أمن متبادل.. لماذا تلتزم روسيا الصمت تجاه الهجمات الإسرائيلية على سوريا؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تؤكد وقائع ميدانية إلى أن الضربات الإسرائيلية على مواقع إيران وبرامجها الصاروخية في سوريا أبطأت من ترسيخ طهران قدمها أكثر في هذا البلد.

وتستغل طهران توفير النظام السوري لقواتها كل المقومات، لبناء قواعد تمنحها في النهاية مساحة للمناورة مع الدول المعادية لمشاريعها، وعلى رأسها القدرات النووية.

لكن هذ الإستراتيجية الواضحة للتمدد العسكري الإيراني في سوريا، لا تزال تواجه صدا من إسرائيل، ألد الأعداء على المستوى الإقليمي، التي تعارض بناء طهران ترسانة أسلحة متطورة، من الممكن أن يصل مداها إلى تل أبيب.

نفاد الصبر

وخلال العقد الأخير كثف الطيران الإسرائيلي ضرباته الجوية على شحنات الأسلحة القادمة من إيران سواء تلك المتجهة إلى حزب الله اللبناني، أو الرامية لتدعيم مليشيات طهران التي بدأت بتأسيس قواعد لها جنوب غرب سوريا قرب الحدود مع إسرائيل.

لكن مؤشرات بدأت تلوح بوجود نية لدى روسيا لتغيير سياستها تجاه الهجمات الإسرائيلية على سوريا، والتي تطال مواقع إيران، على الرغم من حساسية الأمر بالنسبة لتل أبيب.

إذ قال موقع معهد القدس للإستراتيجية والأمن (عبري)، في مقال 8 أغسطس/آب 2021: إن المعطيات الميدانية تشير إلى أن موسكو نفد صبرها من الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف عسكرية إيرانية في سوريا، وأنها قررت إلحاق الضرر بالتنسيق الإسرائيلي الروسي في هذا الصدد.

ووفقا للمعهد فإن روسيا قد يكون لها مصلحة في تهدئة النشاط الإسرائيلي ضد إيران في سوريا خلال هذه الفترة كإشارة إيجابية وبادرة بناءة للحكومة الإيرانية تحت قيادة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي.

ويضيف المعهد، أن الروس يدعمون موقف إيران في الساحة الدولية، ويعملون بلا كلل لتعزيز العودة إلى اتفاق النووي 2015، إلا أنه رغم ذلك فإن العلاقات بين طهران وموسكو ليست تحالفا شجاعا قائما على القيم بل علاقة تعتمد على المصالح.

ولفت إلى أن القرار الروسي مرتبط بتفاهمات مع الولايات المتحدة على أن لديهما موقفا مماثلا بشأن هذه القضية.

 لذلك يمكن لروسيا التصرف بقوة لإحباط الهجمات الإسرائيلية، بتوفير أنظمة صاروخية متطورة ونصائح من الخبراء العسكريين الروس لنظرائهم من النظام السوري.

وكان الرئيس السابق لجناح الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، يوسي كوبرفاسر، أكد أن إسرائيل ليست مهتمة بضرب كل هدف يخص القوات التي تعمل تحت قيادة إيرانية، بل ضرب الأهداف التي وصفها بـ "ذات الأثر الإستراتيجي"، وفق ما نقلت عنه وكالة رويترز البريطانية في أبريل/نيسان2021.

وتلقت إيران ضربات إسرائيلية وصفت بـ "السرية" لتخريب برنامجها النووي، لكن هذا لم يحل دون محاولتها لتوسيع نفوذها الإقليمي، عبر تأسيس خط متقدم من قوة النيران يهدد إسرائيل انطلاقا من سوريا.

التحدي الأكبر

وفي 19 يوليو/تموز 2021 قصفت إسرائيل قواعد الحرس الثوري الإيراني ومصنع أسلحة في مدينة السفيرة شرق حلب.

وبذلك تكون هذه أولى الضربات الجوية منذ ترأس نفتالي بينيت الحكومة الإسرائيلية الجديدة في يونيو/حزيران 2021، إذ تعهد الأخير بالحفاظ على سياسة سلفه المتمثلة في احتواء التوسع العسكري الإيراني في سوريا.

وتؤكد مصادر مخابرات غربية لـ "رويترز"، أن الضربات الإسرائيلية على سوريا هي جزء من حرب الظل التي وافقت عليها الولايات المتحدة، وجزء من سياسة تقويض القوة العسكرية لطهران دون إحداث زيادة كبيرة في الأعمال العدائية.

