلمانية.

جاء ذلك في بيان مشترك للرئيس برهم صالح ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، بعد تصاعد وتيرة التوتر والمخاوف من اندلاع أعمال عنف على خلفية اعتراض قوى وفصائل شيعية متنفذة، أبرزها "تحالف الفتح" و"دولة القانون" و"عصائب أهل الحق"، إضافة لـ"كتائب حزب الله".

ودعا البيان، جميع الأطراف في البلاد إلى تبني "موقف وطني مسؤول يأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للبلد، والتزام التهدئة وتغليب لغة العقل وتجنب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعي".