انتخب قيادة جديدة.. ما التحديات التي تواجه الائتلاف السوري المعارض؟
يدخل الائتلاف الوطني السوري المعارض، بعد اختيار قيادة جديدة له، مرحلة ملؤها التحديات، على رأسها "تضييق هوة الخلاف" في بيته الداخلي، وكذلك القدرة على لجم مناورات نظام بشار الأسد وتهربه ومماطلته من تطبيق قرار مجلس الأمن "2254" المحدد لخارطة الحل السياسي في سوريا.
كما تبدو اليوم مسألة إعادة الائتلاف المعارض الثقة به لدى الحاضنة الشعبية الثورية بوصفه "مظلة جامعة" للمعارضة السورية، "أكثر إلحاحا وحساسية" من أي وقت مضى.
وفي 12 يوليو/تموز 2021، انتخبت الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري بمدينة إسطنبول التركية، سالم المسلط، رئيسا للائتلاف، وهو العاشر ضمن قائمة رؤسائه خلفا لنصر الحريري.
وتبلغ مدة رئاسة الائتلاف عاما واحدا، يمكن تمديدها لعام إضافي عبر انتخابات، كما انتخبت الهيئة العامة في دورتها الـ57 كلا من (عبد الأحد اسطيفو، وربا حبوش) نوابا لرئيس الائتلاف، وهيثم رحمة أمينا عاما، إضافة إلى هيئة سياسية جديدة مؤلفة من 19 عضوا.
شيخ قبيلة
والمسلط هو رئيس "مجلس القبائل والعشائر" (أحد مكونات الائتلاف)، ولد بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا عام 1959، وحاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية وأتم دراسته في الولايات المتحدة.
كما عيّن نائبا للمدير العام "لمركز الخليج للأبحاث" بـدبي (غير حكومي)، وذلك من عام 1998 وحتى 2011.
وكان المسلط عضوا في الهيئة العليا للمفاوضات السورية، وناطقا باسمها في محادثات جنيف التي جرت بين المعارضة ونظام الأسد بين عامي 2016 و2017، بالإضافة إلى كونه شيخ قبيلة الجبور في سوريا.
وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بالعاصمة القطرية الدوحة، تأسس "الائتلاف الوطني" من قوى الثورة والمعارضة السورية وشخصيات وطنية مستقلة وتيارات وأحزاب سياسية ومجالس محلية وفصائل ثورية.
وتولى معاذ الخطيب، وهو شخصية مستقلة منصب أول رئيس للائتلاف، وفور انتخابه قال إن "عمل الائتلاف سينتهي فور سقوط النظام".
لكن في الوقت الذي يعد فيه الائتلاف حاليا الجسم السياسي الوحيد الذي يمثل ثورة السوريين والمعترف به أمميا ودوليا؛ يواجه استحقاقات سياسية صعبة مشكّلة تحديا أكبر أمام نفي لعبة تبديل المناصب داخله ومطالبة الشارع الثائر له باستعادة دوره في تحقيق تطلعات الشعب بعيدا عن الإملاءات الخارجية.
ورغم أن الائتلاف الوطني يتبنى طريق الحل السياسي كخيار وحيد يضمن عملية الانتقال إلى نظام سياسي في سوريا يطوي حقبة استبداد الأسد الأب والابن؛ إلا أن الائتلاف يتهم النظام باستخدام سياسة التملّص والتعطيل وإغراق المفاوضات الجارية معه بتفاصيل لا علاقة لها ببنود القرارات الدولية.
وفور فوزه أعلن الرئيس الجديد لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، أنه يمد يده لكل القوى السياسية، تحت شعار "وحدة عمل الشعب السوري".
وقال المسلط: "ننظر إلى عملنا في هذه المرحلة بطريقتين، الأولى هي الالتزام بمبادئ الثورة، والثانية أخد الواقع والمتغيرات الدولية بعين الاعتبار، فالعالم الذي نعيش فيه متحرك".
