التأمين الصحي لجميع المغاربة.. هذه أبرز العقبات التي تواجه المشروع

12

طباعة

مشاركة

أطلق المغرب مشروع تعميم التغطية الصحية الإجبارية، الذي يهدف إلى توفير تأمين صحي لنحو 9 ملايين مواطن بدءا من 2021، على أن يشمل في مرحلة لاحقة 22 مليونا يعانون صعوبة الحصول على الخدمات الطبية بسبب تكاليف الاستشفاء المرتفعة.

وستتمكن هذه الفئة المستهدفة من الاستفادة من تغطية صحية إجبارية كنظرائهم من المغاربة الذين يعملون في القطاعين العام والخاص أو يمارسون مهنا أو أعمالا حرة.

وإن كان القطاع العام مفتوحا أمام الجميع بتكاليف أقل، فإن ضعفه الكبير يجعل عددا كبيرا يتجهون إلى القطاع الخاص الذي بقي حكرا على الحاصلين على التأمين أو القادرين على تحمل التكاليف.

ويتضمن المشروع أيضا تعميم التعويضات العائلية وتعويضات عن التقاعد وتوسيع الاستفادة من التعويض عن فقدان العمل في أفق العام 2025، وستكون كلفته السنوية 51 مليار درهم (نحو 5 مليار دولار).

كل المغاربة

ترأس الملك محمد السادس في 14 أبريل/نيسان 2021، إطلاق المرحلة الأولى من المشروع بهدف تمكين العاملين في قطاعات الزراعة والتجارة والصناعة التقليدية والحرفيين المستقلين وأسرهم من الحصول على تأمين صحي.

وتبنى البرلمان المشروع في بداية فبراير/شباط، ويرتقب أن يشمل في الأسابيع المقبلة العاملين في مهن حرة أخرى، على أن يعمم العام المقبل على "كل المغاربة" من خلال دمج المستفيدين حاليا من تأمين مخصص للمعوزين يوفر خدمات محدودة في المستشفيات العمومية فقط.

وخلال فعالية إطلاق المشروع، قال وزير المالية والاقتصاد محمد بنشعبون، إن نجاحه يقتضي "مواجهة ضعف معدل التأطير الطبي والعجز الكبير في الموارد البشرية، وعدم تكافؤ توزيعها الجغرافي"، مشيرا إلى "فتح مزاولة مهنة الطب أمام الكفاءات الأجنبية، وتحفيز المؤسسات الصحية العالمية على العمل والاستثمار في القطاع الصحي".

عقدت الحكومة المغربية، اجتماعها الأسبوعي الثلاثاء 20 أبريل/نيسان، عوضا عن الخميس من أجل الحديث عن إصلاح المنظومة الصحية بالمملكة، وتدارست خمسة مشاريع مراسيم قوانين، يتعلق الأول منها بتطبيق القانون المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات.

أما المرسوم الثاني والثالث فيتعلقان بتطبيق المرسوم بقانون بسن تدابير استثنائية لفائدة بعض المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين لديهم المصرح بهم وبعض فئات العمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء المؤمنين لدى الصندوق المتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا.

فيما يخص القطاعات الفرعية المتعلقة بتموين الحفلات وتعهد المناسبات والتظاهرات، والقطاع الفرعي لفضاءات الترفيه والألعاب.

ويتعلق المرسومان الرابع والخامس بتطبيق القانون رقم 15-98 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والقانون رقم 15-99 بإحداث نظام للمعاشات الخاصين بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، فيما يتعلق بالأطباء وبالمهندسين المعماريين.

وينتظر حسب تقارير صحفية أن يترأس العاهل المغربي محمد السادس، مجلسا وزاريا خلال الأيام القليلة القادمة، سيتطرق بالأساس إلى إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب، حتى تتمكن من مواكبة ورش تعميم التغطية الصحية.

حجر عثرة

يواجه مشروع تعميم التغطية الصحية على عموم المغاربة العديد من التحديات، لعل أبرزها ضعف معدل التأطير الطبي والعجز الكبير في الموارد البشرية وعدم تكافؤ توزيعها الجغرافي.

