غاب حفتر وحضر المنفي.. لماذا افتتح السيسي ثاني قاعدة عسكرية قرب ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

في 22 يوليو/تموز 2017 اصطحب رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي الجنرال الانقلابي الليبي خليفة حفتر، وولي عهد الإمارات محمد بن زايد، في سيارة مكشوفة خلال افتتاح قاعدة "محمد نجيب" العسكرية قرب ليبيا.

بعد 4 أعوام، وعقب هزيمة حفتر في معركة طرابلس مايو/أيار 2020، وفوز محمد المنفي برئاسة مجلس الرئاسة الليبي، عاد السيسي ليصطحب المنفي هذه المرة، خلال افتتاح قاعدة "3 يوليو" ويغيب حفتر.

غياب حفتر، عن افتتاح قاعدة "3 يوليو"، برغم تأكيد وسائل إعلام إماراتية وروسية ومصرية أن القاهرة وجهت له الدعوة، رفقة رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، ووزير الدفاع اليوناني، نيكولاوس بانايوتوبولوس، يحمل دلالات عديدة، وربما رسائل مصرية "لعدة أطراف".

أمر غير لائق

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"الاستقلال"، إن "القاهرة ارتأت عدم دعوة حفتر، استجابة للتطورات الأخيرة منذ هزيمته في معركة طرابلس (4 يونيو/حزيران 2020) وتحوله لكارت محروق".

ورغم أن المنفي سبق أن التقى حفتر بمدينة بنغازي في 11 فبراير/ شباط 2021، رأت القاهرة أن دعوة حفتر معه "أمر غير لائق".

وحفتر يسمي نفسه "القائد العام للقوات المسلحة الليبية"، لكن المنفي يعد رسميا وباعتراف الأمم المتحدة، "القائد الأعلى للجيش الليبي"، وطبيعي أن يتم دعوة المسؤول الرسمي المعترف به، بحسب المصادر.

لكن التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة، هل غياب حفتر رسالة بتغير في السياسة الخارجية المصرية؟ وهل غياب وزير الدفاع اليوناني رسالة أخرى لأنقرة تشير لرضى القاهرة عن خطوات تركيا الأخيرة ضد المعارضين المصريين المقيمين فيها؟

و"قاعدة 3 يوليو" هي أحدث القواعد العسكرية المصرية على البحر المتوسط، وتختص بتأمين مصر في الاتجاه الإستراتيجي الشمالي (البحر المتوسط) والغربي (ليبيا) وتأمين مناطق استخراج الغاز وخطوط النقل البحرية.

وهي ثالث قاعدة يفتتحها السيسي منذ 2017، بجانب قاعدتي "محمد نجيب" في 22 يوليو/تموز 2017 قرب ليبيا، و"برنيس" في جنوب البحر الأحمر التي تم تشغيلها 15 يناير/كانون الثاني 2020.

رسائل مصر

حرص النظام المصري على توجيه عدة رسائل سياسية وعسكرية من وراء افتتاح القاعدة العسكرية الجديدة.

الأولى، "سياسية داخلية"، حيث تم اختيار اسم "3 يوليو" لعلاقته بالذكرى الثامنة لانقلاب السيسي العسكري ضد أول رئيس مدني منتخب.

وأكد ذلك قائد القوات البحرية، أحمد خالد، في كلمته بقوله إن "يوم 3 يوليو ارتبط بتاريخ عظيم تم فيه التخلص من قوى الشر والإرهاب!".

كما أكده أيضا وزير الخارجية، سامح شكري في حوار مع قناة "القاهرة والناس" حين قال إن "افتتاح القاعدة البحرية 3 يوليو في هذا اليوم له رسائل عديدة".

وأضاف: "ذكرى يوم 3 يوليو تاريخ عظيم وله مدلول كبير بالنسبة للشعب المصري".

الرسالة الثانية، سياسية وعسكرية ضد إثيوبيا، ظهرت خلال كلمة السيسي في مقطع فيديو نشرته الرئاسة على قناتها عبر "يوتيوب" أثناء مأدبة غداء لضيوف افتتاح قاعدة "3 يوليو".

ورغم أنه لم يبعث برسائل تهديد صريحة ضد إثيوبيا، قال السيسي: "لا يجوز أن يستمر التفاوض حول سد النهضة إلى ما لا نهاية"، مضيفا: "مصر لم تهدد أحدا على مر التاريخ رغم ما تملكه من قوة عسكرية ظهر جزء منها في المناورات العسكرية".

