باستثناء معارضيه من "الحوار الدولي".. ماذا تبقى للسيسي يتاجر به لدى الغرب؟

12

طباعة

مشاركة

أجرى سبعة من أعضاء مبادرة "مجموعة الحوار الدولي" التي دشنها رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

الهدف المعلن للزيارة بحسب أعضاء المبادرة هو الحوار مع مؤسسات أميركية ونواب من الكونغرس "بهدوء بعيدا عن لغة التهديدات وقطع المساعدات، وصولا إلى نقاط مشتركة بين نظام عبد الفتاح السيسي وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن".

لكن معارضين يعتبرون الزيارة محاولة من جانب المجموعة التي تضم ثلاثة أعضاء في الحزب الحاكم "مستقبل وطن"، وعضوين في "المجلس القومي لحقوق الإنسان" (حكومي) هدفها تلميع صورة النظام في أعقاب الانتقادات الأميركية والأوروبية. 

قصة المجموعة

في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، عن مخاوف واشنطن بشأن وضع حقوق الإنسان في مصر، مشددا على "دعم واشنطن لجهود القاهرة في تحقيق أهدافها في إستراتجيتها لحقوق الإنسان".

وأضاف برايس، في مؤتمر صحفي، أن مساعدة وزير الخارجية بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى يائيل لمبرت، التقت في واشنطن، بأعضاء من فريق عمل مجموعة الحوار الدولي في مصر.

وأوضح المتحدث أن لمبرت ناقشت مع الوفد "المخاوف الموجودة (لدى الإدارة الأميركية) حيال حقوق الإنسان في مصر". 

ويرى معارضون أن هدف زيارة المجموعة إلى واشنطن هو الترويج لوجود إصلاح سياسي وتحسن في ملف حقوق الإنسان، في أعقاب التصعيد الأميركي ضد الانتهاكات المصرية، وحجز 10 بالمئة (130 مليون دولار) من المساعدة العسكرية السنوية (1.3 مليار دولار).

المجموعة التي جرى تدشينها 31 مارس/آذار 2021 تضم 7 أفراد، خليط من المتعاونين مع أجهزة الأمن والمخابرات المصرية منهم ثلاثة من حزب "مستقبل وطن"، وكلهم نواب في البرلمان.

يقودهم محمد السادات نجل شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، والسفيرة السابقة وزير الدولة للشؤون الخارجية مشيرة خطاب.

ومنهم أيضا، عضو مجلس الشيوخ عن حزب النور السلفي أشرف ثابت، وأعضاء مجلس النواب سحر البزار وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، عضو حزب مستقبل وطن.

وإيهاب رمزي حنا، وهو عضو مجلس النواب ومدرس قانون جنائي وعضو بحزب الشعب الجمهوري، الداعم للسيسي.

والنائب عن حزب مستقبل وطن عن سيناء "فضية سالم"، والمذيع اليساري يوسف الحسيني عن حزب مستقبل وطن، وأول مذيع ينحني للسيسي في برنامجه ويقف "انتباه" أثناء مداخلة هاتفية معه سبتمبر/ أيلول.

المجموعة التي ترفع شعار "بالمنطق والحكمة والدليل والبرهان"، تقول إنها تسعى لمواجهة الاتهامات التي يوجهها المجتمع الدولي لنظام عبد الفتاح السيسي وتقول إنها "غير حقيقية".

تؤكد أنها "تسعى للتواصل مع سفارات وجهات دولية"، تحت اسمها البراق (الحوار الدولي) لعرض دفاع النظام عن نفسه في مواجهة اتهامات بانتهاكاته الواسعة لحقوق الإنسان.

جاء تعيين الأجهزة الأمنية اثنين من أعضاء المجموعة في التشكيل الجديد لمجلس حقوق الإنسان الحكومي 4 أكتوبر/تشرين أول 2021 ، أحدهما رئيسة المجلس مشيرة خطاب، ورئيس مجموعة الحوار الدولي أنور السادات، ليؤكد علاقة المجموعة بالأجهزة الأمنية المصرية.

مع اشتداد الضغوط الأميركية والدولية على نظام السيسي، وبعد شهرين من قدوم إدارة بايدن، أعلن "السادات" إطلاق مبادرة باسم "مجموعة الحوار الدولي" قال بوضوح إنها "تحرك دبلوماسي لتحسين صورة مصر في الخارج".

عقب إطلاق المبادرة بدأت المجموعة تلعب أدوارا غريبة في الظهور الإعلامي على أنها وراء إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين ممن لم تصدر بحقهم أحكام قضائية ما أثار تساؤلات حول حقيقة دورها.

قادتها أعلنوا بوضوح أن هدفها كما يوضح اسمها هو "الحوار الدولي" مع العالم الخارجي، ولكنهم يسعون لتحقيق إنجاز في ملف المعتقلين وإطلاق سراح بعضهم لاستخدامهم "ورقة" في الحوار مع الخارج وزعم تحسن حقوق الإنسان.