يرجع هذا التفاوت لأسباب تاريخية واقتصادية واجتماعية حسب الكاتب العام للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام منتظر العلوي، حيث كانت الرباط أولى المدن المغربية التي تشيد فيها كلية للطب قبل أن يتم إحداث كلية أخرى في الدار البيضاء.

وهو ما يفسر استقرار النسبة الأكبر من أطباء المغرب بهاتين المدينتين، حيث كان خريجو هذه الكليات يختارون العمل بهذه المدن بالنظر للكثافة السكانية العالية والمردود الاقتصادي المرتفع مقارنة مع باقي مناطق البلاد.

وأضاف العلوي في تصريح لموقع "القناة الثانية" (رسمية) في 17 أبريل/نيسان أن توزيع الأطباء على الصعيد الوطني لا يتم بطريقة عادلة ولا حسب الاحتياجات، مشيرا إلى أن النقص يتم تسجيله في الأماكن البعيدة عن المحور كالمناطق الجنوبية والجنوب الشرقي وفي العالم القروي. 

وعزا ذات المتحدث أسباب هذا التفاوت إلى عدم تقديم الوزارة تحفيزات للأطباء من أجل الانتقال إلى هذه الأماكن البعيدة.

ولفت إلى وجود تردد من المتخرجين الجدد من كليات الطب لخوض المنافسات من أجل عدم الانضمام للقطاع العمومي والعمل بالجبال والقرى ليس لسبب آخر سوى غياب التحفيزات وتعقيدات الحركة الانتقالية ومشكل التعويض وعدم وضوح الرؤية بخصوص المستقبل.

وأوضح أن القطاع الطبي العمومي بات منفرا للعديد من الخريجين الجدد بسبب ضعف الرواتب ذلك أنه لا يتم تعويضهم على أساس حاملي دكتوراه وطنية بل دكتوراه في الطب وتوازي في المرتبة حامل شهادة الماستر.

 وهو ما يكرس النقص في الموارد البشرية ويدفع حتى بأطباء القطاع العمومي إلى تقديم استقالاتهم التي ترفضها الوزارة وحتى لو تم اللجوء للقضاء فإن الوزارة لا تنفذ هذه القرارات، على حد تعبيره.

ويتوجه المغرب من أجل مواجهة النقص في الأطر الصحية وإنجاح ورش تعميم التغطية الصحية إلى فتح مزاولة مهنة الطب أمام الكفاءات الأجنبية، وتحفيز المؤسسات الصحية العالمية على العمل والاستثمار في القطاع الصحي بالمملكة، وتشجيع التكوين الجيد وجلب الخبرات والتجارب الناجحة.

وهذا كله يجري طبقا للتعليمات الملكية السامية الواردة في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2018.

منظومة منهكة

حذر أخصائي طب الجهاز التنفسي بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني (حكومي)، بمدينة فاس (شمال)، البروفيسور، محمد البياز، من أن ارتفاع الإصابات (بفيروس كورونا) بشكل متسارع، يعرض المنظومة الصحية لضغوطات كبيرة تهددها بالانهيار إذا لم تتم إعادة تسطير الأولويات لترشيد الإمكانيات المادية والبشرية".

وأردف في سبتمبر/أيلول 2020: "خاصة أن المنظومة الصحية عادت بعد رفع الحجر الصحي للتكفل بالمرضى الاعتياديين، الذين لا يمكن بأي حال التخلي عنهم".

وذكر أن "السلطات الصحية والإدارية حاولت مواجهة ارتفاع الإصابات بداية بإنشاء مستشفيات ميدانية مخصصة للمصابين بالفيروس، لكن ذلك لم يعد كافيا".

واستدرك: "ارتفاع الحالات الحرجة أدى إلى وصول أقسام العناية المركزة لأقصى طاقاتها الاستيعابية وإرهاق العاملين بالأطقم الصحية".

الدكتور الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، ورئيس النقابة الوطنية للطب العام بالقطاع الخاص بالمغرب، أوضح أن مشروع تعميم التغطية الصحية مرتبط بتعميم الحماية الاجتماعية، على جميع المغاربة 36 مليون نسمة.

