"أندلس أخرى".. هذه إستراتيجية الصين لمحو عقيدة مسلمي الإيغور

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"الإسلام آخذ في التراجع.. حظر التعليم الديني للقصر يعني أن شباب المسلمين لا يكتسبون المعرفة التي ينبغي أن يكتسبوها.. الجيل القادم سيقبل العقلية الصينية، وسيظل يطلق عليهم الإيغور، لكن عقليتهم وقيمهم ستكون قد ذهبت".

هذا التحذير جاء على لسان "علي أكبر دوم الله"، أحد المسلمين الفارين من اضطهاد حكومة "شينغيانغ" الصينية ضد أقلية الإيغور، واصفا حجم "المأساة" التي يعيشها ملايين المسلمين في إقليم تركستان الشرقية (شينغيانغ).

ويعد الإيغور أكبر أقلية عرقية في إقليم شينغيانغ (سنجان)، وهم مجموعة ذات أغلبية مسلمة يبلغ عددهم 10 ملايين مواطن من سكان المنطقة البالغ عددهم 25 مليون نسمة.

وتحملت هذه الأقلية المسلمة، العبء الأكبر من حملة القمع الحكومية التي يقودها الحزب الشيوعي الحاكم، إذ يسعى إلى محاصرتهم و"سحق" معتقداتهم الإسلامية عبر خطط بدأ تنفيذها بالفعل. 

"تصيين" الإسلام 

ورصدت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، فصلا جديدا من معاناة مسلمي الإيغور، وذلك عبر تقرير صدر في 7 مايو/ أيار 2021، أوضحت من خلاله إجراءات حكومة "شينغيانغ" الصينية ضد ملايين المسلمين في الإقليم.

وقالت: "تحت وطأة السياسات الرسمية، يبدو مستقبل الإسلام محفوفا بالمخاطر في شينغيانغ، وهي منطقة وعرة من الجبال الصخرية المغطاة بالثلوج والصحاري القاحلة المتاخمة لآسيا الوسطى". 

وشددت على أن "عشرات المساجد هدمت، وعدد المصلين آخذ في الانخفاض، حسب شهادات السكان المحليين". 

وأوضحت أنه "من خلال القوانين المتشددة المفروضة على المسلمين الصينيين بشأن عقيدتهم فإن الأطفال يعرفون فقط من هو الخالق المقدس، لكن لا يمكن منحهم معرفة دينية مفصلة.. إلا بعد أن يبلغوا 18 عاما، وقتها فقط يمكنهم تلقي التعليم الديني وفقا لإرادتهم". 

فيما نقلت الصحيفة البريطانية عن إمام مسجد "عيد كاه"، محمد جمعة قوله: "قبل عقد من الزمن، كان يحضر ما بين 4 آلاف إلى 5 آلاف شخص صلاة الجمعة في المسجد بمدينة كاشغر الواقعة في طريق الحرير التاريخية، لكن الآن لا يحضر سوى 800 إلى 900 مصلّ".

النقطة الأبرز التي ذكرها تقرير "الإندبندنت"، أن بكين تعد "جيشا من الأئمة المسلمين وفق نهجها"، وأوردت أنه "بعد سن 18 ينتقى أولئك الذين يرغبون في دراسة الدين، ويذهبون بهم إلى معهد الدراسات الإسلامية الذي ترعاه الدولة، في حرم جامعي بني حديثا على مشارف أورومتشي، عاصمة شينغيانغ". 

وأردفت: "يتدرب المئات منهم ليصبحوا أئمة وفقا لمنهج من تأليف الحكومة الصينية، ويدرسون كتابا مدرسيا به أقسام مثل (الوطنية جزء من الإيمان)، و(كن مسلما يحب الوطن الأم ويلتزم بالدستور والقوانين واللوائح الوطنية)".

وعلقت الصحيفة: "استمروا في تصيين الإسلام، ووجهوا الإسلام للتكيف مع المجتمع الاشتراكي الصيني".

من جانبه، أكد معهد "السياسات الإستراتيجية" الأسترالي، وفقا لتقريره الصادر عام 2019، أن "المساجد هدمت وتضررت، في محو متعمد لثقافة الإيغور والثقافة الإسلامية، في الصين"، وأنهم بالفعل "حددوا 170 مسجدا مدمرا في شينغيانغ من خلال صور الأقمار الصناعية". 

مساس الحكومة الصينية بـ"العقيدة الإسلامية"، وصل إلى الدرجة القصوى، عندما كشفت صحيفة "ديلي صباح" التركية، في 25 ديسمبر/كانون الأول 2019، أن " الصين تعتزم إعادة كتابة القرآن ليعكس (القيم الاشتراكية) في الوقت الذي تشن فيه البلاد حملة قمع على مسلمي الإيغور". 

وقالت الصحيفة: إن "أي محتوى يتعارض مع معتقدات الحزب الشيوعي، سيتم تغييره، كما ستعدل الرقابة جميع الفقرات التي تخطئ مبادئ الحزب وستعيد ترجمتها". 

وأشارت إلى أن "الحزب دعا إلى تقييم شامل للمعتقدات التقليدية الدينية الحالية التي تتضمن محتويات لا تتوافق مع تقدم العصر، بحسب رؤية الحكومة الصينية". 

