سلطان العرادة.. محافظ مأرب وقائد المعركة الحاسمة ضد مليشيا الحوثي
.jpg)
عاد الحديث عن محافظ مأرب اليمنية الشيخ سلطان العرادة إلى الواجهة، بالتزامن مع المعارك التي تخوضها قوات الجيش الوطني وأبناء المحافظة ضد جماعة الحوثي.
اجتماعيا، يحظى العرادة بمكانة مرموقة، إذ يعد أبزر مشايخ قبيلة عبيدة، وهو إلى جانب ذلك لواء في الجيش، وسياسي متمرس، يحظى بقبول شعبي ورسمي من قبل كثيرين، خاصة أنه استطاع أن يقدم مأرب كنموذج للإدارة الناجحة.
أما سياسيا، فينتمي العرادة لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي حكم اليمن لأكثر من 33 عاما بقيادة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ورغم ذلك فالرجل يحظى بتأييد معظم الأحزاب اليمنية.
يعود الاتفاق الواسع على شخصية الرجل، إلى أنه اختط لنفسه مسارا شخصيا، واتخذ بعض المواقف خالف فيها النهج الذي درج على ممارسته أعضاء حزب المؤتمر.
تجاوز الحزبية الضيقة
ففي 8 مارس/آذار 2021، قال العرادة، تعليقا على الحديث عن وجود تنافس حزبي داخل قوات الجيش الوطني في مأرب: "لا إطلاقا.. الحزبية بمفهومها الحزبي وجدت في صنعاء قبل سيطرة الحوثي، وأوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه، وهي الآن موجودة في العواصم خارج الوطن".
وتابع محافظ مأرب، خلال مؤتمر صحفي نظمه (عبر اتصال إلكتروني) مركز صنعاء للدراسات: "التنافس موجود في الرياض والقاهرة وأبوظبي وعمان وتركيا، وفي بعض العواصم الغربية، أما في مأرب، وفي اليمن، أعتقد أننا تجاوزنا هذا الموضوع إلى قضية اسمها وطن، وإلى حفاظ على جمهورية يمنية تحفظ للإنسان اليمني كرامته"، وفق تعبيره.
وأضاف: "في اعتقادي أن أي مماحكات حزبية في هذه المرحلة لم تعد تمثل عقل إنسان سليم، ويجب أن يوجه (من يفكر في ذلك) إلى مصحة نفسية إن كان يفكر بهذا التفكير وبهذه المماحكة، في هذه المرحلة التي يعيش فيها الشعب اليمني".
كان هذا التصريح العابر للحزبية في إيجاد حل للمشكلة السياسية التي خلقت أسوأ أزمة إنسانية تعيشها اليمن، ممثلا لموقف كثير من اليمنيين الذين رأوا ضرورة تجميد التنافس الحزبي وتعليقه حتى يتمكن البلد من إنهاء الانقلاب الحوثي في شمال اليمن وتدخل التحالف بقيادة الرياض أبوظبي في جنوبه ويشهد استقرارا يسمح بعودة التنافس بين البرامج الحزبية.
وعليه فقد رأى كثيرون أن الشيخ العرادة يمثلهم في تصوره لآلية توحيد الصف الوطني والجمهوري، وقد كان لذلك التصور قيمة فعلية من شخص عرف بمواقفه التي حظيت بتأييد شعبي وسياسي.
رجل التوازنات
بالرغم من كون العرادة أحد أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام فإنه استطاع أن يحقق التوازن بين أهم المكونات السياسية اليمنية.
إذ حقق قدرا كبيرا من الوفاق مع حزب الإصلاح، أهم الأحزاب اليمنية، وأكد على أهمية دور المؤتمر كحزب، وذلك في أكثر من مناسبة، من بينها لقاء موسع عقد في أغسطس/آب 2019 قال فيه إن "حزب المؤتمر الشعبي العام هو حزب الوطن بأكمله، وأن له موقفا وطنيا في مساندة الشرعية الدستورية ممثلة بالرئيس (عبد ربه منصور) هادي".
وبالرغم من كونه عضوا في حزب المؤتمر الذي يقوده الرئيس الراحل صالح، إلا أنه دخل في خلافات مع الأخير، من بينها اعتراضه على استهداف منازل المدنيين من أبناء قبيلته "عبيدة" في 2010، من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لنظام صالح، بحجة إيواء عناصر من تنظيم القاعدة.
حاليا يعد العرادة من أبرز الشخصيات المرشحة شعبيا لقيادة اليمن في المراحل المقبلة، ومن المتوقع أن يحصل على دعم واسع في حال تمكن البلد من تجاوز الحرب وإحلال السلام.
وولد سلطان بن علي بن مبخوت العرادة عام 1958 في قرية كرى بوادي عبيدة بمحافظة مأرب، وهي من أهم القبائل اليمنية.
وبحكم المكانة الاجتماعية والقبلية لأسرته فقد كان وجيها بين أبناء قبيلته وكان صوتا معروفا بالحكمة والاتزان، كما كان وسيطا بين الدولة وبين قبيلته قبل أن يكلف بممارسة أدوار سياسية رسمية في عهد الرئيس السابق صالح.
درس في كلية الآداب بجامعة صنعاء، وتخرج فيها، وقد كلفه الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي في منتصف السبعينيات بالعمل كعضو في لجنة التصحيح، التي شكلت بأمر رئاسي وقتها في كل المؤسسات الحكومية في أكتوبر/تشرين الأول 1975 لتصحيح كافة الاختلالات والقضاء على الفساد المالي والإداري.
