هبة الفلسطينيين في القدس.. كيف هزمت مليارات التطبيع العربي؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كان لصمود الفلسطينيين في القدس المحتلة طوال شهر رمضان 1442 هجرية، (12 أبريل/ نيسان- 12 مايو/ أيار 2021) أمام الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أهالي حي "الشيخ جراح" وعلى المصلين في المسجد الأقصى دلالات عديدة ونتائج مبهرة.

إذ أثبت التفاعل الشعبي مع الهبة المقدسية الحالية أن فلسطين ما زالت قضية العرب الأولى، برغم دعاية الإعلام الإسرائيلي وشيطنة المقاومة الفلسطينية، وفق مراقبين تحدثوا لـ"الاستقلال".

وأوضحوا أن هبة المقدسيين وأهالي الضفة الغربية المحتلة وأهالي غزة، بجانب التعاطف العربي والإسلامي، بعثرت جميعها المليارات التي أنفقها المطبعون العرب لتجميل صورة إسرائيل وإظهار أنها النموذج الأروع بالمنطقة وأنه يمكن التعايش معها في وئام.

الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين طوال رمضان، ومحاولات تهجير أسر من "الشيخ جراح" أحد أحياء المدينة العربية المحتلة، إلى جانب اعتداءات الشرطة الإسرائيلية مدعومة بالمستوطنين المسلحين على المصلين في المسجد الأقصى بالرصاص المطاطي وقنابل الصوت والغاز خلفت إصابة نحو 200 فلسطينيا واعتقال العشرات بينهم نساء وأطفال.

تلك الاعتداءات إلى جانب محاولات المتطرفين اليهود اقتحام باحات الأقصى والاعتداء على نحو 2500 معتكف، فجر 10 مايو/أيار 2021، دفعت الفلسطينيين للتجمع من كل أنحاء القدس والضفة الغربية بمشاهد ملحمية جمعت نحو 90 ألف مصل ليلة القدر بالمسجد الأقصى، متحدين قوات الاحتلال، بحسب دائرة الأوقاف الإسلامية.

وعلى الجانب الآخر، لم تقف غزة هي الأخرى صامتة؛ بل توعدت حركة المقاومة الإسلامية حماس العدو بدفع "ثمن باهظ" لجرائمها بحق المقدسيين، ووجهت المقاومة صواريخها التي أثارت رعب المستوطنين.

الهبة المقدسية حركت المياه الراكدة لسنوات طويلة خسرت فيها القضية الفلسطينية الكثير بفعل عوامل كثيرة، ودفعت الهتافات الفلسطينية الشارع العربي والإسلامي للحراك الغائب والهتاف باسم فلسطين والقدس مجددا.

يمنيون خرجوا يوم 8 مايو/ أيار 2021، للتظاهر غاضبين من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، تبعهم أردنيون في اليوم التالي، بتظاهرة قرب السفارة الإسرائيلية بعمان، مطالبين بـ"طرد السفير الاسرائيلي، وإلغاء اتفاقية وادي عربة".

عشرات التظاهرات عمت أرجاء المملكة المتحدة، أمام "داونينغ ستريت" مبنى الحكومة البريطانية بلندن، ووسط مدينة "مانشستر" و"برمنجهام" و"برادفورد"، 9 مايو/ أيار 2021، فيما شهدت إنجلترا يوما تضامنيا مع القدس 11 مايو/ أيار 2021.

وبالتزامن شهدت أمستردام بهولندا، ودبلن بأيرلندا، وإسطنبول بتركيا فاعليات حاشدة تنديدا بجرائم الاحتلال الإسرائيلي على المصلين بالمسجد الأقصى.

الهبة الفلسطينية، أحرجت الأنظمة الرسمية العربية ما دفع وزارات خارجية ومسؤولين من مصر والأردن والعراق وقطر واليمن والجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا واليمن وأيضا تركيا وباكستان وإيران، وغيرها لإعلان استنكار رسمي، تبعه سيل بيانات لأحزاب ونقابات وشخصيات سياسية عربية.

وجاء ذلك كله على الرغم من أن الإمارات والبحرين والمغرب والسودان طبعت العلاقات مؤخرا مع إسرائيل، لكنها لم تتمكن من تحقيق أي إنجاز يذكر للفلسطينيين أو وقف الانتهاكات الإسرائيلية.

