المحكمة الاتحادية.. هل تقود القوى الشيعية العراق إلى نظام "ولاية الفقيه"؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع محاولات البرلمان العراقي التعجيل بتشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا قبل إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تسعى القوى والأحزاب الشيعية إلى تشكيل سلطة داخل "المحكمة" تشبه "مجمع تشخيص مصلحة النظام" في إيران.

تشريع القانون لا يزال معطلا ويراوح مكانه في البرلمان بسبب 6 من بنوده تعتبر خلافية، لكن الأكثر جدلا هي الفقرة المتعلقة بإضافة "فقهاء شريعة" إسلامية من السنة والشيعة إلى أعضاء المحكمة ومنحهم صلاحية نقض قوانين البرلمان العراقي.

خلافات عميقة

وبخصوص حجم الأزمة على قانون المحكمة الاتحادية، قال النائب عن تحالف "سائرون" رعد المكصوصي، إن "الخلافات على فقرات القانون لم تحسم حتى الآن، وهي عميقة رغم الاجتماعات والحوارات التي جرت خلال الأيام الماضية، ولم تتوصل القوى السياسية إلى أي توافق فيما بينها".

ولفت النائب خلال تصريح صحفي في 8 مارس/ آذار 2021 أن "الخلاف يتركز على جعل خبراء الفقه الإسلامي ضمن أعضاء المحكمة الاتحادية"، مضيفا أن "هناك من يرى أن هؤلاء الخبراء يكونون ضمن هيئة استشارية خاصة، لكن لا يحق التصويت والتدخل في القرارات التي تتخذها المحكمة".

وأوضح أن "من بين الخلافات أيضا هو تحديد الجهة التي يمكن أن ترشح القضاة إلى المحكمة الاتحادية العليا، خصوصا أن هناك من يريد أن يجري ذلك عبر الجهات السياسية، والبعض يريدها عن طريق القضاء، والآخر يريد أن تكون من خلال مؤسسات الدولة كرئاسة الوزراء أو الجمهورية".

من جهته، رفض كاظم الشمري النائب في البرلمان عن القائمة "الوطنية" ما وصفه بـ"محاولات إقحام أطراف وقوى سياسية وحزبية بنودا إضافية في قانون المحكمة الاتحادية"، مشددا على أن ذلك "لا يصب في مصلحة البلاد".

ولفت الشمري خلال تصريحات صحفية في 6 مارس/آذار 2021 إلى أن قانون المحكمة الاتحادية "لا يمكن أن يكون نافذا إلا بعد التصويت عليه كاملا ونشره في الجريدة الرسمية".

وأكد أن "قانون المحكمة الاتحادية مهم جدا، ومن القوانين المعنية بالإشراف على المؤسسات وتفعيل الدستور وحل الخلافات بين مؤسسات الدولة، والاستعجال في تشريعه ستكون له نتائج وخيمة، ولا بد من الخروج بقانون رصين قادر على ترصين دولة المؤسسات".

ويعتبر تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، وائتلاف "دولة القانون" بقيادة، نوري المالكي، من أبرز القوى الموالية لإيران التي تضغط باتجاه إضافة مادة فقه الشريعة (عدد 3) في قانون المحكمة الاتحادية (تتألف من 8 أعضاء) ليكون لهم التصويت والنقض والتدخل بالقرارات.

"ولاية فقيه"

الضغوطات التي تمارسها قوى شيعية عراقية موالية لإيران لإضافة "فقهاء شريعة" إلى المحكمة الاتحادية ومنحهم صلاحيات، دفع كتاب ومحللين للتحذير من "ولاية فقيه" على غرار نظام الحكم في إيران.

وقال الكاتب العراقي، فلاح مشغل، خلال مقال نشره موقع "كتابات" في 10 مارس/ آذار 2021 إن "قاعدة القضاء تقول: (كل قاض فقيه، وليس كل فقيه يكون قاضيا) ذلك لأن الفقه بالدين أحدى ركائز الفقه بالقضاء، تلك القاعدة لم يتذكرها المشرعون للدستور العراقي فوضعوا في تشكيل المحكمة الاتحادية خبراء بالفقه الإسلامي حسب المادة 92 من الدستور".

وما هو أسوأ من ذلك، بسحب المشعل، هو أن "تمثيل الفقه الإسلامي سيترشح عن الوقفين الشيعي والسني، بمعنى تكريس لمبدأ المحاصصة الطائفية والوصول بها لأكثر المؤسسات أهمية في حفظ حقوق المواطنة والتنوع المذهبي والديني".

وأردف المشعل، قائلا: "في ضوء الاختلاف بالفقه الشيعي عن السني فإن التضاد الطائفي في نطاق الإسلام السياسي سيشتعل داخل أروقة المحكمة الاتحادية، بينما جوهر واجباتها هو الفصل بالخلافات بين المركز والإقليم أو المحافظات والنظر بدستورية التشريعات والقوانين والنظر بقانونية الانتخابات".

ورأى الكاتب أن "العراق دولة مدنية وفق غالبية مواد الدستور أما أن تأخذه التشريعات نحو الدولة الدينية، فهذا يعني إسقاط متقصد وممنهج لأهم ما تبقى من مبادئ الديمقراطية، واحتكار التشريع لسلطة الفقيه وهذا أخطر ما يحدث في القضاء العراقي عبر تاريخه المدني".

