رغم التهديدات.. لماذا تتريث تركيا في إطلاق عملية عسكرية شمالي سوريا؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مباحثات دبلوماسية متواصلة تخوضها تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا، سعيا لحسم ملف "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) وتطبيق اتفاق سابق يقضي بإبعادها عن الحدود التركية مسافة 30 كيلومترا على الأقل.

وفي خضم تلك المباحثات، تتعالى الأصوات التركية المهددة بشن عملية عسكرية تستهدف قوات "قسد" بمناطق ذات أهمية إستراتيجية، في معادلة السيطرة على الخارطة العسكرية السورية.

تلك المعركة التي تلوح بها أنقرة تستهدف بشكل رئيس مدينتي "تل رفعت" شمالي حلب، و"منبج" شرقها، واللتان تخضعان لسيطرة قوات "ي ب ج" العمود الفقري لـ"قسد"، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من حزب "العمال الكردستاني" المتشدد (بي كا كا) والمصنف كمنظمة إرهابية لدى أنقرة.

طبول الحرب

إن نذر الحرب التي بدأت تركيا بقرع طبولها جاءت على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان قائلا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، خلال مؤتمر صحفي، "لقد نفد صبرنا تجاه بعض المناطق التي تعد مصدرا للهجمات الإرهابية من سوريا نحو بلادنا".

وأضاف أردوغان: "عازمون على القضاء على التهديدات التي مصدرها من هناك (شمال سوريا) إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة"، وأردف قائلا: "سنقدم على الخطوات اللازمة لحل هذه المشاكل في أسرع وقت".

وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قتل شرطيان من المهام الخاصة التركية في مدينة "مارع" شمال حلب، وهي إحدى مناطق عملية "درع الفرات" العسكرية، جراء هجوم بصاروخ موجه نفذته فروع "بي كا كا" انطلاقا من مدينة "تل رفعت" التي تبعد عن مارع مسافة 11 كيلومترا.

ومنطقة عملية "درع الفرات" سميت بذلك نسبة للعملية العسكرية التي أطلقت في 24 أغسطس/آب 2016، بريف حلب ضد "تنظيم الدولة" وطردته فصائل المعارضة السورية، بدعم تركي من عدد من المدن بريف حلب وعلى رأسها "جرابلس، الباب، أعزاز"، وجرى وقتها تحرير 2055 كيلومترا مربعا من الأراضي شمالي سوريا من يد التنظيم.

وقال مسؤولان تركيان لوكالة "رويترز" في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن أنقرة تستعد لاحتمالية شن عمل عسكري جديد ضد قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة في شمال سوريا، إذا فشلت محادثات متعلقة بالأمر مع الولايات المتحدة وروسيا.

وأشار مسؤول تركي بارز لم تذكر الوكالة اسمه، إلى أنه من "الضروري تطهير المناطق (في شمال سوريا)، وخصوصا منطقة تل رفعت التي تنطلق منها هجمات ضد تركيا باستمرار".

ووفقا لمسؤولين أتراك، فإن أردوغان سيبحث مع نظيريه الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة "العشرين" التي ستعقد نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021، مسألة انسحاب فروع "بي كا كا"، وإلا فإن "العملية تبدو حتمية في تل رفعت وعدة مواقع أخرى".

مؤشرات عسكرية

وتل رفعت تخضع حاليا لسيطرة قوات "ي ب ج" بعدما انتزعتها من فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى بلدات محيطة بها في فبراير/شباط 2016 بمساندة وغطاء جوي روسي.

كما تسلم النظام السوري في تلك الفترة ثماني مناطق في محيط تل رفعت وصولا إلى بلدتي نبل والزهراء اللتين تشكلان معقلا للمليشيات الإيرانية بحلب.

كما تمتد على نقاط تماس مباشر مع مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم تركيا في مناطق عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" شمال حلب.

