لمواجهة المسلحين أم الصين؟.. حضور أميركي بغرب إفريقيا بعد تراجع فرنسا
فشلت سياسات فرنسا في غرب إفريقيا في إقناع أميركا بدور باريس في قيادة التحالف ضد الجماعات المسلحة، ووجدت واشنطن خروج باريس من عملية "برخان"، ذريعة لها وفرصة لاستعادة النفوذ بالقارة السمراء بمواجهة الحضور الصيني المتصاعد.
زيارة هامة لقادة القوة العسكرية الأميركية في إفريقيا "أفريكوم"، إلى منطقة غرب إفريقيا أثارت الكثير من الجدل والتساؤلات حول ما يجري من صراع في منطقة غرب إفريقيا.
وفي ختام زيارة نواب قائد قوات "أفريكوم" للعاصمة الموريتانية نواكشوط، أكدوا "حرصهم على توطيد التعاون بشكل موسع مع موريتانيا".
زيارة القادة الأميركيين إلى موريتانيا سبقتها بأيام زيارة رئيس النيجر، محمد بازوم، إلى العاصمة الفرنسية باريس لحضور قمة قادة بلدان مجموعة دول الساحل الخمس.
تلك القمة التي تهدف "تعزيز مكافحة المجموعات الجهادية في المنطقة"، والتي حضرها باقي الأعضاء عبر تقنية الفيديو.
الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أوضح أن مركز قيادة عملية "تاكوبا" -التي ستعوض برخان- سيكون في القاعدة الفرنسية في عاصمة النيجر نيامي، سيتم "تعزيزها بشكل كبير".
محللون ذهبوا إلى أن الخطوة تشير إلى استماتة فرنسية للحفاظ على بعض مواطئ القدم بغرب إفريقيا، بجانب اهتزاز في أداء أدواتها الدبلوماسية والعسكرية.
ويعتقدون أن المشهد يظهر أيضا أن الفرقاء الأجانب يقسمون مناطق النفوذ في منطقة الساحل.
حشد الحلفاء
وفي ختام زيارة قادة "أفريكوم" إلى نواكشوط، 14 يوليو/تموز 2021، ثمنوا “الدور الريادي الذي تلعبه موريتانيا في مؤسسات مثل مجموعة دول الساحل الخمس”.
السفير أندرو يانغ، نائب القائد المكلف بالتعاون المدني العسكري، والجنرال أسميث نائب قائد العمليات، أكدا أن تعاون واشنطن وموريتانيا سيؤتي ثماره.
ولفتا إلى أنه "يمكن لموريتانيا الآمنة والمستقرة أن تكون منارة للسلام في المنطقة”.
وأجرى القائدان العسكريان خلال زيارتهما لموريتانيا، لقاءات شملت الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني، ووزير الدفاع الموريتاني، وقائد أركان الجيوش الموريتانية.
الجنرال أسميث، قال: “بالإضافة إلى الدور القيادي الذي تلعبه موريتانيا في منطقة الساحل، فنحن ممتنون وسعداء جدا لدعمها طويل الأمد".
وكذلك "مشاركتها في تدريباتنا متعددة الأطراف، وعلى الأخص تمرين (فلينتلوك)"، إذ كانت موريتانيا مضيفة كريمة لأكبر تمرين تقوم به القوات الخاصة عام 2020.
وكشف أن المحادثات مع الرئيس الغزواني، لم ترتكز فقط على التأكيد على أهمية الشراكة والتعاون بين البلدين.
ولكن أيضا البحث عن طرق إضافية يمكن من خلالها لأميركا وموريتانيا أن تعملا معا من أجل التنمية الاقتصادية العادلة.
مسؤول عسكري أميركي كبير حذر في 19 يونيو/حزيران 2021، من "تهديدات أمنية إفريقية محتملة تمتد من الساحل القاري وحتى قرن القارة السمراء".
