بعد عملية جلبوع.. قدورة فارس لـ"الاستقلال": إسرائيل تعاقب الأسرى الفلسطينيين
لا تزال "إسرائيل" تعيش حالة من الصدمة بعد نجاح ستة أسرى فلسطينيين من الهروب عبر نفق أسفل سجن "جلبوع" الأكثر تحصينا، والابتعاد عن السجن.
وبعد انتزاع حريتهم في 6 سبتمبر/أيلول، بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الأسرى الفلسطينيين، بدءا من إغلاق جميع السجون ومنع الزيارات، ونقل المئات من الأسرى إلى سجون أخرى، والتحقيق مع آخرين بهدف الوصول إلى معلومات حول النفق والأدوات المستخدمة.
وفي وقت متأخر من مساء 10 سبتمبر/أيلول، أعادت قوات الاحتلال اعتقال أسيرين هما محمد العارضة ويعقوب قادري، وبعدها بساعات، اعتقلت أيضا زكريا الزبيدي ومحمود العارضة.
وتواصل قوات الاحتلال البحث عن أسيرين آخرين هما مناضل انفيعات وأيهم كممجي اللذين كانا ضمن مجموعة الأسرى الستة.
وحول تفاصيل الهروب، وعمليات البحث الإسرائيلية عن الأسرى الستة، وأوضاع السجون خاصة سجن جلبوع بعد نجاح العملية، حاورت "الاستقلال" رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس.
الفكاك والاعتقال
- كيف تابعت خبر اعتقال الأسرى؟
الاحتمالات جميعها كانت واردة، وأقلها هو نجاح الأسرى بالهروب والخروج من المعتقل، و"إسرائيل" جندت قوات استثنائية كبيرة وكل إمكانياتها، واعتقالهم كان متوقعا.
وبشأن ما يروج أن عائلة عربية أبلغت عنهم، فمصدر المعلومة هو إسرائيل، ونحذر من عدم التمعن في أي خبر، بعض الناس تنشر الأخبار من المصادر الرئيسة دون تدقيق.
على الناس الانتباه حتى لا نكون أداة من أدوات الاحتلال في إثارة الإشاعة ويضعف الثقة الداخلية، وليس بالضرورة أن ما يقال في الإعلام الإسرائيلي دقيق، ومعظمه غير صحيح.
- كيف تصف نجاح الأسرى بالهروب من سجن جلبوع؟
تعد العملية البطولية التي أنجزها 6 من أبطال المقاومة الفلسطينية، عملا خارقا إلى حد بعيد، في ظل طبيعة الإجراءات الأمنية المشددة في المعتقلات الإسرائيلية.
وكانت عملية اختبار للمنظومة الأمنية، فسقطت نظرية الأمن، خاصة أن دولة الاحتلال تظن نفسها دولة أمنية خارقة، وتسيطر على كامل فلسطين ولكن وقعوا في حفرة الغرور.
- ما هي تفاصيل سجن جلبوع؟ ماذا نعرف عنه؟
سجن جلبوع هو جديد وليس مبنى قديما على غرار السجن القديم، وهو سجن شطة الذي يبعد عنه عدة أمتار، والسجون الإسرائيلية بشكل عام موروثة من أيام حكم الاحتلال البريطاني.
ولكن سجن جلبوع هو إسرائيلي من حيث البناء، وتم خلال تشييده مراعاة جميع الثغرات الأمنية التي كان الأسرى يستخدمونها للهروب من السجون، وعمل الاحتلال على سدها من خلال هذا السجن الجديد.
وكان لديه درجة عالية من الثقة والطمأنينة أن لا يقوم أي أسير بتحرير نفسه، لدرجة أنه تم إطلاق مصطلح "الخزنة التي لا يمكن اختراقها" عليه، ولكن عقل المناضل الفلسطيني تمكن من اختراقه وحفر نفقا وفي أسفله، وترك سلطات الاحتلال تعيش حالة من الإرباك.
- ما هي أبرز الحالات السابقة لمحاولات هروب أسرى فلسطينيين؟
تمت في الماضي محاولات للهروب من سجون الاحتلال في ظروف أسهل بالنسبة للأسرى من حيث المسافة التي حفرها الأسرى الـ6 أسفل سجن جلبوع، كان أبرزها هروب ثلاثة أسرى في أغسطس/آب 1996 من سجن كفار يونا، وفي حينها نجح غسان مهداوي، والأسير توفيق الزبن في التحرر عبر الهروب من نفق بطول 11 مترا، وكان وقتها أول هروب لأسير من نفق.
ومحاولة أخرى عبر قص قضبان نافذة أحد غرف سجن غزة المركزي عام 1987، وهروب من المحكمة عام 1983.
