مليشيات عراقية تفتتح جامعات أهلية.. ما مخاطرها على مستقبل البلاد؟
منذ عام 2003، لم يتوقف افتتاح الجامعات الأهلية في العراق، الأمر الذي أثار تساؤلات عمن يقف وراء هذه المشاريع التي ازدادت بشكل كبير، وسط ضآلة متفاقمة في فرص العمل.
تحدث عن هذه القضية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في تصريحات صحفية في 28 مارس/ آذار 2021.
وقال الكاظمي: إن "سوء إدارة الثروات في العراق انعكس على وضع إدارة البلد، فأصبحت فرص العمل للمواطن العراقي ضئيلة، أمام شعب نسبة زيادة السكان عنده سنويا تصل إلى نحو مليون شخص، ونسبة الخريجين من الجامعة سنويا أكثر من 250 ألف شاب، كلهم يبحثون عن فرصة عمل".
مشاريع تمويل
عدد الجامعات الأهلية في العراق يصل إلى 66 جامعة، منها 10 فقط تأسست قبل الاحتلال الأميركي للبلاد وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، فضلا عن 35 جامعة حكومية منتشرة في عموم البلاد.
رغم هذا العدد الكبير من الجامعات، فإن الدراسة الجامعية في العراق تشهد انتكاسة كبيرة وأفقدتها صفة الرصانة، لأسباب عدة، من أبرزها مصالح الأحزاب السياسية والمليشيات الشيعية، كونها تحولت إلى مصادر لتمويل هذه الجهات.
وأكد أكاديمي بدرجة أستاذ مساعد في إحدى الجامعات الحكومية العراقية، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الجامعات الأهلية في العراق، عبارة عن مشاريع تمويل للأحزاب والمليشيات النافذة في البلد، ومن يديرها هم أدوات وواجهات تابعة لهم".
وأوضح في حديث لـ"الاستقلال" أن "جامعات أهلية مثل الإسراء والحكمة والتراث وغيرها، كلها تتبع للأحزاب والمليشيات بنظام الأسهم، فحزب الدعوة الإسلامية الشيعي بزعامة نوري المالكي، يسيطر على كلية التراث وهي جامعة أهلية، ومعهم زعيم مليشيات (بدر) هادي العامري، و(قائد كتائب الإمام علي) شبل الزيدي".
ولفت الأكاديمي إلى أن "قسط الطالب الواحد، وخصوصا في الكليات الطبية يصل إلى أكثر من 6 آلاف دولار للعام الواحد".
لذلك الجامعات الأهلية تدر ملايين الدولارات على هذه الزعامات رغم أنها أصبحت مصدرا لتخريج العاطلين في البلد، ولا أحد يستطيع أن يغلقها أو يوقف منح الإجازات الرسمية لافتتاحها.
وشدد على أن "المجموعات الطبية في العراق كان تعيينها مركزيا، فبمجرد تخرج الطالب في هذه الكليات يجد فرصة العمل تنتظره في مؤسسات وزارة الصحة.
لكن اليوم ولكثرة الكليات الأهلية الطبية، أعلنت نقابة الصيادلة في يوليو/تموز 2021 أنها لن تستطيع استيعاب جميع الخريجين، خلال الأعوام القليلة المقبلة.
ولفت الأكاديمي العراقي إلى أن "استمرار افتتاح الجامعات الأهلية في البلد، أضر كما ونوعا بمستقبل التعليم في البلد، لأن الكميات التي تخرجها لا تجد أي فرصة عمل، إضافة إلى أن النجاح بات مضمونا لأصحاب المعدلات المتدنية، الذي يدفع مبالغ كبيرة لهذه الجامعات مقابل حصوله على شهادة، رغم أنه غير مؤهل للحصول عليها".
وأشار إلى أن "مشاريع بناء العديد من الجامعات الأهلية في العراق، لا يبعد عن عمليات غسيل الأموال القذرة التي تتحصل عليها هذه المليشيات والأحزاب النافذة بطرق غير شرعية".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2017 قال نقيب الأطباء العراقيين عبد الأمير الشمري: إنه "بسبب اقتصار الوظائف على خريجي الطب، أصبح هناك توجه لفتح الكليات الطبية الأهلية، والتي هدفها الأول هو الربح المادي".
تعليم يحتضر
وأضاف أنه "رغم وجود أكثر من 20 كلية طب حكومية في العراق، بينها ست كليات طب في العاصمة بغداد، وهي تسد حاجة البلاد، فإن عملية فتح الأقسام المختصة بمجال الطب في الكليات الأهلية مستمرة، من قبل ناس متنفذة، بإمكانها الحصول على الموافقات بسهولة، وهذا يضر بالعملية التعليمية وبواقع الطب".
من جهته، قال خالد الأحمد، عضو الهيئة التدريسية في جامعة الفارابي الأهلية: إن البلد "بعد أن كان يمتلك نظاما يعد من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، بات على وشك الاحتضار".
وذلك بسبب الجامعات والكليات الأهلية غير الرصينة وغير المعترف بها، التي لا تستقطب سوى الطلبة المتدنية معدلاتهم، ليوازوا أقرانهم في الكليات الحكومية الأخرى.
