حال لم تلجأ لـ"صندوق الأجيال".. ما خيارات الكويت لتجاوز أزمات اقتصادها؟

طارق الشال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

دفع عجز موازنة الكويت لعام 2021 الحكومة الكويتية إلى مطالبة البرلمان بالموافقة على مشروع بقانون يقضي بجواز سحب ما لا يتجاوز 5 مليارات دينار (16.60 مليار دولار) سنوياً، من صندوق الأجيال.

جاء العجز في الأساس بسبب الانخفاض الحاد في الإيرادات النفطية الناتجة عن تراجع الطلب الكبير بفعل جائحة كورونا.

ويستحوذ النفط على 90 بالمئة من إجمالي إيرادات الميزانية، التي ارتبط بها العجز للمرة السابعة على التوالي، مما يؤزم المشهد المالي للبلاد.

ورصد صندوق النقد الدولي، في 16 أبريل/ نيسان 2021، تدهورا في رصيد الموازنة العامة الكلي للكويت بشكل ملحوظ مقارنة بالعام الماضي، مطالبا البلاد بضرورة العمل على ضبط مالي قوي وإصلاحات هيكلية للحفاظ على الهوامش المالية الوقائية وتعزيز النمو الاقتصادي.

وبلغ عجز الميزانية العامة للسنة المالية 2021-2022 نحو 12.1 مليار دينار (40.17 مليار دولار) أي نحو 52.6 بالمئة، حيث بلغ حجم المصروفات 23 مليار دينار (76.35 مليار دولار) وحجم الإيرادات 10.9 مليار دينار (36.19 مليار دولار).

وسجل الاقتصاد الكويتي انكماشا بنسبة 8 بالمئة خلال العام 2020، بضغط تداعيات الجائحة وانخفاض أسعار النفط، بجانب الالتزام بتخفيضات "أوبك +"، كما انكمش الاقتصاد غير النفطي بنسبة 6 بالمئة في 2020، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

ومن المتوقع أن يستمر تراجع الإيرادات لسنوات عديدة، مما سيؤثر بالسلب على الاحتياطي العام للدولة، وشح السيولة النقدية، لذا دفعت الحكومة بمشروع قانون السحب من صندوق الأجيال لمواجهة تلك الأزمات.

اختلالات هيكلية

وقوبل اقتراح الحكومة الكويتية بهجوم من نواب مجلس الأمة، الذين أكدوا أنهم لن يسمحوا للحكومة بالمساس باحتياطي الأجيال القادمة الذي وصفوه بأنه صمام "أمان الاقتصاد الكويتي"، ودعوا الحكومة إلى مراجعة الهدر في مؤسساتها ومحاربة الفساد.

واقترب حجم السحوبات من احتياطي "صندوق الأجيال"، منذ يونيو/حزيران 2020، من 7.5 مليار دينار (25 مليار دولار)، وذلك لتغطية عجز الموازنة لتوفير السيولة اللازمة لدفع رواتب موظفي الحكومة وتمويل عمليات الإنفاق الجاري، عبر عمليات نقل الملكيات أو مبادلة الأصول.

وقال وزير المالية الكويتي، خليفة حمادة، في 3 فبراير/شباط 2021، إن حجم أصول صندوق الأجيال القادمة "في نمو مستمر" لكن صندوق الاحتياطي العام يعاني من تحديات جوهرية في السيولة.

وأشار إلى أن الاختلالات الهيكلية في المالية العامة للدولة والتي تتعلق بالإيرادات والمصروفات السنوية أدت إلى قرب نفاد السيولة في خزينة الدولة "صندوق الاحتياطي العام".

وتوقع الوزير عجزا تراكميا بقيمة 55.4 مليار دينار (الدينار يساوي 3.3 دولار)، في السنوات الخمس المالية بين "2021-2020" و"2024 و2025"، بإجمالي مصروفات تبلغ 114.1 مليار دينار (378.8 مليار دولار) منها 81 مليار دينار (268.9 مليار دولار) للإنفاق على الرواتب.

وفي تصريح سابق قالت الرئيسة السابقة للجنة الاقتصادية والمالية بالبرلمان، صفاء الهاشم، في 12 يوليو/تموز 2020، إن صندوق الاحتياطي العام تم استنفاذه ولم يتبق منه سوى 1.1 مليار دينار (3.58 مليار دولار).

وتقدر وكالة التصنيف الائتماني "موديز"، الأصول غير السائلة المتبقية في صندوق الاحتياطي العام بنحو 17 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، والتي من المحتمل بيعها إلى صندوق الأجيال القادمة كما فعلت العام الماضي، للحصول على سيولة مقابل تلك الأصول من صندوق الأجيال.

وأشارت الوكالة إلى أنه على الرغم من ذلك فإن بيع كل تلك الأصول سيغطي فقط أقل من نصف إجمالي متطلبات التمويل الحكومية المتوقعة.

