بعد 7 سنوات حرب.. كيف سحبت طهران البساط من "الحوثي" في اليمن؟
رغم أن جماعة "الحوثي" تمثل أهم أطراف الصراع في اليمن، فإن الأمر على ما يبدو لم يعد بيدها، بل في يد إيران التي غدت متحكمة في المشهد، خاصة بعد إرسال ضابط الحرس الثوري، حسن إيرلو سفيرا لطهران لدى الحوثي.
يتجلى ذلك في المحادثات التي تعقد منذ أشهر لحل الأزمة اليمنية، إذ تمثل طهران الحوثيين في المفاوضات، وتتخذ القرار بشأن الأزمة الدائرة في البلاد منذ 7 سنوات.
ومنذ مطلع 2021، تدور مفاوضات بين إيران والسعودية للوصول إلى تفاهمات بشأن الأزمة اليمنية والطائرات "الحوثية" المسيرة التي تستهدف البنى التحتية في المملكة.
آخر تلك المفاوضات، احتضنتها العاصمة العراقية بغداد خلال أبريل/نيسان 2021.
وفي 18 أبريل/نيسان 2021، نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن مصادر مطلعة أن "مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبارا أجروا محادثات مباشرة في محاولة لإصلاح العلاقات بين الدولتين الإقليميتين، وذلك بعد 4 سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية".
وأوضحت الصحيفة أن "الجولة الأولى من المحادثات السعودية الإيرانية جرت في بغداد في 9 أبريل/نيسان 2021، وتضمنت مباحثات بشأن هجمات الحوثيين، وكانت نتائجها إيجابية".
من جانبها، أكدت وكالة "سبوتنيك" الروسية أن وفدا سعوديا برئاسة رئيس المخابرات خالد الحميدان، ووفدا إيرانيا اجتمعا في بغداد.
ونقلت الوكالة الروسية عن خبراء أن "التفاهمات بين السعودية وإيران حول الأزمة في اليمن، تشمل العديد من الملفات الأخرى، وأن الحوار إذا اكتسب صفة الجدية سيؤدي إلى تفاهمات هامة ونتائج إيجابية على الأرض".
وأشارت إلى أن "الخارجية الإيرانية لا ترغب بالحديث عن لقاءاتها مع مسؤولي السعودية؛ لكنها ترحب دائما بأي حوارات إيجابية في المنطقة".
تدويل الأزمة
ونتيجة لذلك التطور، فقد تحولت الأزمة اليمنية من ملف محلي إلى إقليمي، وتم إدراجه من أجل إيجاد تسويات إقليمية بين إيران ومنافسيها المحتملين، ومع هذا التدويل للأزمة فالحوثيون "لا يملكون حق اتخاذ القرار"، وفق محللين وخبراء.
وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الكاتب والباحث اليمني، عادل دشيلة: "من خلال الوقائع على الأرض اتضح بأن الحركة الحوثية ليس بيدها القرار لاتخاذ أي إجراءات حقيقة، لأن من يتحكم في المشهد العسكري والسياسي والدبلوماسي هو الحرس الثوري، وهذا يتضح من خلال التصريحات المتناقضة للحوثيين".
وأضاف دشيلة: "كان الحوار في مسقط بين السعودية والنظام الإيراني، مع وجود تمثيل جزئي أو معنوي وليس حقيقيا للحركة الحوثية، ولهذا عندما طرحت المبادرة الأميركية لوقف شامل لإطلاق النار والدخول في عملية سياسية تلكأت الحركة الحوثية ولم ترد على تلك المبادرة، وبعد ذلك ردت بالرفض رغم أن بنودا كانت تلبي مطالب الحوثيين".
وتابع: "الآن بكل تأكيد أصبحت القضية اليمنية من ضمن أدوات الضغط الإيرانية على المجتمع الدولي، وبالتالي لا يمكن أن تصل القوى الوطنية المنضوية تحت الحكومة الشرعية إلى إيجاد شراكة سياسية حقيقية مع الحركة الحوثية، من منظور وطني داخلي".
وأرجع دشيلة ذلك إلى أن "الحركة الحوثية مرتبطة بالنظام الإيراني بشكل مباشر، وهي تصرح بذلك ولا تتردد في القول إنها تابعة لمحور الممانعة، أو محور إيران."
وأكد أن "السفير الإيراني غير الشرعي حسن إيرلو الموجود في العاصمة صنعاء هو من يتحكم بطريقة مباشرة على ما يبدو في المشهد، وبالتالي أصبحت القضية اليمنية ضمن الأدوات التي يتم استخدامها لتصفية حسابات إقليمية أو حتى لأي تسوية إقليمية قادمة".
ومنذ أبريل/ نيسان 2021، تتفاوض إيران مع الولايات المتحدة بصورة غير مباشرة بوساطة الدول الموقعة على اتفاق الملف النووي لعام 2015، بهدف منع طهران من امتلاك أو تطوير أسلحة نووية.