ومنذ ذلك الحين، اعتبرت تل رفعت عقدة توازنات عسكرية بين موسكو وأنقرة، لكونها قريبة من حدود تركيا، واتخاذها من قبل قوات "ي ب ج" منطلقا لهجمات صاروخية على الداخل التركي، وعلى مناطق المعارضة في مدينة عفرين التي قصفت قوات "ي ب ج" مشفى وأحياء سكنية بداخلها في 12 يونيو/حزيران 2021، وأسفر الهجوم عن مقتل 20 مدنيا.

ومنذ عام 2019، يجرى الحديث عن محاولات روسية تركية للتوصل إلى تفاهمات حول مدينة تل رفعت ومحيطها التي هجرت منها قوات "ي ب ج" نحو 250 ألف مدني، تقضي بتسليم المدينة لتركيا؛ إلا أن مصادر إعلامية تركية تؤكد عرقلة النظام السوري وإيران لأي اتفاق.

ورغم أن توقيت العملية العسكرية التركية "ما يزال غامضا"، إلا أن صحفا تركية استعرضت بعضا من مؤشراتها وعلى رأسها إرسال الجيش التركي تعزيزات إلى طول حدوده الجنوبية مع سوريا، وفق صحيفة "ملييت".

وأضاف تقرير الصحفية المنشور في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن العملية تهدف للسيطرة على عمق 30 كيلومترا في المنطقة الحدودية، بدءا من مدينتي تل أبيض ورأس العين بريف الرقة والخاضعتين للجيش الوطني السوري المعارض المدعوم تركيا، ووصولا إلى جرابلس بريف حلب والخط الحدودي مع العراق شرقا.

وتعد مدينة منبج الإستراتيجية الخاضعة حاليا لقوات "قسد" منذ أغسطس/آب من عام 2016، هامة لجميع المتنافسين على كسب النفوذ، فهي بالنسبة لقسد تعد بمثابة شريان اقتصادي لأنها تربط مناطق سيطرتها في شرق الفرات (ديرالزور، الرقة، القامشلي، الحسكة) وقريبة من مدينة عين العرب على الحدود التركية.

كما أن تركيا تعتبر مدينة منبج التي تبعد عن حدودها 80 كيلومترا "حجر عثرة" أمام إتمام إنشاء منطقة آمنة في شرق الفرات، وتطالب أنقرة واشنطن بإخراج فروع "بي كا كا" منها كونهم يشكلون خطرا على حدودها.

وبعد أن أطلقت تركيا في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 عملية "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، وجرى إبعاد قوات "ي ب ج" الكردية مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية، اتفقت أنقرة وواشنطن عقب العملية على تطبيق خارطة طريق منبج السورية المبرمة بينهما في يونيو/حزيران 2018 مدتها 90 يوما.

وتنتهي الخارطة بخروج "قسد" من المدينة وتسليمها لمجلس محلي منتخب، إلا أن واشنطن لم تنفذ الاتفاق وبقيت منذ ذلك الحين تماطل وأبقت على هذا الملف كـ"ورقة ضغط" على تركيا، وفق مراقبين.

حل الصعوبات

واعتبر القيادي في الجيش الوطني السوري المعارض، العميد زياد حاج عبيد، أن "الوقت أصبح مناسبا جدا لشن تركيا عملية عسكرية واسعة ضد مليشيا قسد الموجودة شرق الفرات على كل من منبج وعين العرب وتل رفعت".

وحدد العميد في حديث لـ"الاستقلال"، جملة من الأسباب التي تدفع تركيا لشن عملية عسكرية، وهي "قيام مليشيات قسد بقصف عدة مناطق يسيطر عليها الجيش الوطني السوري على الحدود التركية، وأخرى داخل تركيا".

وتابع: "هذا ما يطلق يد أنقرة بشكل قوة لتخليص المناطق من هذه المليشيات التي ترسل أيضا سيارات مفخخة إلى مناطق عمليات الجيش التركي الثلاثة شمال سوريا (درع الفرات – غصن الزيتون – نبع السلام)".

ورغم أن المعركة تبدو وشيكة، حسبما يظهر من تصريحات المسؤولين الأتراك، إلا هناك عدة عقبات تقف أمام أنقرة تعيق بدء العملية على نطاق واسع ضد قوات "قسد" شمال سوريا.

