للمرة الأولى عالميا.. ألمانيا تحاكم عنصرين من النظام السوري بتهمة التعذيب
قالت صحيفة إسبانية إن أول محاكمة في العالم تدين التعذيب في سجون نظام بشار الأسد، والمنعقدة في ألمانيا بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، دخلت التاريخ يوم 24 فبراير/شباط 2021.
ونقلت صحيفة لافانغوارديا أن المتهم هو عميل سري سابق حُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف بتهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية".
وعلى الرغم من أن المحاكمة أجريت ضد طرف ذو رتبة متدنية في النظام السوري، إلا أنها تمثل علامة بارزة بالنسبة لشتات المعارضة السورية، الذين يناضلون من أجل الحيلولة دون إفلات حكومة بلادهم والجرائم التي تقترفها من العقاب.
وأوردت الصحيفة أن شهر مارس/آذار 2021 يصادف بالتحديد مرور عشر سنوات على اندلاع الحرب الأهلية الدموية في سوريا؛ وهو صراع متعدد الأطراف بين حكومة بشار الأسد ضد فصائل المعارضة.
تفاقمت الحرب بسبب وجود عناصر تنظيم الدولة، الذين لا يزالون موجودين على الأراضي السورية رغم هزيمة التنظيم النظرية في مارس/آذار سنة 2019، تقول الصحيفة.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، منذ بداية الحرب السورية، قُتل أكثر من 400 ألف شخص، وفر حوالي 5.6 مليون شخص من البلاد وأصبحوا لاجئين.
الغريب ورسلان
وأفادت الصحيفة بأن المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز في غرب ألمانيا أدانت السوري إياد الغريب، البالغ من العمر 44 عاما، بتهمة المشاركة في اعتقال ما لا يقل عن 30 محتجا في مدينة دوما، بالقرب من دمشق، خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول سنة 2011.
جرى نقل هؤلاء المحتجين إلى مركز الاعتقال في سجن الخطيب المعروف بانتهاكاته، حيث كان الغريب يعلم أنهم سيتعرضون للتعذيب. وخلال هذه المحاكمة، أخفى المدعى عليه وجهه عن الكاميرات بملف مفتوح.
في عام 2011، كان الغريب تحت إمرة متهم آخر في هذه المحاكمة؛ وهو أنور رسلان الذي كان عضوا سابقا في المخابرات برتبة عقيد، ويبلغ الآن 58 عاما.
ومن المتوقع إصدار حكم في حقه أثناء شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021. في هذا السياق، يتهم القضاء الألماني رسلان بالإشراف على "التعذيب الوحشي والمنهجي" لأكثر من أربعة آلاف سجين، ومقتل 58 منهم على الأقل في سجن الخطيب الدمشقي.
ونقلت الصحيفة أن إياد الغريب وأنور رسلان اعتقلا من قبل الشرطة الألمانية في فبراير/شباط 2019، وبدأت الإجراءات في محكمة كوبلنز في مايو/أيار 2020.
وأوردت أن وسيم مقداد، أحد الناجين من التعذيب في الخطيب عام 2011 وأحد المدعين في هذه المحاكمة، أورد في بيان مكتوب العبارات التالية: "إياد مجرد جندي صغير في جهاز التعذيب السوري الواسع، لكن هذا الحكم مهم. آمل أن يسلط الضوء على جميع جرائم نظام الأسد".
واختتم وسيم مقداد قائلا: "في هذه الحالة فقط ستكون المحاكمة حقا خطوة أولى على هذا الطريق الطويلة لتحقيق العدالة لي والناجين الآخرين".
وبينت الصحيفة أن الناجين من التعذيب في سجون النظام السوري، نجحوا بالفعل بمساعدة محامين سوريين وألمان، في تقديم رسلان والغريب للمحاكمة بفضل مكتب المدعي العام الألماني الذي يستند إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية.
وعموما، فإن هذا المبدأ - الذي سمح في عام 1998 للقاضي الإسباني، بالتاسار غارثون، أن يأمر باعتقال الديكتاتور التشيلي السابق، أوغستو بينوشيه - سمح اليوم لدول ثالثة بمقاضاة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة خارج أراضيها.
وفي جميع الأحوال، يبقى مبدأ الولاية القضائية العالمية الخيار الوحيد أمام الضحايا السوريين الآن؛ حيث تستخدم روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد أي محاولة غربية لرفع القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي لا تعد سوريا طرفا فيها.
