قائد الحشد الشعبي.. لماذا يصر العراق عليه للتواصل الدوري مع بشار الأسد؟
عند كل قضية يرتبط فيها الشأن السوري بالعراقي، تجد بغداد في قائد هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض المقرب من إيران، الرجل الأنسب لإبلاغ رسالتها لرأس النظام السوري بشار الأسد.
ورغم أن العراق من الدول الداعمة للنظام السوري في المحافل العربية والدولية سياسيا، فإن البلد يبدو حذرا من إنشاء "علاقة قوية" معه، مراعاة للضغوط الأميركية خاصة.
لكن تخفيض العراق جهة التمثيل لبحث أي تطور مع النظام السوري، لا ينفي مساعيه المتكررة لدعوة الجامعة العربية لإعادة النظام لشغل مقعد سوريا، الذي حرم منه منذ عام 2011؛ نتيجة إفراطه في العنف وقتل الشعب السوري عقب اندلاع الثورة في مارس/آذار من ذاك العام.
ولهذا دائما ما كانت حسابات بغداد تجاه الأسد، مرتبطة بالحدود بين البلدين، ومستوى ضبطها عبر تنسيق الجهود الاستخباراتية بينها.
صندوق بريد
منذ أن كان "الفياض" والمولود في بغداد عام 1956، يشغل منصب مستشار الأمن الوطني العراقي، في حكومة عادل عبد المهدي السابقة، لعب دور "صندوق البريد" الحامل للرسائل السرية الرسمية، والتي يراد إبلاغها للأسد بشكل شخصي.
وكان الاجتماع الأول في حقبة "المهدي"، أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018، حيث تناول لقاء "الفياض" مع بشار الأسد تنسيق التعاون على حدود البلدين ضمن ما يسمى "محاربة الإرهاب".
عاد "الفياض" الحاصل على شهادة الهندسة الكهربائية من جامعة الموصل عام 1977، بعد أربعة أشهر إلى دمشق والتقى مجددا "الأسد" في 14 أبريل/نيسان 2019.
إلا أن إعلام النظام لم يكشف عن شيء جديد بحثه "الفياض" خارج المواضيع المعلنة إعلاميا للزيارة السابقة.
وحينما صعد مصطفى الكاظمي إلى رئاسة وزراء العراق في مايو/أيار 2020، أبقى على "الفياض" كخط بشري ساخن عند كل جديد يتعلق بالبلدين.
إذ أرسله الكاظمي أواخر أغسطس/آب 2020 إلى دمشق، بعد شهر من زيارته لطهران، حاملا رسالة شفهية منه للأسد، تتعلق باستمرار التشاور بشأن مستجدات الأوضاع السياسية وبأمن حدود البلدين.
وبعد 3 أشهر عاد الفياض إلى دمشق بزيارة شابها نوع من السرية والتكتم، وذلك في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
وفي وقت كان النظام السوري يحضر لـ "الانتخابات الرئاسية" التي أجراها أواخر مايو/أيار 2021، وأعلن الأسد فوزه بها رغم تأكيد المجتمع الدولي والمعارضة السورية على أنها غير شرعية، نقل الفياض شخصيا رسالة من الكاظمي إلى الأسد في السادس من الشهر المذكور.
أحدثت زيارة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الجديدة إلى سوريا، ضجة خلافا لسابقاتها، وذلك عقب لقائه الأسد في قلب دمشق وتسليمه رسالة من "الكاظمي"، بتاريخ 16 أغسطس/آب 2021.
وذكرت وكالة إعلام النظام "سانا"، أن اللقاء تمحور حول مؤتمر دول جوار العراق، وأهمية التنسيق السوري – العراقي حول هذا المؤتمر والمواضيع المطروحة على جدول أعماله.
وقمة قادة دول جوار العراق من المقرر أن تستضيفها العاصمة بغداد نهاية شهر أغسطس/آب، والتي أكدت الحكومة العراقية عدم دعوة بشار الأسد لحضورها.
إذ سلم العراق دعوات رسمية لزعماء دول كل من تركيا وإيران ومصر والسعودية والأردن وقطر والكويت والإمارات، إلى جانب فرنسا.
وسرعان ما فسرت وسائل إعلام حديث النظام السوري حول مؤتمر جوار العراق، على أنه دعوة للأسد للحضور، وهذا ما أحرج الخارجية العراقية، ودعاها للرد على أن ما يشاع بشأن الدعوة "غير معنية به".
وشددت الخارجية العراقية على مسألة، أن الدعوات الرسمية لمؤتمر جوار العراق ترسل برسالة رسمية وباسم دولة رئيس مجلس الوزراء"، وأنه "لا يحق لأي طرف آخر أن يقدم الدعوة باسم الحكومة العراقية".
ولا سيما أن زعماء إقليميين ودوليين جرى دعوتهم لا يرحبون بفكرة الجلوس في قاعة واحدة مع رأس النظام السوري بشار الأسد.
رسالة إيرانية
وحول هذه الجزئية بالذات، ألمح الخبير العسكري العراقي العميد الركن صبحي ناظم توفيق، إلى أن زيارة الفياض إلى دمشق ولقاء الأسد، كانت بهدف "إطلاع الأخير على القضايا الساخنة التي ستبحث في القمة، وتوضيح موقف العراق إزاء سوريا".
وربما هي رسالة اعتذار للأسد بأنه لم يدع لكونه شخصا غير مرغوب فيه من عدة دول يفترض أن تحضر القمة، وفق ما تحدث توفيق لـ"الاستقلال".
