"إستراتيجية الإغراق".. ما سر توقيت قطع إيران إمداد الكهرباء عن العراق؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل ارتفاع شديد بدرجة الحرارة تخطت 50 مئوية، أقدمت إيران على قطع إمدادات الطاقة الكهربائية عن العراق، الأمر الذي تسبب باحتجاجات شعبية في وسط وجنوب البلاد، إضافة إلى استقالة وزير الكهرباء، وإبعاد عدد من المسؤولين في الوزارة.

ولدى العراق، اتفاق مع إيران، لاستيراد الطاقة الكهربائية، بواقع 1200 ميغاواط، وكذلك يساهم الغاز المستورد من طهران بتشغيل محطات كهربائية عراقية تمد المنظومة بما يقارب من 3300 ميغاواط، لكن العراق لا ينتج سوى 20 ألف ميغاواط، إذ تبلغ حاجة البلد 40 ألف ميغاواط.

ورغم تبرير إيران قطع الكهرباء عن العراق، بسبب تلكؤ الأخير في دفع بعض المستحقات، لكن توقيت القطع أثار تساؤلات كثيرة ولا سيما أنه يأتي قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فهل ثمة أبعاد سياسية وراء القرار الإيراني الأخير؟

ورقة ضغط

وأزمة الكهرباء في العراق مستمرة ومعقدة، وتتداخل فيها عوامل عدة، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة، بعد نظام صدام حسين في إيجاد حلول لانقطاعها لساعات طويلة يوميا، ويقدر قيمة ما أنفقته الحكومات العراقية منذ 2003 أكثر من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء دون أية حلول ملموسة.

الباحث في الشأن السياسي العراقي، عمر العادل، قال لـ"الاستقلال": إن "إيقاف إيران لإمدادات الكهرباء للعراق، مشكلة تمتد إلى ملفات أخرى سياسة وأمنية وتعقيدات بالشأن الداخلي العراقي، ومشاكل أميركا مع إيران وملفها النووي؛ كل ذلك يلقي بظلاله على سياسات إيران مع العراق".

وأضاف العادل، أن "العراق لا يستطيع قطع العلاقات والذهاب بعيدا عن إيران في الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمشكلة صانع القرار العراقي ربط كل هذه الملفات بإيران فقط، ولم يذهب إلى التنويع مع تركيا والسعودية والأردن".

وتابع: "عندما يكون هناك خلاف بين العراق وإيران بالتأكيد ستكون نتائجه إيقاف الطاقة الكهربائية وعدم التعاون في الجهد الأمني، خاصة وأنه لإيران جماعات موالية بالعراق وإن كانت تحت مظلة الحشد الشعبي، لذلك فهناك ملفات متشابكة مع إيران".

وأشار العادل إلى أن "سياسة العراق الخارجية كانت السبب الأساس في وضعه بهذه الأزمات، فلو بنيت العلاقات الخارجية على أساس مصالح العراقيين أولا، ثم التفكير بمصالح الجيران بعد ذلك، لما حصل ما نحن فيه اليوم".

الباحث العراقي تساءل عن أسباب "عدم شراء العراق الطاقة الكهربائية من تركيا أو السعودية، رغم وجود عروض مقدمة من الدولتين أفضل مما هو متفق عليه مع إيران؟"، لائما "القائمين على السياسية الخارجية العراقية، لأنهم لم يعملوا توازنا في العلاقات والمصالح".

ويرى أن "إيران تستخدم ورقة الطاقة الكهربائية، للضغط سياسيا في ملفات معينة، رغم أنهم يعزون الأسباب إلى عدم تسديد العراق لديونه لقاء استيراد الطاقة من طهران".

إستراتيجية الإغراق

من جهته، يرى القيادي المنشق عن التيار الصدري غيث التميمي، أسبابا أخرى تدفع إيران لقطع إمدادات الكهرباء عن العراق، بالقول عبر "تويتر" في 4 يوليو/ تموز 2021، إن "إيران تتبع مع العراق إستراتيجية الإغراق، وتعني أغرقهم بتنظيم الدولة ثم أنقذهم منها".

وأضاف التميمي، قائلا: "الأمر نفسه بالنسبة لملف الكهرباء في العراق، إيران تغرقه بأزمة الكهرباء ثم تنقذهم منها، وبهذه الطريقة يصبح الإيراني وكأنه حامي العراقيين من تنظيم الدولة، ومبردهم وقت الحر الشديد".

تقرير لوكالة أنباء "أسوشيتد برس" الأميركية، في 29 يونيو/ حزيران 2021، أشار إلى أن قطع إيران إمدادات الكهرباء عن العراق، "أثار احتجاجات شعبية عامة، وشدد المخاوف بشأن توفر الكهرباء في موسم الصيف".

وأضافت أن إيران تضغط على الحكومة العراقية للإفراج عن أموالها المجمدة ودفع المتأخرات، مشيرة إلى أن اعتماد العراق على واردات الكهرباء من إيران كان له تداعيات جيوسياسية، وكان مصدر توتر مستمر بين بغداد وواشنطن.

ويأتي هذا بينما أعلن وزير الكهرباء العراقي ماجد مهدي حنتوش، في 28 يونيو/ حزيران 2021، عن استقالته وسط ضغوط شعبية وسياسية بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي في البلاد.