لكن رسالة تهديد ضمنية لإثيوبيا جاءت على لسان مقدم الاحتفال العسكري، العقيد ياسر وهبة، حين تحدث عن "استعداد مصر للقتال إذا فرض عليها للدفاع عن مقدراتها".

وفي إشارة لقضية المياه وسد "النهضة"، ألقى وهبة بعض الأبيات من قصيدة "مصر تتحدث عن نفسها" للشاعر حافظ إبراهيم.

رسالة مصر الثالثة، "سياسية ضمنية" أيضا من وراء دعوة ابن زايد لثاني افتتاح لقاعدة عسكرية مصرية في وقت تتفاقم فيه أزمة سد النهضة.

وحرص السيسي خلال الحفل على توجيه رسالة ضمنية للإمارات حين قال "على الأصدقاء والأشقاء دعمنا في سد النهضة"، وهو تصريح "يبدو مقصودا ومتعمدا".

ورغم امتداح إعلاميي مصر حضور الإمارات، أكدت مصادر دبلوماسية مصرية وجود حالة فتور في العلاقات، وغضب مصر من دعم أبو ظبي لإثيوبيا على حساب مصالحها في ملف سد النهضة.

المصادر الدبلوماسية تحدثت لـ"الاستقلال" عن "خلاف مكتوم" بين مصر والإمارات، خصوصا بسبب الموقف الإماراتي من سد النهضة الإثيوبي وليبيا والتطبيع مع إسرائيل معا.

وأكدت أن "هذه الملفات الثلاث ترى القاهرة أن سلوك أبو ظبي فيها يضر بأمن مصر القومي".

وقالت المصادر: إن "شهر العسل الذي امتد بين القاهرة وأبو ظبي منذ 2013 (لدور الإمارات في دعم انقلاب السيسي)، يشهد تراجعا بسبب تعارض السياسات الخارجية للبلدين".

ويرجع غضب النظام المصري إلى دعم الإمارات إثيوبيا عسكريا وسياسيا، وتشجيعها حفتر على التصعيد في ليبيا بدل خطة مصر للتهدئة، ودورها في ضرب اقتصاديات قناة السويس باتفاقيات نقل النفط الخليجي خط "إيلات عسقلان" الإسرائيلي.

رسائل غياب حفتر

دعوة مصر "المنفي" لحضور افتتاح قاعدة "3 يوليو"، بصفته "القائد الأعلى للجيش الليبي" تعني ضمنا عدم اعترافها بحفتر قائدا لجيش ليبيا، وإشارة أخرى لنفي القاهرة أنباء توسطها لدى المنفي أو ضغطها عليه لتعيين حفتر وزيرا لدفاع ليبيا.

لكن توجيه مصر الدعوة لحفتر والمنفي معا، كان سيعني "ازدواجية" في موقف مصر من ليبيا، ويكشف "نفاق" دعمها حكومة التوافق الجديدة المشكلة بدعم الأمم المتحدة.

مصدر برلماني مصري قريب من الملف الليبي أبلغ "الاستقلال" أن حرص مصر على دعوة المنفي هو أيضا "رسالة تخويف وضغط" مصرية وإظهار قوة مصر العسكرية أمامه كدلالة على حجم قوة تدخلها في ليبيا "لو أرادت".

وأشار إلى أن المنفي رفض تعيين حفتر وزيرا للدفاع، مثلما رفض دعوة للمجلس الرئاسي الليبي لبحث تعيين وزير جديد للدفاع، لأنه يفضل احتفاظه بالمنصب لحين إجراء الانتخابات نهاية 2021.

أوساط إعلامية ليبية، قالت: إن القاهرة تأخذ في الحسبان تهديد قوات "بركان الغضب" الليبية بالحرب لو جرى تعيين حفتر وزيرا للدفاع.

وربما تحرص مصر أيضا على استخدام "كارت" حفتر بحذر تحسبا لمحاكمته قريبا كمجرم حرب في أميركا، وعدم الاعتراف به كقائد رسمي له "حصانة".

وقبل افتتاح قاعدة 3 يوليو، ذكرت وكالة "أسوشيتدبرس" 2 يوليو/تموز 2021، أن محكمة أميركية في ولاية فيرجينيا حكمت بأن "حفتر لا يحق له ادعاء حصانة رئيس دولة في القضايا المتهم فيها بارتكاب انتهاكات وجرائم في ليبيا".