وذكرت الصحيفة أن المدعون في محاكمة كوبلنز هم 14 سوريا، يمثلهم باتريك كروكر، المحامي الألماني للمجلس الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من برلين مقرا لها وتقود هذه القضية لأكثر من خمس سنوات.
وأوضحت الصحيفة أنه ألقي القبض على العديد من المدعين في هذه المحاكمة في وطنهم سوريا بسبب مشاركتهم في مظاهرات أو توزيع أو كتابة منشورات أو للمشاركة في أنشطة سياسية معارضة. وقد عانى جميعهم من التعذيب وكانوا شاهدين على أساليبه.
ملف قيصر
في جلسات هذه المحاكمة، استند للمرة الأولى إلى الصور المروعة لجثث ما يسمى "ملف قيصر للمعتقلين" كدليل أمام المحكمة.
التقطت صور هذا الملف من قبل مصور الطب الشرعي للشرطة العسكرية السورية، والذي فر من البلاد في عام 2013.
وثّق المصور، الملقب بقيصر ويعيش تحت الحماية في دولة غربية، مقتل حوالي 6786 أسيرا سوريا تعرضوا للتعذيب على يد النظام بين مايو/أيار 2011 وأغسطس/آب 2013.
عندما هرب "قيصر" من سوريا، تمكن من أن يصطحب معه حوالي 53275 صورة مروعة للموت، عُرض بعضها في نيويورك وواشنطن وجنيف في عام 2015.
وأفادت الصحيفة أن محلل الطب الشرعي الألماني، ماركوس روتشيلد، عمل على تحليل العديد من هذه الصور، وتحولت إلى أدلة مادية دامغة.
وفي هذا المعنى، قال المحامي باتريك كروكر: "إن شهادات الناجين من التعذيب، وكذلك صور قيصر، تُظهر الحجم والطبيعة المنهجية للاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجنسي في سوريا".
وفي محكمة كوبلنز، أدلى بعض الشهود السوريين بشهادات مجهولة، وعمد البعض إلى إخفاء وجوههم أو ارتداء شعر مستعار، خوفا من الانتقام من أقاربهم في سوريا.
وتشمل المحاكمة جمع أشكال التعذيب التي تعرض لها الناجون أو شهدوها، إضافة إلى حالات الاكتظاظ في السجن وقلة الطعام والنظافة.
ومن بين الأساليب المخزية المستخدمة في سجن الخطيب والسجون الحكومية الأخرى: "الشبح"، والذي يتمثل في ضرب السجين بالصدمات الكهربائية لساعات والتعليق من الرسغين.
والفلقة، حيث تُجبر الضحية على الاستلقاء على وجهها ورفع رجليها، وتُجلد على باطن القدمين. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم العنف الجنسي أيضا بطريقة منهجية، حيث تغتصب النساء، وكثير من الرجال أيضا.
ونقلت الصحيفة أن وصول موجات من اللاجئين السوريين إلى ألمانيا - ومن بينهم أيضا بعض الجناة - أدى إلى إجراء المحاكمة في هذا البلد.
انشق أنور رسلان عام 2012 عن النظام السوري، ووصل إلى ألمانيا في يوليو/تموز سنة 2014. ومن جهته، غادر إياد الغريب سوريا عام 2013 ووصل إلى برلين في 2018 حيث حصل على حق اللجوء.
ونوهت الصحيفة بأن قضية الغريب القضائية مزورة أساسا بالبيان الذي أدلى به بنفسه حول أنشطته في سوريا إلى السلطات الألمانية عند طلب اللجوء.
وأضافت أن أحد ضحايا أنور رسلان تعرف عليه في ألمانيا، وهو المحامي السوري أنور البني، الذي راودته شكوك حوله عندما رآه في ملجأ اللاجئين الذي يقطن فيه في برلين. وفي وقت لاحق، تعرف عليه بوضوح بالفعل عندما التقيا بالصدفة في متجر كبير.
كان البني، البالغ من العمر 61 عاما، مدافعا عن حقوق الإنسان في بلاده، وعلى الرغم من أنه لا يستطيع ممارسة القانون في برلين، فإنه شخصية تحظى بقدر من الاحترام بين 800 ألف سوري في ألمانيا.
عموما، بالإضافة إلى هذه المحاكمة التاريخية الأولى، هناك مبادرات أخرى تسعى إلى الملاحقة الجنائية لمجرمين سوريين في ألمانيا والنمسا وفرنسا والنرويج والسويد، تقول الصحيفة الإسبانية.