عجز إنتاج ومؤشرات سلبية.. كيف أصاب كورونا صناعة السيارات في مقتل؟

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تسبب فيروس كورونا بحدوث عجز في الرقائق الإلكترونية أو ما يطلق عليها "أشباه الموصلات" التي لا يخلو أي جهاز يعمل بالكهرباء منها، بداية من الهاتف إلى السيارة. 

تلك الأزمة التي أثرت على قطاع إنتاج السيارات، دفعت العديد من الشركات الكبرى للإعلان عن تخفيض إنتاجها مثل "نيسان".

كشفت هذه الأخيرة في 13 مايو/أيار 2021، عزمها خفض إنتاجها من السيارات بنحو نصف مليون مركبة في 2021.

كما أعلنت شركة "فورد موتور" وقف أو خفض الإنتاج في ثمانية مصانع في أميركا الشمالية مع توقعات بخسائر بنحو 50 بالمئة من الإنتاج المخطط له في الربع الثاني من العام.  

يأتي ذلك نتيجة إغلاق العديد من المصانع أبوابها بسبب جائحة كورونا، مما جعل الإمدادات اللازمة لتصنيع الرقائق غير متوفرة منذ شهور، الأمر الذي تسبب في زيادة الطلب على الإلكترونيات الاستهلاكية وبالتالي التأثير سلبا على سلسلة التوريد.

بالإضافة إلى أن الوباء أدى إلى زيادة هائلة في الطلب على الأجهزة اللوحية والهواتف وأجهزة البث الأخرى أكثر من أي وقت مضى، بسبب قضاء الناس أغلب أوقاتهم في منازلهم.

وبالتالي  تزايدت الحاجة إلى ما هو أبعد مما يمكن للمصنعين توفيره، نتيجة توجيه أغلب الرقائق إلى هذه الأجهزة دون قطاع السيارات.

ولكن القرار الأصعب الذي دفع صناعة السيارات إلى هذه الأزمة هو إلغاء العديد من الشركات طلباتها على الرقائق خلال فترة الوباء، لأنها افترضت أن الاقتصاد على وشك التعرض لضربة طويلة الأمد.

تداعيات الأزمة

 لذلك تحولت هذه الشركات إلى تصنيع الرقائق الخاصة بالمنتجات الاستهلاكية بدلا من تلك الخاصة بالسيارات.

وكان الطلب على هذه الرقائق (تسيطران على حصة الأسد من إنتاجها تايوان وكوريا) يتجاوز العرض قبل الوباء ولكن ليس بهذه الحدة.

وكانت الولايات المتحدة هي المخترع الأول للرقائق، لكن إنتاجها منها انخفض من 37 بالمئة من الإنتاج العالمي في عام 1990 إلى 12 بالمئة في 2020، وفقا لبيانات جمعية صناعة أشباه الموصلات. 

قالت مؤسسة "أي إتش إس ماركت" في 19 أغسطس/آب 2021، إن النقص العالمي في أشباه الموصلات سيخفض إنتاج السيارات في جميع أنحاء العالم بنحو 7.1 مليون سيارة خلال ذات العام، كما أن اضطرابات الإمداد المرتبطة بالوباء ستعيق الصناعة في العام 2022.

علما بأن توقعات شركة الأبحاث لا تتضمن أحدث التخفيضات من جانب "تويوتا موتور" التي تخطط لإيقاف الإنتاج لفترة وجيزة في 14 مصنعا في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وخفض الإنتاج بنسبة 40 بالمئة.

وأعلنت شركة "تويوتا" في 19 أغسطس/آب 2021، اليابانية لتصنيع السيارات تخفيض إنتاجها بـ40 بالمئة في سبتمبر/أيلول 2021، وفق ما ذكرت تقارير لصحيفة "نيكاي" اليابانية. 

وأشارت الصحيفة إلى أن أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم خططت لإنتاج قرابة 900 ألف سيارة في أكتوبر/تشرين الأول، لكن جرى تعديل ذلك إلى حوالي 500 ألف سيارة.

وتشير توقعات شركة الاستشارات "أليكس بارتنرز" (AlixPartners) الأخيرة الصادرة في 23 سبتمبر/أيلول 2021، أن العجز العالمي في رقائق أشباه الموصلات سيكبد شركات صناعة السيارات فاقدا في الإيرادات بقيمة 210 مليارات دولار هذا العام، وذلك ارتفاعا من تقدير سابق عند 110 مليارات، إذ تتوقع أن تؤثر الأزمة على إنتاج 7.7 ملايين سيارة.

ويبدو هذا جليا في وسائل الإعلام التي تعلن يوميا عن خفض الإنتاج أو توقف مصانع تابعة للعديد من الشركات الكبرى العاملة في هذا القطاع بين إغلاق يدوم أسبوعا أو شهرا لأحد مصانعها.

وحدث هذا مع شركة فولفو للسيارات وبي إم دبيلو وشركة رينو سامسونغ موتورز الكورية، وبين خفض الإنتاج مثل شركة هيونداي موتور وكيا وجي إم كوريا وفولكس فاجن.

