كيف تستفيد الإمارات وروسيا من تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب؟

12

طباعة

مشاركة

يثير إصرار المجلس الانتقالي في اليمن على إنشاء دولة مستقلة جنوب البلاد، المزيد من الشرخ السياسي ويطيل أمد الحرب والنزاعات المستمرة منذ سنوات.

عن هذا الأمر، تقول وكالة الأناضول التركية (رسمية) إن ظهور "سياستين يمنيتين" نتيجة لعدم تخلي المجلس الانتقالي عن فكرة "جنوب يمن مستقل" وتصريحه بذلك في كل منصة متاحة، يعرض البلاد للخطر.

وقال الكاتب والباحث غوكهان إيريلي في مقال بالوكالة، إن المجلس مصر على إنشاء تلك الدولة، رغم وجود ممثل له في الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها في ديسمبر/كانون الأول 2020 بناء على "اتفاق الرياض".

وبحسب إيريلي، يعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تأسس عام 2017 بدعم من الإمارات العربية المتحدة، من الهياكل المهمة التي تحاربها ​​الحكومة الشرعية اليمنية سياسيا وعسكريا إلى جانب محاربتها جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران. 

بدأ المجلس، الذي تأسس في عدن برئاسة محافظها السابق عيدروس الزبيدي، في اتخاذ موقف سياسي وعسكري ضد الرئيس عبد ربه منصور هادي منذ عام 2017. 

وأضاف إيريلي: قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، التي سيطرت على المؤسسات الرسمية والقصر الرئاسي والمطار في عدن بعد الاشتباكات العسكرية مع قوات الحكومة الشرعية اليمنية في العاصمة المؤقتة عدن، اتبعت إستراتيجية بالتنسيق مع الإمارات لتحقيق حلمها بتأسيس دولة في جنوب اليمن.

ويتيح حلم المجلس الانتقالي الجنوبي في إنشاء دولة في الجنوب إقامة شراكة هرمية مع دولة الإمارات حيث يتماشى هذا الأمر مع إستراتيجية أبوظبي للسيطرة على طرق التجارة بما في ذلك البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، يلفت الكاتب التركي.

ويستدرك: لكن، كان من المخطط دمج المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة اليمنية وتسليم عدن والمناطق المجاورة لإدارة وزارتي الداخلية والدفاع الشرعيتين لتعزيز التكتل المناهض للحوثيين بموجب اتفاق الرياض.

وتم توقيع اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية اليمنية بوساطة من السعودية والإمارات في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وبعد عام من عقد الاتفاق، اشتدت الاشتباكات بين قوات الحكومة الشرعية من جهة، ومن جهة أخرى القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي، وقوات النخبة الشبوانية، وقوات النخبة في حضرموت وفي عدن ومحافظتي شبوة وأبين المجاورتين.

قاومت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لعدم ترك أمن المناطق الواقعة تحت قيادتها لمسؤولي الحكومة الشرعية اليمنية، وفقا للكاتب.

وتابع قائلا: بعد ذلك، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي حكما ذاتيا في أبريل/نيسان 2020، لكن هذه الإدارة الذاتية لم يتم قبولها حتى من قبل المحافظات المجاورة مثل شبوة، أبين، سقطرى وحضرموت، وتم التراجع عن هذه الفكرة في يوليو/تموز.

بلا تراجع

ويرى إيريلي أن وجود ممثلين عن المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة الجديدة التي أُنشئت في إطار اتفاق الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2020 كان يشكل توسيعا لنطاق الشرعية السياسية الممنوحة للمجلس في ظل دعم الإمارات.

ويضيف: ومع ذلك، فإن التطورات التي حدثت مع تشكيل الحكومة الجديدة أظهرت عزم المجلس الانتقالي الجنوبي على عدم العمل لضمان وحدة أراضي اليمن وسلامه واستقراره على الرغم من وجود من يمثله في الحكومة.

وقد أعاقت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي تحقيقات اللجنة التي بدأت العمل برئاسة وزير الداخلية إبراهيم علي حيدان في التفجير الذي حدث في مطار عدن بالتزامن مع تولي الحكومة الجديدة العائدة من الرياض مهامها في عدن، كما رفضت التعاون مع الحكومة للتحقيق في الانفجار. 

وعلى الرغم من وجود ممثل للمجلس الانتقالي في الحكومة الجديدة، إلا أنه يواصل مواقفه السابقة غير القابلة للتوفيق بشأن المسائل السياسية والعسكرية. 

ففي الآونة الأخيرة، نفذ المجلس الانتقالي ومن خلال نفوذه السياسي والعسكري في عدن وضواحيها، أنشطة لمنع المراسيم الصادرة عن الرئيس هادي، يقول الكاتب.

ويذكر أن رفض المجلس الانتقالي الجنوبي لأحمد الحميدي الذي تم تعيينه رئيسا لشرطة عدن في يوليو/تموز 2020 لأنه من حضرموت ومنعه من تولي المهمة كان من أهم هذه الأنشطة. 

وهكذا وفي مواجهة ضغوط المجلس الانتقالي الجنوبي، وقع الرئيس هادي مرسوما جديدا في ديسمبر/كانون الأول 2020، وعيّن العميد الركن مطهر علي الشعيبي من مدينة الضالع رئيسا جديدا لشرطة عدن من خلال ترقيته إلى رتبة لواء.