كنس رموز التطبيع

مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، كتب مقالا في 10 أيار / مايو 2021، بعنوان: "خمس حقائق ظهرتها انتفاضة القدس"، قال فيه إن "هذه الانتفاضة، تصفع مسار الهرولة نحو التطبيع، وتنهض شاهدا على تهافت المطبعين العرب، وبعضهم أخذته العزة بالإثم، حتى وهو يرى تهاوي فرضياته المتهافتة".

وأكد أن "التطبيع فقد زخمه ورهاناته الإستراتيجية، جراء التطورات الأخيرة في العالم والإقليم من حولنا"، مضيفا أنه "لم يبق على أهل القدس وفلسطين، وهم ينتفضون ضد الاحتلال والعنصرية، سوى كنس رموز التطبيع ومؤسساته وقوائمه بالقدس والأرض الفلسطينية". 

الكاتب والمحلل الأميركي توماس فريدمان، كتب في  صحيفة "نيويورك تايمز" قائلا إن "الأحداث الجارية في القدس، أثبتت أن القضية الفلسطينية لم تمت"، رغم اتفاقات التطبيع.

وتوقع فريدمان، أن تتحول الأحداث إلى انتفاضة، تحدث هزة أرضية في المنطقة ستهز إسرائيل واتفاقيات التطبيع.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكد متابعون أن هبة القدس كان لها تأثير كبير، وقال الإعلامي المصري زين العابدين توفيق: "كلما نمنا أيقظتنا، وكلما تهنا أخذت بيدنا للطريق، وكلما تملكنا اليأس، ملأتنا بالأمل، وكلما استبد بنا العجز أمدتنا بالعزم. إنها فلسطين أيها السيدات والسادة".

الأكاديمية المصرية يمنى الخولي، أعربت عن انبهارها لـ"احتفاظ الفلسطينيين بقضيتهم حية متفجرة دامية، ومقاومتهم صلبة لا تنازل ولا مساومة، ما يقرب من مائة عام"، مؤكدة أن "النصر آت".

رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" الأسبق الصحفي عبدالناصر سلامة، كتب يقول: "أرى ضوءا في نهاية النفق منذ الوهلة الأولى لأحداث القدس المحتلة، إغلاق باب العمود، ومنع المصلين والمعتكفين من الوصول للمسجد الأقصى، وتهجير المواطنين من حي الشيخ جراح، كلها كانت بداية مخطط تهويد لم ولن يكتمل".

وأكد في منشور على فيسبوك أن القضية الفلسطينية تعود للصدارة لغباء سلطة الاحتلال، التي توهمت أن الانبطاح العربي وخيانة الخليج، "ستمثل عوامل مساعدة للدنس الصهيوني، دون الوضع في الاعتبار أن العملية عكسية تماما، فكلما ابتعد العرب عن الساحة الفلسطينية وظهروا على حقيقتهم المنبطحة كان المقاوم الفلسطيني أقوى وأكثر حرية في الحركة".

أما المحامي الدولي الدكتور محمود رفعت، فيرى أن صمود أبناء القدس حقق 4 نتائج مبهرة، وهي أنه "بعثر مليارات تنفق لتزييف وعي الشعب العربي، وأثبت أن فلسطين قضية العرب الأولى، وأكد أن التطبيع خيانة ولن ينجح مهما فعلوا، وأثبت أن النظام العربي مربوط بإسرائيل". 

وأضاف في تغريدة ثانية: "تأكد اليوم وبشكل حتمي أن فلسطين قضية الشعوب العربية الأولى رغم تسخير نظم عربية ثرية إعلام وشيوخ ومليارات الدولارات لخدمة إسرائيل، كل جهود التطبيع خيانة، وستفشل مهما فعلوا وأنفقوا، النظام العربي يحرق شعوبه لأجل إسرائيل".

وفي تعليقه على تساؤل "الاستقلال"، هل هزمت هبة المقدسيين مليارات التطبيع العربي؟،  قال عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين الدكتور وصفي أبوزيد: "هذا الشعب الذي خرج دفاعا عن المقدسات والحرمات هو الطائفة المنصورة ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس التي بشر بهم نبي الإسلام".

"لن يضرهم من هرولوا إلى التطبيع، وأقاموا علاقات مع عدو الأمة وفلسطين التاريخي والحضاري والعقدي"، كما أكد أبوزيد، موضحا أن "مشهد هذا الشعب برباطه وبتداعيه من كل مكان لساحات المسجد الأقصى مشهد يجلب العار على رؤوس كل من طبع مع العدو".

