"أساليب إجرامية".. موقع إيطالي: المليشيات في نيجيريا أقوى من الدولة
يرى موقع إيطالي أن دعوة وزير الدفاع النيجيري بشير صالحي ماغاشي، في 17 فبراير/شباط 2021، الشعب للدفاع الذاتي عن نفسه ومعاضدة جهود الأمن والجيش ضد عنف العصابات والمنظمات الإجرامية، "اعتراف ضمني بهشاشة جهاز أمن الدولة أمام التهديدات الأمنية المتعددة".
ولمواجهة هذه التهديدات، أكد موقع "مركز الدراسات الدولية" أن الدولة مطالبة بتأكيد التزامها على جبهات عديدة، ولكن على العكس من ذلك، تغيب مؤسساتها العسكرية والأمنية في العديد من مناطق البلاد، أو نادرا ما تكون حاضرة.
وبحسب الموقع، يعود ذلك لـ"الإرهاق نتيجة توسع مسارح العمليات مقابل عدم توفر المعدات والعناصر الكافية في ظل تواصل الثغرات الهيكلية".
وبالتالي، تعول وزارة الدفاع والداخلية في توفير الأمن على منظمات محلية، غالبا ما تكون عصابات مسلحة يتم تجنيدها على أساس جغرافي (قرى، مناطق شبه حضرية) أو عرقي- قبلي، تسمى عموما "المليشيات الشعبية للدفاع الذاتي".
أساليب إجرامية
واعتبر الموقع أن "تشكيل هذه المليشيات يزيد من تفتيت المشهد الأمني الداخلي، وفي كثير من الحالات، يتحول إلى عنصر من عناصر عدم الاستقرار، كما يتضح من احتدام النزاعات بين مليشيات تنتمي إلى مناطق أو عرق مختلفة وأيضا من خلال تورطها في تهريب الأسلحة".
وأوضح أن "التهديدات الأمنية تختلف في نيجيريا من منطقة جغرافية إلى أخرى، كما يختلف أيضا تنظيمها وطريقة تنفيذ عملياتها، وعموما، يشمل نشاط العصابات الإجرامية، المنتشرة في كامل البلاد، التهريب والابتزاز وأيضا النهب والسرقة بالإضافة إلى قيامها بعمليات اختطاف، كما تستغل الدعارة وتهريب المهاجرين".
ووصف الموقع الجريمة في المناطق الجنوبية، بـ"عالية التنظيم" لتورط تنظيمات معقدة فيها مثل "الأخوية"، وهي مافيا نيجيرية مرتبطة بأعنف المافيات العالمية.
ويشهد الجنوب أيضا، تحديدا في منطقة دلتا النيجر، نشاط حركات تمرد وتنظيمات مسلحة مثل "منتقمو دلتا النيجر" والخلايا المتبقية من "حركة تحرير دلتا النيجر"، بالإضافة إلى عصابات من القراصنة ومهربي الوقود وأيضا لصوص النفط.
وأما في ما يسمى بـ"الحزام الأوسط"، يتمثل التهديد الرئيس للاستقرار في النزاعات بين المزارعين المستقرين والبدو رعاة المواشي شبه الرحل من أجل السيطرة على الأراضي الخصبة والمياه، ويعد شمال البلاد معقلا لتنظيمات مسلحة كجماعة "بوكو حرام" و"تنظيم الدولة في غرب إفريقيا".
وأورد الموقع الإيطالي أنه "غالبا ما ترتبط الجماعات المختلفة النشطة في نيجيريا بروابط قبلية أو تستخدم أساليب إجرامية لتحقيق أهداف سياسية أو لتمويل نفسها".
كما أن الطبيعة الهجينة للتهديد ومجالات نشاطه الواسعة تجعل الوقاية منه والتصدي له معقدين وعلى غاية من الصعوبة، وهو ما يدفع السلطات إلى تكليف حراس القرى بمهمة رجال الأمن وبهذه الطريقة، يشكلوا خط الدفاع الأول.
وذكر الموقع أن من أبرز هذه المليشيات تلك التي تشكلت في المناطق الوسطى من البلاد من قبل مزارعي قبائل "الهوسا" وأيضا من قبل قبائل شبه البدو من العرق "الفولاني".
ولنقص الحماية من الدولة، انتظم شباب "الهوسا" في جماعات دفاع ذاتية متسلحين بأسلحة بيضاء وأسلحة يدوية الصنع، وقاموا بتنفيذ أعمال عنف ضد كل المشتبه بهم من اللصوص.