وألمح حاج عبيد إلى أن الصعوبات التي قد تعترض العمل العسكري المحتمل تتمثل بـ"الوجود الأميركي والروسي في مناطق مليشيات قسد، وهذا ما يحتم التحاور من طرف أنقرة مع الجانبين الروسي والأميركي لكونهما أصحاب القرار بالمنطقة".

وفي هذا السياق، يرى خبراء عسكريون أن بدء العملية العسكرية التركية "يقتضي ضوءا أخضر من روسيا لاستخدام الأجواء من قبل الطائرات الحربية التركية لمساندة القوات البرية، لذا فإن هذا يحتاج لتنسيق عال بين أنقرة وموسكو".

ويستبعد هؤلاء حدوث توغل تركي دون الحصول على تفاهمات ثلاثية بين أنقرة وواشنطن وموسكو، وبالدرجة الأولى مع روسيا التي تضغط على تركيا في ملف إدلب من ناحية فتح الطرق الدولية أمام الحركة التجارية لمناطق نفوذ النظام السوري، وكذلك مطالبة روسيا الدائمة لتركيا بتخفيض عدد نقاط المراقبة المنتشرة بريف إدلب.

أما موقف الولايات المتحدة من العملية العسكرية التركية التي يجرى الحديث عنها، فإن العميد حاج عبيد ينظر إلى أن "التصريحات الأميركية الأخيرة تدل على وجود توافق على إطلاق تركيا للعملية في المنطقة لتنفيذ الخطة المتفق عليها عام 2018 بين أنقرة وواشنطن لإبعاد مليشيا قسد بحدود 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية عن الحدود التركية".

وأشار القيادي في الجيش الوطني السوري إلى أن "أي عمل يتعلق بالأمن القومي التركي فإن أنقرة لا تنتظر المفاوضات كثيرا، وبالتالي باعتقادي العملية قادمة لا محالة في عين العرب كمرحلة أولى، ثم مدينة تل رفعت".

ونوه العميد بأن "التجهيز العسكري قائم من الجانب التركي للعملية، وذلك بالتعاون مع الجيش الوطني السوري الذي رفع الجاهزية القتالية لكافة الفصائل العسكرية في كافة المحاور مع مليشيا قسد".

مخرج توافقي

ودائما ما تكرر تركيا على لسان مسؤوليها تقديم الوعود لربع مليون نازح مقيم في مخيمات شمال سوريا بإعادتهم إلى 50 بلدة هجرتهم منها قوات "ي ب ج" والنظام السوري بريف حلب.

ولا سيما أن الائتلاف السوري المعارض طالب في 14 يونيو/حزيران 2021، بتدخل عسكري دولي لإخراج قوات "ي ب ج" من مدينتي منبج وتل رفعت.

ولهذا فإن العملية العسكرية شمال سوريا رغم أنها تنتظر ساعة الصفر وفقا للتصريحات التركية، إلا أن مراقبين يرون أن أنقرة أبقت الباب مواربا أمام حدوث أي توافق جديد بشأن تلك المناطق.

وحول هذه الجزئية، ذهب الباحث السياسي التركي طه عودة للقول إن "التصريحات التركية التي صدرت من كبار مسؤوليها، والتي كان آخرها تصريحات وزير الدفاع خلوصي أكار، تنذر بأن العملية العسكرية في الشمال السوري ضد الوحدات الكردية قريبة".

ولفت الباحث السياسي في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه الشخصي بتويتر في 15 أكتوبر/تشرين الأول، إلى "وجود خطة جاهزة حاليا على طاولة أردوغان - أكار (بانتظار) التوقيع عليها أو إجهاضها في الدقيقة 91 من عمر الأزمة الحالية".

وختم عودة بالقول إن "التقارير الأمنية ما زالت تصل إلى الرئيس أردوغان عبر مستشاريه والتي تقول بأن أنقرة حاليا تبحث عن مخرج للتصعيد الأخير من قسد والمتناغم مع التصعيد الروسي من خلال عملية عسكرية مختلفة عن العمليات الأربعة الماضية".