تصل حد القتل.. لماذا تزايدت جرائم العنف ضد النساء في الجزائر؟
التحقيقات التي أجرتها السلطات الجزائرية في 10 فبراير/شباط 2021، كشفت أن السبب الحقيقي وراء وفاة الصحفية بالتلفزيون الرسمي، تينهنان لاصب، هو تلقيها طعنات بسكين في مختلف أنحاء جسمها.
جريمة مقتل الصحفية على يد زوجها، أعادت إلى الأذهان سلسلة من الجرائم المشابهة، التي شهدها الشارع الجزائري من عنف منزلي ضد المرأة وصل في حالات كثيرة إلى حد القتل.
اشتكى الحقوقيون من غياب القوانين الرادعة للحد من الظاهرة، وذهب آخرون إلى تثمين ما جاء به التعديل الدستوري الأخير في هذا الباب، معتبرين أن المادة الدستورية في حال جرت ترجمتها على أرض الواقع ستوقف هذا النزيف بحق الجزائريات.
المسكوت عنه
في عام 2019، سجلت الجزائر رسميا 75 جريمة قتل في حق النساء، لكن العدد الفعلي أكبر من ذلك بكثير، وفقا لصاحبتي الموقع المهتم برصد العنف ضد النساء، "لا لقتل النساء"، ناريمان مواسي ووئام أورس.
في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2020، أثارت الضجة التي سببها العثور على جثة شيماء البالغة من العمر 19 عاما، متفحمة في محطة وقود مهجورة شرقي الجزائر، ثم اكتشاف 3 جثث أخرى لنساء، حالة من الغليان في الشارع الجزائري.
الحوادث المتوالية، كشفت غياب إحصاءات رسمية حول العنف ضد المرأة في الجزائر، رغم ارتفاع عدد الشكاوى المسجلة عام 2019 إلى أكثر من 7000 حالة في 9 أشهر فقط، وفقا لأرقام المديرية العامة للأمن الوطني، في حين تجزم الجمعيات الحقوقية المتخصصة، أن الرقم أكثر من ذلك بكثير بسبب اختيار الكثير من المعنفات الصمت.
جمعية "ألجيري فيمينيسد"، كانت إحدى هذه الأصوات، مشددة على أن "الرقم أكبر بكثير"، وطالبت بتغيير القوانين، وقالت تعليقا على جريمة شيماء، "لن ننصفها من خلال المطالبة بعقوبة الإعدام، بل القوانين هي التي يجب تغييرها وتطبيقها".
وفي ظل صمت السلطات تجاه الخطر المحيط بالنساء، دفعت جرائم قتل النساء في الجزائر، مجموعة من الفنانات إلى إطلاق حملة توعية على مواقع التواصل الاجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة، مستخدمين شهرتهن لجذب انتباه الشارع.
وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة، أطلقت بعثة الاتحاد الأوروبي في الجزائر حملة توعية بعنوان "لست مذنبة".
تهدف الحملة إلى رفع وعي الجمهور العريض بمسألة العنف ضدّ المرأة وخاصّة الجانب الخاصّ بإلقاء اللوم على الضّحايا اللاتي عادة ما تتحمّلن مسؤوليّة الجرائم المرتكبة بحقهنّ.
اهتمام موسمي
المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الجزائر، ثمن ما جاء في المادة 40 من التعديل الدستوري، داعيا إلى إنشاء "مراكز مرجعية تجمع جميع الجهات الفاعلة لاستقبال وتوجيه والتكفل بالنساء والفتيات ضحايا العنف".
وتنص المادة على أن الدولة "تحمي المرأة من كل أشكال العنف في كل الأماكن والظروف، في القضاء العمومي والمجالين المهني والخاص، ويضمن القانون استفادة الضحايا من أنظمة التكفل والمساعدة القضائية".
واعتبر المجلس المادة 40، "مكسبا مهما في مجال محاربة العنف ضد المرأة وسلاحا جديدا وقويا للقضاء على العنف ضد المرأة في الجزائر"، داعيا إلى ضرورة "تجسيد الأفكار الموجودة في تلك المادة في المنظومة التشريعية، ومراجعة عميقة للنصوص السارية المفعول.
تنظيمات وجمعيات نسوية أيضا أوصت بالإبعاد الفوري للمعتدي وانتظار التحقيق معه وتنفيذ إجراءات الحكم السريعة والمثالية بشأنه.