ولم يبتعد عن هذا الطرح، الخبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية، معتز عبد القادر خلال تصريحات صحفية في 8 أغسطس/آب 2019 بالقول إن "مشروع قانون المحكمة الاتحادية يصب في مصلحة إيران ونفوذها في العراق".

وأضاف أن "مشروع قانون المحكمة الاتحادية يعني استنساخا كاملا للتجربة الإيرانية في العراق، فيما يسعى النفوذ الإيراني لتلبيس بغداد لباس الدين كي يكون هو سيد الموقف، في وقت يحتضن البلد طوائف وأديانا مختلفة فيه".

وحذر خبير العلاقات الدولية، معتز عبد القادر، في تصريحاته من "تشريع قانون المحكمة الاتحادية على وضعها الحالي، وما له من تداعيات خطيرة على العراقيين".

"مكامن الشيطان"

أما النظرة القانونية من خبراء ومختصين، فإنهم أيضا حذروا من مواد داخل القانون، حيث وصفها البعض بأنها "مكامن الشيطان" في النقاط الخلافية داخل قانون المحكمة الاتحادية العليا، والتي لم يجر حلها طيلة 16 عاما من الحكم بعد الاحتلال الأميركي عام 2003.

وقال رئيس النزاهة العراقية الأسبق القاضي رحيم العكيلي إن "البرلمان لم يتمكن واقعيا من التقدم خطوة واحدة في إقرار قانون المحكمة الاتحادية العليا، على الرغم من تصويته على 18 من أصل 24 مادة، هي مجموع مواد القانون، لأن الخلافات التي منعت تشريع هذا القانون منذ عام 2005 هي مضمون المواد الست التي عجز مجلس النواب عن إمرارها حتى الآن".

وأضاف العكيلي خلال تصريحات صحفية في 9 مارس/آذار 2021 أن "المواد محل الاختلاف تتمثل بعدد أعضاء المحكمة من كل صنف من أصنافها الثلاث (قضاة، خبراء فقه إسلامي، فقهاء قانون)، وآلية وجهات ترشيح أعضاء المحكمة، إلى جانب مدة خدمة أعضاء المحكمة، وراتب ومكانة رئيس المحكمة، ومكانته البروتوكولية".

ورأى أن "الشيطان يكمن في النقاط الخلافية الست على مر السنوات الستة عشرة السابقة التي تعذر بسببها تمرير القانون"، مشيرا إلى أن "المقترحات المطروحة لمعالجة تلك النقاط تقوم على المحاصصة المعهودة، وضمان غنائم الطوائف والمكونات المسيطرة في تلك المحكمة، وترتيب الأوليات لضمان سيطرة جهة معينة على صنع القرار داخل المحكمة".

ولفت العكيلي إلى أن "قضية (التوازن)، وليس المهنية ولا الخبرة ولا التخصص ولا النزاهة ولا الهوية العراقية، هي المتحكمة في تحديد أعضاء المحكمة، ويسعى رأي برلماني قوي إلى فرض سلطة رجال الدين في المحكمة، من خلال منحهم حق (الفيتو) على قراراتها، بحجة منع إصدار قانون يخالف ثوابت أحكام الإسلام".

ومن شأن ذلك أن يكون أهم المطاعن القاتلة في صدر الدولة المدنية ودولة المواطنة التي ينتظر منها الناس حماية واحترام تابعي جميع الأديان والطوائف، دون أن يفرض رأي دين أو طائفة ما على الآخرين، وفق قوله.

وعلى نحو مماثل، قال الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، خلال تصريحات صحفية في 9 مارس/ آذار 2021  إن "ستة مواد متبقية في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي يناقش في البرلمان، أهمها كيف تعقد المحكمة الاتحادية هل بحضور كل الأعضاء بضمنهم الرئيس أم بالأغلبية؟ وكيف تتخذ القرارات بالأغلبية البسيطة أم أغلبية الثلثين؟".

وبين التميمي قائلا: "أعتقد، ولأهمية هذه المحكمة، أنه يجب أن تعقد بحضور كل الأعضاء وأن قراراتها لا تكون صحيحة إلا بحضور كل الأعضاء، وأن تتخذ القرارات البسيطة بأغلبية بسيطة وتتخذ القرارات المهمة بأغلبية الثلثين".

وأضاف أنه "في ما يتعلق بخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون وهل هم جزء من المحكمة الاتحادية العليا، أرى أن دورهم استشاري، بدلالة المادة 92 من الدستور العراقي التي جعلتهم ضمن تكوين المحكمة وليس ضمن تشكيلها، وأن تكون هيئة المحكمة من 7 أعضاء بضمنهم الرئيس، لأن القاعدة تقول كل قاض فقيه ولكن ليس كل فقيه قاضيا".

أما بقية نقاط الخلاف، رأى التميمي أنها "يسيرة قابلة للحل، لكن يبقى وجود المحكمة الاتحادية العليا مهم مع الصلاحيات العظيمة في المادة 93 من الدستور العراقي، والتي منحها المشرع لها وأهمها المصادقة على نتائج الانتخابات التشريعية في العراق"، مشددا على أنه "لا انتخابات بدون وجود هذه المحكمة".