انتخابات الصحفيين المصريين 2021.. ماذا يعني فوز مرشحي نظام السيسي؟
انفض مولد انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين المصرية 2 أبريل/نيسان 2021، بفوز المرشح الحكومي لمنصب النقيب ضياء رشوان، و4 من 6 من قائمة مرشحي جهاز "أمن الدولة".
الانتخابات التي تأجلت من مارس/آذار، إلى أبريل/نيسان 2021، بسبب مخاوف العدوى بفيروس كورونا، ما أدى لعزوف قرابة 1000 صحفي عن الحضور، انتهت بتقلص أعضاء النقابة المستقلين من 6 في آخر مجلس (من إجمالي 12 عضوا) إلى 3 فقط.
اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات النقابة، والتي تم اختيارها لأول مرة من هيئة قضايا الدولة (محاميي الحكومة) لا قضاة المحاكم العادية، أعلنت فوز رئيس هيئة الاستعلامات التابعة لمؤسسة الرئاسة ضياء رشوان بمقعد نقيب الصحفيين لثالث مرة.
تم رفض الطعون المقدمة ضد "رشوان" رغم جمعه بين وظيفتين، حكومية ومستقلة بالمخالفة للوائح وقوانين النقابة، ولأول مرة يشتكي صحفيون، من قضاة الانتخابات وتحدثوا عن "مخالفات" وطعن المرشح على منصب النقيب رفعت رشاد على النتائج.
وحرر المرشح حسام السويفي محضرا في قسم قصر النيل لإثبات "عدم صحة إجراءات الفرز في العديد من لجان الانتخابات تمهيدا لرفع دعوى قضائية ببطلانها".
ونشر كارم يحيى المرشح الخاسر على مقعد النقيب صورة قرار لمجلس إدارة صحيفة الأهرام الحكومية تتضمن حشد الصحفيين لانتخاب مرشحي الحكومة، وتوفير أتوبيسات لنقلهم.
وعلق يحيى: "على طريقة الاتحاد الاشتراكي وكل الأساليب الاستبدادية الفاسدة والتصويت من خلال تجميع الناخبين في وسائل النقل الجماعي بالشركات، والتلويح بكشوف الحضور والغياب".
وتحدث عن "تراث من تدخل السلطة ورؤساء إدارات المؤسسات الصحفية" يجري استعادته في انتخابات الصحفيين 2021 بحجة "التسهيل على الناخبين من أجل زيادة المشاركة".
نتائج المنافسة
نتائج التنافس على نصف مقاعد مجلس النقابة (6) أظهرت فوز عضوين مستقلين هما: محمد خراجة 1338 صوت، ومحمد سعد عبد الحفيظ 1045.
وخسر مستقلون آخرون (من التيار الناصري) هم: جمال عبد الرحيم وعمرو بدر (عضوا المجلس السابق) وخالد البلشي (رئيس لجنة الحريات السابق بمجلس النقابة).
بالمقابل، فاز 4 صحفيين محسوبين على السلطة، هم: إبراهيم أبو كيلة (1277 صوتا)، وحسين الزناتي (1201 صوتا)، وأيمن عبد المجيد (1864 صوتا) ودعاء النجار (1078 صوتا).
وتسعى السلطة منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 لتحويل النقابة، التي اشتهرت كمقر للاحتجاجات قبل وأثناء ثورة يناير 2011، إلى ناد اجتماعي أو مول تجاري تقدم خدمات فقط، وتغيب حرية الصحافة.
#فيتو | التشكيل الكامل لمجلس نقابة #الصحفيين| إنفوجراف pic.twitter.com/YvWqT48Alk
— بوابة فيتو (@Vetogate) April 3, 2021
قوائم أمنية
قبل الانتخابات كشف عضو مجلس النقابة المستقل الصحفي محمود كامل عن وصول شكاوى للنقابة من توزيع جهاز "الأمن الوطني" على رؤساء مجالس إدارات وتحرير المؤسسات الصحفية القومية والخاصة قائمة بمن يرغب في فوزهم.