تحذيرات رئيس القيادة الأميركية في إفريقيا "أفريكوم" الجنرال ستيفن جي تاونسند، جاءت بمناورات "الأسد العسكرية" بالمغرب بمشاركة قوات أميركية وأوروبية وإفريقية.
وأشار تاونسند، إلى خطر الهجمات التي تنفذها في إفريقيا تنظيمات مثل "القاعدة" و"تنظيم الدولة" و"حركة الشباب".
وقال: "لهذا يجب أن تهتم واشنطن، لأن هذه المشكلة ستستمر في الانتشار، وفي النهاية ستذهب إلى أين؟، بمجرد أن تتجذر في إفريقيا سوف تنتشر في أوروبا وتصل أميركا",
وأضاف: "قد لا تهدد الأراضي الأميركية الآن، ولكنها حتما تهدد مصالح واشنطن في العالم".
فسح المجال
ورقة بحثية نشرتها صحيفة "الاستقلال"، أفادت بأن إعلان فرنسا نواياها بالانسحاب من عملية "برخان" في غرب القارة السمراء، جاء لفسح المجال لعمل دولي مشترك.
ودعت فرنسا -لاحقا- لوضع خطوط حمراء لروسيا، وهو الانقلاب الفرنسي على روسيا الذي يرجع إما لضغوط الإدارة الأميركية، وفق مراقبين.
أو لظهور التلاعب الروسي بفرنسا وبخاصة في الغرب الإفريقي.
التطور في العلاقات (الفرنسية- الروسية) دفع أميركا لفض قطاع من خبراتها التحالفية مع فرنسا.
وهو ما تبلور بشكل صارخ حيال الدعم اللوجيستي الأميركي لباريس في عملية "برخان".
إذ صرح مسؤول أميركي بارز لموقع "يورونيوز" قائلا: "ننفق مئات الملايين من الدولارات على قوة فرنسية لا تزال عاجزة عن قلب الموازين.. لا يبدو أننا نحصل على ثمار ما ننفقه".
هذا الأمر بدا معه أن أميركا تتجه نحو وقف دعمها المالي واللوجستي للقوات الفرنسية في الساحل الإفريقي؛ وهو ما يبدو مدخل الانسحاب الفرنسي الراهن من "برخان".
تطور موقف حلفاء فرنسا بعد تصريحات ماكرون عن الموت الدماغي لحلف "الناتو"، فسره مراقبون ألمان وأميركيون بالتقارب الفرنسي الروسي المتناقض مع العقيدة الراهنة للحلف.
الساحة الإفريقية، بشكل خاص، ومناطق النفوذ الروسي بشكل عام، تشهد تلاعب روسيا بالدبلوماسية الفرنسية، ما يعزز انعدام الثقة الأميركية في قدرات باريس.
ومن ثم يؤكد ضرورة معاودة سياسة "الحلول محلها" أسوة بالفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
سعى ماكرون للحصول على مباركة الرئيس الأميركي جو بايدن للانسحاب من عملية "برخان" في غرب القارة السمراء، مفسحا المجال لعمل دولي مشترك.
وخلال اجتماع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، في يونيو/ حزيران 2021، اضطر ماكرون للانحناء أمام بايدن الذي يستعيد بقوة التدخل الأميركي في أكثر من قضية.
من بين تلك القضايا يبدو فيها ماكرون وقد خاب مسعاه في بناء تحالف معتبر مع روسيا في كل من القوقاز وغرب إفريقيا وحتى شمالها.
الورقة البحثية التي نشرتها "الاستقلال"، ذهبت إلى أن فرنسا تعمل اليوم جاهدة لعدم تسجيل خسارة جديدة على صعيد المكانة الخارجية.
ولفتت إلى أن باريس، مترقبة وصول قيادة قوية يمثلها الرئيس الـ22 لفرنسا في انتخابات 23 أبريل/نيسان 2022.
