تنظيم "زنوبيا" النسوي.. ماذا وراء تأسيسه بمناطق قوات سوريا الديمقراطية؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتجنيد الإلزامي الذي يلاحق الفتيات في مناطق سيطرتها، أعلن في مدينة الرقة عن تأسيس تنظيم "نساء زنوبيا" برعاية وحضور من التنظيمات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

تشكيل التنظيم النسوي الجديد مطلع يونيو/ حزيران 2021، بمناطق تفرض قوات "قسد" سيطرتها عليها بقوة السلاح، أثار تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء تأسيسه، والدور الذي يمكن أن يلعبه بالمستقل، ولا سيما بعد تعريفه بأنه "تنظيم نسائي سياسي حقيقي اجتماعي".

تشكيل غامض

إعلان "نساء زنوبيا" جرى بمشاركة 150 امرأة ممثلات عن القوى السياسية والعسكرية في المناطق الأربع التي تسيطر عليها قوات "قسد"؛ الطبقة والرقة ودير الزور ومنبج، بحضور بيريفان خالد، مندوبة الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في "الإدارة الذاتية"، وشيراز حمو الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لإقليم عفرين.

وكذلك حضر المؤتمر، سهام داود الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل- أحد وجوه حزب العمال الكردستاني-، وليلى العبد الله القيادية في مجلس سوريا الديمقراطية، وممثلات عن الجمعية الشركسية في مدينة منبج والجمعية التركمانية وشخصيات نسوية من مناطق الطبقة والرقة ودير الزور ومنبج.

وأظهرت صور المؤتمر الأول لإعلان تأسيس تنظيم "نساء زنوبيا" وضع لوحات للمتطوعات في التنظيمات الكردية المسلحة، ولا سيما قوات "قسد" اللائي قتلن في مدينة عفرين بمعارك ضد الجيش الوطني السوري الذي قاد عمليات عسكرية بدعم من تركيا.

كما أظهرت الصور، وضع صورة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل في تركيا منذ عام 1999، إضافة إلى وجود أعلام عدد من الأحزاب والتنظيمات الكردية التي تعتبر واجهات سياسية للعمال الكردستاني، ومن أبرزها حزب "سوريا المستقبل".

وذكرت تقارير إعلامية في 4 يونيو/ حزيران 2021 أن التمثيل الكردي في المؤتمر النسوي كان طاغيا، رغم اعتماد اللغة العربية في المؤتمر، حيث كتب شعار "بنضال المرأة المنظمة سنحمي ثورتنا ونصنع السلام" بثلاث لغات: العربية والكردية والسريانية.

وبخصوص الاسم، فإن اختيار "زنوبيا" ملكة تدمر يعتبر رمزية سورية جامعة لمختلف الأطياف والقوميات والإثنيات الموجودة شرق سوريا، عرب وكرد وسريان وتركمان وشركس، إذ إن الإدارة الذاتية الكردية أرادت تقديم نفسها في المؤتمر على أنها "نموذج لمشروع سوريا الديمقراطية التعددية"، وفقا لتقارير.

مراقبون يرون أن رعاية التنظيمات الكردية لتنظيم "نساء زنوبيا" يثير الشكوك حول أسباب تأسيس هذا التنظيم والأهداف الخفية من وراء ذلك، كون قوات سوريا الديمقراطية "قسد" متهمة باختطاف الفتيات في مناطق سيطرتها وإجبارهن على التجنيد في صفوفه.

وفي 14 أغسطس/ آب 2020، قال الخبير العسكري السوري المعارض، عبد الله الأسعد لـ"الاستقلال" إن "اختطاف الأطفال وحرمانهم من التدريس من قبل التنظيمات الكردية لا يقتصر على الصبيان فقط، وإنما هذه الممارسات تطال الفتيات أيضا، ويجب عليهن الذهاب إلى الجبال والقتال مع تنظيم قسد".

وفي السياق ذاته،  أدان المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان بشدة عمليات الاختطاف التي تنفذها "قسد" وزجهم في معسكرات التجنيد الإجباري، مطالبا الجهات الدولية المعنية بضرورة التدخل ووقف الانتهاكات المتلاحقة بحق الأطفال في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

المرصد الحقوقي الدولي ومقره جنيف، أدان في بيان أصدره 5 يوليو/ تموز 2020، اختطاف "قسد" الطفلة رونيدا داري (11 عاما) من مدينة عامودا بريف الحسكة الشمالي.

وأشار إلى أن عملية الاختطاف هذه ليست الأولى، إذ تنتهج "قسد" سياسة تجنيد الأطفال وإشراكهم في العمليات العسكرية قسرا دون الالتفات إلى الحماية الخاصة التي أقرها القانون لهم.

أهداف سياسية

كشفت الكلمات التي ألقيت في مؤتمر إعلان "نساء زنوبيا" أن الهدف من وراء ذلك تنظيم النساء سياسيا في مناطق سيطرة التنظيمات الكردية، بما يخدم توجهات "قسد" وغيرها من التشكيلات المحسوبة على حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".  

عرفت الناطقة باسم "هيئة المرأة" في دير الزور شهرزاد الجاسم، مؤتمر إعلان التشكيل النسوي بأنه "تنظيم نسائي سياسي حقيقي اجتماعي وإيكولوجي (علم البيئة)، ينظم جميع النساء من كل الشعوب والثقافات في سوريا".