وقال كامل إنه تم إخطار القيادات الصحفية في كل مؤسسة، ورؤساء الأقسام للتنبيه على الصحفيين لانتخاب قائمة بعينها أعدها "الأمن الوطني"، لافتا إلى أن الصحفيين الذين اشتكوا من إجبارهم على انتخاب قوائم الأمن، لم يتقدموا بشكاوى رسمية للجنة الانتخابات "خوفا من تعرضهم للبطش".
ضمت القائمة المدعومة من جهاز "الأمن الوطني"، ضياء رشوان على منصب النقيب، ليستمر في الجمع بين هيئة نقابية يفترض استقلاليتها، وهيئة حكومية تعمل ضد الحريات (هيئة الاستعلامات).
كعادة السلطة لتدعيم فوز مرشحها، منحته الحكومة "رشوة انتخابية" بزيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين بنسبة 20 بالمئة، من يوليو/ تموز 2021.
الرشوة بلغت 420 جنيهاً، ليصبح إجمالي البدل 2520 جنيها (ما يعادل 160 دولارا تقريبا)، والذي يعتبره غالبية الصحفيين راتبا شهريا يعوضهم عن البطالة أو غلق صحفهم وتدني رواتبهم.
قائمة "الأمن الوطني" لعضوية مجلس النقابة، ضمت 3 صحفيين (عضوية فوق سن 15 عاما) محسوبين على السلطة هم: حسين زناتي رئيس تحرير مجلة "علاء الدين" التابعة لمؤسسة "الأهرام"، وهاني عمارة الصحفي بالأهرام (لم ينجح).
كما ضمت القائمة الحكومية إبراهيم أبو كيلة، عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) المعين من قبل رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، ورئيس تحرير جريدة "الرأي" (أحد إصدارات مؤسسة دار التحرير القومية الحكومية).
وضمت قائمة الأمن 3 مرشحين آخرين (عضوية أقل من 15 عاما) هم: أيمن عبد المجيد، رئيس تحرير بوابة "روز اليوسف" الإلكترونية الحكومية، والصحفي المقرب من الأجهزة الأمنية سامي عبد الراضي رئيس قسم الحوادث بجريدة "الوطن" الخاصة (لم ينجح)، ودعاء النجار، مسؤولة ملف النقابات بجريدة "الجمهورية" الحكومية.
وجاءت نتائج الانتخابات لتؤكد فوز 4 من هؤلاء الستة الذين رشحهم الأمن، وفوز اثنين فقط من المستقلين، ووفق هذه النتائج، يتقلص عدد الصحفيين المستقلين (غير الحكوميين) في مجلس النقابة إلى 3 فقط من 12 عضوا بالمجلس، ويستحوذ مرشحو السلطة على 9 مقاعد.
"قائمة السقالات"
عقب هيمنة الفائزين من مرشحي الحكومة في انتخابات مارس/ آذار 2019، على المناصب الكبرى بمجلس النقابة، بادر السكرتير العام محمد شبانه (حكومي) لوضع أعمدة حديدة "سقالات البناء"، أمام أبواب وفوق سلالم النقابة.
قيل: إن الغرض هو استخدامها في ترميم المبنى (لم يحدث)، لكن الهدف الحقيقي كان عرقلة التظاهر أمام النقابة التي تحولت "هايد بارك" الحريات خلال الربيع العربي.
وفي 5 فبراير/ شباط 2021، قرر عدد من الصحفيين، إزالة هذه السقالات، وساندهم عضو مجلس النقابة محمد خراجة (الذي فاز مجددا في الانتخابات الأخيرة).
أغضب هذا الجهات الأمنية التي تقف وراء تعليمات "السقالات"، وحرضت صحف حكومية على مهاجمته واتهامه بأنه "إخوان"، وهاجمته بشدة جريدة الجمهورية الحكومية.
وقتها أطلق عليها المرشح الخاسر "ياسر سليم"، عبر صفحته على فيسبوك، وصف "سقالات سيادية"، وقال آخرون إنها "باقية والصحفيون زائلون"!.
بعدما أصبحت "السقالات" عنوانا للصراع بين "تيار الحكومة"، والمستقلين، سميت قوائم مرشحي الأمن بـ"قائمة السقالات"، في مواجهة "تيار الاستقلال"، وعقب انتهاء الانتخابات، بفوز المحسوبين على الأمن، كتب صحفيون يسخرون: "مبروك عليكم القائمة الأمنية.. قائمة السقالات"، لافتين لوجود تعليمات أمنية باختيار قائمة محددة.