"الأحمد" أوضح خلال تصريحات صحفية في 20 سبتمبر/ أيلول 2017، أن "كثرة الجامعات الأهلية في العراق بعد عام 2003، وخصوصا غير المعترف بها، عظمت من مشاكل التعليم، وساهمت برفع نسبة البطالة بين صفوف الشباب".
وأرجع سبب ذلك إلى "غياب التنسيق والتخطيط مع الجهات الحكومية في وزارتي التعليم العالي والتخطيط".
وأكد الأحمد أن "بعض الجامعات والكليات الأهلية غير المعترف بها، رغم الوعود الحكومية بإغلاقها، ما تزال مستمرة في استدراج الطلبة داخل أروقتها لمنافع مادية".
وبخصوص الأسباب التي دفعت الطلاب للدراسة في الجامعات الأهلية، سواء كانت معترفا بها أم لا، قال الباحث علاء القيسي: إن "معظم الطلاب الذي يدخلون الجامعات غير المعترف بها لم يدخلوها لغرض التعليم والحصول على شهادة تؤهلهم علميا وعمليا للعمل بمؤسسات الدولة، وإنما دخلوها لغرض التسلية والترفيه".
وبين القيسي خلال تصريحات صحفية في 20 سبتمبر/ أيلول 2017 أن "بعض الكليات غير المعترف بها تحولت حدائقها إلى متنزهات، وفيها مقاه للأرجيلة (دخان الشيشة)، دون إدراك الطالب نفسه ولا الجهات الحكومة المختصة ما تؤثره هذه الأجواء داخل هذه الجامعات في مستوى التعليم في العراق".
وأردف الباحث، قائلا: "بعض هذه الكليات تعود لأشخاص وأحزاب سياسية، وأسست لغرض تمويل أحزابهم منها، دون الاكتراث لحال التعليم، الذي وصل به الحال لما هو عليه الآن".
غياب الإستراتيجية
وعلى الصعيد ذاته، يرى العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة بغداد هاشم حسن خلال تصريحات صحفية في ديسمبر/ كانون الأول 2017 أنه بدلا من أن يؤدي العدد إلى خريجين أكثر وفرص عمل أفضل، "تنتج تلك الجامعات أجيالا من العاطلين عن العمل".
ويعزو حسن تقديره هذا إلى غياب الإستراتيجيات والخطط في منح الإجازات لتلك الجامعات وفق دراسة الاختصاصات المتخرجة.
ويقول: "لا توجد خطط تدرس واقع المجتمع الحالي ومتطلبات المستقبل وما هي الكفاءات التي سيحتاجها، هنالك فوضى في السياسة التعليمية تتماشى مع رغبة المتنفذين والمستثمرين".
وأكد عميد كلية الإعلام أن "جامعة بغداد بكل كلياتها كانت تقبل 1500 طالب في الدراسات العليا، الآن 3335 طالب، وهو رقم مرعب"، منتقدا ذلك بالقول: "من هذا الرقم الهائل 10 بالمئة فقط يتحدثون اللغة الإنجليزية"، فيما يشترط على طلبة الدراسات العليا إتقان اللغة الإنجليزية.
ومع أن الدول النامية تركز عادة على المعاهد الفنية والإعداديات المهنية والحرفية والصناعية، لوجود ميول لدى نسبة كبيرة من الشباب في الحصول على أسرع فرصة عمل، لكن "الدولة العراقية غيبت بشكل كامل مؤسسة المعاهد الفنية، وجعلت طموح الشباب مقتصرا على الجامعات".
لذلك تضاعفت الأعداد ولم تستوعبهم الجامعات الرسمية، ما أدى إلى "فتح أبواب الاستثمار إلى الكليات الأهلية، التي لا يتوفر فيها الحد الأدنى للدراسة"، وفقا لحسن.
ولفت عميد كلية الإعلام إلى حلقة أخرى يصفها بـ"الأكثر خطورة" في المؤسسة التعليمية الجامعية، وهي أن مقياس اختيار طلبة الدراسات العليا يعتمد على التمييز العلمي حصرا، لكن الآن وضعت "11 قناة تستثني شرط التميز"، يحصل الطالب من خلالها على مقعد في الدراسة العليا دون منافسة علمية.
أما الموقف الحكومي، فقد أوضح مستشار وزارة التعليم العالي للشؤون التربوية في تطوير المناهج محسن عبد علي، أن الوزارة بحاجة إلى قسم متخصص في رسم سياسة القبول في دائرة التعليم الأهلي الجامعي، "خصوصا وأن الكليات الأهلية باتت تضاهي الوزارة من حيث العدد".
وأضاف عبد علي خلال تصريحات صحفية في ديسمبر/ كانون الأول 2017 أن الكليات والمعاهد الأهلية تحتاج إلى ملاكات متقدمة في مجال التقويم والقياس ووضع سياسات القبول.
وأكد أن عمداء الكليات الأهلية هم حصرا أعضاء في "لجنة العمداء" التابعة لوزارة التعليم العالي، وبالتالي هم ملزمون بتنفيذ المنهج الذي يتفق عليه ويقر في اجتماعات اللجنة.