بعد يومين فقط.. لماذا ألغت "الإدارة الذاتية" بسوريا زيادة أسعار المحروقات؟
بنسب غير مسبوقة، رفعت ما تعرف بـ"الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سوريا، أسعار المحروقات بقيمة فاقت مئة بالمئة، وتعد الأعلى التي تقرها منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على مناطق سورية واسعة بدعم من الولايات المتحدة الأميركية.
رفع أسعار المحروقات، أثار احتجاجات غاضبة أدت إلى مقتل اثنين من المتظاهرين وإصابة آخرين، قبل أن تتراجع "الإدارة الذاتية" وتلغي القرار في 19 مايو/أيار 2021، أي بعد يومين فقط من اتخاذه، معللة ذلك بأنه جاء "نزولا عند المطالبات الجماهيرية بإعادة النظر فيه".
وكانت "الإدارة الذاتية" الكردية قد أعلنت في 17 مايو/ أيار 2021 رفع أسعار المحروقات ضعفين أو ثلاثة أضعاف في بعض الحالات، فارتفع سعر ليتر المازوت الممتاز من 150 إلى 400 ليرة (1 دولار يساوي 3245 ليرة سورية)، والبنزين المحلي من 210 إلى 410 ليرات، أما سعر أسطوانة الغاز فقد ازداد من 2500 إلى 8 آلاف.
قرار غامض
الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ هي منطقة تمتد في شمال وشرق سوريا أنشئ فيها حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع، وتسيطر على المنطقة قوات "قسد" وتشمل أجزاء من محافظات الحسكة، الرقة، حلب ودير الزور.
وتعتبر مناطق شمال شرق سوريا الخزان الرئيس لآبار النفط في سوريا، وكانت قوات "قسد" قد سيطرت عليها منذ 2021، ومنذ ذلك الوقت تعمل على استثمارها وخاصة تلك الموجودة في بلدتي الرميلان بمحافظة الحسكة والعمر في ريف دير الزور.
وخلال سنوات الحرب في سوريا، أنشأت "الإدارة الذاتية" مصافي بدائية وحراقات صغيرة محلية الصنع لتكرير النفط في بعض الآبار، حيث يعتمد سكان تلك المناطق بشكل كبير على النفط المكرر محليا، كما توفر الإدارة الذاتية كميات من النفط إلى مناطق سيطرة النظام، وتبيع كميات لإقليم كردستان العراق الذي تستورد منه أيضا الوقود المكرر.
ولا تكشف "الإدارة الذاتية" حجم العائدات المالية التي تحصل عليها من استثمار آبار النفط، كما تغيب الأرقام الواضحة التي تتعلق بالمجالات التي تصرفها عليها، سواء الخدمية أو التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي.
وعبرت في منتصف مايو/ أيار 2021 من مناطق شمال شرق سوريا، 200 شاحنة تحمل النفط الخام، وتوجهت إلى مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، ترافقها قوات تتبع لرجل الأعمال المقرب من الأخير، حسام القاطرجي.
التقارير الإعلامية أفادت بأن "الشاحنات مرت من أمام أعين الأهالي في محافظة الحسكة ومن ثم محافظة الرقة، التي تعتبر نقطة الاستلام والتسليم"، الأمر الذي أثار تساؤلات حول أسباب رفع "الإدارة الذاتية" أسعار المحروقات إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه.
ورأى الباحث في الشأن الكردي شيفان إبراهيم، خلال تصريحات صحفية في 18 مايو/ أيار 2021 أن "غياب الشفافية المالية يضع كل تبريرات الإدارة الذاتية على المحك، مهما انتشرت الأقاويل عن بعض التصريحات غير الرسمية أن حجم الاستخراج مكلف".
واعتبر أن "أي نظام سياسي يرغب أن ينال الشعبية يجب أن يكسب القاعدة الشعبية، وهو أمر مرتبط بتمويل ما يمس جوهر حياة الناس، ومنها المحروقات، بمعنى ما يدخل في صلب الحياة، وكلها مفقودة".
وأكد الباحث أنه "كل يومين هناك أزمة على المحروقات وأخرى على الخبز. المنطقة تعج بآبار النفط ولا يوجد لدينا غاز ومازوت. المنطقة تعج بالأراضي الزراعية وهناك ابتزاز في أسعار شراء القمح من الفلاحين".
وتابع: "هناك لغز عميق وراء هذا القرار الذي يمس بشكل مباشر تفقير المنطقة ودفعها نحو المجهول والشر المطلق، لا شيء يؤجج الوضع بين مكونات المنطقة أكثر من جانب الفقر، هل تدرك الإدارة الذاتية أن المنطقة ستتجه إلى الإفراغ من السكان والتغيير الديمغرافي؟".
قانون العاملين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق #سوريا يستغرق قرابة السنتين لدراسته وإقراره، بينما رفع أسعار المحروقات لأكثر من ثلاثة أضعاف يستغرق بضع دقائق.
— Hisham Arafat (@HishamArafatt) May 18, 2021
القرار سيكون له نتائج كارثية على حياة المواطن والاقتصاد عامة والزراعة خاصة.
القرار إجراء خاطئ بكل المعايير والمقاييس. pic.twitter.com/nB3nuYw9da
دوافع ومبررات
"الإدارة الذاتية" بررت رفع أسعار المحروقات، بأن "لها فوائد، بينها وقف التهريب نحو المناطق والدول المجاورة، وتخفيض استفادة الفئات الميسورة من الدعم على حساب الطبقات الكادحة والفقيرة"، حسبما علق "رياض درار" الرئيس المشترك لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" وهو الذراع السياسية لـ"قسد" عبر "فيسبوك" في 17 مايو/ أيار 2021.
