"أكبر سجن".. صحيفة إسبانية تفضح "بطش" نظام السيسي بالصحفيين
بعد 10 سنوات على سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، خنق نظام عبد الفتاح السيسي أي مساحة للصحافة المستقلة وحوّل "أرض الكنانة" إلى أحد أكبر سجون الصحفيين على هذا الكوكب.
وقالت صحيفة "ألموندو" الإسبانية إن "الصحفية بسمة مصطفى ما زالت تحاول استيعاب جحيم الأشهر القليلة الماضية، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2020، سافرت الصحفية إلى جنوب الأقصر، في مهمة تغطية مقتل شاب خلال مداهمة للشرطة، وبمجرد وصولها إلى محطة الحافلات، ألقي القبض عليها واستجوبتها الشرطة لعدة أيام".
في هذا السياق، يسلط الاضطهاد الذي تعرضت له هذه الصحفية الضوء على ممارسات الاستبداد والمراقبة والتهديد والسجن التي يعاني منها الصحفيون بعد 10 سنوات من حلم حرية الصحافة الذي تردد في ميدان التحرير بالقاهرة.
مشاعر الذعر
وأوردت الصحيفة أن "بسمة تمكنت مؤخرا من اللجوء إلى المنفى، وحول اعتقالها، قالت إن الأمن كان ينتظرني في محطة الحافلات، لقد كان كمينا، لم أنس مشاعر الذعر والخوف والارتباك، قضيت فيما بعد 24 ساعة في مبنى الأمن الداخلي معصوبة العينين، وخلال ذلك، استجوبوني 4 مرات".
وأضافت الصحفية "أول شيء قاله لي أحد المسؤولين هو: نعتذر عن الاعتقال، لكننا نعرف كيف نتعامل بشكل أفضل مع إرهابي يحمل أسلحة أكثر من التعامل مع صحفي بقلم".
وواصلت: "فيما بعد، سألوني عن عملي الصحفي، وعندما وصلت إلى مبنى الأمن الداخلي، صفعوني وجذب أحدهم شعري بشدة، أرادوا الحصول على كلمات السر الخاصة بهاتفي والحاسوب المحمول الخاص بي".
وأوضحت الصحيفة أن بسمة "عملت خلال السنوات الماضية، في معاقل الصحافة المستقلة، وسط بانوراما معادية تميزت بالرقابة المشددة على وسائل الإعلام من قبل الأجهزة الأمنية".
وبشكل عام، حاولت تحقيقاتها الصحفية تسليط الضوء على القتل الوحشي لـ"جوليو ريجيني"، الشاب الإيطالي الذي تعرض للتعذيب حتى الموت على أيدي مسؤولي الأمن، ووفاة شابين مصريين في مركز الشرطة، وغيرها من القضايا الأخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أن "مكتب المدعي العام اتهم بسمة بنشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والانتماء إلى تنظيم إرهابي".
وعلقت الصحفية قائلة: "لقد انتهى بي الأمر بنقلي إلى نيابة أمن الدولة، نصحوني بالرد بإيجاز، لكنني قررت التحدث ومواجهة الاتهامات، في الواقع، اعتقدت أن رفض وظيفتي يضيف مزيدا من القمع والظلم لما يعانيه، الصحفيون، من اضطهاد في مصر".
وفي وقت لاحق، أعلنت النيابة العامة عن حبسها المؤقت لمدة 15 يوما ونُقلت بسمة إلى سجن النساء بالقناطر شمال القاهرة.
زنزانة البؤس
ونقلت الصحيفة عن بسمة التي أطلق سراحها بعد فترة وجيزة، قولها: "لقد خصصوا لي زنزانة كان فيها ما لا يقل عن 80 امرأة، وعندما وصلت، كن جميعا نائمات على الأرض، متراصات بحيث يكون هناك مساحة كافية للجميع. لقد دست على أجسادهن عن طريق الخطأ، لأنه كان من المستحيل العثور على مكان".
وأضافت: "في ذلك الوقت كنت أفكر في صديقتي سولافا المسجونة أيضا".
وتعد سلافة مجدي واحدة من 30 صحفيا مصريا قابعين وراء القضبان، إذ اعتقلت من مقهى في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 مع زوجها وصديقها -وكلاهما صحفيان- وتعرضت للتعذيب أثناء الاستجواب.