يذكر أنه منذ عام 2017 أودعت الحكومة الصينية، قرابة مليون ونصف سجين من الإيغور وعرقيات أخرى، داخل معسكرات اعتقال "شينغيانغ"، ثم أطلقت على تلك المعسكرات القاسية الأشبه بـ"الأبارتايد" (الفصل العنصري)، اسم مراكز التعليم والتدريب المهني، بغرض إعادة تأهيلهم ومسح معتقداتهم، وتعزيز هوية الحزب الشيوعي في نفوسهم.

وتتبنى بكين سياسة نشر إلحاد الدولة، حيث أطلقت حملات متسارعة مناهضة للدين لأجل تعميق ذلك المستهدف، وخصت المسلمين لتطبيق سياستها، وفق مراقبين.

انتزاع الأطفال

وفي عام 2018، وضعت لجنة "شؤون الدولة للإثنيات وإدارة الدولة للشؤون الدينية" تحت سلطة وزارة "جبهة العمل الموحدة"، التي أصبحت تشرف على المسائل الدينية والعرقية في الصين، وهي التي تتبنى إدارة معسكرات اعتقال سنجان بشكل كامل، تحت إشراف الأمين العام للحزب "شي جين بينغ".

وفي سبتمبر/أيلول 2018، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، أن "السلطات الصينية أجبرت الكثير من الإيغور المسلمين على ترك أطفالهم، فيما احتفظت الحكومة بأولئك الأطفال في معاهد مختلفة ومدارس تعرف بالمدارس الداخلية".

وأشارت إلى أن "أطفال الإيغور المحتجزين في المدارس الداخلية أجبروا على تعلم لغة الماندرين الصينية ومنعوا من ممارسة ديانتهم بشكل كامل".

وفي 30 سبتمبر/أيلول 2017، ذكرت شبكة (BBC) البريطانية، أن "السلطات الصينية أمرت الإيغور بتسليم جميع المصاحف وسجادات الصلاة أو غيرها من المتعلقات الدينية، وإلا سيواجهون العقوبات". 

وأضافت: "طبقت الحكومة مجموعة من الإجراءات الصارمة، منها إلزام موظفين الدولة في الأماكن العامة، بمنع النساء اللائي يغطين أجسادهن بشكل كامل بما في ذلك وجوههن، من الدخول إلى هذه المرافق، وإبلاغ الشرطة عنهن لاعتقالهن فورا"، وأوردت "كذلك خصت المسلمين بمنع إطلاق اللحى كنوع من المظاهر الدينية". 

وفي يوليو/ تموز 2019، وقعت 22 دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أبرزهم بريطانيا وألمانيا وفرنسا والسويد، على رسالة تنتقد معاملة الصين للمسلمين الإيغور في "شينغيانغ" وغيرهم من الأقليات، ودعت لوقف سياسة الاحتجاز الجماعي والفصل العنصري التي تنتهجها ضدهم.

أندلس أخرى 

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الداعية إسلام مجدي، قال "إن ما يحدث لمسلمي الإيغور، هو تكرار لمأساة الأندلس، التي نكب فيها الإسلام والمسلمون، وذهبوا من أراضيهم بغير رجعة، بعد أن تعرضوا لتهجير وتطهير عرقي عبر محاكم التفتيش، ومن بقي منهم أجبر على تغيير دينه وعقيدته، وهم الذين عرفوا عبر التاريخ بالمورسكيين، ثم ولدت أجيال من بعدهم لا تعرف الإسلام". 

وأضاف في حديث لـ"للاستقلال" أن "ذلك تحديدا ما يحدث في تركستان الشرقية، مع مسلمي الإيغور، يتعرضون لتطهير عرقي، وإبادة منظمة على يد السلطات الصينية الغاشمة، التي تسعى إلى محو عقيدتهم، وإذابتهم تماما في الاشتراكية والشيوعية الصينية، بحيث لا يحملون من الإسلام نهجا ولا اسما حتى".

وأكد الداعية مجدي أن "المسلمين هناك يتعرضون للفصل العنصري في معسكرات اعتقال، ويجبرون على الإفطار في رمضان، وتناول لحم الخنزير -كما جاءت شهادات الفارين من تلك المعسكرات- وتهدم مساجدهم، ويحرف قرآنهم، ويبتعدون تماما عن دراسة ما يتعلق بأمر دينهم، وهذا يتم على مرأى ومسمع من العالم". 

وتابع: "مع الأسف لم يتحرك العالم الإسلامي ولا الحكومات المسلمة كما ينبغي في هذا الشأن، وكان يجب أن يحدث ضغط كبير على الصين، كما حدث مع فرنسا، وأن تفعل مسألة مقاطعة المنتجات الصينية".

وشدد الداعية مجدي على "ضرورة حشد الرأي العام الإسلامي لمساندة المسلمين الإيغور المستضعفين، حتى لا تشهد تلك المنطقة مأساة كبرى، ونفاجأ بعد مرور سنوات بأنه لم يعد هناك إسلام، لأن سنة الله في خلقه تقتضي التدافع والمغالبة، ومن يستكين تسري عليه تلك السنن بالقضاء والفناء".