"ذئب بهيئة حمل".. ما الذي سيتغير حال عودة اليسار الإسرائيلي للحكم؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحشد المعارضة الإسرائيلية أطيافها المتنوعة للانقضاض على حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يشهد أسوأ فترات حكمه، بعد فشل عدوانه الغاشم على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقدس.

ويحتمل أن يعود اليسار الإسرائيلي مرة أخرى بقوة إلى أروقة الحكم، لا سيما وأن زعيم التحالف وقائد الحكومة المنتظر هو "يائير لابيد"، زعيم حزب "يش عتيد" أو هناك مستقبل، الذي يمثل يسار الوسط.

كذلك وجود حزبي اليسار المتمثلين في "العمل" بقيادة ميراف ميخائيلي، و"ميرتس" بقيادة نيتسان هورويتز، مما يعطي التحالف القائم طابعا يساريا مختلفا عن حكومات اليمين التي شهدتها دولة الاحتلال عبر سنوات طويلة.

تلك التشكيلة اليسارية دفعت نتنياهو، للإعلان خلال مؤتمر صحفي بثته قناة "كان" العبرية الرسمية، أن "تشكيل حكومة يسار خطر على مستقبل دولة إسرائيل، لأنها ستكون حكومة انهزام واستسلام".

من الناحية الأخرى ينظر لحكم "اليسار الإسرائيلي" على أنه لا يشكل فارقا محوريا في شراسة وانتهاكات الاحتلال بل على العكس.

فلطالما ساهم اليسار الذي يرفع شعارات السلام، في ارتكاب كثير من المذابح ضد الفلسطينيين، وفي ترسيخ الاستيطان، ونزع هوية البلاد الأصلية، وإحلال الهوية اليهودية. 

صعود جديد

شهدت الانتخابات البرلمانية في مارس/ آذار  2020، وما سبقها من دورتين انتخابيتين، انهيار حزب العمل بشكل خاص، وتراجع معظم أحزاب اليسار في إسرائيل بشكل عام، بعد عقد من الاضطرابات والانشقاقات التي ضربت ذلك التيار العريض، الذي حكم الكيان لعقود طويلة. 

وهو الأمر الذي دعا المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، للقول في 3 مارس/ آذار 2021، إن "حزب العمل أصبح في خبر كان ويصارع الموت في أيامه الأخيرة".

وأضاف: "إذا لم يتمكن الحزب من اجتياز نسبة الحسم في الانتخابات القادمة، فإنه سيصبح جزءا من التاريخ".

ولكن الأزمة الإسرائيلية الأخيرة عقب فشل العدوان على غزة في تحقيق أي أهداف عسكرية ملحوظة، كانت بمثابة طوق النجاة لأحزاب اليسار ومنها حزب العمل حيث عادوا إلى الواجهة من جديد.

وأعلن يائير لابيد في 30 مايو/ أيار 2021، اتفاقه على تشكيل حكومة وحدة، جامعا بذلك الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بهدف الإطاحة بنتنياهو.

ويبدو أن استخدام اليسار الإسرائيلي في المعركة ضد نتنياهو، سيدخل العملية السياسية في الأراضي المحتلة إلى مناح مختلفة، خاصة وأن اليسار صاحب تجربة حكم قديمة لها ملامحها وأجندتها الخاصة. 

تاريخ دموي 

تاريخ اليسار في إسرائيل مرتبط بالكيان قبل إعلان الدولة نفسها عام 1947 وخلالها، حيث جرى هذا الإعلان على يد اليساريين ممثلا في حزب "العمل الإسرائيلي" تحت زعامة دافيد بن غوريون. 

ويعود وجود "اليسار" على أرض فلسطين، مع بداية الهجرة الثانية لليهود، في مطلع القرن العشرين، ولكن القوة الحقيقية له تمت عام 1930، عندما اندمجت الحركات اليهودية اليسارية داخل الهستدروت (الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية)، ليعلنوا عن حزب عمال أرض إسرائيل (الماباي)، برئاسة بن غوريون.

واستطاع اليسار السيطرة على المنظمة الصهيونية العالمية، وعلى أكبر المنظمات الصهيونية العسكرية في فلسطين، أهمها "الهاجاناه، والبالماخ"، مشكلين حجر الأساس لجيش إسرائيل.

والهاجاناه تحديدا ارتكبت مذبحة "دير ياسين" المروعة عندما قتلت 360 فلسطينيا في 9 أبريل/نيسان 1948.

وعلى مدار تاريخ النكبة الفلسطينية، فإن حكومات اليسار هي التي شاركت في تهجير الفلسطينيين خلال نكبة 1948، وفي ارتكاب مجزرة "كفر قاسم"، وهي التي أمرت بفتح النار على متظاهرين فلسطينيين، وقتلت وأصابت عشرات منهم في يوم الأرض الأول عام 1976 وفي انتفاضة الأقصى عام 2000. 

كذلك فإن أحزاب اليسار هي التي حملت بعد نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، راية الضم الفوري لغور الأردن وكل مناطق الجبل الشرقية حتى الخليل، وتوطينها بسرعة بالمستوطنين اليهود، وتهجير الشعب الفلسطيني منها.