ويعتبر الكاتب أن الترحيب الذي لقيه أحمد حامد لملس المعين حديثا محافظا لعدن، من قبل كبار مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي (قريب منهم) والسلطات المحلية والجنود العاملين في المدينة أثناء التنصيب، ساعد على تعزيز التوجه السياسي للمحافظ الجديد.

ومن المحتمل جدا أن يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي، ذات المواقف التي من المستبعد التراجع عنها بالمعنى السياسي والعسكري.

لكن وفي إطار الخلافات المستمرة رفض المجلس الانتقالي، تعيين رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيد بن دغر في مجلس الشورى وتعيين أحمد صالح الموساي في منصب النائب العام واعتبروها قرارات أحادية من قبل الرئيس هادي.

وتابع الكاتب: "أوضح المجلس الانتقالي الجنوبي أن التعيينات المذكورة أعلاه لم يتم اتخاذها بالتشاور معهم وأنه تم اتخاذ موقف ضد اتفاق الرياض". وقال بيان للمجلس: "في حال لم يتم اتخاذ الخطوات اللازمة، فسيكون لذلك عواقب". 

وبالنظر إلى مواقفه تجاه التعيينات، يمكن القول بأن المجلس الانتقالي الجنوبي صعد التوتر السياسي عن قصد بينما يحاول على الناحية الأخرى أن ينشر فكرة بأنهم اتخذوا بالفعل موقفا سلميا وتصالحيا، يؤكد الكاتب التركي. 

حلم الشرعية

ويعتبر إيريلي أن وجهة النظر القائلة بأن الغرض الرئيسي من المجلس الانتقالي هي إقامة دولة جنوب يمن مستقلة تعززت مؤخرا بزيارة رئيس المجلس عيدروس الزبيدي والوفد المرافق له إلى روسيا.

ويردف قائلا: ويمكن القول إن المناطق الجنوبية وممثليها، الذين أسسوا شراكة أيديولوجية في التاريخ مع الاتحاد السوفيتي في فترة ما قبل 1990، يمكن أن يهتموا بروسيا أكثر كقوة موازنة، خاصة بعد تغير الرئيس في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن تعليق الرئيس الأميركي جو بايدن صفقات الأسلحة الإماراتية التي وافقت عليها إدارة دونالد ترامب وانعكاس التصريحات الملموسة التي تفيد بأنه سيتم إعادة النظر في العلاقات تكشف عن رغبة الإمارات أيضا في تقييم روسيا كقوة نشطة في اليمن. 

لهذا السبب، يبدو أن زيارة المجلس الانتقالي الجنوبي لروسيا كانت بالتنسيق مع الإمارات العربية المتحدة، يوضح الكاتب.

ويستطرد: من ناحية أخرى تعتبر مشاركة الإمارات الداعم الأكبر للمجلس الانتقالي الجنوبي لروسيا في التخيلات الجيوسياسية خاصة في خليج عدن، من الحقائق التي لا يمكن إنكارها. 

وفي بيئة تسود فيها التنبؤات القائلة بأن الشراكة بين الإمارات وروسيا في اليمن تتضمن إمكانية إنشاء قاعدة بحرية روسية في عدن، يمكن القول بأن موسكو تفضل أيضا الشراكة مع أبوظبي.

وكما حدث في علاقات الإمارات المتزايدة مع إسرائيل بعد توقيع اتفاق التطبيع، بدأت علاقتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن تؤتي ثمارها تماما مثلما حدث في علاقاتها مع روسيا. 

وفي هذا السياق، تم الكشف عن قيام الإمارات وإسرائيل بنشاطات مشتركة في جزيرة سقطرى، وفقا للكاتب.

وشدد على أن التصريح بأن الغرض من زيارة المجلس الانتقالي الجنوبي لروسيا، القيام بمشاورات حول الأحلام السياسية لشعب الجنوب وإعادة إقامة دولة اليمن الجنوبي يضر بالأرضية الهشة التي تم فيها توقيع اتفاق الرياض وتنفيذه.

ويستدرك: وفي هذا الصدد، وعلى الرغم من إعلان "إعادة الانتشار" العسكري الإماراتي في اليمن في فبراير/شباط 2020، إلا أنه يتضح أن الإمارات تتبع إستراتيجية من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي في سياستها الخارجية.

ويشرح ذلك بالقول: فقد أقنعت الإمارات المملكة العربية السعودية بالجلوس على طاولة المصالحة مع حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي ضمن اتفاق الرياض، لتعطي شرعية سياسية لهذا الهيكل في ديسمبر/كانون الأول 2020 مع تمثيلها في الحكومة الجديدة.

وتجدر الإشارة إلى أنه مع اتفاقية الرياض، ضمنت الإمارات أن تضع المملكة العربية السعودية في اعتبارها المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي يتبع سياسات انفصالية. 

وبينما تصوغ الإمارات العربية المتحدة سياستها في اليمن من خلال المجلس الانتقالي على الرغم من وساطة السعودية والرئيس هادي، تتدخل في الهيكل الداخلي للمجلس بل وتبحث عن الدعم الخارجي له من أجل تعزيز أوراقها الرابحة في الداخل، بحسب الكاتب.