"تغيير عميق".. صحيفة إسبانية ترصد حصيلة 100 يوم من حكم بايدن
منذ توليه سدة الحكم في 20 يناير/كانون الثاني 2021، سارع الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى حل قضايا مهمة مثل التطعيم الشامل ضد فيروس كورونا، والعودة للتعددية السياسية، وتحديث البلاد...، لكن، "لا يزال التحدي الكبير الذي يواجهه هو الهجرة"، وفق صحيفة إسبانية.
وقالت "إلباييس" إن "100 يوم فقط من حكم بايدن كانت كافية لتأكيد المنعطف العميق الذي اتخذته الولايات المتحدة، وعلى وجه الخصوص، أراد رئيس الدولة العظمى أن يوضح منذ البداية الاختلاف الهائل مع سلفه دونالد ترامب".
وتجلى هذا الاختلاف في المجال الاقتصادي، ومسائل السياسة الخارجية؛ وفي الشؤون الاجتماعية أو سياسات الهجرة، رغم أنه في هذه الحالة كان عليه التراجع عن وعوده الطموحة.
كما تجلى التغيير العميق في المسار الأميركي على وجه التحديد في الطريقة التي تعامل بها الرئيس مع الجائحة (كورونا)، إذ وضعت الولايات المتحدة التطعيم الجماعي كهدف رئيس في جدول أعمال أول 100 يوم للرئيس، وعموما "نجح بايدن في هذه المهمة"، بحسب "إلباييس".
تطعيم شامل
وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ اليوم الأول، أخضع بايدن كل شيء لوقف الوباء وعواقبه، ولإعادة تنشيط الاقتصاد، في حالة السقوط الحر وبأسوأ المعدلات منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات، كان لا بد من وقف حالات العدوى والوفيات بأي ثمن.
وقبل أيام قليلة من تلك المائة يوم من إدارة البلاد، التي فشلت في احتواء الفيروس والتي تسببت في وفاة أكثر من 570 ألف شخص، أعلن بايدن أنه تم إعطاء 200 مليون جرعة من لقاحات كورونا وبذلك، بلغت نسبة التطعيم 27 بالمئة من السكان، وهو ما يترجم إلى ما يزيد قليلا عن 90 مليون شخص، من إجمالي عدد السكان القريب من 330 مليونا.
وبينت الصحيفة أن "طموح خطط التحفيز وإعادة الإعمار، الذي لم يسبق له مثيل منذ صفقة روزفلت الجديدة، حدد برنامج بايدن الاقتصادي في الأيام المائة الأولى من الحكم".
لكن أهدافه تذهب إلى أبعد من ذلك، يتضح هذا من خلال اقتراحه إصلاحات ضريبية لمحاسبة الشركات متعددة الجنسيات - بما في ذلك شركات التكنولوجيا الكبرى - التي تجنبت لسنوات دفع الضرائب الفيدرالية، والحصول على تمويل لبرامجها.
وبشكل عام، بعد إعلان خطة الإنقاذ الوبائي التي تبلغ تكلفتها 1.9 تريليون دولار، التي وافق عليها الكونغرس في مارس/آذار الماضي، تريد الإدارة الديمقراطية تحديث الولايات المتحدة من خلال خطة ضخمة للبنية التحتية، باستثمارات تصل إلى تريليوني دولار على مدى 8 سنوات لتوليد ملايين الوظائف.
وسيكون الإصلاح الضريبي، إذا وافق عليه الكونغرس، أداة لتحقيق ذلك، ويتمثل الهدف النهائي لسياسة بايدن في محاربة الأسباب الجذرية مثل فقر الأطفال، وبالتالي عدم المساواة الاجتماعية النظامية.
ونوهت الصحيفة بأن "إعادة انفتاح الولايات المتحدة أمام العالم، بعد 4 سنوات من الانعزالية، تجلى في الأيام المائة الأولى من ولاية بايدن مع التزام واضح بالتعددية".
هدف أسمى
من جهة أخرى، ميزت هذه الفترة من حكم بايدن "العقوبات ضد روسيا لتدخلها الانتخابي وهجوم إلكتروني واسع النطاق؛ والانسحاب النهائي للقوات من أفغانستان والحوار لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، والذي تخلت عنه الولايات المتحدة عام 2018؛ وكذلك إخفاق الاجتماع الثنائي الأول مع الصين".
بالإضافة إلى ذلك، سعى بايدن في قمة المناخ الدولية الأخيرة لاستعادة قيادة الولايات المتحدة بخطة طموحة لخفض الانبعاثات، ويعد هذا منعطفا مهما في السياسة التي اتبعتها الدولة في السنوات الأخيرة وسيشمل تحولا عميقا في اقتصاد هذه القوة.
وأشارت الصحيفة إلى أن "روسيا وأفغانستان وإيران دول تحتل مركز الصدارة في اهتمامات بايدن، في حين أن تشكيل تحالفات قديمة وجديدة لمواجهة قوة الصين هو الجزء الأقل وضوحا في الهرم الدبلوماسي الأميركي".
