ليس بسبب أردوغان فقط.. لماذا يناصب نظام السيسي التجربة التركية العداء؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

حملة تلو الأخرى تشنها الأذرع الإعلامية لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي ضد تركيا، وتصورها كخصم لا نظير له، وسط إصرار وزير خارجية النظام سامح شكري، على مهاجمة أنقرة، في العديد من المؤتمرات والمنتديات المحلية والدولية.

في 12 فبراير/ شباط 2021، علق شكري في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب، على الموقف التركي المهاجم لـ"منتدى الصداقة اليوناني" الذي يسعى لعقد تحالف ضد أنقرة بمنطقة المتوسط، قائلا: "لا وزن لهم بالنسبة لنا".

تجاوز الانقلابات

وفق مراقبين، فإن نظام السيسي العسكري، يكن كل ضغينة للتجربة التركية ككل، باعتبارها تجربة ديمقراطية، حققت نهضة، تجاوزت آلية الحكم العسكري وطبيعته، وهي التطلعات التي أرادها شعب مصر في ثورة 25 يناير/ كانون الأول 2011، ووأدها السيسي بانقلاب 3 يوليو/ تموز 2013.

ومع صعود السيسي لسدة الحكم، بدأ فصل جديد في العلاقات المصرية التركية، تخطى فصول الرفض، إلى ما يشبه الحرب الباردة، والتراشق الإعلامي بين البلدين.

وبينما تمنت تركيا فشل انقلاب السيسي في مصر، تمنى الأخير نجاح محاولة الانقلاب التي جرت في تركيا ليلة 15 يوليو/تموز 2016 على حكم أردوغان وتجربة حزب العدالة والتنمية ذات الصبغة الإسلامية المحافظة.

بشكل صريح عبر المعسكر الداعم للانقلاب في مصر، عن أمله بنجاح انقلاب تموز في تركيا، وهو ما ظهر في احتفاء برامج "التوك شو" بما أسمته سيطرة الجيش التركي على البلاد، وخرجت صحف السيسي بمانشيتات من قبيل "الجيش التركي يطيح بأردوغان".

وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، مقالا للباحث "بريان كوتيليس" بمركز "أميركان بروجريس" كشف خلاله عن حوار أجراه مع السيسي في يوليو/ تموز 2016، قائلا: "بدا قلق السيسي، متزايدا بشأن تركيا". 

وتابع: "قلق السيسي يتزايد بشأن تركيا، حيث رأى فشل محاولة الانقلاب ضد حكومة أردوغان بمثابة ميلاد لدولة دينية في أوروبا".

أما موقع "دويتشه فيله" الألماني، فنشر تقريرا في 11 يوليو/ تموز 2018، بعنوان تركيا والعالم العربي ـ أردوغان بطل أم عدو؟"، قال فيه: "لو خاض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتخابات في العالم العربي، فإن فرصته جيدة جدا للنجاح والحصول على نسبة عالية من الأصوات، حتى أعلى من التي حصل عليها في تركيا نفسها".

مضيفا: "لأن له هناك الكثير من المؤيدين بين العرب. الأسباب واضحة، فأردوغان قضى نهائيا على ما تبقى من هيمنة المؤسسة العسكرية، وفي السنوات الأولى من حكمه تمكن من تحسين الوضع الاقتصادي لتركيا".

وأورد الموقع الألماني أن "هذا التقدم والإصلاحات التي حققها أردوغان تعتبر حلما للكثيرين في العالم العربي، حيث أن غالبية الناس بعد انطلاق الربيع العربي عام 2011، لا تزال تعيش تحت سلطة حكومات مستبدة. وعليه فإن الكثيرين من العرب يرون في أردوغان ضامنا لحداثة إسلامية لا يجدونها في بلدانهم الأصلية".

وذكر أن "الرغبة في فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية (المعقودة آنذاك) لم تكن فقط تجسيدا لرغبات مقموعة وأحلام فاشلة. ويأمل الناس في أن يجدوا أردوغان عربيا في بلدانهم".

بين اقتصادين 

النموذج الاقتصادي التركي بين يدي المدنيين، خلق أجواء من القلق المستمر للنظام العسكري في مصر، الذي يروج أن مصر "لا يصلح لحكمها إلا رجل ذو خلفية عسكرية".

خلال 20 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية، أصبحت تركيا من أكثر اقتصاديات العالم صعودا، باحتلالها المرتبة 13، في قائمة اقتصاديات العالم، حسب تصنيف صندوق النقد الدولي، في مايو/ أيار، 2020.

كما أن تركيا أصبحت عضوا في مجموعة العشرين أو ما تعرف اختصارا بـ"G20"، لأكبر اقتصادات العالم، وتصنف ضمن البلدان الـ 5 الأوائل الأكثر إسهاما في مهام حلف "الناتو" وعملياته. 