ولكن أمام كل عمليات الهروب للأسرى جميعها لم تكن في غاية التعقيد بخلاف عملية الهروب الأخيرة من سجن جلبوع، وجاءت العملية التي تعد في منتصف الطريق تتويجا لعمليات سابقة نجح فيها الأسرى في تحرير أنفسهم.
- كم عدد الأسرى والأقسام في سجن جلبوع؟
يوجد في سجن جلبوع 360 أسيرا موجدين في 4 أقسام، كل قسم يتسع لـ 90 أسيرا.
بعد نجاح عملية الهروب جرى نقل القسم 2 الذي كان يوجد فيه أسرى حركة الجهاد الإسلامي، وتبقى في السجن 270 أسيرا، وفي الأيام الأخيرة نقل الاحتلال أيضا عددا آخر من الأسرى ليتبقى الآن فيه 180 أسيرا.
- بتوقعاتك، ما هي الأدوات المستخدمة في عملية الهروب؟
سلطات الاحتلال تتكتم على التحقيق بعد عملية الهروب، وصدر أمر قضائي بمنع نشر أي معلومة حول مجريات التحقيق.
وتولى عملية التحقيق أكبر محقق في "إسرائيل" وهو الذي حقق في الملفات المنظورة أمام رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو شخصيا، والوحدة التي تشرف على التحقيق، تحقق مع كبار مسؤولي الدولة في حالة تورطهم في تجاوزات لحدود العمل.
ويبحث طاقم التحقيق في احتمالية أن يكون هناك سجانين تعاونوا مع الأسرى في تنفيذ هذه العملية.
أوضاع الأسرى
- هل تواصلتم مع أسرى في السجون بعد الهروب؟
قبل عملية الهروب كانت سلطات الاحتلال تضع تعقيدات كبيرة أمام زيارات المحامين للسجون والأسرى، ولم تكن منتظمة بحجة جائحة كورونا، ودائما تتذرع مصلحة السجون بذرائع مختلفة لقطع الأسرى عن محيطهم الاجتماعي.
وفي هذه الأوقات تعيش السجون حالة استنفار من الدرجة الأولى، وجميعها مغلقة تماما ولا يسمح لأي محام بزيارة أي أسير في أي سجن.
- ما المخاطر التي يواجهها الأسرى الستة الآن بعد فرارهم؟
هنا خشية كبيرة على حياة الأسرى المحررين، و"إسرائيل"، في حالة تمكنت منهم سوف تغتالهم، خاصة أنها جندت قواتها الأمنية والخاصة والشاباك (جهاز الأمن العام) والاستخبارات العسكرية وكتائب من الجيش وحرس الحدود والشرطة، وهم نخبة النخب مجندة للبحث عن الأسرى.
و"إسرائيل" تشعر أن قوة الردع لديها تتآكل شيئا فشيئا، خاصة أنه خلال الفترة الأخيرة وجه لها أكثر من ضربة.
دولة الاحتلال كان لديها ثقة عالية بعدم حدوث عملية هروب، نظرا لأنهم لديهم جيش مدجج بأحدث الأسلحة، والآن الشعب الإسرائيلي لديه قلق وحالة ارتباك واهتزت صورة الجيش.
كما أن الجيش والأمن يريدون استعادة الهيبة والثقة والطمأنينة بأوساط المجتمع الإسرائيلي، والعملية تتعدى أن 6 أسرى تحرروا من السجن، والمسألة ذات أبعاد، فمعنوياتنا كفلسطينيين ارتفعت، وتعززت ثقتنا بنفسنا، والعكس في "إسرائيل".
- حدثنا عن الإجراءات الانتقامية ضد الأسرى بعد عملية الهروب.
بعد تمكن الأسرى الستة من الهروب من سجن جلبوع، أصبحنا نرى سلوكا إسرائيليا انتقاميا ضد الأسرى الباقين، حيث هناك إجراءات بحقهم داخل المعتقلات وبحق عائلات الشباب الستة، وذلك يدل على حالة من الارتباك وشعور بالخيبة.
وهي أمور نقرؤها في الإجراءات التي تتخذ في حق الأسرى وتحمل معاني الانتقام والتنكيل أكثر منها إجراءات تحوطية لتحقيق أمنية.
وبعد عملية الهروب، بدأت قوات القمع ووحدات خاصة من جيش الاحتلال مدججة بالسلاح، عمليات اقتحام وقمع واسعة في عدة سجون، كانت أبرزها في سجني "النقب، وريمون".