 وينظر المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، إلى أن "إيران بدأت مرحلة جديدة من التمدد العسكري بسوريا، من خلال تنشيط القدرة العسكرية الصاروخية والطائرات المسيرة".

وقال الشريف لـ "الاستقلال": "إن الحرس الثوري الإيراني أدخل طائرات مسيرة وصواريخ من العراق إلى سوريا وتحديدا صواريخ من نوع كروز التي تستخدم في الهجوم البري والتي طورتها إيران منذ فترة قريبة وتصيب أهدافها بنجاح على مسافة 280 كيلومترا، إضافة إلى أنواع جديدة من الطائرات المسيرة".

وأشار المحلل إلى أن "إيران تريد بناء قوة عسكرية عبر إعادة تأهيل الفيلق الأول التابع لقوات النظام السوري، الذي ينتشر قرب الجبهة مع إسرائيل وهذا ما يقلق الأخيرة، وخاصة بعدما دفعت طهران لتبديل قائده وتعيين اللواء مفيد حسن المقرب منها في يونيو/حزيران 2021، وعملت على تطوير قدراته الاستخبارية والنارية".

وهذه الخطوات كما يضيف الشريف هي بمثابة "إقامة منصة إيرانية ضد تل أبيب من داخل سوريا يكون عمادها تكديس الأسلحة النوعية وبشكل أساسي صواريخ أرض- جو المتطورة؛ لكون هذه الأسلحة العالية الجودة هي بمثابة كسر توازن لإسرائيل".

وألمح الشريف إلى أن "التحدي الأكبر الذي يواجه موسكو في هذا الإطار هو منع إيران من إضعاف التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة".

كما أن قدرة روسيا على إغلاق الأجواء السورية أمام القصف الإسرائيلي، مرهون بموافقة رسمية من جانب الولايات المتحدة، وهذا مستبعد في المدى المنظور، وفق تقديره.

 لذا يعتقد أنه ستواصل "القوة الجوية الإسرائيلية في أسوأ الأحوال ضرب مواقع إيران من الأجواء اللبنانية أو من البحر وليس عبر اختراق المجال الجوي السوري وإحراج الروس بشكل علني".

أمن متبادل

ويبدو واضحا أن روسيا تخشى من تصعيد عسكري إيراني جديد على مواقع مليشياتها في سوريا، في أمر ترى موسكو أنه يعرض حياة جنودها للخطر.

ويشير مسار التطورات إلى أن هذا ما يدور داخل أروقة موسكو وتل أبيب حاليا، ولا سيما أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعرب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإسرائيلي يائير لابيد في موسكو 9 سبتمبر/أيلول 2021 عن تمسك بلاده بما سماه "ضمان أمن إسرائيل".

 وبين معارضة روسيا لتحويل سوريا إلى "حلبة لصراع بين دول أخرى"، وأردف: "كما لا نريد أن تستخدم الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل أو أي بلد آخر".

بدوره أكد لابيد أن إسرائيل "لن تتسامح مع وجود إيران عسكريا في سوريا"، وقال لوكالة "سبوتنيك" الروسية 10 سبتمبر/أيلول 2021: "من المهم جدا بالنسبة لنا التأكد من أن العسكريين الروس لن يتضرروا مهما جرى" هناك.

لكن رغم وجود آلية تنسيق لفض النزاعات بين روسيا وإسرائيل في سوريا، إلا أن هذا لا يمنع تل أبيب من القفز على ذاك التنسيق، وقصف مواقع إيرانية أحيانا دون إخطار موسكو بذلك.

وهذا ما حدا بوزير الخارجية الروسي للقول بشكل علني خلال المؤتمر نفسه: إن العسكريين الروس والإسرائيليين يبحثون على "أساس يومي المسائل الفنية" بخصوص الغارات الإسرائيلية على سوريا.

إذ أكدت وسائل إعلام روسية أن إسرائيل وسعت من دائرة أهدافها، وشملت مواقع للسيطرة والتحكم تابعة للنظام السوري، بسبب تجاهل الجانب الإسرائيلي قواعد التنسيق المسبق المتبعة مع قاعدة حميميم الجوية، ولاسيما أن ذلك شكل خطرا في أكثر من مرة على العسكريين الروس داخل نقاط تحكم مشتركة مع النظام.