من جهتها، قالت مريم إبراهيم ممثلة مناطق (الطبقة والرقة ودير الزور) "إن دل هذا التجمع على شيء، فهو أن المرأة أصبحت القدوة والرائدة في المجتمع، اليوم وبعد مضي أربع سنوات على تحرير هذه المناطق نستطيع القول إن هذه بداية ولادة المرأة الحرة من جديد، بعد تنظيم نفسها ضمن مشروع الأمة الديمقراطية وعملها في جميع المؤسسات والإدارات".

وقبل ذلك، قالت عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر سهام حمو إن "الإعلان عن تنظيم جديد جاء بناء على جهود السنوات الماضية، لتوحيد إرادة المرأة والوصول إلى مختلف أطياف النساء، وتمكينهن على كافة المستويات، وليكون لهن دور بارز في قيادة المرحلة نحو الحل السياسي في سوريا، وتحقيق آمال وتطلعات المرأة السورية، وإحلال السلام المستدام في سوريا".

وأضافت سهام حمو، في كلمة الافتتاح للمؤتمر: "نحن اليوم نجتمع من مختلف مكونات الشعب السوري لنعلن عن تجمع نساء زنوبيا الذي جاء تتويجا للإرث النضالي والتضحيات التي قدمتها المرأة".

من جهتها، قالت الكاتبة الكردية هيفيدار خالد خلال مقال نشرته صحيفة "روناهي" في 6 يونيو/ حزيران 2021، إن الهدف من تشكيل "نساء زنوبيا" هو توحيد فكر وإرادة المرأة والوصول من خلاله إلى مختلف أطياف النساء في سوريا، وتمكينهن في المستويات جميعها؛ وليكون لهن بذلك دور بارز في قيادة المرحلة نحو الحل السياسي في سوريا.

وفي تلميح للكاتبة الكردية إلى دور "الإدارة التنفيذية" بتشكيل التنظيم النسوي، قالت هيفيدار خالد في الصحيفة الكردية إن "هذا التجمع ما هو إلا ثمرة ما زرعته المرأة على مدار أربع سنوات في هذه المناطق".

وأوضحت الكاتبة أنه "في شمال وشرق سوريا حراك ثوري حقيقي، أثبتت فيه المرأة السورية بأطيافها وتنوع مشاربها جدارتها على كافة الساحات والميادين السياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية والإدارية، فبنت تنظيمها الخاص بها إيمانا منها بقضايا تحرر المرأة ودورها الفعال في بناء مجتمع ديمقراطي حر".

قيادة سباعية

جرى خلال المؤتمر التأسيسي للتنظيم النسوي، التصويت على انتخاب سبع إداريات للمناطق الأربعة "الطبقة، الرقة، دير الزور، ومنبج" وهن كل من: "خود العيسى، نسرين الحسن، شهرزاد الجاسم، فاطمة بحبوح، غادة حميد، مريم إبراهيم، سوزدار قاسم".

وبعد الانتهاء من انتخاب الإداريات، صدر البيان الختامي لأعمال المؤتمر، ومما جاء فيه: "إن المرأة في شمال وشرق سوريا تمكنت من إبراز دورها وإثبات كيانها وتنظيم نفسها على كافة المستويات، فسطرت ملاحم بطولية في التحرير والقضاء على أعتى تنظيم إرهابي".

"وبهذا حققت ثورة نسائية على هذه الجغرافية، وخلقت أرضية مشتركة في نضال نسائي قادرة على حل القضايا المجتمعية وقيادة المرحلة"، وفق قوله.

وأردف البيان: “تتويجا لهذه الانتصارات نعلن اليوم عن تأسيس تجمع نساء زنوبيا ليصبح الحاضنة والركيزة الأساسية لآمال وتطلعات المرأة السورية، الذي يبرز أولويات مهامنا بتطوير نهجنا وفلسفتنا في عملية البناء التنظيمي وحماية مكاسب ثوراتنا وإرساء السلام وفق القرارات الشرعية والدولية".

وخرج المؤتمر في ختام أعماله بأن "النضال على خطا جميع النساء اللواتي ضحين بأنفسهن من أجل حرية المرأة والوطن، وجعلها مصدر قوة والمثابرة في الحياة. إيقاف الحرب وتحقيق السلام المستدام في سوريا والإفراج عن كافة المعتقلات والمغيبات والكشف عن مصيرهن، والعمل على عودة المهجرين والنازحين".

ودعا المؤتمر إلى "الالتزام بحقوق المرأة وفق المعايير والمعاهدات الدولية والقرارات ذات الصلة. إحالة ملفات اغتيال وقتل النساء المدنيات إلى المحاكم الدولية ومتابعتها".

وشدد على ضرورة "مشاركة المرأة وتمثيلها في العملية السياسية الجارية بإشراف الأمم المتحدة ضمن القرار الأممي 1325. القيام بحملات تنظيمية وفكرية للوصول إلى كافة النساء وتنظيمهن وتمكينهن على كافة المستويات. مناهضة كافة أشكال العنف والتمييز الممارس ضد المرأة".

ومما يدل على وقوف التنظيمات الكردية المسلحة وراء تأسيس التنظيم النسوي الجديد وإدارته، كانت إحدى مخرجاته، المطالبة بـ"إنهاء كافة الاحتلالات في سوريا وبالأخص الاحتلال التركي من خلال الأمم المتحدة والأطراف الدولية ذات الصلة".

وحث أيضا على "رفع وتيرة النضال ضد كافة السياسات الممنهجة التي تحاك ضد المرأة من قبل الأطراف المتنازعة والاحتلال التركي"، بحسب تعبيره.