السكك الحديدية في عهد كامل الوزير.. قطارات تنقل المصريين إلى الآخرة

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

قبل أكثر من عامين، أسند رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي مهمة وزارة النقل إلى أحد رجاله العسكريين وهو كامل الوزير مبشرا المصريين بزوال عصر حوادث القطارات وصون دماء المواطنين قائلا: "أنا بدي (أعطي) للمرفق ده (هذا) واحد من أحسن (أفضل) ضباط الجيش".

إسناد وزارة النقل إلى الوزير، جاء عقب حادثة قطار محطة مصر، يوم 27 فبراير/ شباط 2019، عندما اصطدم جرار القطار بالحاجز الخرساني لمحطة رمسيس، متسببا في حدوث انفجار وحريق كبير أودى بحياة 21 وإصابة 52 آخرين.

وقتها تمت الإطاحة بوزير النقل هشام عرفات، وجاء الوزير مكانه وسط ترويج من أذرع إعلام السيسي بأن مشاكل قطاع النقل في مصر لن يقدر عليها إلا رجل عسكري على شاكلة الوزير، الذي وعده السيسي آنذاك بتقديم كل ما يحتاجه المرفق من دعم.

لكن وكما توقع الكثيرون، وبعد مرور أكثر من عامين استلم خلالها كامل قطاع النقل وتوفرت له ميزانية ضخمة لم تتح لوزير من قبله، لم يتوقف بعد نزيف المصريين على الطرق خاصة قضبان قطارات السكك الحديدية.

فشل مستمر

في 26 مارس/ آذار 2021، كانت حادثة اصطدام قطاري سوهاج بصعيد مصر، التي راح ضحيتها 32 شخصا حسب ما أعلنته وزارة الصحة، بينما قال شهود عيان من موقع الحادث إن عدد القتلى يتجاوز 490 مواطنا.

الواقعة تعد من أفدح حوادث القطارات في السنوات الأخيرة، وأكثرها مأساوية خلال ولاية الوزير، ومع ذلك لم تكن هذه أول الحوادث بل جاءت ضمن سلسلة طويلة من الإخفاقات والحوادث المتكررة خلال عامين من الإدارة العسكرية للوزارة المدنية.

في أبريل/ نيسان 2020، انحرف  القطار المتجه من محافظة كفر الشيخ إلى مدينة "بيلا" عن مساره عند قرية "أبو تمادة"، ما تسبب في  وقوع عشرات الإصابات، والاستدلال على غياب منظومة أمان حقيقية. 

بعدها في سبتمبر/ أيلول اندلع حريق كبير في أحد القطارات بمحطة قطار المنيا، كاد أن يودي بحياة المئات.

في 4 أبريل/ نيسان 2019، تداول ناشطون مقطعا مصورا لكامل الوزير أثناء جولة تفقدية له في إحدى محطات القطارات، وهو يلقي تعليمات مباشرة إلى "الكمسري" قائلا: "لو بتسيب الناس تزوغ (لا تدفع ثمن التذكرة) يبقى أمشيك (تهديد بالفصل) وأوفر مرتبك".

الوزير تحدث مع العاملين في "هيئة سكك حديد مصر"، وحثهم على ضرورة تحصيل التذاكر من الركاب، وفي نفس الوقت يقول: "بعد أن يزيد الإيراد (المحصلات) نقعد (نجلس) نقسم الغنائم، لكن لن نقسم الغنائم ونحن خسرانين".

وفي 22 أكتوبر/ تشرين الثاني 2019، أثار كامل الوزير، غضبا كبيرا واسعا، عندما رفض طلب سيدة بتخفيض ثمن تذكرتها نظرا لكونها مرافقة فقط لابنها المصاب بمرض التوحد.

رفض الوزير بشكل قاطع تقديم أي مساعدة للمواطنة المصرية، قائلا: "الإعفاء يشمل ابنها فقط، وعليها دفع ثمن التذكرة كاملا، كأي مواطن".

وشدد الوزير في حديثه للسيدة إلى أن "عدم امتلاكها ثمن التذكرة، يعني عدم قدرتها على الركوب مجانا، وبالتالي عليها عدم الطلب من أي جهة تخفيض ثمن التذكرة أو إعفائها منها".

بعدها جاءت واقعة مقتل الشاب محمد عيد في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بعد أن قفز مع زميل له من قطار مسرع في مصر، بناء على طلب من مشرف القطار، لأنهما لا يملكان ثمن التذكرة، من أكثر الحوادث مأساوية ودلالة على غياب البعد الإنساني الكامل عن إدارة تلك المؤسسة.

 

إخفاقات متكررة

تلك العقلية العسكرية لكامل الوزير، تدير واحدة من أعقد الوزارات وأكثرها احتكاكا بالمواطنين من جميع الفئات والطوائف والأعمار، إضافة إلى أنها "تقل 360 مليون راكب بواقع مليون راكب يوميا، كما تنقل 6 ملايين طن بضائع فى العام".

وبحسب تقرير صحيفة الوطن المصرية (حكومية)، في 7 أغسطس/ آب 2020، فإنه "يبلغ طول سكة الحديد في مصر نحو 9 آلاف و570 كم، وتسيير قطارات السكة الحديد 920 رحلة يوميا، على جميع الخطوط بين الوجهين القبلى والبحرى".