وأكبر مثال على ذلك إسقاط قوات الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري، 21 صاروخا من أصل الـ 24 بواسطة أنظمة "بوك إم 2 أي" و"بانتسير إس 1" روسية الصنع، بعدما شنت مقاتلات تكتيكية إسرائيلية من نوع (إف-15) غارات قرب دمشق في 3 سبتمبر/أيلول 2021 من داخل المجال الجوي اللبناني.

وتذهب صحيفة الشرق الأوسط السعودية في تقرير لها 11 سبتمبر/أيلول 2021، ضمن هذا السياق، ووفق ما تنقل عن مصدر دبلوماسي روسي، تأكيده بأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة أبعد بكثير عن الكرملين من حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، مما سبب فتور العلاقات بين الطرفين.

وزاد مصدر الصحيفة أنه جرت خلال الأسابيع الماضية عدة لقاءات على المستوى الأمني، تخللتها زيارة وفد أمني عسكري إسرائيلي إلى موسكو بشكل سري، لكن لم يتم التوصل إلى لغة مشتركة للتعامل مع عدد من الملفات.

وفي هذه الجزئية رأى المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، أن "الهجوم على درعا وتصعيد طهران الكبير عليها كان رغم إدراك الأخيرة بأنه ملف روسي بامتياز".

لا تصدي

إلا أن طهران كانت تلعب على عامل التشابكات هناك حيث الأردن وإسرائيل وهي بذلك تريد الضغط أكثر على موسكو من أجل وقف الهجمات على مواقعها، بحسب قوله.

وجاء ذلك الخيار الذي استشفه الشريف، بعدما أطبقت قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية حصارا خانقا على 50 ألف مدني داخل أحياء "درعا البلد"، منذ 25 يونيو/حزيران 2021.

ولهذا ذهب الكثير للقول: إن إيران حينما بحثت عن أوراق تفاوضية جديدة؛ لتعزيز موقفها على أكثر من صعيد؛ سواء تلك المتعلقة بالاتفاق النووي، والمرتبطة بالعقوبات الدولية عليها أو حول إسرائيل، خططت منذ مطلع عام 2021 لتعزيز وجودها قرب أحياء "درعا البلد" السورية ذات الأهمية الإستراتيجية لوقوعها في مثلث حدودي تطل من خلاله على الأردن وإسرائيل.

وسمح الروس لمليشيات إيران بالضغط على تلك الأحياء، قبل أن تبرم موسكو اتفاقا مع الأهالي أواخر أغسطس/آب 2021 أكسب النظام السوري نفوذا جديدا هناك ما كان ليحصل عليه لولا الحملة العسكرية التي قادتها مليشيا الفرقة الرابعة بدعم من طهران.

ومن هنا، يبدو أن إسرائيل وروسيا نجحا في منع الاحتكاك مع القوة الدفاعية الروسية التي يمتلكها النظام السوري.

بمعنى: أن الوجود العسكري الروسي وتناميه عبر قاعدة حميميم المتطورة قيد بنسبة كبيرة حرية الهجمات الإسرائيلية.

ويرى الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر لـ "الاستقلال" أن "موسكو تعتبر إسرائيل ضابط الإيقاع بينها وبين واشنطن في مواضيع كثيرة، لذا فلا أتصور مطلقا أن تقدم روسيا على إزعاج تل أبيب في سوريا".

وقال العقيد: إنه لطالما توجد "مليشيات ولائية إيرانية مسلحة متعددة تتبع عقائديا للحرس الثوري الإيراني وتستخدم سوريا كمنطقة عبور لتزويد حزب الله اللبناني بالأسلحة والصواريخ الدقيقة، فإنه لا أرى أن روسيا ستستطيع التصدي أو تمنع الغارات الإسرائيلية على دمشق للحد من نفوذ وتمدد إيران التي تنشر منصات صواريخ تعتبرها تل أبيب تهديدا لأمنها". 

لفت الخبير العسكري إلى أن إسرائيل "وضعت لاءات ثلاثا على الأراضي السورية وهي: لا لجعل سوريا منطقة لعبور أي أسلحة لحزب الله، ولا لأي أبحاث لتطوير أي أسلحة تدمير شامل وصواريخ دقيقة في الأراضي السورية، ولا لأي تموضعات إيرانية مسلحة على الجغرافيا السورية".

وأردف: "وقد أبلغت القيادة الروسية بأن إسرائيل ستتصرف عسكريا ودون أي حسابات أو أخذ الأذن من أحد حيال خرق هذه اللاءات".