مستقبل الحريات
كانت انتخابات الصحفيين 2021 هي آخر أمل تعلق به المتمسكون باستقلالية النقابة والمهنية وحرية الصحافة، واعتبروها الخيط الرفيع الفاصل بين مساعي انتشال "نقابة الحريات" من كبوتها التي تعيشها منذ الانقلاب، واستعادة هيبة المهنة وكرامة الصحفي، وبين خطط تأميمها وتدجينها.
ردود أفعال غالبية الصحفيين، جاءت محبطة بعد النتائج الأخيرة، وتوقعوا تحولها إلى "نقابة السقالات" فعليا، كناية عن تكبيلها بالحديد، بينما ظل قليلون متمسكون بالأمل في التغيير في انتخابات مارس/آذار 2023.
صحفيون قالوا إن محاولات تشكيل مجلس نقابة متوازن يحافظ على الحريات ويخلع رداء الحزبية والسياسة لصالح حرية الصحفيين، باءت بالفشل بسبب إصرار السلطة علي تأميم النقابة كغيرها، بعدما أممت بسلسلة قوانين قمعية حرية الكلام نفسه.
صحفيون استطلعت "الاستقلال" رأيهم، أبدوا تشاؤمهم بعد سيطرة أبواق الأمن على إدارة النقابة، وشراء أجهزة المخابرات الصحف الخاصة وضمتها للمعزوفة الموحدة التي تعزفها الصحف الحكومية، وانتهاء عصر الصحافة الحرة في مصر.
وقالوا إن تكبيل الصحفيين وقمعهم وغلق صحف وتدهور المهنية واضطرار كثير من الصحفيين للجلوس في منازلهم أو هجر المهنة، وتضررهم معيشيا، رفع من أسهم من يقدمون الخدمات أو الرشاوى الانتخابية لهم.
البعد عن المهنية والتركيز على الخدمات دفع عضو المجلس المستقل الفائز للمرة الثانية محمد سعد عبد الحفيظ للتخوف من تحولها إلى مول تجاري لا نقابة مهنية، حسبما كتب بجريدة الشروق 28 مارس/آذار 2021.
"عبد الحفيظ" الناجي الوحيد – مع محمد خراجه – من مذبحة قوائم السقالات الأمنية، حث الصحفيين – على طريقة مسلسل "الراية البيضا" للتجمع وإنقاذ المهنة ليلة الانتخابات.
وقال: "نداء.. الجالسون على الرصيف حول فيلا أبو الغار بالإسكندرية ينادونكم للجلوس معهم حتى لا يضطر الدكتور مفيد أبو الغار وفريقه إلى رفع الراية البيضا".
وأضاف: "نكرر النداء ونذكركم أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، إننا في حاجة إليكم، حتى لا نضطر إلى رفع الراية البيضاء، لنكمل مشوار المقاومة والدفاع عن الصحافة وحريتها واستقلالها".
وفق البعض، فإنه سيضطر عبد الحفيظ ومحمد خراجة ومحمود كامل لحمل راية المهنية والاستقلالية وحدهم بالنقابة، بعدما نجحت قوائم الأمن في التخلص من جمال عبد الرحيم، وكيل أول النقابة، وعمرو بدر، رئيس لجنة الحريات.
في تقريرها الأخير 27 يناير/ كانون الثاني 2021، بمناسبة مرور 10 سنوات على ثورة يناير، رصدت منظمة "مراسلون بلا حدود 100 صحفي مصري معتقل.
وأكدت أن حرية الصحافة بمصر "في الحضيض بعد 10 سنوات على الثورة"، منتقدة "التصعيد القمعي الذي يطال وسائل الإعلام وموجة الاعتقالات التي شملت الصحفيين".
ورغم أن موسم الانتخابات كان الفرصة الأكبر للسلطة لإطلاق صحفيين معتقلين لدعم نقيبها ومرشحيها، اكتفت بإطلاق سراح 3 صحفيين فقط، ما أعطى مؤشرا سلبيا عن توجه نظام السيسي في ملف الحريات.