بالإضافة إلى أن الحكومة ستظل تواجه فجوة تمويلية تبلغ نحو 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021/22، و30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2022/ 2023.

وأكد الخبير الاقتصادي الكويتي، علي حسين العنزي، لـ"الاستقلال"، أن اللجوء إلى التحويل من صندوق الأجيال لسد العجز المالي في الموازنة، هو الحل الأكثر ألما، وبخاصة في حال استمر وجود فروق كبيرة بين الإيرادات النفطية ومصروفات الدولة.

بدائل الصندوق

وقدمت الحكومة مشروع قانون الدين العام والذي يسمح لها بالاستدانة والاقتراض من الخارج، كحل بديل لسحب السيولة من صندوق الأجيال البالغ حجمه حوالي 560 مليار دولار، والذي قوبل برفض تشريعي من قبل البرلمان الكويتي. 

لكن، مؤخرا، سرت حالة من الموافقة داخل مجلس النواب على فتح نافذة أمام قانون الدين العام، حيث بدأ النواب المعترضون في الحديث عن إمكانية تمريره، في سبيل حماية صندوق الأجيال، وعدم توافر بدائل لتوفير سيولة مالية، وفق صحيفة "القبس" الكويتية.

وفي حال تم إقرار قانون الدين العام فإن الحكومة ستتمكن من اقتراض نحو 20 مليار دينار (66.4 مليار دولار) بأجل 10 سنوات.  

ويرى العنزي، أن إقرار قانون الدين العام هو أكثر الخيارات قوة في سد العجز المالي للبلاد، مشيرا إلى أن هذا القانون كان مطروحا منذ العام الماضي، ولكن بسبب إرهاصات في مجلس الأمه لم يمر هذا المشروع.

وأوضح الخبير الكويتي، أنه لا توجد بدائل كثيرة فإما الاستدانة والاقتراض أو التحويل من صندوق الأجيال، مشيرا إلى أنه يوجد شبه إجماع أن الاستدانة أفضل للكويت وبخاصة أن التصنيف الائتماني لدولة الكويت قوي.

وتابع: "قوة التصنيف الائتماني للبلاد تجعل تكلفة الدين محدودة على الدولة، في حين أن تكلفة تحويل الاحتياطيات من صندوق الأجيال وصرفها سيكون موجعا لمستقبل الكويت، وبالتالي الاقتراض هو الحل الأفضل". 

وفي 16 يناير/كانون الثاني 2021، أكدت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني السيادي للكويت عند المرتبة (AA-) مع نظرة مستقبلية سلبية، في ضوء استمرار نفاذ المصادر السائلة للمالية العامة.

مسار إجباري

ويبدو أن الكويت تسير بشكل إجباري نحو الاستدانة، وبخاصة في ظل اعتماد الميزانية العامة على إيرادات النفط التي تعاني من تدني أسعارها منذ بداية جائحة كورونا، دون وجود أي مصادر أخرى غير ريعية تمكنها من توفير السيولة المطلوبة.

وقدمت الحكومة مجموعة من التعديلات على قانون الدين العام تضمنت تحديد سقف أعلى للاقتراض بما لا يزيد عن 60 بالمئة من الناتج الإجمالي للبلاد.

وقال رئيس اللجنة المالية بالبرلمان الكويتي أحمد الحمد، في الأول من مارس/آذار 2021، لا نستطيع أن نعطي الحكومة الحق في استدانة هذا المبلغ دون ضمانات بوجود حزمة إصلاح اقتصادية ووقف الهدر في الإنفاق وتحصيل المبالغ المستحقة للدولة وطالبناها بتقديم ذلك".

وأشار إلى أن اللجنة قد توافق على القانون وترفعه إلى مجلس الأمة (البرلمان)، في حال نفذت الحكومة شروط اللجنة التي تضمنت تنفيذ إصلاحات اقتصادية ووقف الهدر وتحديد أوجه الصرف وكيفية سداد الدين.

بدوره يرى العنزي، أن سعر التعادل للنفط بموازنة الكويت أعلى من أسعار النفط للسنوات المالية الحالية والتي تصل إلى 60 دولارا للبرميل تقريبا، وبالتالي تلك الفوارق تضغط على ميزانية الدولة وتدفعها إلى الاقتراض في المستقبل.

ولفت إلى أن المصروفات في زيادة مطردة سنويا، بسبب تزايد عدد السكان وحجم الوظائف الحكومية، مما يعني استمرار العجز في ظل السياسات الرعوية.

وتمثل الرواتب ودعم المنتجات الاستهلاكية نحو 71.6 بالمئة من إجمالي مصروفات الدولة.

ويبلغ سعر التعادل للإيرادات مع المصروفات في موازنة العام 2021-2022، التي تبدأ في أبريل/ نيسان الجاري، تتطلب أن يكون سعر النفط 90 دولارا للبرميل على مدار العام، حتى يصبح عجز الميزانية صفرا، وفق تصريحات وزير المالية.