تسريبات خطيرة.. دول عربية تتجسس على مواطنيها عبر برنامج إسرائيلي
سلطت صحيفة بوبليكو الإسبانية الضوء على التهديد المحدق بالناشطين والسياسيين والصحفيين الملتزمين بالدفاع عن حقوق الإنسان والذين يستنكرون انتهاكات أي سلطة.
يتمثل هذا التهديد الجديد في برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" الذي طور نظريا كأداة للسلامة العامة، إلا أنه استخدم لاستهداف المعارضين والصحفيين والناشطين.
وقالت الصحيفة: إن التحقيق الذي أجرته منظمة فوربيدن ستوريز، بالتعاون مع منظمة العفو الدولية (نشر في 21 يوليو/تموز)، يوضح كيف وصلت أداة مراقبة قوية، بيغاسوس، القادرة على اختراق أي هاتف، بما في ذلك أجهزة أيفون، إلى أيدي عدة دول.
أبرز هذه الدول: السعودية والإمارات وأذربيجان والبحرين والمجر والهند وكازاخستان والمغرب والمكسيك ورواندا وتوغو.
وتجدر الإشارة إلى أن كل هذه الدول ليست من مناصري حقوق الإنسان، تقول الصحيفة.
تسريبات خطيرة
وأضافت أن منظمة العفو الدولية تعتبر أن التحقيق كشف بالأساس عن أن "برنامج شركة إن أس أو الإسرائيلية قد استخدم لتسهيل ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".
وقد جاء هذا الاستنتاج بناء على تسريب أكثر من 50 ألف رقم هاتف لأهداف تجسس محتملة، بما في ذلك رؤساء دول وناشطون وصحفيون، من بينهم عائلة الصحفي جمال خاشقجي، الذي اغتيل على يد النظام السعودي في إسطنبول عام 2018.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التسريبات كشفت أن هناك ما لا يقل عن ألف شخص من أكثر من 50 دولة استهدفوا بواسطة هذا البرنامج الضار، بما في ذلك بعض أفراد العائلات المالكة العربية.
وأيضا استهدف ما مجموعه 65 من كبار المسؤولين، و85 ناشطا في مجال حقوق الإنسان، و189 صحفيا وأكثر من 600 شخص من السياسيين والوزراء وعناصر الجيش.
في هذا المعنى، علقت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أغنيس كالامارد، أن "عدد الصحفيين الذين جرى تحديدهم كأهداف لهذا البرنامج الخبيث يكشف بوضوح أن بيغاسوس تستخدم كأداة لتخويف وسائل الإعلام الناقدة".
ونقلت الصحيفة أن هناك العديد من الشركات في العالم التي تطور أدوات برمجية للتحكم التكنولوجي أو لمهام التجسس بشكل مباشر. وتعد مجموعة "إن أس أو" واحدة من أشهرها، لكنها ليست الوحيدة.
وتحديدا في عام 2011، اكتشفت دودة حاسوبية خبيثة تصيب نظام الويندوز، ستوكسنت، التي طورت بشكل مشترك بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية لمهاجمة المعدات والبنية التحتية النووية.
وبعد فترة وجيزة اكتشف برنامج التجسس الإسباني، كاريتو، وهو جاسوس إلكتروني يستخدم ضد المغرب. ويضاف إلى هذه المجموعة، برنامج بابار الفرنسي.
وبينت الصحيفة أن شركات مثل هاكينغ تيم الإيطالية وغاما غروب الألمانية تكرس عملها بشكل علني لهذه المهام.
وتطور هذه الشركات جميع أنواع البرامج الضارة التي يصرون على بيعها فقط للحكومات وليس للأفراد أو الجماعات.
وعلى وجه الخصوص، اشترى المغرب برنامج تجسس من هاكينغ تيم منذ سنوات قادر على اختراق صفحات ويب معينة، وهي "مامفاكينش" (أي لن نتنازل بالدارجة المغربية). وهي النسخة المغربية للربيع العربي.
يسمح هذا الفيروس، من خلال نموذج يطلب تعميره، بإصابة الجهاز وتمكين الوصول عن بعد إلى جميع محتوياته.
تجسس متواصل
وبينت الصحيفة أن تقارير عن التجسس التي ترتبط بها شركة إن أس أو، تواترت لسنوات.
على سبيل المثال، في عام 2018، حذر موقع سيتيزن لاب من سلسلة من الهجمات المتنوعة في 45 دولة من خلال برنامج بيغاسوس.
وقبل عامين، تبين أن هذا البرنامج تجسس على ناشطي حقوق الإنسان.
أما في إسبانيا، فقد كشفت صحيفة بوبليكو، في وقت سابق، أنه جرى شراء برامج تجسس بشكل غير قانوني للتجسس على السياسيين الكاتالونيين في عام 2015.
وحول طريقة عمل البرنامج الخبيث، أوضحت الصحيفة أن بيغاسوس برنامج تجسس متطور للغاية يمكن تثبيته عن بعد على هاتف ذكي مباشرة، أي أنه لا يتطلب أي إجراء من قبل مالكه.
