نضال فرحات.. صانع أول صاروخ للمقاومة الفلسطينية ومصمم فكرة طائرة أبابيل
"جاءني نضال في يوم من الأيام وهو لم يخف عني أسراره أبدا.. جاءني مسرورا كما لم أشهده من قبل، وقال يا أمي لقد أكرمني الله بصناعة الصاروخ الأول في فلسطين فاستغربت كثيرا".
هكذا وصفت الراحلة الفلسطينية مريم محيسن (أم نضال) حالة ابنها الشهيد نضال فرحات، عندما نجح في صناعة أول صاروخ في تاريخ المقاومة الفلسطينية عام 2001.
لم يكن يعلم نضال وهو يقضي الليالي في تدشين أول صاروخ بدائي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أنه سيفتح الباب أمام ترسانة هائلة من الصواريخ، سوف تقض مضاجع دولة الاحتلال وجيشها المتطور، في يوم من الأيام.
بعد قرابة 20 عاما من إطلاق نضال فرحات، صاروخ (القسام 1)، تمكنت حركة حماس وفصائل المقاومة في مايو/أيار 2021، من إطلاق نحو 4 آلاف صاروخ استهدفت بها إسرائيل، خلال مواجهتها الأخيرة معها، وسقط معظمها في العمق الإسرائيلي بدقة أكبر من أي وقت سابق.
كما استطاعت كتائب القسام الذراع العسكري لحماس، من خلال صواريخها وقذائفها غير المسبوقة الوصول شمالا إلى تل أبيب، مسببة حالة من الرعب والفزع غير المسبوق في صفوف العدو.
نضال فرحات
ولد نضال يوم 8 أبريل/ نيسان 1971، في قطاع غزة، لعائلة (فرحات) التي عرفت بالانخراط في الجهاد والمقاومة ضد المحتل، وتوجهاتها الإسلامية، حيث نشأ نضال في مساجد قطاع غزة ودرس العلوم الشرعية، وكذلك أتم دراسته الثانوية.
ثم صقلت شخصيته من خلال تربيته وسط قادة المقاومة، على رأسهم القائد القسامي "عماد عقل" الذي أقض مضاجع قوات الاحتلال، ونفذ الكثير من العمليات العسكرية وكان يلقب بـ"المطارد ذو السبعة أرواح".
احتضنت "عائلة فرحات" عماد عقل وأخفته عن المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" وعملائها في القطاع، وتأثر نضال كثيرا بشخصية الرجل وأثره في المقاومة.
السمة التي ميزت شخصية نضال خلال مسيرته الحياتية المؤثرة رغم قصرها، أنه كان يميل إلى الإبداع والتطوير والابتكار بشكل دائم، فقد كان يخطط دوما ليصل إلى اختراع أسلحة متطورة يوجهها نحو جيش الاحتلال.
حتى أن والدته (أم نضال) روت عن ذلك قائلة: "كان لا ينام كثيرا وكان دائما يبحث عن خبراء الفيزياء، والكيمياء، وأصحاب المخارط للمساعدة في تصنيع العديد من الأسلحة النوعية".
وأضافت: "كان دائما يبحث عن النقود للارتقاء بالعمل العسكري، وكان يصنع المتفجرات بنفسه، ولا يترك غيره يصنع وهو بعيد بل كان وسط المصنعين، يسري عليه من الأخطار ما يسري عليهم".
بدأت مسيرة نضال فرحات في العمل العام الفلسطيني، عام 1987 عندما شارك في الانتفاضة الفلسطينية، بتشجيع من والدته. بعدها مباشرة انضم إلى حركة حماس.
وفي 5 فبراير/ شباط 1993، انخرط ضمن صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذين يعتبرون صفوة أبناء الحركة، وبدأ طريق المساهمة في تطوير أسلحتها محلية الصنع، والتي كانت آنذاك بدائية للغاية.
ذاع صيت نضال في قطاع غزة، واشتهر بعقليته الفريدة، وهو ما دعا قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى اعتقاله خمس مرات، وثلاث مرات أخرى لدى أجهزة السلطة الفلسطينية (حركة فتح)، على خلفية نشاطاته العسكرية.
بعد خروجه عرف نضال بـ"مهندس الصواريخ"، ليس ذلك فحسب بل كان صاحب فكرة تصنيع الطائرات المسيرة، والتي أطلق عليها (أبابيل 1)، وكانت حلما بعيد المنال، وفكرة صعب تحقيقها، ظنها البعض عبثية لا طائل منها بسبب وضع غزة وضعف الإمكانات، وشح المعلومات وحداثة الفكرة أنذاك.