وأضاف: "الطبقات الميسورة تستفيد من دعم أسعار المحروقات 8 أضعاف ما تستفيد منه الطبقات الكادحة أي أن المستفيد الأول من الدعم هو الغني وليس الفقير".
واعتبر المسؤول في "قسد" أن "رفع الأسعار سيؤدي إلى تخفيض استخدام الوقود كمصدر للطاقة، وبالتالي تخفيض نسبة الانبعاثات السامة للصحة وهذا في مصلحة البيئة ونقائها من التلوث".
مقابل "فوائد القرار"، استعرض درار جملة من المساوئ، بالقول: إن "دعم المواد يستنزف موارد الإدارة ويضعف قدرتها على التنمية في قطاعات أخرى ". وبحسب قوله قرار رفع الأسعار سيؤدي إلى "ارتفاع تكلفة التدفئة والمواصلات وتكلفة الإنتاج الزراعي والصناعي الذي يعتمد على المولدات، وبالتالي حصول تضخم عام قد يؤدي إلى زيادة نسبة الفقر".
ورأى درار أن الحل هو "توجيه جزء من الموارد لدعم الطبقات الأقل دخلا من خلال تأمين بعض المواد المدعومة، بالإضافة للدعم النقدي من خلال زيادة الرواتب، وتقديم المنح المالية للعائلات الفقيرة".
من جهته، قال الرئيس المشترك لإدارة المحروقات العامة في الإدارة الذاتية، محمد صادق الخلف، خلال تصريحات لوسائل إعلام محلية في 18 مايو/ أيار 2021 إن "رفع سعر المحروقات، جاء بموجب اعتماد الإدارة الذاتية على النفط ومشتقاته في بناء اقتصادها، وتدني سعرها وعدم تغطيته التكاليف".
ونقلت مواقع محلية سورية عن مصدر مسؤول في الإدارة الذاتية تأكيده أن هناك "إصرارا من إدارة المحروقات على المضي بتنفيذ القرار"، مبررا أن الأسعار القديمة للمحروقات "لا تتناسب مع عمليات تكاليف الإنتاج".
وحذر المصدر المسؤول من تبعات هذا القرار مستقبلا، والذي من شأنه أن تؤدي إلى ارتفاع جنوني للأسعار في معظم المواد، بسبب زيادة أسعار المحروقات، خاصة الفئة الصناعية والزراعية منها.
أسباب التراجع
عقب إعلان "الإدارة الذاتية" التراجع عن قرار رفع أسعار المحروقات، كشفت مواقع سورية معارضة أن "الإدارة الذاتية قد طلبت مبالغ مالية من الإدارة الأميركية لتحسين الخدمات والبنية التحتية في مناطقها ولمواجهة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على ميزانية الإدارة الذاتية".
وأضافت المواقع في 19 مايو/ أيار 2021 أن "المقترح جاء من الخبراء الاقتصاديين والمستشارين الأميركيين الموجودين في المنطقة للإدارة الذاتية برفع أسعار المحروقات من أجل رفع وارداتها المالية".
وأشارت المعلومات التي نشرتها مواقع المعارضة إلى أن "المظاهرات التي عمت المنطقة وأخذها الطابع العنيف لا سيما بعد سقوط ضحايا في ريف الحسكة، دفع المستشارين الأميركيين إلى حث الإدارة الذاتية على إلغاء القرار".
إلغاء قرار رفع سعر المحروقات ، في شمال شرق سوريا (مناطق الادارة الذاتية) pic.twitter.com/ytMSwlySDH
— Cengkar (@cengkar6) May 19, 2021
ونوهت إلى أن "الأميركان يهدفون إلى المحافظة على الاستقرار الأمني في مناطق سيطرة قسد بالتزامن مع سعيها للقضاء على خلايا تنظيم الدولة في المنطقة"، لافتة إلى أن "الإدارة الذاتية قد تلجأ إلى زيادة أسعار المحروقات بشكل تدريجي وعبر فترات متقطعة وأن لا تشمل جميع الأصناف معا".
ووفق الخبير الاقتصادي السوري الباحث في معهد "الشرق الأوسط" بواشنطن، كرم شعار، فإن النظام يحتاج بشكل يومي إلى 110 آلاف برميل نفط، يستخرج منها 25 ألفا من حقول البادية، ويهرب جزء آخر بما لا يتجاوز 20 ألف برميل من مناطق "الإدارة الذاتية"، ويستورد الباقي من إيران عبر قناة "السويس" إلى مصفاة "بانياس" بشكل مباشر.
ومنذ 7 مارس/آذار 2021، أعادت "الإدارة الذاتية" توريد النفط إلى مناطق سيطرة النظام بعد انقطاع استمر 37 يوما، وذلك بعد أقل من 48 ساعة على قصف النظام "حراقات" تكرير النفط البدائية في ريف حلب الشرقي.
المصادر
- رفع أسعار المشتقات النفطية في شمال سوريا بنسب هي الأعلى
- احتجاجات في شمال شرق سوريا بعد رفع الإدارة الكردية أسعار الوقود
- شرق سوريا.. غليان شعبي "ولغز" وراء مضاعفة أسعار المحروقات
- أسعار المحروقات في سوريا.. تفاوت باختلاف المناطق
- لماذا تراجعت الإدارة الذاتية عن قرار رفع أسعار المحروقات؟
- سوريا.. اعتصامات شعبية وإضرابات احتجاجا على رفع أسعار المحروقات في مناطق الإدارة الذاتية
- احتجاجاً على مقتل وجرح متظاهرين برصاص “الأسايش”.. أهالي قرى بريف الحسكة الجنوبي يحتجون أمام التحالف الدولي
- بعد احتجاجات وضحايا في شمال سوريا.. "الإدارة الذاتية" تتراجع عن رفع أسعار المحروقات