وأمام ذلك حرق الأسرى مجموعة من الغرف في قسم 6 في سجن "النقب"، كما سكب أحد الأسرى (مالك حامد من بلدة سلواد) الماء الساخن على أحد السجانين.
- في الحسابات الدولية القانونية، كيف ينظر إلى الهروب من السجون الإسرائيلية؟
الإنسان مفطور على الحرية ولا يوجد أسير على وجه الأرض لا تحدثه نفسه لتحرير نفسه، ومن لا يحاول يخضع للحسابات، ولكن الوضع الطبيعي أن يسعى الإنسان لحريته، والقانون الدولي أعطانا الحق في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل.
الاحتلال الإسرائيلي احتجز الآلاف من الأسرى ولهم الحق في انتزاع حريتهم في الطريقة التي يرونها مناسبة، ونجح مجموعة من الشباب من التحرر عبر الهروب بأي طريقة، وهذا حقه الإنساني والوطني، والاحتلال يجب أن يرحل من هنا.
ظروف الاعتقال
- ما أبرز الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى وظروف اعتقالهم؟
خلال العشرة السنوات الأخيرة كانت تحكم في "إسرائيل" حكومات يمينية متطرفة، وتم الزج في قضية الأسرى بالجدل بين الأحزاب، ودولة الاحتلال خاضت عدة انتخابات، وكانت قضية الأسرى حاضرة.
الكل كان يحاول المزايدة في اقتراحات وتشريعات وقوانين اتخذتها لقهر الأسرى والتضييق عليهم، لذلك، تمكنت إدارة السجون من مصادرة مجموعة من الحقوق للأسرى التي تم انتزاعها بعد إضرابات شاقة.
السجون الإسرائيلية لا تصلح للحياة الآدمية، ودولة الاحتلال لم تترك قانونا إلا واخترقته في ملف الأسرى.
ومن أشكال الانتهاكات أن المساحات المخصصة للأسير حسب القانون الدولي 8 أمتار مربع، ولكن مصلحة السجون تخصص لهم 1.8 مترا فقط.
أيضا الطعام سيئ كما ونوعا وتصنيعا، لذلك الأسرى يعتمدون على تصنيع بدائل داخل غرفهم، وهناك إهمال طبي متعمد، حيث استشهد أكثر من 79 أسيرا نتيجة الإهمال، وهناك العشرات من الأسرى مرضى ولا يقدم لهم علاج مناسب.
وحسب الأرقام هناك 95 بالمئة من حالات الاعتقال تتعرض للتعذيب، والتهوية داخل السجون وطبيعية تصميم السجون بيئة محفزة للأمراض، وتخلق حالة من التوتر، الإضاءة غير مناسبة، وهناك درجة رطوبة عالية.
يتم أيضا تنفيذ عقوبات جماعية على الأسرى، حيث إذا تصرف أسير بمخالفة قوانين إدارة السجن يتم قمع السجن كاملا بالضرب بالغاز، وبعض القنابل يمكن استخدامها في الغرف المغلقة، ويتم استخدام الرصاص المطاطي، واستشهد الأسير محمد الأشقر في سجن النقب مؤخرا.
ولا تترك دولة الاحتلال دربا من دروب الجريمة وإلا وتتعامل به طالما أن الأمر يتعلق بالأسير الفلسطيني.
- كيف ترى مفاوضات تبادل الأسرى الحالية بين المقاومة والاحتلال؟
لا يوجد تفاصيل حول المفاوضات، ونحن تراكمت لدينا تجربة في إدارة المفاوضات مع الاحتلال، والمعايير والثوابت واضحة، ونأمل أن تثمر المفاوضات القادمة وأن تنجح المقاومة إطلاق كبار السن، والمرضى والنساء والأطفال، ونرجو أن يكون ذلك قريبا.
- ما هي تجربتكم في الأسر؟
اعتقلت حين كنت في خلية عسكرية في حركة فتح عام 1980 وأمضيت 14 سنة في السجن، وخلاله تشكلت شخصيتي داخل السجن، ومن واقع التجربة، تعلمنا كل شيء في السجن وأنه يصقل الشخصية، ويصنع إنسانا متفائلا قويا، وأكثر إيمانا بقضية بلاده وحقه في الحرية والاستقلال.
قبل الخروج من السجن طرحنا بناء مؤسسة ترعى شؤون الأسرى، وكان تشكيل نادي الأسير، وتأسس عام 1993 وكنت في السجن وأطلق سراحي عام 1994، خلال اتفاق.
والعضوية في نادي الأسير تشترط أن يكون أسيرا سابقا، ونواصل الدرب مع الأسرى في رعاية شؤونهم وشؤون أهلهم وفضح جرائم الاحتلال.