وأكد المسلط أن "الاختلاف أمر وارد ولكن التفرق مرفوض"، مردفا: "التماسك الداخلي يساعد المعارضة على العمل مع أصدقاء الشعب السوري، لا سيما السعودية والأصدقاء في تركيا".
ومع ذلك، فإن أبرز المعارك التي يخوضها الائتلاف اليوم هي معركة "اللجنة الدستورية"، المكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد والتي توصف نتائجها منذ تشكيلها في سبتمبر/أيلول 2019 بأنها "صفرية ومخيبة للآمال".
ويرجع ذلك لتعنت النظام السوري في تحقيق أي تقدم في مواضيع اللجنة وتضييعه للوقت، رغم أن مسارها سياسي وتقوده الأمم المتحدة بين ممثلين عن النظام والمعارضة والمجتمع المدني السوري بالتساوي.
خلافات داخلية
عضو الهيئة السياسية الجديدة للائتلاف، يحيى مكتبي، سلّط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه الجسم المعارض، وهي "أولا العمل على تمكين الحكومة المؤقتة (تتبع للائتلاف) من أداء مهامها في تقديم الخدمات للأهالي في مناطق الشمال السوري المحرر وفي قطاعات الصحة والتعليم والبنى التحتية والإدارة المحلية "،
واعتبر في حديث لـ"الاستقلال أن "ذلك يتطلب دعما ومساندة من الدول الشقيقة والصديقة".
وبيّن مكتبي أن التحدي الثاني يتمثل "بالإطار السياسي من أجل إعادة إحياء العملية السياسية التي ما زالت تراوح في مكانها بسبب عرقلة نظام الأسد المجرم وداعميه لأي مساعي لتقدم هذه العملية بشكل جدي وفعال".
وأشار عضو الهيئة السياسية الجديدة إلى أن الائتلاف "سيعمل مع كافة الأطراف السورية والشقيقة والصديقة من أجل الدفاع عن مصالح الشعب وتحقيق الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية".
وينظر الشارع السوري المعارض إلى أن الائتلاف "كان منشغلا" بخلافات في بيته الداخلي حرفته عن تكثيف مسألة الحشد والمناصرة وعكس معاناة المدنيين في الداخل.
اتسم الجدل بين السوريين خلال السنوات الماضية بالشد والجذب وإثارة الجدل الدائم تجاه الائتلاف وتشكيلاته التابعة له، لا سيما أن بعض التصرفات والقرارات قابلها الشارع بالرفض والاستهجان وصلت لدرجة إطلاق حملات لإسقاط الشخصيات المترأسة لهذه المؤسسات.
وأبرز تلك الشواهد تراجع "الائتلاف" في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عن تشكيل "المفوضية العليا للانتخابات" التي قال إن هدفها "تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية من خلال ممثلها الشرعي، من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية".
الأمر الذي دفع قوى ثورية ووطنية للضغط على "الائتلاف" لسحبها واعتبار تلك الخطوة شرعنة لنظام الأسد ودفع للعمل تحت مظلته ما يعني ذلك إجهاض لمطالب الثورة، خاصة أن الشارع السوري يأخذ على هيئة التفاوض المعارضة قبولها بتجاوز ضمن أعمال اللجنة الدستورية مناقشة هيئة الحكم الانتقالي التي تسبق مسألة إعداد دستور جديد للبلاد.
ووفق القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، فإن العملية السياسية في سوريا تنطلق عبر أربع سلال تتمثل في: الحكم الانتقالي، والدستور والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
وتؤكد مواقع سورية معارضة أن حالة من الخلافات سادة التشكيلات التابعة للائتلاف خلال فترة ولاية الرئيس السابق، نصر الحريري، حيث ابتعدت الأجواء عن الهدوء وتصفير المشكلات، لا سيما بين الحكومة المؤقتة وممثلي هيئة التفاوض وأعضاء اللجنة الدستورية وبعض كتل الائتلاف من جهة، والحريري من جهة أخرى، كما يؤكد موقع "تلفزيون سوريا" (خاص).