واشترطت أميركا في منح العراق إعفاءات لاستيراد الطاقة من طهران، بسعي بغداد لمزيد من الاستقلال في مجال الطاقة. وأعلن مسؤولون عراقيون مؤخرا عن خطط لبناء 8 محطات للطاقة النووية بحلول عام 2030 لتقليل الاعتماد على واردات الكهرباء.

وعلى وقع القطع الإيراني لإمدادات الطاقة الكهربائية، جرى استهداف نحو 61 برجا للطاقة الرابطة بين المحافظات العراقية، ولا سيما الشمالية منها، حسبما كشف المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، بمقابلة تلفزيونية في 3 يوليو/ تموز 2021.

وكلف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خلال ترؤسه اجتماعا طارئا لمحافظي المحافظات، في 3 يويو/ تموز 2021 ، قوات الجيش بحماية خطوط نقل الطاقة الكهربائية.

وقال بيان صدر عن مكتب الكاظمي: "تقرر أن تتولى قيادة العمليات المشتركة (الجيش) حماية أبراج نقل الطاقة الكهربائية، وتخصيص قوة خاصة لهذه المهام، وقيام قيادات الشرطة والمحافظين بحماية المنشآت الكهربائية والعاملين فيها، وتخصيص مفارز خاصة بذلك".

قطع الكهرباء من إيران أعاد إلى الأذهان التجربة السابقة في عهد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أواخر عام 2018، والذي كان سببا في خروج مظاهرات ضده في الوسط والجنوب العراقي، والتي اعتبرها سببا في اقصائه عن ولاية ثانية.

القمة الثلاثية

مراقبون للشأن العراقي ربطوا حملة التفجير المنظمة لأبراج نقل الطاقة بمخرجات القمة الثلاثية العربية في بغداد بين العراق ومصر والأردن في 27 يونيو/ حزيران 2021، والتي كانت إحدى مقرراتها ربط الكهربائي العراقي على الشبكة الكهربائية مع مصر.

وقبل ذلك، كشفت تقارير في 17 مايو/ أيار 2021 عن حراك خفي كان يجريه مسؤولون إيرانيون، وآخرون في سفارة طهران، لإيقاف أو عرقلة مشروع الربط الكهربائي بين العراق والدول الخليجية.

يأتي ذلك عقب بلوغ المشروع مراحل متقدمة، حيث أعلنت وزارة الكهرباء، أن العراق أنجز نحو 81 بالمئة من مستلزمات ومتعلقات هذا الربط، مع وجود مباحثات ومفاوضات مع هيئة الربط الخليجي لإنشاء خط بطول 300 كم، وسيكون بواقع 220 كم داخل الأراضي الكويتية و80 كم داخل الأراضي العراقية.

وذكرت التقارير أن "مسؤولين إيرانيين كانوا يرافقون وزير الخارجية محمد جواد ظريف، حاولوا التأثير على مجريات مشروع ربط الكهرباء، عبر استمالة مسؤولي قطاع الطاقة في العراق، ومنحهم تعاقدات جديدة، بأسعار مخفضة، مقابل وقف المشروع، أو إبطاء وتيرته".

وعقب ذلك، أعلن السفير الإيراني في بغداد أيرج مسجدي، في 15 مايو/ أيار 2021 أن بلاده "ستباشر حاليا في إنشاء محطتين لتوليد الكهرباء في العراق". وأضاف أن "أحد هذين المشروعين سيتحول إلى محطة كبرى لإنتاج الطاقة الكهربائية في هذا البلد".

ومثل هذا الإعلان مفاجأة للأوساط المعنية، ومسؤولي ملف الطاقة في العراق، حيث لم يعلن سابقا عن بوادر دخول طهران، لإنشاء محطات توليد كهرباء داخل العراق، خاصة وأن الشركات الإيرانية، غير مؤهلة للقيام بمثل تلك المشروعات.

وفي هذه النقطة تحديدا، قال الخبير النفطي، حمزة الجواهري، إن "هذا الإعلان عن وجود محطات ستبنى قريبا شكل مفاجأة، لعدم وضوح الاتفاق، وسبب هذا التوجه في الوقت الحالي، إذ إن إيران تمنع الغاز الذي يشتريه العراقيون بأموالهم عن المحطات المحلية، وهو ما يؤكد وجود نية أخرى لهذا الإعلان".

وأضاف الجواهري، خلال تصريحات صحفية في 17 مايو/ أيار 2021، أن "مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج، مثل ضربة لإيران، في ملف الطاقة والوقود، وهو ما دفعها إلى هذا الإعلان، بعد أن بلغ المشروع 80 بالمئة.

ولفت إلى أن "الشركات الإيرانية ليس لديها القدرة على إنشاء مثل تلك المحطات الكبيرة، بسبب حاجتها إلى معدات ثقيلة، مثل التوربينات وغيرها، فضلا عن عدم امتلاكها التكنولوجيا المختصة بذلك".

وفي أول تعليق، على تصريح السفير الإيراني، قالت وزارة الكهرباء العراقية إنها ستبين طبيعة هذا التصريح لاحقا. وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد موسى في تصريح صحفي: إن "الوزارة لم تصدر أي تفصيل بشأن تصريح السفير الإيراني، وأعتقد أننا سنوضح لاحقا ذلك ببيان رسمي".