تلك الإخفاقات المتكررة دفعت حتى بعض الصحف التابعة للنظام وأجهزة المخابرات لمهاجمة كامل الوزير، مثلما فعلت اليوم السابع، في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عندما نشرت تقريرا بعنوان: "لماذا أخفق وزير النقل فى إنجاز خطة تحديث إشارات خطوط السكة الحديدية؟".

وقالت الصحيفة: "رغم مركزية كامل الوزير وزير النقل فى إدارة قطاعات الوزارة وعلى رأسها مرفق هيئة السكة الحديدية وتدخله فى إدارة ومتابعة كافة الإدارات بكل قطاع من قطاعات الوزارة، إلا أن هناك ملفات فى بعض القطاعات لم تحقق النجاح الذى كان ينتظره الكثير فى أعقاب توليه المسؤولية". 

وأضافت: "على رأس الملفات التى لم ينجح فيها الوزير وشهدت إخفاقا كبيرا ملف تحديث إشارات خطوط السكة الحديدية، فالخطة التى شرعت وزارة النقل فى تنفيذها منذ أكثر من 5 سنوات كان ينتظر الكثير لإنجازها إلا أنه لم يحقق نجاحا ملموسا فيها لدرجة أنه لا يوجد برنامج زمنى محدد لإنجازها".

فوق المساءلة

سقطات الفريق كامل الوزير، دفعت المواطنين للتساؤل عن عدم إقالته أو محاسبته، خاصة أن حادثة سوهاج الأخيرة لم تكن سابقة، بل جاءت في صف طويل من الأزمات.

وهو ما ذكره الخبير الاقتصادي عبد الغني عبد المطلب، عندما نشر عبر حسابه بموقع فيسبوك قائلا: "فعلا إللى اختشوا ماتوا (مثل مصري).. وزير النقل: سيتم محاسبة المقصرين والمخطئين في حادث قطاري سوهاج" وأضاف بأن "الوزير واثق بأنه فوق المساءلة".

 

أما الفنان المصري الساخر جاسر الأنور، كتب: "من فشل حل كارثة قناة السويس، لفشل كارثة  تصادم قطارين.. هوا ده كامل الوزير.. اللي قلت عليه (السيسي) وش القفص وأكفأ ضابط جيش ورقيته لفريق؟.. هي دي الخدمة اللي ضاعفت سعر التذاكر عشان تحسنها؟ هي دي الدولة التانية اللي وعدت بيها 30-6-2020؟". 

 

بينما كتب المهندس المصري أحمد الشوربجي عبر "فيسبوك" قائلا: "بصفتي اشتغلت فترة مهندس تحكم في مترو الأنفاق مش قادر حتى الآن أصدق أن وزير نقل طالع يقول أنا اللي طلبت إيقاف العمل بالـATC عشان نوفر وقت… أقسم بالله هذا إنسان يحتاج العلاج في مستشفى أمراض عقلية".

وأضاف: "التحكم أوتوماتيك في القطار اللي بيصمم نظام التحكم دا بيمنع حدوث مثل هذه الحوادث إلا أن يقوم أحد الأشخاص متعمدا بايقاف التحكم الأوتوماتيكي!".

"سيسي" مصغر

الباحث السياسي المصري "محمد ماهر" وصف وزير النقل الفريق كامل الوزير بأنه "رئيس مصغر" وقال لـ"الاستقلال": "هذا هو الحكم العسكري، إذ يخلق الديكتاتور الأعظم مجموعة من النماذج المشابهة له داخل كل مؤسسات ومفاصل الدولة، وما كامل الوزير إلا عبدالفتاح السيسي، وكلاهما خرج من بوتقة واحدة".

وأضاف: "بتحليل بسيط لمشهد تفاعل كامل الوزير مع حادثة قطار سوهاج، ستجد أنه يتكلم بنفس مفردات الرئيس، والأغرب أنه يتحدث عن محاسبة المسؤولين والمقصرين، وكأنه غير ضالع في الكارثة".

وتابع: "ولو فعلها وزير مدني لعلقت له المشانق، وأطيح به من منصبه على الفور، لكن الرجل العسكري يتحدث من موقع قوة وهيمنة غير مفهومة في قطاع من القطاعات المدنية التي تعاني من سوء إدارة وقلة خدمات وارتفاع باهظ للأسعار".

وأردف الباحث المصري: "تعاطي كامل الوزير مع حوادث القطارات ومع أزمات قطاع النقل، يدلل على غياب دور الأجهزة الرقابية والبرلمان، فهل يمكن تصديق أن البرلمان المصري لم يقدم الاستجواب والمساءلة لكامل الوزير بخصوص حادثة القطار؟!".

وأكمل: "وكذلك بشأن أزمة قناة السويس الأخيرة (إيفر غيفن)!  وكأنه فوق القانون والدستور، وهو ما ظهر بالطبع في تصريحات الوزير الرامية إلى استرضاء السيسي وإعطاء الولاء الكامل له، وحرصه على الاحتفاظ بثقته، بعيدا عن الدولة والشعب الذي يدفع ثمن هذه العملية من أمواله ودمائه".