واقترحت الجمعيات سن أحكام تحمي الشهود من مخاطر الأعمال التعسفية الانتقامية المهنية وإلغاء المادة 326 من قانون العقوبات التي تسمح للمغتصب بالإفلات من الملاحقة القضائية إذا تزوج ضحيته التي تتعرض بعد ذلك للزواج القسري.
ضحايا العنف
في ندوة صحفية نظمتها "الشبكة المؤسساتية المتخصصة في حماية المرأة" يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أكدت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة كوثر كريكو، ضرورة فتح مركز وطني جديد لاستقبال الفتيات والنساء ضحايا العنف بعنابة.
وأوضحت الوزيرة أنه في ظل الظروف الصحية جراء تفشي وباء كورونا والإجراءات الوقائية المتخذة، على غرار الحجر الصحي المنزلي، اتخذ قطاع التضامن الوطني العديد من الإجراءات الاستعجالية بإطلاق منصة إلكترونية تحت اسم "استشارات أسرية" لتلقي المشاكل الأسرية، لا سيما المرأة، بغرض التكفل بها اجتماعيا ونفسيا من قبل أطباء ومختصين نفسيين واجتماعيين.
وأشارت الوزيرة في ذات السياق إلى أنه تم التكفل، خلال 2020، بـ140 امرأة استفدن من الخدمات الطبية والاجتماعية بغية إعادة إدماجهن في الوسط العائلي أو مراكز التكوين المهني لاكتساب مؤهلات.
وقدمت المحامية ومناضلة حقوق المرأة، ورئيسة مركز التوثيق لحقوق الطفل والمرأة، نادية آيت زاي، دراسة حول التكفل بالنساء اللاتي كنّ ضحايا الحجر المنزلي الذي فرضته الجائحة.
وحسب الدراسة التي أجريت لدى 25 جمعية ناشطة في مجال الدفاع والتكفل بالنساء ضحايا العنف، فإن "40 بالمئة من النساء المُعَنّفات لم تقدمن أي شكوى".
وفي مايو/أيار 2020، سجل مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية بالجزائر، تخوفه من الحجر المنزلي على ضحايا العنف، معتبرا في بيان، أن "المعتدي يستفيد من الحجر المنزلي بحكم أن الضحية معزولة والعزلة هي أول حلقة من دائرة العنف حيث أنها تسمح بالتحكم أكثر بالضحية وإخضاعها للعنف بعيدا عن الأنظار".
وعبّر البيان عن أسف المؤسسة من غياب أرقام تسمح بتسجيل إحصائيات من شأنها تقييم الوضع وتهيئة الآليات اللازمة للحد من الظاهرة والتكفل بالضحايا.
ووفق المؤسسة، فإن السلطات سجلت 12 ألف حالة عنف ضد المرأة منذ عام 2012، لكنها لم تكشف عن أرقام خاصة بجرائم القتل ضد النساء.
لكن منشورا أصدره مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة، والمعنون "نساء في أرقام" كشف عن "39 جريمة قتل واعتداء وضرب عمدي أديا إلى الموت"، وهي كذلك أرقام رأت المؤسسة الأجنبية أنها "لا تعكس الواقع".
وأفاد البيان، أن الرقم الأخضر الخاص بوزارة التضامن "معطل باستمرار"، وأن المطالبات التي تنادي بتخصيص رقم لكل ولاية للسماح لضحايا العنف بالاستفادة من الدعم والتوجيه، تواجه بالإهمال.
كما تعجز مراكز الإيواء النادرة (5 مراكز فقط في أرجاء البلاد) عن مساندة الضحايا لا سيما وأنه يتعسر الدخول إليها بسبب إجراءاتها الإدارية المعقدة، زيادة على أنها تستقبل النساء دون أطفالهن.
ظاهرة ديناميكية
دراسة سوسيو- أنثروبولوجية نشرتها دكتورة علم الاجتماع براهمة نصيرة عام 2015، كشفت عن أسباب العنف ضد المرأة كظاهرة ديناميكية مركبة تحكمها مجموعة من العوامل، ولا يمكن تفسيرها بمتغير أو عامل واحد فقط.
وفق الدراسة، هناك علاقة وثيقة تربط الأسباب الفردية وراء قابلية المرأة للتعنيف بالأسباب المرتبطة بالاستعداد التعنيفي للطرف المعنف لها من جهة أخرى.