المبادرة، بحسب تصريحات السادات لعدة صحف مصرية، "تهدف إلى بناء جسور ثقة مع شركاء مصر الدوليين في بعض القضايا التي قد تكون محل جدل أو خلاف".

كما تهدف إلى "تحسين صورة مصر في الخارج" عبر توضيح وجهة نظرها من القضايا المحلية والدولية والقيام ببعض الأنشطة.

ويحاول السادات من خلالها أيضا "فتح حوار مع وسائل إعلام ومراكز أبحاث وبرلمانات خارجية لحثها على إعادة النظر ومراجعة بعض المبالغات وعدم دقة من بعض ما صدر عن بعض الدول"، في إشارة للتقارير الدولية والحقوقية التي تدين نظام السيسي.

لماذا "الحوار الدولي"؟

رغم أنها تصدر نفسها للمصريين إعلاميا باعتبارها وسيطا مع أجهزة النظام (الأمن الوطني والنائب العام) للقيام بدور في إطلاق سراح المعتقلين، فإن اسمها "الحوار الدولي" مؤشر على دورها الحقيقي لتحسين صورة السيسي في الخارج.

في حوار مع قناة "العربي" القطرية 31 مارس/آذار 2021 قال "السادات" إن الهدف من إنشائها هو تفنيد ما تطرحه "وسائل إعلام ومراكز أبحاث وبرلمانات خارجية" من "مبالغات" حول حقوق الإنسان في مصر.

أكد تنسيقهم مع النظام بدعوى أن أفراد المجموعة "ينتمون إلى أقسام الدولة كمجلس الشيوخ والنواب" ويلقون تشجيعا (رسميا).

في حوار آخر مع المذيع القريب من الأجهزة الأمنية محمد الباز بفضائية "النهار" 15 أغسطس/آب 2021، قال إن فكرة المجموعة ظهرت قبل 8 شهور من إعلانها "بعد لقاء مع رئيس مجلس الشيوخ (عبد الوهاب عبد الرازق) والنائب العام (حمادة الصاوي) وأجهزة الأمن لمناقشة ملفات المجتمع المدني".

في حوار ثالث مع "المصري اليوم" 21 يوليو/تموز 2021 اعترف "السادات" أنهم "وسطاء" بين النظام والأطراف الدولية التي تنتقد مصر.

مصدر قريب من أعضاء المجموعة أوضح لـ"الاستقلال" أنهم عكفوا منذ عدة أسابيع على عقد لقاءات مع مسؤولين بوزارة الخارجية وآخرين بأجهزة سيادية للترتيب لزيارة واشنطن.

ذكر أن الترتيبات جرت أيضا بين السفارة المصرية في واشنطن وشركة العلاقات العامة الأميركية "براون شتاين هايا فاربار شريك" التي استأجرتها السفارة مارس/آذار 2021 لتدعيم وتلميع موقف نظام السيسي.

أوضح أنه جرى ترتيب لقاءات مع نواب في الكونغرس ومسؤولين في إدارة بايدن ووسائل إعلام ومراكز أبحاث ولوبيات، بعضها يهودي، لتدعيم السيسي وإظهار أن مصر تتغير وحقوق الإنسان تتحسن.

وأن بعض اللقاءات ستتم مع منظمات أصدرت تقارير ضد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، منها "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (DAWN)، لكن لم يظهر في الإعلام أي أخبار عن تلك اللقاءات. 

وكانت المنظمة قد انتقدت قرار إدارة بايدن بإخضاع 170 مليون دولار فقط من أصل 300 مليون دولار محجوبة من المساعدات العسكرية لمصر رغم فشلها في تلبية شروط حقوق الإنسان.

قالت "داون" إن هذا "يقوض التزام الولايات المتحدة المعلن بحقوق الإنسان وينتهك القوانين الأميركية التي تحظر المساعدة للحكومات المسيئة (في ذلك الملف) بشكل منهجي.

وأضافت، في تقرير 14 سبتمبر/ أيلول 2021، إن "تنازل الولايات المتحدة عن قيود المساعدات العسكرية لمصر يكافئ حكومة السيسي ويضر الشعب المصري".

حقوقي مصري كشف أيضا لـ"الاستقلال" أن زيارة وفد السادات إلى واشنطن، يواكب إطلاق نظام السيسي عددا كبيرا من المعتقلين بينهم مشاهير، والإعلان عن دور مجموعة الحوار في ذلك، لتسهيل إكسابها مصداقية لدى الولايات المتحدة.

وأشار الحقوقي الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الأولوية (لدى المجموعة) لإطلاق معتقلين مصريين يحملون الجنسية الأميركية في السجون المصرية ويقدر عددهم بـ20 معتقلا، وسبق أن توفي منهم مصطفى قاسم بفعل الإهمال الطبي ما أثار غضب واشنطن.

وفي 19 أكتوبر/ تشرين أول 2020 طالب 56 عضوا بالكونغرس ينتمون للحزب الديمقراطي والنائب المستقل بيرني ساندرز، السيسي بالإفراج عن الناشطين والحقوقيين، والمعارضين السياسيين.