ووجه اللوم للحكومات والجيوش العربية لإهمالها "قضية الأمة"، مطالبا إياها بـ"تطبيق اتفاقيات الدفاع العربي المشترك وتفعيلها للدفاع عن الأقصى والبيوت والأراضي المحتلة، ضد المحتل حتى تلجمه وتوقف تجاوزه ضد المقدسات".

شرارة ثورة عربية

وقال السياسي المصري ياسر عبد العزيز، إن "اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال بدأت بالشيخ جراح، الأزمة القديمة الممتدة كأزمة حي سلوان بالبلدة القديمة، والتي تأتي ضمن محاولات إخراج الفلسطينيين منها لتنفيذ مخطط تهويد القدس".

القيادي بحزب "الوسط" المعارض، وفي حديثه لـ"الاستقلال"، يعتقد أن "ما حدث بالشيخ جراح محاولة لإلهاء المقدسيين عن التخطيط للتغيير الجغرافي الزماني والمكاني للأقصى، واقتحام متطرفي حراس الهيكل".

ولفت إلى أن حي الشيخ جراح مدخل مهم للمسجد "وإزالته تعني تقدم إسرائيل نحو الأقصى وحصاره".

ويرى أن "المقدسيين يذودون عن شرف الأمة في وقت ظن الكل أن القضية الفلسطينية والقدس والأقصى شبه زالت من القلوب، وأن ما تم في السنوات الماضية من محاولات لإشعال حرائق بالبلدان العربية والإسلامية نجح في إلهاء شعوبها عن القضية".

"لكن ثبت أن القدس القضية المركزية للأمة سياسيا ودينيا ظلت بقلوب العرب والمسلمين حتى مع تراجع القضية الفلسطينية بنشرات الأخبار"، وفق عبدالعزيز، الذي أشار إلى أن "المصريين في عز أزماتهم حتى قدوم الانقلاب، والسوريين وسط قتلهم بالبراميل المتفجرة كانوا يخرجون بأي أزمة لفلسطين".

وأوضح أنه "ومع التطبيع العربي فإن ما أنفقته الإمارات والبحرين من مليارات لإرضاء إسرائيل وأميركا ذهب بالهواء، كما أن تصوير إماراتيين وسعوديين وبحرينيين في تل أبيب كتطبيع شعبي أكدت الشعوب العربية بتضامنها مع الأقصى الآن أنه ليس حقيقة".

وجزم بأن "بسالة الشعب الصامد 80 سنة دون دعم مالي وعسكري وسياسي يصب العار على المطبعين الذي تساووا مع المحتل، ويؤكد أن حكام الخليج لم يكونوا يوما داعمين لفلسطين بدفع الدول الحامية لعروشهم، ولا يمكن التعويل عليهم، ومع ذلك يعول على شعوبهم".

وختم حديثه بالقول إن "الثورة العربية قادمة بانتفاضة الشيخ جراح وحراك المقدسيين وصمود أهل غزة بتخفيف الضغط على المقدسيين بإطلاق البوالين الحارقة وحراكهم الإرباكي للكيان، مع دعوات المسلمين جميعها تقود الأمة فالمقدسيون يحملون شرارة ثورة عربية جديدة ستحرر الأمة وفلسطين". 

الصحفي السوري أحمد الهواس، قال إن "الانتفاضة الحالية جاءت بعد أن وصل التطبيع العربي مرحلة التفاخر بالعلاقات مع الصهاينة، وللأسف على مستوى الشعوب وليس الحكومات".

الكاتب والمحلل السياسي أضاف في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "إجراءات إسرائيل سواء محاولة ترحيل سكان حي الشيخ جراح أو اقتحام الأقصى يأتي وفق ما يعرف بتهويد القدس، وبالتالي طرد سكان الحي الذي يعد عقبة أمام هذا الإجراء".

الهواس، أشاد بصمود المقدسيين المتواصل، مؤكدا أنهم "بذلك عروا الأنظمة العربية المطبعة، وفضحوا كذلك أكاذيب إيران في الدفاع عن القدس".

وأعرب عن أمنيته أن تستمر هذه الهبة مع ما أحدثته من دوي "هزت به الصهاينة وأثبتت أن قوتهم في الأنظمة العربية التي تحيط بهم، وأكدت أن القدس قضية كل مسلم وقضية عادلة لن تسقط من القلوب مهما طبعت أنظمة العار".