لكن أول زيارة رسمية تلقاها في البيت الأبيض من رئيس وزراء اليابان، يوشيهيدي سوجا، في 16 أبريل/نيسان 2021.
وتشير هذه الزيارة إلى الهدف الأسمى لسياسة بايدن الخارجية: وقف الصين وجميع تحدياتها، سواء في أراضيها، أي وقف قمع أقلية الإيغور في شينغيانغ، كما في بحر الصين الجنوبي، أو في دعمها للنظام النووي الكوري الشمالي؛ ناهيك عن تدخلها في هونغ كونغ وتايوان والتبت.
من ناحية أخرى، كانت أول جولة رسمية لوزيري الخارجية والدفاع الأميركيين في اليابان وكوريا الجنوبية - وهما دولتان تنشر فيهما الولايات المتحدة قوات - والهند، وهي حليف رئيس آخر؛ لكسر الذراع الإستراتيجية للصين.
ونقلت الصحيفة أن بايدن أعاد الدبلوماسية إلى الساحة الدولية، إلا أنه لم يتوان عن التعامل بصلابة في أحيان أخرى؛ مثل الإعلان عن أشد العقوبات ضد الكرملين منذ رئاسة باراك أوباما، وإغلاق قوس التواطؤ أو الإهمال المزعوم من جانب ترامب، واستنكار تورط ولي العهد السعودي القوي، محمد بن سلمان، في مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
رغم ذلك، كانت الخطوة الأخيرة "مخيبة لآمال" أولئك الذين يأملون في اتخاذ تدابير أكثر صرامة، بما في ذلك العقوبات، لكنها بدت وكأنها تحذير لحليف تقليدي حيوي للتوازن الإقليمي في الشرق الأوسط.
وكان توجيه أصابع الاتهام إلى ابن سلمان هو التحذير الثاني للرياض بعد سحب الدعم للنظام السعودي في حرب اليمن التي وصفها الرئيس الديمقراطي بـ"الكارثة الإنسانية والإستراتيجية".
خيارات صعبة
ونقلت الصحيفة أن بايدن بدأ فترة ولايته بوضع قيود على الحروب التي لا نهاية لها، مثل تلك التي في اليمن أو سوريا - جزء من إرث أوباما - والأطول من ذلك كله، أفغانستان، بالتزامن مع اقتراب الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول.
وبشكل عام، وصل بقاء القوات الأميركية في الدولة الآسيوية إلى طريق مسدود منذ سنوات، ولم تساعد الإجراءات المميتة لحركة "طالبان" وصعوبة إجراء الحوار مع كابل على تحقيق الأهداف الأميركية.
وفي جميع الأحوال، يعد الخروج من المستنقع الأفغاني مصدر ارتياح لبلد "تستمر فيه جثث الجنود في الوصول في أكياس بلاستيكية".
وأوردت الصحيفة أن "بايدن لن يسحب قواته من أوروبا، رغم وعوده الانتخابية في هذا الصدد، خاصة في خضم تصاعد التوتر على الحدود بين روسيا وأوكرانيا".
من ناحية أخرى، أوقف بايدن الانسحاب العسكري الألماني الذي أعلنه ترامب، ويراقب أي تحرك على الجانب الشرقي لأوروبا، "مما قد يشكل تهديدا" لكل من قواتها وخط دفاع الناتو.
ولفتت "إلباييس" إلى أن الحرب الباردة الجديدة مع موسكو ستهيمن على العلاقات الأوروبية الأطلسية، إلى جانب إعلان النوايا الحسنة تجاه الاتحاد الأوروبي.
وفي تحول آخر على مستوى السياسة الخارجية، اعترف الديمقراطي، في 24 أبريل/نيسان الجاري، للمرة الأولى بـ"الإبادة الجماعية" ضد الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية، وهو بيان "يثير التوتر" مع تركيا، الدولة الشريكة أيضا في الحلف الأطلسي.
من ناحية أخرى، باستثناء المكسيك، وما يسمى بالمثلث الشمالي (السلفادور وهندوراس وغواتيمالا)، لوقف خروج المهاجرين غير النظاميين، لم يهتم بايدن بأمريكا اللاتينية.
وذكرت الصحيفة الإسبانية أن "الهجرة، إلى جانب أزمة كورونا، كانت إحدى الأهداف الرئيسة في بداية إدارة بايدن".
ويتفق الخبراء الذين تمت استشارتهم في التقرير "إلباييس" على أن الحكومة الديمقراطية قد حددت الاتجاه الصحيح بشأن هذه القضية، لكن التغييرات لتفكيك النظام الفاسد الذي ورثه بايدن عن ترامب "لم تأت بالسرعة المتوقعة".
وفي ظل كونغرس منقسم ومستقطب، علق الأكاديمي في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا، هيروشي موتومورا، عن مسألة الهجرة قائلا: "تواجه الإدارة خيارات صعبة للغاية ويبقى أن نرى ما هي المسارات التي يمكن أن تسلكها في ظل المناخ السياسي الحالي".