مفاوضات وعقبات
ولإعادة جماعة "الحوثي" إلى طاولة المفاوضات وسحب البساط من تحت أقدام طهران، قال دشيلة: "الأزمة اليمنية خرجت من يد القوة المحلية، ومن يتحكم بالمشهد هو قوى إقليمية سواء التحالف العربي أو حتى إيران، ولذلك لا يبدو بأن القوى الوطنية الموجودة في الساحة ستصل لتسوية شاملة مع الحوثيين طالما طهران على الخط".
واعتبر أن "كسر الحركة الحوثية عسكريا ولو في بعض المناطق، خصوصا في تعز ومأرب والجوف، هو الذي سيرغمها في نهاية المطاف على الجلوس إلى طاولة الحوار".
ويرى دشيلة أن "إيران تستخدم القضية اليمنية من أجل تمرير مشروعها النووي مع الغرب والإدارة الأميركية، ولكن حتى اللحظة لا يبدو أن طهران استطاعت أن تسيطر على المشهد السياسي برمته في الأراضي اليمنية، لأن الحوثي يسيطر فقط على المرتفعات الجبلية والمناطق الشمالية، بينما المناطق الإستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية بيد الحكومة".
وأشار إلى أن "حل الأزمة اليمنية يعتمد على وجود تفاهمات إيرانية-سعودية، لكن، لا يبدو أن طهران مستعدة لتقديم أي تنازلات للرياض، وهذا سيعقد مهمة المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ".
وأوضح دشيلة أنه "في هذا الصدد علينا أن ندرك بأن وجود الإدارة الأميركية على الخط يعني أنها عازمة على تحقيق أي تسوية سياسية ولو هشة؛ من أجل التفرغ لقضايا أكبر، منها مواجهة الصين".
واستدرك قائلا: "لكن بالمقابل، في حال أقدمت الإدارة الأميركية على تنفيذ صفقة سياسية في اليمن على حساب الدولة وثوابتها، من أجل إيجاد تسوية المشاكل مع إيران فيما يخص برنامجها النووي، فلا أعتقد أن هذه الصفقة ستنجح".
وأرجع دشيلة ذلك إلى أن "التيار الوطني العريض الذي يعارض المشاريع المناطقية والعقائدية لن يسمح بتمرير مثل هذه الصفقات، ما يعني خروج الوضع عن السيطرة وانزلاق البلد إلى مربع العنف والفوضى أكثر من أي وقت مضى."
إنكار واعتراف
يأتي هذا التحول الخطير في وقت كانت جماعة "الحوثي" تنفي علاقتها بطهران، كما أن الأخيرة ذاتها كانت تنفي خلال السنوات الماضية أي علاقة لها بـ"الحوثيين" وتقديم أي دعم لهم، رغم التقارير الدولية التي تؤكد أن إيران تقدم الدعم العسكري والدبلوماسي.
ومطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019، أقرت إيران لأول مرة منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2014 بتقديم "الحرس الثوري" الدعم لـ"الحوثيين"، لكنها قالت إنه "دعم استشاري وفكري"، بحسب رئيس الأركان، محمد باقري، في مقابلة لمحطة "فونيكس" الصينية.
وفي 22 أبريل/نيسان 2021، اعترفت إيران بمشاركتها في حرب اليمن، من خلال تقديم الدعم العسكري للحوثيين ومساعدتهم بتطوير الأسلحة وإرسال مستشارين عسكريين إلى اليمن، وذلك لأول مرة منذ تمرد الحوثيين على الدولة قبل أكثر من 15 عاما، ثم قيامهم بانقلاب على الدولة قبل نحو 7 سنوات.
وفي تصريحات لتلفزيون "روسيا اليوم"، قال المساعد الاقتصادي لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري، رستم قاسمي: "نقدم مساعدات استشارية عسكرية للحوثيين وكل ما يمتلكه الحوثيون من أسلحة ناتج عن مساعداتنا".
وأضاف قاسمي: "ساعدناهم في تكنولوجيا صناعة السلاح، لكن صناعة السلاح تتم في اليمن، هم يصنعونها بأنفسهم، هذه الطائرات المسيرة والصواريخ صناعة يمنية".
ومنذ نحو 7 سنوات، يشهد اليمن حربا أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
ويزيد من تعقيدات النزاع أن له امتدادات إقليمية؛ فمنذ مارس/ آذار 2015، ينفذ تحالف عربي بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء.
المصادر
- Saudi and Iranian officials hold talks to patch up relations
- إيران تقر لأول مرة بدعم الحوثيين
- إيران تعترف لأول مرة بمشاركتها في حرب اليمن
- تقارب غير معلن... مفاوضات بين السعودية وإيران في العراق تقترب من النجاح
- طهران تحاول "ترقيع" تصريحات "رستم" بشأن دعم إيران لميليشيا الحوثي عسكرياً وتقول إنها "غير واقعية"