وخلال زيارتها الأخيرة، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أبلغت سولافا عائلتها عن حالتها البدنية غير المستقرة بعد نزيف ناتج عن فحص نسائي قسري.
من جهته، يعترف محرر موقع "البديل"، خالد البلشي، في حديثه مع ألموندو بأن "الصحافة المصرية تعيش أسوأ حالاتها".
ويضاف موقع "البديل" إلى قائمة آلاف الصفحات على شبكة الإنترنت، التي "تثير حفيظة الديكتاتورية المصرية منذ سنوات".
وأوضح الصحفي أنه "قبل ثورة يناير 2011 كانت هناك مساحة صغيرة لحرية الصحافة، أما الآن فلم تعد موجودة، كل من ينشر تعليقا غير مريح يتم القبض عليه وتجرى مصادرة وسائل الإعلام الخاصة به، إنهم يحاولون فرض الصمت العام".
فيما اعتبرت الصحيفة أن "الآمال التي تحلم بصحافة حرة، والتي ظهرت قبل 10 سنوات في ميدان التحرير بعد 18 يوما من الاحتجاجات التي أطاحت بمبارك، دفنت في ظل نظام يعد من بين المفترسين الرئيسين للصحفيين على هذا الكوكب، مع حملة مستمرة من مضايقة ومراقبة المراسلين التي تؤثر على المصريين والأجانب على حد سواء".
في ظل هذا الوضع، لم تسلم حتى ذكرى الثورة المصرية من بطش نظام السيسي، وفي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، اعتقلت السلطات أشرف حمدي، أحد مستخدمي اليوتيوب المتخصصين في الرسوم المتحركة، بعد بث مقطع فيديو لإحياء ذكرى الثورة على قناته.
أشد شراسة
ونقلت "ألموندو" عن شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين، أنه "قبل عشر سنوات أطاح الشعب المصري بنظام مبارك خلال الربيع العربي الذي طالب بمزيد من الحرية. واليوم، من ناحية أخرى، اعتقل نظام السيسي الصحفيين الذين يتذكرون تلك الذكرى التاريخية".
وفي هذا المعنى، تستنكر المنظمة إستراتيجية السجن المحسوبة بدقة والرقابة الرقمية والمراقبة وتجريم الصحفيين في ظل تعاقب شديد القسوة لقوانين تدعي مكافحة الإرهاب أو الأخبار الكاذبة.
وأفادت الصحيفة بأن "النظام الاستبدادي والقمعي المصري اضطهد الصحفيين خلال السنوات الأخيرة، وفي نفس الوقت، احتكرت الأجهزة الأمنية ملكية وسائل الإعلام الرئيسة والتي أصبحت منصة لنشر معلوماتها".
وفي السياق، قال البلشي: "كل الصحافة اليوم تقريبا موالية للحكومة وتقتصر على إصدار بيانات الدولة، ويتمثل التحدي الآن في البقاء على قيد الحياة".
ويترأس اليوم "ضياء رشوان" نقابة الصحفيين التي كانت قوية في يوم من الأيام، والذي يرأس أيضا الهيئة العامة للاستعلامات، وهي الهيئة الخاضعة للرئاسة المصرية وتراقب عمل المراسلين الأجانب.
وأكد البلشي أن "النقابة معطلة بحكم الأمر الواقع، تعرضت لهجوم عنيف ولم تعد تدافع عن الصحفيين أو الصحافة بشكل عام".
ونقلت الصحيفة أن "هناك نوع من الاكتئاب العميق الذي يحيط بالصحفيين اليوم الذين يحاولون المقاومة، على هامش كل المخاطر المحتملة، من ناحية أخرى، هناك كثير ممن تجنبوا السجن، استسلموا منذ زمن بعيد ولجؤوا إلى المنفى".
وتعترف بسمة قائلة: "لقد قررت مغادرة مصر لفترة، لأنني شعرت أن السجن ليس فقط خلف القضبان ولكن أيضا في الشارع، هذا ما شعرت به عندما زار ضباط الأمن منزلي، لدي ابنتان صغيرتان ولا أريد أن يدمروا حياتهما".
وتواصل قائلة: "قبل 10 سنوات كانت الثورة هي التي دفعتني إلى مغادرة منزل عائلتي في الريف وأصبحت صحفية، كانت هناك ثورة في الكلمات موازية للاحتجاجات التي لم تعد موجودة اليوم، عموما، الصحافة تواجه الآن أشد الهجمات شراسة".