اليوم أصبحت طائرات حماس المسيرة، أحد أهم أسلحة المقاومة التي يحسب لها الاحتلال ألف حساب، لا سيما أنها حلقت فوق وزارة الجيش الإسرائيلية وعادت إلى القطاع بسلام، ناهيك عن تطويرها حتى أصبحت تحمل صواريخ مضادة للدروع والأفراد.
القسام والاستشهاد
القصة الأبرز في حياة نضال فرحات، هي نجاحه في تصميم النموذج الأول لصاروخ المقاومة الفلسطينية، الذي عرف بـ "القسام 1" تيمنا بالشيخ عز الدين القسام.
وبلغ طول الصاروخ 70 سنتيمتر، وهو قصير المدى، حيث وصل مداه كيلو مترا واحدا، وكان يتسبب بأضرار طفيفة، لكنه مثل خطوة إستراتيجية بالغة الأهمية للمقاومة.
ويذكر أنه عندما أتم نضال الانتهاء من تصنيع صاروخه، توجه من فوره إلى قائد كتائب عز الدين القسام، الشيخ صلاح شحادة، وقال له "يا شيخ صلاح لقد اخترعت صاروخا"، ليتبسم الشيخ متعجبا ويقول له "ماذا تقول يا نضال؟!".
ففتح حقيبة وأخرج منها الصاروخ وركبه أمام عين الشيخ صلاح فأعجب بذلك الإنجاز الكبير، ثم وعد القائد القسامي أن يستمر في التطوير، وهو ما حدث عندما طور صواريخ (قسام 2)، و(البنا)، و(البتار)".
ونضال هو أول من أدخل صاروخا إلى الضفة الغربية المحتلة، حيث كان ينقل لمقاتلين في كتائب القسام كيفية صناعة الصاروخ، عبر الفاكسات والهواتف.
وأرسل إلى الضفة، العديد من الرسومات البيانية والخرائط التفصيلية التي توضح صناعة صاروخ القسام وصناعة المتفجرات الملحقة به.
لم يجد الاحتلال الإسرائيلي بدا من وضع نضال فرحات على رأس قوائم الاغتيالات، وبدؤوا في استهدافه، وتحدثت والدته مريم محيسن، عن هذه الأيام.
وقالت محيسن إنه "قبل استشهاده بعدة أيام تحدث إلي عن نقلة نوعية في عمل المقاومة القسامية، وهو استخدام الطائرة الشراعية لضرب أهداف صهيونية تستهدف المحتلين لأرضنا سواء في مدننا المحتلة أو في المغتصبات (المستوطنات) داخل القطاع".
وأضافت: "قال لي إن هذه الطائرة الشراعية تحمل عشرين كيلو جراما من المتفجرات يتم تحريكها عبر ريموت كنترول فوق المغتصبة المستهدفة، وإلقاء هذه المتفجرات ثم العودة إلى مكان الانطلاق، ثم وعدني بتطوير هذه الطائرة".
وذكرت أن "حياة نضال في الأسبوع الأخير تغيرت كثيرا، وكأنه يشعر بأن موعده مع الشهادة اقترب، وكان يبكي كثيرا ويقول يا أمي أريد أن أضمن الجنة وكرر هذه المقولة مرارا".
وبالفعل في يوم 26 فبراير/ شباط 2003، اغتاله جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) بالتعاون مع عملائه، عبر زرع عبوة ناسفة في المكان الذي كان يعمل فيه نضال مع زملائه في وحدة التطوير والتصنيع، حيث كانوا يجهزون طائرة صغيرة تعمل بالتوجه عن بعد، وقضى في ذلك مع خمسة من الشهداء.
وأصدرت كتائب عز الدين القسام، بيانها في ذلك اليوم، وقالت فيه: "نزف كوكبة من الشهداء الأبرار الذين قضوا نحبهم غدرا في عملية اغتيال مدبرة بينما كانوا يجهزون طائرة صغيرة تعمل بالتوجه عن بعد وصلت إليهم عبر عملية معقدة".
واليوم بعد سنوات من رحيل نضال فرحات، صاحب أول صاروخ قسامي، انتقلت المقاومة إلى مرحلة متطورة، حتى أن وكالة أسوشيتد برس الأميركية، قالت عن صواريخها في العدوان الإسرائيلي الأخير خلال مايو/ أيار 2021، "إن حماس قدمت عرضا دراماتيكيا مذهلا، لترسانة سلاح محلية، توسعت رغم خنق القطاع الساحلي لمدة 14 عاما وإغلاقه من قبل إسرائيل ومصر".