لكن، من الصعب شرح العملية التقنية لهذه البرمجيات الخبيثة، والتي هي أيضا بعيدة المنال حقا: فنحن نعلم بتثبيتها على الهواتف المحمولة لبعض المواطنين فقط بفضل التسريب.
وبمجرد التثبيت، من الممكن التحكم الكامل في الجهاز، بما في ذلك الوصول إلى الرسائل المشفرة مثل واتساب وسيغنال وتحديد الموقع الجغرافي للهاتف وتشغيل الميكروفون والكاميرا.
كيف سربت أكثر من 50 ألف هوية كانت هدفا للتجسس، كما يكشف مؤلفو التحقيق؟
يشير الباحث الدؤوب في الهجمات على حقوق الإنسان في الشبكات "مارسيلينو مادريجال" إلى أن هذا النوع من البيانات والموارد يباع على شبكة الويب المظلمة.
وهذا ما حدث على ما يبدو في هذه الحالة، حيث عرض موظف سابق في مجموعة "إن أس أو" الأداة القوية للبيع، في عام 2017.
هذه الأداة التي لا تزال غير معروفة، قادرة على استغلال الثغرات الأمنية، حتى لنظام "آي أو أس" الآمن للغاية.
ونوهت الصحيفة بأن حالات مثل بيغاسوس أو قضية شركة كانديرو، الإسرائيلية أيضا، تزيح الستار عن حقيقتين مرعبتين يمكن فهمهما معا بشكل أفضل.
ضد المجتمعات
من ناحية، على الرغم من أن هذه الشركات تبيع منتجاتها "حصريا" إلى الدول ولمكافحة الجريمة، فإنه من جهة أخرى، يمكن أن تستخدم لأغراض أخرى ضد المجتمع المدني.
وأوضحت الصحيفة أن لا أحد آمن من هذه البرامج الخبيثة، لأن طبيعة هذا النوع من برامج التجسس متخفية.
عادة لا يتطلب الأمر أي إجراء من الشخص المستهدف، مثل تنزيل ملف أو النقر فوق بعض العناوين الغريبة في رسالة بريد إلكتروني عشوائية.
من ناحية أخرى، تشير نواقل الهجوم التي أظهرها التحقيق في المختبر التقني لمنظمة العفو الدولية إلى أنها تستغل الثغرات، مثل تلك الموجودة في بعض التطبيقات، أو تتسلل إلى الهواتف المحمولة من خلال الرسائل القصيرة أو تطبيق واتساب، التي تحتوي على رابط إلى موقع ويب ضار لتثبيت البرنامج.
ونقلت الصحيفة أن الغرض من هذه البرامج الضارة يختلف بحسب الجهة التي تتحكم فيه، لأن هذه الأنواع من الأدوات هي جزء من الأسلحة الرئيسة للحرب الإلكترونية.
وعلى وجه الخصوص، غالبا ما تستخدم هذه البرامج للتجسس وتحديد مواقع المعارضة والتعرف على النمط الاجتماعي السائد وبالطبع القمع والقتل.
من جهة أخرى، في مجتمع يتزايد فيه الاستقطاب، يمكن استخدام هذه الأداة لمحاربة الجريمة أو الإرهاب، ولكن أيضا لتقييد حقوق الإنسان.
وعلى سبيل المثال، يوجد على قائمة "ضحايا بيغاسوس" صحفيون من أذربيجان والمجر والهند والمغرب، وهي بلدان اشتد فيها القمع ضد وسائل الإعلام المستقلة.
كما استهدفت برامج التجسس هاتف الصحفي سيسيليو بينيدا قبل أسابيع قليلة من مقتله في عام 2017.
وهناك صحفيون من أسوشيتد برس وسي إن إن ونيويورك تايمز ورويترز تعرضوا للتجسس. كما تظهر رولا خلف، مدير صحيفة فاينانشيال تايمز، في هذه القائمة.
في عصرنا الحالي، أصبحنا محاصرين بالمراقبة، سواء في العالم الحقيقي أو الرقمي، تقول الصحيفة.
في الآن ذاته، أصبح من الصعب بشكل متزايد اكتشاف عمليات التطفل على الخصوصية، والتي تظل حقا أساسيا.
يسلط بحث مثل هذا الضوء على درجة التعقيد التي تصل إليها أنظمة المراقبة، والتي طورت، في هذه الحالة والعديد من الحالات الأخرى، عن طريق شركات خاصة.
وقالت الصحيفة: إن الرقابة غير الكافية والافتقار إلى الشفافية تجاه هذه البرامج يعني أنه يمكن استخدامها لأغراض غير قانونية.
وهو أمر مشابه لما يحدث في سوق الأسلحة من قبل الدول والجماعات الإجرامية من جميع الأنواع. ودعت الصحيفة إلى المطالبة بأقصى قدر من الشفافية.