وتظل مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل يوم 25 فبراير/ شباط 1994، التي ارتكبها المستوطن اليهودي المتطرف باروخ جولدشتاين، بتواطؤ مع الجيش والمستوطنين، وراح ضحيتها 29 مصليا فلسطينيا، شاهدة على بشاعة حكم اليسار.

كان يقود الحكومة آنذاك إسحاق رابين، أحد أبرز رموز اليسار وحزب العمل، والذي استغل المجزرة لتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود، وممارسة سياسات التهويد والاستيطان بمدينة الخليل ومحيطها، ورفض إخلاء المستوطنة التي خرج منها المتطرف جولدشتاين.

كما رفض رابين المادة التي تتحدث عن وقف بناء المستوطنات في مسودة اتفاق أوسلو عام 1993، كدلالة أن اليسار لا يختلف كثيرا عن اليمين المتطرف أيضا، فيما يخص نظرته إلى حقوق الشعب الفلسطيني.

أبرز الزعماء

إلى جانب ديفيد بن غوريون، انضوى تحت لواء "اليسار" عدد كبير من القادة والشخصيات المؤثرة في السياسة الإسرائيلية، من بينهم موشيه دايان، وزير الجيش الدموي الذي قاد العدوان على البلاد العربية في 5 يونيو/ حزيران 1967.

كان دايان عضوا أيضا في منظمة "الهاجاناه" العسكرية اليهودية المتطرفة، وقد ترعرع على نمط أسلوب الحياة الاشتراكية "كيبوتس دغانيا" المعروفة داخل المجتمع الإسرائيلي.

ومنهم أيضا "شمعون بيريز" رئيس الوزراء الأسبق الذي شغل منصب رئيس أركان جيش الاحتلال، وساهم في بناء مفاعل "ديمونة" النووي، وهو الذي نسق التعاون العسكري مع فرنسا خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1965.

بيريز القيادي العتيد في حزب العمل الإسرائيلي دخل في مواجهة شهيرة مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عام 2009، خلال انعقاد منتدى دافوس الاقتصادي، عندما اتهمه الأخير بقتل الأطفال على شواطئ قطاع غزة المحاصر.

ومن الرعيل القديم لليسار الإسرائيلي، ليفي أشكول، ورئيسة الوزراء غولدا مائير، التي حكمت خلال حرب 6 أكتوبر/ تشرين الثاني 1973.

وحديثا يعد رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، من أبرز رموز حزب العمل اليساري، وخلال حكمه عام 2000 اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000، التي راح ضحيتها حوالي 4412 فلسطينيا.

كما ساهم باراك في شن عدوانين عسكريين على قطاع غزة المحاصر خلال الأعوام 2009، و2012، عندما كان يشغل منصب وزير الجيش الإسرائيلي.

أكذوبة اليسار 

وقال الكاتب الفلسطيني، نبيل السهلي، في مقال نشره بتاريخ 24 مارس/آذار 2020، تحت عنوان "أكذوبة اليسار الإسرائيلي"، إن الأخير "لا يختلف مع اليمين الإسرائيلي في تعاطيهما مع القضية الفلسطينية".

 فهما وجهان لعملة واحدة، حيث يتنكر اليسار الصهيوني أساسا للحقوق الفلسطينية ويدعم تلك الأفكار بينما يعمل اليمين على تنفيذها، وفق وصفه.

واستدل السهلي على حديثه، بالنشاط الاستيطاني المحموم خلال فترة حكم حزبي العمل والليكود (اليسار)، في عمق الضفة الغربية وفي قلب مدينة القدس.

وأضاف: "مرور سبعة وعشرين عاما على اتفاقات أوسلو، دون حصول الفلسطينيين على أي من حقوقهم الوطنية، يثبت من دون شك أنه لا توجد فجوات كبيرة في الرؤى بين الأطياف السياسية الإسرائيلية المختلفة".

وشدد على أنه: "بغض النظر عن تصنيفات الأحزاب يسارية، يمينية، أو مسميات أخرى، هناك شبه إجماع على استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية وخاصة القدس وصولا إلى ضمها، فضلا عن تفاقم ظاهرة العنصرية ضد الأقلية العربية في أرضها، والأخطر من ذلك الإجماع الإسرائيلي على ترسيخ يهودية إسرائيل على الأرض".

وفي 14 مارس/ آذار 2021، نشر البروفيسور المحاضر في جامعة تل أبيب "شلومو زند" مقالا في صحيفة هآرتس العبرية، ضد "اليسار الصهيوني".

شن "شلومو زند" حملة انتقادات لاذعة لهذا التيار الذي اتهمه أنه غير ديمقراطي، وكان أحيانا أشد سوءا من اليمين، في التعامل مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

وذكر الأكاديمي الإسرائيلي: "عندما تم احتلال الضفة الغربية عام 1967 فإن اليسار الصهيوني صوت بالإجماع مع ضم الشطر الشرقي من القدس دون الاهتمام أبدا بأن يتم إعطاء الجنسية الإسرائيلية لسكانها بشكل أوتوماتيكي".

وأضاف: "هكذا فإن الحق في الجنسية المزدوجة فعليا محفوظ فقط لليهود حقا وحتى الآن لم يطالب هذا اليسار بأن تسود مساواة ديمقراطية في (العاصمة الأبدية للشعب اليهودي) حتى لو ظاهريا"، وفق تعبيره.