وعددت الدراسة هذه الأسباب في خصائص المرأة الفيزيائية كضعف البنية الجسمية والخصائص المتعلقة بشخصيتها كعدم ثقتها بنفسها، وتكوينها لصورة سلبية نحو ذاتها، وكونها أقل استقلالية واستقرارا، بالإضافة إلى تسامحها وتقبلها للممارسة العنفية الممارسة في حقها.
وقفت الدراسة على الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تفسر بشكل مباشر وغير مباشر العنف الموجه ضد المرأة، من ضعف القدرة وارتفاع عدد أفراد الأسرة الذين يعيشون في منزل واحد، زائد البطالة والانحراف والإدمان والتفكك الأسري وانتشار ثقافة الإعلام العنيف، ونقص وسائل الترفيه.
الناشطة الحقوقية والمحامية الجزائرية، عويشة بختي، قالت إن هناك العديد من العوامل والأسباب التي سمحت بانتشار وارتفاع ظاهرة الاعتداء ضد النساء في الجزائر.
ولم تنف بختي في حوار صحفي، أنه في نهاية سنة 2015 وبداية سنة 2016 أجريت بعض التعديلات على قانون العقوبات، خاصة فيما يتعلق بتشديد العقوبات على مرتكبي هذه الأفعال والتي وصلت حد السجن.
لكن مقابل ذلك، وضع المشرع الجزائري إجراء آخر، وصفته بـ"الغريب والمتناقض" عندما أقر بسقوط الدعوى العمومية في حق أي متهم في حال عفت عنه الضحية وتنازلت عن شكواها، وشددت الحقوقية، على أنه يجب على المرأة التحرك أكثر لنيل جميع حقوقها المهضومة.
وفي كتابه "مفهوم الرجولة ونزعة العنف ضد المرأة في الجزائر"، قال الأستاذ الجامعي زيان محمد: "العنف يتكّرس من خلال استبعاد النساء عن سياسة شؤون الأسرة وعن مجالس الرجال أو أماكن وجودهم، وأحقية ممارسة العنف ضدهن في أثناء التنشئة الاجتماعية على مستوى الأسرة".
مضيفا: "ومن خلال حجبهن وعزلهن داخل الفضاء البيتي لحمايتهن، بالاعتماد على نظام السلطة الذي يقوم الرجال بتمريره عن طريق التحكم في وسائل الإنتاج المادية والفكرية، كما تعمل المرأة أيضا على إعادة إنتاج هذه الوسائل وتأكيدها ميدانيا، بفضل نمط التربية والتعليم والتنميط الجنسي باعتبارها أمرا طبيعيا".
ويرى الدكتور نور الدين بقيس، المتخصص في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن الأسباب المؤدية لظاهرة تعنيف النساء، تتركز في كون المجتمع لا يزال في جزء من ممارساته "يحتكم لقيم تقليدية تكرس هيمنة وسيطرة الرجل على المرأة".
قيس أكد في تصريح صحفي لموقع الجزيرة نت أن "علاقة الخضوع بينهما مثل خضوع الزوجة لزوجها والأخت لأخيها والبنت لأبيها، وفي جزء من العلاقات التقليدية بين الرجل والمرأة يتحول العنف ضد المرأة في بعض الأحيان إلى جزء من ممارسة الرجولة والقوامة ويزيد من قيمة الرجل".
المصادر
- المرأة والعنف في المجتمع الجزائري..تحليل سوسيولوجي
- العنف العائلي.. جزائريات خلف أبواب الزوجية
- بختي: هذه أسباب ظاهرة العنف ضد النساء في الجزائر
- أكثر من 39 جريمة قتل طالت النساء في الجزائر منذ بداية 2020
- القصة الكاملة لمقتل الصحفية تينهنان على يد زوجها
- المجلس الوطني لحقوق الانسان يدعو إلى الاضطلاع بدورأكبر في مجال الوقاية من العنف ضد المرأة
- أزيد من 7 ألاف حالة عنف ضد المرأة خلال 9 أشهر الأولى من السنة الجارية بالجزائر
- التعديل الدستوري الأخير نص على حماية الدولة للمرأة من كل أشكال العنف
- فنانات جزائريات يطلقن مبادرة لمناهضة العنف ضد المرأة
- مفهوم الرجولة ونزعة العنف ضد المرأة في الجزائر
- تنظيمات نسوية تطالب بتشديد عقوبات المعتدين على المرأة
- الجزائر: بعثة الاتحاد الأوروبي في الجزائر تطلق حملة توعية بشأن العنف ضدّ المرأة
- العنف ضد النساء في زمن الحجر الصحي بالجزائر