ويواجه حفتر، الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والليبية، دعاوى بارتكاب جرائم القتل والتعذيب في ليبيا، وتعويضات بملايين الدولارات من ممتلكاته في فيرجينيا.

القاضية، ليوني برينكيما، قالت إنها استشارت وزارة الخارجية الأميركية في القضية مرتين في عهد الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن، واختارت الخارجية عدم التدخل في المرتين.

وقالت محامية الضحايا: إن "رفض الخارجية الأميركية الاعتراف بحفتر رئيسا للدولة يلزم القاضي بعدم الموافقة على تمتعه بحصانة على ذلك".

يأتي هذا عكس تدخل الخارجية الأميركية في قضية رئيس وزراء مصر السابق حازم الببلاوي التي رفعها ضده الناشط محمد سلطان متهما إياه بتعذيبه عقب فض رابعة (14 أغسطس/آب 2013).

وتعد هذه الدعوى القضائية الثالثة التي يتم رفعها ضد حفتر، على خلفية ارتكابه جرائم حرب، بعد دعوتين سابقتين ضده في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.

ورفعت 6 عائلات ليبية دعوى أخرى لدى المحكمة الفيدرالية في واشنطن، ضد حفتر والإمارات، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وانتهاك حقوق الإنسان وتعويض مليار دولار.

ويمتلك حفتر 17 عقارا مسجلا في الولايات المتحدة، والقضية ستطال ممتلكاته، التي تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات.

رسائل لتركيا

رغم أن كتابا وصحفيين اعتبروا افتتاح مصر ثاني قاعدة بحرية قرب ليبيا، رسالة موجهة لتركيا والوجود العسكري التركي هناك، بدا أن القاهرة توجه رسائل إيجابية من افتتاح القاعدة تجاه تركيا.

غياب وزير الدفاع اليوناني، غريم تركيا، عن الافتتاح، أحد هذه الرسائل الإيجابية بعدما نشرت صحف مصرية وعربية مشاركته بدعوة من القاهرة.

ورغم تأكيد اللجان الإلكترونية الحكومية المصرية وصول وزير الدفاع اليوناني لحضور حفل افتتاح القاعدة، لم تذكر الخارجية اليونانية على موقعها الرسمي أي شيء عن مشاركة الوزير.

وقبل افتتاح القاعدة المصرية بيوم استقبل وزير خارجية اليونان نيكوس ديندياس، في 2 يوليو/ تموز 2021 عقيلة صالح الذي قيل أيضا أنه سيحضر الافتتاح، لكنه غاب، بحسب موقع الخارجية اليونانية.

غياب وزير الدفاع اليوناني عن افتتاح القاعدة، وإشادة وزير الخارجية المصري بخطوات تركيا تجاه القاهرة مساء افتتاح القاعدة، يبدو استجابة مصرية لرسائل تركيا للتهدئة.

وخلال مداخلة هاتفية لشكري، مساء 3 يوليو/تموز 2021، مع برنامج "حديث القاهرة"، على فضائية القاهرة والناس، أشاد بــ"الخطوات الأخيرة التي تتخذها الدولة التركية الرامية إلى تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة".

واعتبر أنها "تعد خطوة إيجابية"، في إشارة لمنع أنقرة 4 إعلاميين مصريين ومعارضين آخرين من بث برامجهم أو الحديث على منصات التواصل الاجتماعي ضد مصر من تركيا في 23 يونيو/حزيران 2021.

وأفاد شكري بأن "منع تركيا للهاربين والإخوان المسلمين من الظهور الإعلامي يمثل خطوة إيجابية من قبل أنقرة نحو تطبيع العلاقات بين البلدين".

وأوضح أن التفاهم بشأن مجريات الأوضاع في ليبيا من بين الملفات التي يجري التواصل بشأنها بين مصر وتركيا، قائلا: "الشأن الليبي له تأثير وأهمية قصوى على الأمن القومي المصري، وهناك أمور أخرى متعددة لابد أن توضع في الاعتبار".

ومن الرسائل الإيجابية المصرية الأخرى استضافة قطر – حليف تركيا – لأول مرة في حفل افتتاح القاعدة، عبر قائد القوات البحرية الأميرية في قطر، اللواء ركن عبد الله بن حسن السليطي، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء القطرية الرسمية.

وشاركت قطر في افتتاح "القاعدة" بعد المصالحة وتطبيع العلاقات مع مصر في 5 يناير/كانون الثاني 2020، إثر مقاطعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين لها أكثر من 3 أعوام.