ولهذا ذهب الكاتب الصحفي السوري سامر العاني لاعتبار أنّ "الدورة الحالية من أصعب الدورات التي مرت على الائتلاف الوطني".
وقال العاني لـ"الاستقلال": "بعد فترة تصفير المشاكل والتقارب بين جميع المكونات في عهد الرئيس الأسبق أنس العبدة، مر الائتلاف في أقصى حالات التفتت والتشرذم والخلافات بين المكونات بسبب سياسة الحريري".
وأردف: "من هنا أقول إن المهمة الأساسية التي تواجه المسلط هي إعادة التوافق بين مكونات الائتلاف، بحيث ستستهلك الأشهر الستة الأولى الكثير من جهود رئيس الائتلاف والكتل الوازنة لإنهاء تلك الخلافات".
ورأى الكاتب السوري أن ما يواجه الائتلاف من تحديات خارجية تتمثل "بمدة قدرة المسلط على التوافق مع كل الدول الضالعة في الملف السوري وعلى رأسها الخليج وتركيا".
مطالب شعبية
ويرى مراقبون أن الائتلاف الوطني المعارض، مطالب بالبحث عن "آليات جديدة" تزيد من عزلة نظام الأسد عربيا ودوليا.
وكذلك العمل على فتح قنوات مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للتحرك أكثر تجاه الملف السوري وإن كان عبر قانون "قيصر" الذي يوصف بـ "السلاح الأقوى" لشل النظام ودفعه للقبول بالحل السياسي، خاصة أن "قيصر" الذي ينص على فرض عقوبات غير مسبوقة على الأسد وداعميه، لم تصل منذ دخولها حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2020 إلى مرحلة تأثر عليه بشكل كبير.
وعلى اعتبار أن القانون بما يحتويه من عقوبات شاملة يراه مشرعوه بأنه قد يشكل بوابة لتفكيك بنية نظام الأسد؛ عبر دفع الخاضعين له والواقعين تحت تأثيره للتمرد على سلطاته في ظل تزايد الأزمات المعيشية بمناطق نفوذه وعجزه وحلفائه عن تقديم حلول واقعية وملموسة.
كما أن تغير المواقف الإقليمية والدولية بعد 10 سنوات على ثورة السوريين وما رافقها من تبدل في أولويات أصدقاء الشعب السوري يُحتم في هذه المرحلة على الائتلاف أن يلتزم مبدأ الشفافية الذي يعتبر عماد الدولة المدنية.
وحذّر كثير من المهتمين بالشأن السوري رئيس الائتلاف الجديد من الوقوع في أخطاء سلفه، وكتب الخبير العسكري السوري العقيد حاتم الراوي منشورا في هذا السياق على صفحته بفيسبوك قال فيه: "الأستاذ سالم إنا نطالبك فقط أن تعتمد الشفافية والصراحة في خطابك ما أمكن، ولتعلم أن كل من سبقوك سقطوا لأنهم كانوا يخافون من الصراحة".
ورغم التزام "الائتلاف" بثوابت تقوم على الدعوة لـ"إسقاط حكم نظام الأسد" بكل رموزه وأركانه وتفكيك أجهزته الأمنية ومحاسبة المتورطين بجرائم ضد السوريين، إلا أن مفاوضاته مع النظام وشراء الأخير للوقت بدعم روسي دعت الكثير من المهتمين لتحذير الائتلاف من تقديم تنازلات "لا تتوافق ومطالب السوريين".
ووجهة نظر هؤلاء مستمدة من محاولات روسيا في أكثر من موقف ترطيب الأجواء مع هيئة التفاوض السورية، وأشهرها حينما دعت وفدها برئاسة نصر الحريري آنذاك إلى زيارة موسكو أواخر يناير/كانون الثاني 2018 واللقاء بوزير الخارجية سيرغي لافروف.
لكن الزيارة أثارت غضب السوريين وشكلت حالة سخط عام بسبب اجتماع وفد المعارضة مع المسؤولين الروس؛ في الوقت الذي تدك فيه طائرتهم المدن السورية وتقتل وتشرد آلاف المدنيين.