وعقب إعادة انتخابه رئيسا للبلاد في يونيو/ حزيران 2019، أعلن أردوغان في أول تصريح أن تركيا "تسعى لتحقيق عدة أهداف بحلول عام 2023، أبرزها أن تكون ضمن قائمة أقوى 10 اقتصادات في العالم، وثالث أكبر اقتصاد في أوروبا".

في المقابل وعلى النقيض تماما كانت مصر تحت إدارة العسكريين، تعاني تدهورا اقتصاديا وتنمويا، ودخول شرائح واسعة من المواطنين في قائمة "تحت خط الفقر".

وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشر مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، تقريرا بعنوان "الاقتصاد المصري: في براثن الدولة العميقة"، قال فيه "الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على القطاع العام الذي تقوده المؤسسة العسكرية".

التقرير أكد أن القطاع العام في مصر "أثبت عدم قدرته على تحقيق النمو طويل الأجل والذي يعتبر ضروريا لانتشال ملايين المواطنين من براثن الفقر".

وأضاف: "منذ العام 2013، وسع السيسي دور المؤسسة العسكرية وامتيازاتها الخاصة، وظلت قطاعات مهمة من الاقتصاد تحت التأثير غير المباشر للمؤسسة الأمنية من خلال شبكة واسعة من كبار الضباط المتقاعدين الذين يشغلون مناصب إدارية عليا".

وتابع: "تدل كافة المؤشرات على تخلف الأداء الاقتصادي لمصر في العقود الأخيرة مقارنة بأقرانها في الأسواق الناشئة، ومعدلات الفقر في مصر تفوق بكثير معدلاته في الدول النظيرة".

وأوضح التقرير: "في حين أن البطالة بين الإناث وفي أوساط الشباب هي ضعف معدلاتها لدى عامة السكان، والتي هي نفسها مرتفعة نسبيا وبشكل مزمن"، ما ترك تساؤلات عن كيفية تفسير السيسي لحجم الفشل والديون والإخفاق في إدارة اقتصاد الدولة مقابل نظرائه في الأسواق الصاعدة.

سبق أن أعلن السيسي في 28 يناير/ كانون الثاني 2018، مخاطبا عموم الشعب "إحنا (نحن) فقرا (فقراء) أوي (جدا)"، وهو ما شكل صدمة لعموم المصريين الذين يعرفون جيدا ما تمتلكه بلادهم من ثروات متعددة وموقع إستراتيجي متميز.

وقتها رد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق مدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية على مقولة السيسي بكتابه "هل مصر بلد فقير حقا؟"، قبل أن يتم اعتقاله من قبل السلطات ومصادرة الكتاب.

نموذج ملهم 

الباحث السياسي المصري عمار فايد، قال لـ"الاستقلال": "النموذج التركي نموذج ملهم لقطاعات شعبية ومدنية عديدة في مصر لعدد من الاعتبارات، منها النهضة التي حدثت خلال سنوات حكم حزب العدالة والتنمية، والتطور الاقتصادي الملحوظ، بالإضافة إلى كونها دولة مسلمة سنية كبيرة، جعلت من السهل الترويج لتلك التجربة وقبولها، وهو أمر مقلق لنظام السيسي المتقاطع مع تركيا بشكل أساسي".

وأضاف فايد: "تركيا (العدالة والتنمية) استطاعت إيجاد نموذج حكم تحت أيديولوجية إسلامية محافظة، استطاعت أن تستمر ويكون لها قبول لدى الغرب والمجتمع الدولي، وإقناع العالم أن الإسلاميين لا يمثلوا تهديدا، ويستطيعون إقامة نمط حكم معتدل، وهو ما أقلق النظام في مصر دائما، وحتى قبل ثورة 25 يناير، أثناء حكم حسني مبارك، حيث حمل هو والجيش نفس النظرة المتحفظة ضد تركيا".

وتابع الباحث المصري: "تطورات الوضع بعد الانقلاب العسكري في مصر، والموقف الحاسم من تركيا الرافض له، بالإضافة إلى استضافة المعارضة، جعلت السيسي بشكل خاص، والجيش يصعدون موقفهم ولهجتهم العدائية ضد تركيا".

وختم فايد: "وهذا لم يغير شيئا من طبيعة التنافس الجيوسياسي بينهما، الموجود في الأساس ومنذ القدم، منذ قيام جمهورية الضباط في مصر عام 1952، وكانت وقتها مصر جمهورية اشتراكية، وتركيا دولة علمانية بحتة، وكانت أنقرة في جانب الولايات المتحدة، ومصر ضمن محور السوفيت، ولم تكن توجد مساحة للأيديولوجية حينها، لذلك فمستحيل أن تحمل أنقرة والقاهرة أجندة إقليمية مشتركة".