وردا على ذلك، شكل شعب الفولاني أيضا "جماعات مسلحة حملت أسلحة أكثر تطورا، اقتناها من خلال وسائل غير شرعية بفضل الأنشطة الإجرامية مثل عمليات الخطف".
علاوة على ذلك، استفادت هذه المليشيات التابعة لعرق الفولاني من الدعم اللوجستي والتدريبي للجماعات المسلحة الموجودة شمال البلاد والتي تضم عناصر تنحدر من هذا العرق، وفق الموقع الإيطالي.
دولة عاجزة
من جهتها، أثبتت الدولة، التي لم تكن قادرة في السابق على إيقاف النزاعات العرقية، "عجزها في التعامل مع العنف المتزايد الناجم عن النزاعات بين مليشيات الهوسا والفولاني".
ولفت الموقع الإيطالي إلى أن "العنف الذي ارتكبته مليشيات الدفاع عن النفس في السنوات العشر الماضية، أودى بحياة أكثر من 15 ألف شخص، وهو رقم يفوق عدد ما قتلته الجماعات المسلحة من ضحايا".
وأشار إلى أن محاولات السلطات المحلية في إقامة حوار بين المليشيات المسلحة المختلفة "لم تسفر عن النتائج المرجوة، ويرتبط السبب الرئيس لفشل مثل هذه المبادرات بطبيعة هذه المجموعات التي لا تستجيب لهيكل واحد، وإنما إلى قراها أو زعماء القبائل".
لذلك، يشرح "مركز الدراسات" الإيطالي أن "انتشار هذه المليشيات وتشرذمها يعقد من مهمة الدولة في تطوير نظام حوكمة يخول السيطرة عليها وتنظيم أنشطتها".
ويذكر في هذا الصدد، فشل المفاوضات التي أجرتها عام 2019، حكومات ولايات زامفرا، كاتسينا، صكتو والنيجر الفيدرالية مع قادة بعض "مليشيات الدفاع الذاتية"، والتي رفضت عرض الحصول على العفو مقابل إلقاء السلاح بسبب عدم وجود ضمانات دقيقة فيما يتعلق بحماية قراهم الأصلية.
وأردف الموقع أن "مشكل الانتشار الواسع للأسلحة فاقم من الصعوبات الأمنية وزاد من العنف، لا سيما وأن إفريقيا تعاني اليوم، وخاصة نيجيريا، من انتشار متزايد للأسلحة الصغيرة المهربة التي انتهت إلى أيدي مليشيات الدفاع الذاتي".
وفي هذا الإطار، تعطي دراسة أجراها مركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات حول الأسلحة التي تم تسليمها إلى الحكومة النيجيرية بعد تنفيذ برامج العفو بداية من عام 2016، "صورة واضحة أكثر للأسلحة المستخدمة".
ويتكون جزء كبير منها من أسلحة بدائية مصنوعة يدويا، بالإضافة إلى وجود كبير للأسلحة المنتجة صناعيا، كما تم تقسيم الأسلحة التي تم جمعها إلى 3 فئات: البنادق الهجومية صينية الصنع من نوع "تايب 2-56"، التي تم تصديرها إلى كوت ديفوار أوائل الألفية الثالثة.
وأيضا البنادق الهجومية البولندية "KbK-AKMS" التي كانت موجودة في مستودعات الزعيم الراحل معمر القذافي المنهوبة في 2011 والبنادق نصف الآلية تركية الصنع.
على جانب آخر، قال الموقع: إن "انتشار المليشيات يطرح مشكلة سياسية كبيرة تتعلق بالشرعية والاعتراف من قبل السكان المحليين، لا سيما وأن نجاح هذه المليشيات في التصدي للتهديدات الخارجية التي يتعرض لها السكان، قد يزيد من ثقلها السياسي بشكل كبير على حساب مؤسسات الدولة، وهو ما من شأنه يؤدي إلى زيادة الصراعات بين الدولة والأهالي".
ويمر الحل بحسب الموقع الإيطالي من أجل انخفاض مستوى العنف المرتبط بنشاط مليشيات الدفاع عن النفس، عبر "تقليصها أو دمجها في المخططات التنظيمية الوطنية الرسمية التي تسهل سيطرتها وتدريبها، وبالتوازي، من الضروري تحسين قدرات القوات المسلحة والشرطة من أجل تقليص الاعتماد على هذه المليشيات".
وختم الموقع تقريره بدعوة الجهات الخارجية المعنية إلى "المساهمة أيضا في عملية الاستقرار بنيجيريا من خلال شراكات تهدف إلى الرفع من أداء وكفاءة وأيضا فاعلية الأجهزة الأمنية الرسمية".