وخاصة وسط وفرة من مرشحي اليمين، ومرشح يساري واحد على الأرجح، ومرشح آخر من أصول عسكرية.
بدعوى الإرهاب
التحالف الدولي ضد "تنظيم الدولة"، عقد في 28 يونيو/ حزيران 2021، اجتماعا في العاصمة الإيطالية روما، "وسط تزايد المخاوف من أنشطة التنظيم في إفريقيا".
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قال: إن الدول الـ83 الأعضاء بالتحالف حققت نجاحا كبيرا، إلا أن "هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به".
بلينكن، أشار إلى أهمية ضمان عدم عودة عناصر التنظيم إلى العراق وسوريا، محذرا من أنه "يشكل تهديدا متزايدا لمناطق خارج الشرق الأوسط".
ولفت إلى "أفغانستان واليمن وشمال سيناء بمصر ومناطق في غرب إفريقيا، مثل مالي".
وأعلن أن واشنطن صنفت الزعيم البارز في فرع تنظيم الدولة بالصحراء الكبرى عثمان الياسو جيبو كـ"إرهابي عالمي".
وقالت وزارة الخارجية الأميركية: إن المسلح المقيم في مالي لعب دورا في الهجمات على أجانب وقوات الأمن المحلية في إقليم ميناكا والنيجر المجاورة.
تحالف مصالح
متابعون يرون أن الغرض الأساسي من هذه القمم هو تشكيل تحالف دولي تقوده الدول الكبرى التي لها مصالح بمنطقة الساحل.
ورجحوا أن يكون على شاكلة التحالف الموجود لمواجهة تنظيم الدولة في سوريا والعراق تحت قيادة واشنطن، والتحالف الذي حاولوا تشكيله في ليبيا لمواجهة التنظيم.
ولفتوا إلى أن هذا هو ما أعلن عنه صراحة رئيس النيجر محمدو ايسوفو، في يوليو/ تموز 2020.
الزيارة الأولى لوزير خارجية أميركا السابق، مايك بومبيو لإفريقيا، في فبراير/ شباط 2020، أتت في وقت فكر فيه الجيش الفرنسي تقليص وجوده بمنطقة الساحل في غرب إفريقيا.
وهو التوقيت الذي وسع فيه تنظيما "الدولة" و"القاعدة" من وجودهما بغرب إفريقيا، بشكل مثل تهديدا لحلفاء واشنطن.
وفي تحليل عقب الزيارة، رأت الخبيرة السياسية، كريستا لارسون، من وكالة "أسوشيتد برس"، أن بعض الزعماء الأفارقة شعروا بخيبة أمل إزاء سياسة ترامب مع دول القارة.
وأكدت أن واشنطن كانت تعتمد على سياسة "نحن أو هم"، في نظرتها للوجود الصيني هناك.
وهو ما اعتبره بعض دول القارة إهانة لهم، بينما تعامل آخرون مع السياسة الأميركية بشكل "براغماتي"، قائم على المصلحة والعمل وفق السياسة التي تحددها واشنطن.
وفي 16 يوليو/تموز 2021، أعلنت أميركا، عزمها إرسال 25 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لكوفيد 19 "كورونا"، إلى إفريقيا، بدءا من بوركينا فاسو وجيبوتي وإثيوبيا.
ووصف جوزيف أوتشينو، المحلل السياسي السنغالي، تحذير أميركا من أن الاستثمار الصيني في إفريقيا "يغذي الفساد ويقوض سيادة القانون"، بتصريحات "منافقة تقريبا".
ونقلت فضائية "الجزيرة" عن أوتشينو قوله: "لا أعتقد أن واشنطن يمكنها أن تخبر إفريقيا أن الشركات الأميركية بالضرورة الأنظف عندما يتعلق الأمر بالقارة".
وذلك في إشارة إلى فضائح الفساد السابقة والمحسوبية المتعلقة بشركات أميركية في إفريقيا.