في مطلع الثمانينيات، وهي السنوات الأولى لحكم علي عبدالله صالح، انضم العرادة لحزب المؤتمر الشعبي، وكان عضوا في اللجنة الدائمة للحزب منذ 22 أغسطس/آب 1982، ثم عضوا لمجلس الشورى في عام 1987.
جرى انتخابه عضوا لمجلس النواب في دورتين انتخابيتين في عامي 1993 و1997 كمرشح توافقي للأحزاب السياسية في تلك الفترة، وقد امتنع عن الترشح لدورة ثالثة عام 2003، عن حزب المؤتمر.
وفي الفترة من 10-19 فبراير/شباط 2021، رعى العرادة أول معرض للكتاب، تم افتتاحه منذ تأسيس الجمهورية اليمنية قبل نحو 60 عاما. شهد المعرض إقبالا هائلا، حيث زاره نحو 300 ألف شخص، وهو عدد كبير في مدينة صغيرة.
وقد علق محافظ مأرب سلطان العرادة بالقول إن "المحافظة تخوض معركتين: عسكرية مع ميلشيا عنصرية سلالية (جماعة الحوثي)، ومعركة تنويرية بالعلم والمعرفة، وهي المعركة الأساسية".
وأضاف العرادة "هذه هي معركتنا الحقيقية.. معركة العلم والمعرفة .. خوضوها يا أبطال، حصنوا أفكاركم وحصنوا جمهوريتكم، وحصنوا وطنكم بالعلم والمعرفة".
الملفت للنظر أن هذه الفعالية الثقافية جرت في مدينة شهدت تجهيلا وتهميشا في البنية التعليمية على مدى عدة عقود بالرغم من كونها محافظة نفطية وسلة زراعية لليمن، ما تسبب بتدني مستوى التعليم واتساع رقعة الأمية، حتى ترسخ في الذهنية اليمنية أن مأرب بلد العصابات وقطاع الطرق.
وعليه فإن العرادة يواجه تحديا في تغيير هذه الصورة النمطية عن أبناء مأرب وقبائلها الذين يخوضون معارك الدفاع ضد جماعة الحوثي.
الثورة والحرب
عند اندلاع ثورة الشباب في 2011، انضم العرادة لصفوف الثوار وأيد مطالبهم برحيل النظام السابق الذي حكم اليمن لأكثر من 33 عاما، وقد تم اختياره عضوا في المجلس الوطني لقوة الثورة.
وبالرغم من محاولة استمالته من قبل صالح، ضمن محاولات استقطاب شيوخ القبائل في تلك الفترة، إلا أنه تجاهل تلك المحاولات ورفض تلك العروض.
صرح العرادة في مقابلة له حينها أن صالح حاول الاعتذار منه عبر وسطاء لكنه أجاب بأن "الأمر لم يعد قابلا للمجاملة، وقد بات الأمر جادا، حيث حزم الشعب أمره، وأصبح من الصعب التخلي عن الشعب والانحياز لشخص أو نظام".
كان العرادة مؤيدا للمبادرة الخليجية التي تقدمت بها السعودية، وقضت بتسليم صالح السلطة لنائبه الرئيس هادي، ومنح الأول وأركان نظامه الحصانة من الملاحقة القانونية.
وقد التحق العرادة باللجنة الوطنية لدعم وتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تم تشكيلها في ديسمبر /كانون الأول 2011.
في 6 أبريل/نيسان 2012، تم تعيين العرادة محافظا لمحافظة من مأرب بموجب قرار جمهوري أصدره الرئيس هادي بعد توليه الرئاسة بنحو شهرين، ويشغل هذا المنصب حتى الآن.
في 2015 شهدت محافظة مأرب هجوما عنيفا من قبل الحوثيين، لكن العرادة كان في مقدمة الصفوف التي واجهت الجماعة وتمكنت من دحرها في تلك الفترة.
وكان العرادة صرح بالقول: "نحن لا نخشى المليشيات الحوثية، وأي تحرك لها باتجاه مأرب ستكون عواقبه وخيمة".
وبالرغم من كونه يشغل منصبا إدرايا، فإنه أدى دور عسكري في الدفاع عن المحافظة، فقد حشد القبائل لمواجهة الحوثي، وخصص ما سمي حنيها بـ"مطارح نخلا والسحيل" لاستقبال المتطوعين للدفاع عن مأرب من أبناء المحافظة.
كما جمع كثيرا من القيادات العسكرية المتباينة، وهو الدور الذي يؤديه حاليا في معركة مأرب الحاسمة ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
وبدأ التصعيد الحوثي 7 فبراير/ شباط 2021، من أجل بسط النفوذ على محافظة مأرب كونها أهم معاقل الحكومة والمقر الرئيس لوزارة الدفاع، إضافة لتمتعها بثروات النفط والغاز، وامتلاكها أكبر سدود البلاد المائية ومحطة كهربائية كانت تغذي معظم أنحاء الدولة، قبل اندلاع الحرب.
وكثفت الجماعة حشودها العسكرية على تخوم مأرب بالتزامن مع انطلاق هجماتها، وقالت إنها ستسيطر على المدينة في غضون أيام، لكنها وجدت مقاومة شرسة من قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، بإسناد جوي من التحالف العربي.