أي تعميم التقاعد على كل من له عمل قار، والذي قد يكون أعمالا حرة في مقاولات ذاتية، وبالتالي لا يستفيدون من نظام التقاعد.

وأضاف نائب رئيس الفدرالية الوطنية للصحة لـ"الاستقلال"، أن مشروع الحماية الاجتماعية، يشمل تأمين الأسر التي لديها أطفال، وتأمين فقدان الشغل بالإضافة للتغطية الصحية، وهو مشروع متكامل، الهدف منه جعل المغاربة جميعا ينخرطون في نموذج تنموي جديد، بعد أن كشفت الجائحة هشاشة اجتماعية وصحية في جميع دول العالم.

وأفاد أن من أصل 36 مليون، يتوفر فقط 14 مليون مغربي على التغطية الصحية، فيما استفاد ثلث المغاربة من نظام "الراميد"، وهو المساعدة الطبية للفئات الهشة، لكنه مع الأسف وفر خدمات محدودة لحامله، فيما لم يستفد ثلث آخر من التغطية الصحية مطلقا.

وبحسب حمضي، سيساهم في اشتراك التغطية الصحية المشغل والأجير، أو العامل في حال كان ما يمارس أعمالا حرة، وتتكلف الدولة باشتراك غير العاملين أو ذوي الدخل المحدود، لكن التغطية ستعمم على الجميع. 

لم ينف البروفيسور أن المشروع يطرح تحديا كبيرا، ولفت إلى أن تعميم التغطية الصحية سيرفع الطلب على العلاج، بعد أن كان من لا يتوفرون عليها أقل إقبالا عليه.

مواجهة التحديات

وقف المتخصص على النقص الذي يعانيه المغرب على مستوى الأطباء والممرضين والمستشفيات.

 إذ يتوفر المغرب على 28 ألف طبيب في حين يحتاج البلد إلى ضعف العدد، فيما 14 ألف طبيب مغربي يعملون في الخارج، حيث يهاجر 800 طبيب سنويا.

 وأحد أكبر التحديات أمام هذا المشروع هو توقيف هذا النزيف واسترجاع العاملين بالخارج من أجل إصلاح نظام الممارسة الطبية في المغرب.

اعتبر المتحدث النمو الديمغرافي أيضا أحد التحديات، التي تتطلب إمكانات، إضافة إلى أن المجتمع يسير نحو الشيخوخة شيئا فشيئا.

ويقول: "اليوم مغربي من كل عشرة يبلغ 60 عاما، وخلال 30 سنة سيتضاعف الرقم لثلاث مرات، وهذه الفئة العمرية حاجتها للعلاج أكثر وتكلفتها أغلى".

ولفت إلى أن ورش التغطية الصحية في المغرب ستفتح أوراشا أخرى، أولها حل أزمة الأطباء ثم إصلاح المنظومة الصحية في القطاعين العام والخاص.

وبين أن الحاجة لا تقتصر فقط على العنصر البشري، بل أيضا الأجهزة والمستشفيات، ولهذا فكر المغرب في فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي، من باب الاستعانة بالخبرات الأجنبية لا جعلها بديلا عن المنظومة الصحية الوطنية بخبراتها وكوادرها.

شدد دكتور حمضي، على ضرورة متابعة المشاريع التي أطلقتها الدولة في المجال الصحي وتسريعها حتى تكون جاهزة خلال سنتين، وهي المدة المحددة لتعميم التغطية الصحية.

وأيضا تحفيز القطاع الخاص، وهذا واحد من الدروس المستفادة من الجائحة، إذ إن المصحات الخاصة في المغرب لا تتوفر على أكثر من 25 سريرا.

عاد البروفيسور ليؤكد أن اللبنة الأساسية بين كل هذه التحديات هي إصلاح ظروف عمل الأطباء والمهن الصحية وظروف تكوينهم واسترجاع الكفاءات المهاجرة، التي تبقى أولى بخدمة بلدها وتبقى لها الأولوية وإن كان المغرب يرحب بالأجانب، لكن في إطار رابح والاستفادة من خبراتها.