ويرى كثير من المراقبين أن العلاقة التي تحكم الكاظمي بـ "الفياض"، هي فقط للاستهلاك الإعلامي، لكون الأول أعفى مطلع يونيو/حزيران 2020، رئيس هيئة الحشد من منصبي رئيس جهاز الأمن الوطني ومستشار الأمن الوطني.
وجاء ذلك بالتزامن مع تسريبات عن نية الكاظمي تقليص النفوذ الإيراني في داخل المؤسسات الحكومية، وكانت بمثابة ورقة لصالحه ذهب بها لاحقا إلى واشنطن حسب قناة "الحرة" الأميركية.
ولا سيما أن الفياض بقي لنحو عقد من الزمن يتربع على رأس تلك الأجهزة الأمنية العراقية "الأكثر حساسية"، لكون مستشارية الأمن الوطني ترتبط مباشرة بالقائد العام للقوات المسلحة، أما جهاز الأمن الوطني فإنه رغم أنه مؤسسة مستقلة عن وزارتي الدفاع والداخلية، إلا أنه يعمل إلى جانب الأخيرة في ضبط الأمن الداخلي في العراق.
وفي هذا السياق، يرى توفيق أن إرسال الفياض في هذا التوقيت هو "للفت النظر من قبل الأطراف المؤيدة له إلى أن له مكانة دولية أو على الأقل إقليمية وأن له تأثيرا أكثر في المشهد العراقي والإقليمي ومكانة في الوقت الحاضر هي أعلى من مناصب الوزراء".
وذهب الخبير العسكري للقول: "إن كبار القادة المتنفذين في شؤون عراق اللادولة، ومعظمهم موالون لإيران علنا؛ هم من كلفوا فالح الفياض بمهمة زيارة بشار الأسد من دون علم الكاظمي".
وشدد على أن "هؤلاء القادة الموالون لطهران يديرون العراق بسطوتهم وأموالهم وأسلحة فصائلهم، وخاصة أن الفياض من بين هؤلاء هو الوحيد من يحمل صفة رسمية كرئيس هيئة الحشد".
وضمت مليشيا "الحشد الشعبي"، إلى الجيش العراقي في مطلع يوليو/ تموز 2019 بمرسوم من رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، استنادا لإقرار البرلمان العراقي قانونا عام 2016 لإدماجها على أن تكون القوات تحت سلطة رئيس الوزراء مباشرة.
ورغم ذلك بقي انتماء "الحشد" الذي يصل تعداده إلى قرابة المئة ألف، بشكل رسمي لأجهزة العراق العسكرية، مبعث قلق من الناحية العملية من قبل القوى السنية، التي ترى فيه ذراعا إيرانيا ويخدم أجنداتها، كون عناصره يأتمرون بقادته المقربين من طهران.
وسيط أمني
ويعتبر الفياض الذي انتمى لحزب الدعوة عام 1973، من أبرز السياسيين على الساحة السياسية منذ سقوط نظام حكم صدام حسين عام 2003، بعد سجنه خلال حكم الأخير لخمس سنوات، وتنقل عقب خروجه من العراق بين إيران وسوريا.
وفي 8 يناير/كانون الثاني 2021، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على "فالح الفياض"، بسبب صلته بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، خلال المظاهرات العراقية المطالبة بمحاربة الفساد والبطالة ورفض التدخل الإيراني في العراق، والتي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، واستقال على إثرها عادل عبد المهدي.
وينظر إلى "الفياض" على أنه الوسيط العراقي بين إيران والأسد، لكونه لعب هذا الدور خلال تعاقب ثلاث حكومات عراقية.
وحدد الخبير في العلاقات الدولية عمر عبد الستار هذا الدور بقوله: "إن الفياض بوصف رئيس هيئة الحشد منذ عام 2014، فإن من ضمن أهداف الحشد هو حماية نظام بشار وربط العراق بمحور إيران الإقليمي".
واستدرك عبد الستار في حديث لـ "الاستقلال": "ذلك قد تحقق من خلال إطلاق عناصر تنظيم الدولة من سجون العراق وسوريا بقرار إيراني عام 2013".
ومن هنا كانت زيارات الفياض للأسد بشكل مستمر لا سيما مع وجود العلاقات الأمنية، فضلا عن وجود مقاتلين للحشد في سوريا، وفق قوله.
من جانبه، ربط القيادي في المعارضة السورية، فاتح حسون، حضور "الفياض" المتكرر إلى سوريا، بكونه "يتبع له العديد من المليشيات المنضوية تحت ما يسمى الحشد الشعبي الموجود على الأراضي السورية بهدف قتل وتهجير السوريين إلى جانب قوات نظام الأسد، ومنها ما يتموضع أيضا على حدود البلدين أو حدود فلسطين المحتلة".
ونوه القيادي حسون في تصريح لـ "الاستقلال"، إلى أن "الفياض كونه أداة من أدوات إيران في العراق وسوريا، وعلاقته وطيدة مع قائد الحرس الثوري الإيراني، يجعل ما يطلبه أكثر مصداقية لدى نظام الأسد".
المصادر
- الفياض في دمشق.. “الخارجية العراقية” تنفي دعوة الأسد لقمة بغداد
- الخارجية العراقية تعلق على نبأ دعوة الأسد لحضور قمة بغداد لدول الجوار
- ذكره بومبيو بالاسم.. أبعاد خطوة إعفاء الفياض من مناصب أمنية في العراق
- بغداد: لم ندع دمشق إلى قمة جوار العراق حرصًا على نجاحها
- الحشد الشعبي: من هو رئيس الحشد الذي عاقبته الولايات المتحدة؟
- تنسيق عراقي سوري رفيع المستوى لتأمين الحدود ومكافحة الارهاب