مساع حثيثة

يبحث العالم عن حلول سريعة لخروج هذا القطاع الكبير الذي يساهم بنحو يزيد عن 3 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي على الصعيد العالمي، من هذه الأزمة.

وبدوره طلب الرئيس الأميركي جو بايدن في الأول من أبريل/نيسان 2021، استثمارا بقيمة 50 مليار دولار في صناعة الرقائق، كما أقر مجلس الشيوخ في 17 يونيو/حزيران من ذات العام، مشروع قانون يقدم إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى لمصنعي الرقائق.

خاصة وأن هذه الصناعة تساهم بنسبة 3 - 3.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

 كما يعمل بها بشكل مباشر أكثر من 1.7 مليون شخص، بالإضافة إلى ذلك، تعد الصناعة مستهلكا ضخما للسلع والخدمات من العديد من القطاعات الأخرى، بما في ذلك المواد الخام، والبناء، والآلات، وأجهزة الكمبيوتر وأشباه الموصلات، والإعلانات.

وتعتزم شركة الإلكترونيات الكورية الجنوبية سامسونغ (Samsung) العملاقة، استثمار 171 تريليون وون (151 مليار دولار) بحلول عام 2030 "لتسريع وتيرة البحث في تكنولوجيا التشغيل القائمة على أشباه الموصلات المتطورة وإقامة منشأة إنتاج جديدة".

وتسعى الصين أكبر مستورد ومستهلك للرقائق الإلكترونية في العالم، والتي لا تنتج سوى 16 بالمئة من رقائق أشباه الموصلات التي تغذي طفرة التكنولوجيا لديها، إلى تغطية هذا القصور بالعمل على التخطيط لإنتاج 70 بالمئة من احتياجاتها من أشباه الموصلات بحلول عام 2025.

كما بنت مجموعة بوش الألمانية للتكنولوجيا والهندسة، وهي أكبر مورد لقطع غيار السيارات في العالم، مصنعا جديدا لأشباه الموصلات بتكلفة مليار يورو (1.2 مليار دولار) بمدينة دريسدن بولاية ساكسونيا الألمانية، وبدأت الإنتاج خلال شهر يوليو/تموز 2021. 

وارتفع عدد العاملين في قطاع أشباه الموصلات في مدينة دريسدن، والتي تعد واحدة من أكبر مجموعات أشباه الموصلات في أوروبا، من 45 ألفا إلى 70 ألفا على مدار العقد الماضي، الأمر الذي يعكس التعطش العالمي لهذه الرقاقات الإلكترونية.

كذلك تخطط شركة TSMC و Intel لإنشاء مصانع جديدة في السنوات القليلة المقبلة بقيمة 100 مليار دولار و20 مليار دولار على التوالي لتعزيز الإنتاج، إلا أن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن تتمكن هذه المصانع من زيادة مستويات إنتاجها، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية.

نهاية مرتقبة؟

وتختلف توقعات الخبراء حول المدة التي ستستغرقها الشركات المنتجة لأشباه الموصلات من أجل لحاق العرض بالطلب للوصول إلى التوازن ونهاية الأزمة الحالية.

وتوقعت شركة Flex Ltd، ثالث أكبر مزود للعالم لتصنيع المعدات الإلكترونية، أنه مع بداية عام 2023 قد نصل إلى نقطة التوازن المأمول.

فيما صرح كبار المديرين التنفيذيين في جميع الشركات الكبرى لصناعة السيارات علنا أنه ليس لديهم فكرة محددة حول موعد حل النقص في الرقائق.

وأشاروا إلى أنه وضع معقد، حيث إن الطلب على السيارات مرتفع، لكن تأخر الإنتاج يؤدي إلى خسائر فادحة لشركات صناعة السيارات. 

من جهته قال الرئيس التنفيذي لشركة تسلا للسيارات الكهربائية، إلون ماسك، في يوليو/تموز 2021، إن "المعروض من الرقائق هو العامل الأساسي الذي يحكم إنتاجنا، ومن الصعب علينا أن نرى إلى متى سيستمر هذا". 

وهو ما دفع الخبراء للقول بأن الجمع بين الطلب الشديد والعرض أو الإنتاج المحدود والعقبات في سلسلة التوريد قد يؤدي إلى نقص في منتجات المستخدم النهائي لشهور قادمة.

هذا النقص لن يكون فقط على مستوى السيارات وإنما كل شيء يعمل بهذه الرقائق الإلكترونية من أجهزة الكمبيوتر إلى فرش الأسنان التي تعمل بالبطاريات والأجهزة الكهربائية.

ولتبسيط الأمر للمستهلكين العاديين يمكن ترجمة تداعيات هذا الأمر عليهم في جملة واحدة وهي: "لا يمكنهم الحصول على كل شيء، والمتاح سيكون بأسعار أعلى قليلا".

ما يعني أنه من المرجح أن يؤدي نقص الرقائق إلى إبقاء أسعار السيارات مرتفعة للغاية حتى عام 2023، وذلك وفق تحليل قدمته قناة سي بي إس الأميركية في 8 سبتمبر/أيلول 2021.