ذكروا في خطاب أرسلوه إلى السيسي، أسماء نحو 20 ناشطا من بينهم الفلسطيني رامي شعث، والناشط القبطي رامي كامل، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

استثناء المعارضين والإسلاميين

وفي حوار مع موقع "مصر 360" في 10 أغسطس/آب 2021 برر "السادات" عدم وجود أي جهود خارجية للمبادرة حتى الآن بدعوى "قصر عمرها وفترة فيروس كورونا والإغلاق". 

وقال: "ننوي بداية من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 التحرك خارجيا في رحلات متتالية إلى أميركا وبعض الدول الأوروبية ذات التأثير".

لكنه قال إنهم عوضوا توقف فعالياتهم في فترة الإغلاق بلقاءات مع السفراء الغربيين في مصر استعدادا للسفر والالتقاء بسياسيين ومراكز دراسات وإعلام في أوروبا وأميركا.

وأردف: "نتواصل مع سفراء تلك الدول (الأجنبية) في مصر ونحدد ملاحظاتهم على أداء مصر في ملف حقوق الإنسان والحريات قبل السفر إلى دولهم".

قال: "دورنا أن نستمع وننقل تلك الآراء إلى الدولة الرسمية ومؤسسات وأجهزة خاصة (يقصد المخابرات والأمن الوطني)".

اعتادت مجموعة الحوار الدولي إعلان شكرها للنائب العام والأجهزة الأمنية لإطلاقهم بعض المعتقلين من حين لآخر، وقالت إنها توسطت للإفراج عنهم.

خلال حواره مع محمد الباز على قناة النهار 13 أغسطس/آب 2021 قال "السادات" إن تأسيسها جاء "لتكون همزة وصل بين المجتمع المدني وأصحاب المظلومية وأجهزة الدولة".

قال إن "بيانات الجهات الأجنبية والبرلمانات الأوروبية عن السجناء في مصر "مش هتطلعهم"، أي أن الضغوط الخارجية لن تخرج المعتقلين من السجون، في رسالة للغرب أن يلجأ للحوار مع النظام لا أن يكشف جرائمه الحقوقية علنا ويحرجه.

اعترف في حوار مع موقع "المنصة" 25 أغسطس/آب 2021 أن التخفيف عن المحبوسين وأسرهم هدفه "أن نستطيع التحرك في الخارج ويكون لدينا المادة التي نستطيع من خلالها التأكيد على التحسن في ملف الحقوق والحريات".

مع هذا بين في حواره السابق المحذوف مع "مدى مصر" أن دور مجموعته "محدود" وقاصر فقط على النقاش حول "المعتقلين من غير الإسلاميين"، وهم قرابة 5 آلاف من أكثر من 60 ألف معتقل وفق تقديرات حقوقية.

وذكر أن "المنتمين للتيار الإسلامي والقريبين منهم لا يسمح لي بالحديث عنهم"، في إشارة لدوره المحدود الذي حددته له أجهزة أمن السلطة، كأداة في يدها لتلميع النظام بقضية إطلاق المعتقلين.

قال إن ملف حقوق الإنسان أغلقه السيسي أمام الإسلاميين، وهو ما يعني جواز أي انتهاكات بحقهم.

وفي حوار سابق مع موقع "بي بي سي" البريطاني، في 22 يوليو/ تموز 2021 أوضح "السادات" أن مجرد "طرح أسماء مرتبطة بتيار الإسلام السياسي قد يؤدي إلى توقف المفاوضات والمناقشات مع النظام".

أشار إلى أنه "من الممكن خلال المرحلة المقبلة التوسع في طرح المزيد من الأسماء التي قد تتضمن حالات من المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي". 

الطريف أن دور "السادات" في التواصل مع السفارات الأجنبية والسفر للقاء مسؤولين لتلميع صورة نظام السيسي جاء عبر البوابة الأمنية رغم اتهامات رسمية وأمنية سابقة له بالاستقواء بالخارج وطرده من البرلمان.

ففي فبراير/ شباط 2017، خرج السادات من المشهد السياسي عبر بوابة الأجهزة الأمنية، بعد أن اتهمه الرئيس السابق لمجلس النواب، علي عبد العال، ووزيرة التضامن الاجتماعي السابقة، غادة والي، بالاستقواء بالخارج، والتواصل مع المنظمات والسفارات الأجنبية فيما يخص الشأن الداخلي. 

بل وذهب رئيس وأعضاء "ائتلاف دعم مصر"، المحسوب على الدولة، إلى أبعد من ذلك وطالبوا بإسقاط جنسيته وإحالته للنيابة العامة بتهمة التخابر حينئذ.

لكن بعد أربع سنوات، عاد إلى صدارة المشهد من جديد عبر بوابة الأجهزة الأمنية نفسها، والتي فضلته عن أجهزة الدولة المعنية بتحسين حالة حقوق الإنسان ورجحت كفته في مواجهتها، بل وأسندت له مهمة تلميع النظام في الخارج.