مستعد لزيارة إسرائيل.. هل يكون "ربّاح" أول وزير مغربي يسقطه التطبيع؟

12

طباعة

مشاركة

"صدمة كبيرة" خلفها إعلان الوزير المغربي والقيادي في حزب العدالة والتنمية عزيز رباح، استعداده للذهاب إلى إسرائيل "إذا ما تطلبت منه مسؤوليته داخل الحكومة ذلك، باعتباره ممثلا للدولة". 

تصريحات وزير الطاقة والمعادن، أثارت رجة لدى أعضاء "العدالة والتنمية" الإسلامي، لكن -وبحسب مصادر داخل الحزب-، أكدت توجهها هذه المرة إلى اتخاذ "تدابير وإجراءات" لمحاسبة الوزير على تصريحاته.

ذو سوابق

مساء 3 فبراير/شباط 2021، وخلال استضافته في برنامج تبثه "القناة الثانية" المغربية (حكومية)، وفي معرض جوابه عن سؤال حول زيارة إسرائيل، قال رباح: "أنا أمثل الدولة المغربية، وعندما يأتي (موعد الزيارة) سأقوم بالواجب إن شاء الله".

ودافع الوزير عن الموقف المغربي في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مستدركا: "أما أنا كرباح ليس عندي ما أقوم به هناك (فلسطين المحتلة)".

وقال رباح: "عندما تكون في موقع المسؤولية، تتحمل مسؤولية المسار، فقضية الصحراء أرهقتنا وأرهقت المنطقة والعالم، هذا موقع إستراتيجي وتقبل المغاربة هذا الإنجاز التاريخي والاعتراف الأميركي (بمغربية الصحراء في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020)".

وليست هذه المرة الأولى التي يرتبط فيها الوزير الإسلامي بإسرائيل، فقد شارك منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، في لقاء ضم نظيره الإسرائيلي إلى جانب عدد من وزراء الطاقة العرب. 

ونشر ربّاح بيانا، أعلن فيه مشاركته "عن بعد" في لقاء دولي حول الطاقة، إلى جانب نظرائه بكل من الولايات المتحدة والإمارات والبحرين ومصر والسودان وإسرائيل.

وخلف اللقاء غضبا حادا داخل الحزب، بلغ درجة حذف خبر اللقاء من الموقع الرسمي للحزب (شعاره المصباح) بعد ساعات من نشره، في إشارة قرئت على أنها تعكس عدم اتفاق مع الوزير في خطواته، كما تعرض ربّاح لهجوم عدد من أعضاء المجلس الوطني "الذين تبرؤوا من سلوكه".

كشفت مصادر متطابقة في قيادة "المصباح"، "انطلاق مسلسل عزل الوزير رباح من المسؤولية في الحزب، كونه تجاهل الحزب كمؤسسة وكمرجعية وكمبادئ ومواثيق، تشدد كلها على رفض التطبيع".

المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أضافت في تصريحات لصحيفة "الاستقلال"، أن "الوزير المعني تحدث بشكل تجاوز فيه مسؤولياته الحزبية، وتصرف وكأنه فوق الحزب ومبادئه ومواثيقه، وهذه كفيلة بتطبيق قرار المحاسبة في حقه".

وأكدت أن "مبادئ الحزب هي التي تجمع مناضليه داخله، ومن بينها مركزية فلسطين، ورفض التطبيع بكل أشكاله، فلا يستقيم أن يقوم مسؤول من هذا الحزب بالترويج لزيارته للعدو الصهيوني بشكل يخالف هذه المبادئ".

وقالت المصادر: "كمناضلين في حزب وطني، نتفهم إكراهات الدولة، لكننا غير مستعدين لإضعاف الدولة من خلال إعلان مواقف هي أدنى مما تعلنه الدولة ممثلة في بيانات الديوان الملكي التي أكدت أن سقف العلاقات مع إسرائيل لن تتجاوز فتح مكاتب الاتصال وحدود ما كان يجري به العمل قبل سنة 2000".

وشددت على أن "المجلس الوطني (برلمان الحزب) لم يدعم أمين عام الحزب، الذي هو رئيس الحكومة في نفس الوقت في مسار التطبيع، حيث كان بيان الدورة الأخيرة لبرلمان الحزب واضحا وهو يعلن رفض التطبيع، انتصارا لمبادئ الحزب ومواثيقه".

وزادت: "لقد ساندت الأمانة العامة (القيادة السياسية للحزب)، مسار تطبيع رئيس الحزب والحكومة، ولم تضع مسافة بين الحزب وتصرفات رئيسه ووزرائه، وهو ما فتح المجال أمام عدد منهم للقيام بهذه الشطحات، لذلك كان لزاما اللجوء إلى مساطر الحزب لتوقيف هذا المسار المهزلة". 

مسلسل المحاسبة

وتعكس نقاشات أعضاء ومسؤولي الحزب بمنصات التواصل الاجتماعي تحولا في طرق التعبير عن الغضب، حيث لمح حسن حمورو، رئيس اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية (برلمان شباب الحزب)، إلى إمكانية مساءلة الوزير رباح (كان رئيسا للشبيبة) وتجريده من عضوية قيادة الحزب.

وقال حمورو في تدوينة عبر "فيسبوك"، "إذا كان رباح يرى بأن زيارته للكيان الصهيوني بصفته الوزارية، فإن هذه الصفة لم يكتسبها إلا بفضل الحزب الذي يملك نظريا وقانونيا أن يجرده منها، أو على الأقل يجرده من عضوية القيادة السياسية للحزب، فضلا عن كون أصوات المواطنين كانت عاملا مهما في اكتسابه لهذه الصفة".

وأضاف "يبدو أن على الأخ رباح عضو الأمانة العامة لحزبنا، أن يعيد قراءة البيان الختامي للمجلس الوطني للحزب المنعقد في يناير/كانون الثاني 2021، قراءة جيدة وبتمعن حتى يضبط تصريحاته في البرامج التي يُستدعى لها".

واعتبر أن "ما قاله على دوزيم (القناة الثانية)، بخصوص زيارته لإسرائيل بالصفة التي ابتدعها ابتداعا والتي لا يخولها له الدستور، وكذا بخصوص مستقبل الحزب، لا علاقة له بما عبر عن المجلس الوطني الأخير".

وشدد حمورو على أنه "في القضايا الكبرى، لا يملك أي عضو في الحزب إلا الانضباط لما يصدر عن مؤسساته التقريرية.. والمجلس الوطني ليناير/كانون الثاني 2021 ذكر بموقف الحزب المبدئي من التطبيع، والنقطة الأخيرة في بيانه الختامي رسمت خارطة طريق مستقبل الحزب، وعلى رباح، وكل أعضاء الحزب استيعابها".

من جانبه، اعتبر الباحث في العلوم السياسية، علي فاضلي، في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، أن الوزير رباح "يقدم أوراق اعتماده لدى الدولة من خلال المرور إلى السرعة القصوى في التطبيع".

وقال فاضلي: إن "السؤال الذي يحتاج التوقف عنده، لماذا أعلن رباح استعداده لزيارة إسرائيل دون أن يكون مضطرا إليه، فما قاله الرباح هو نقض للتبرير الذي سيق لتبرير توقيع العثماني على قرار التطبيع".

وتابع: "إنها رسالة من رباح بأنه المؤهل لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة، فهي رسالة بالغة السوء من قيادة بحجم رباح تتجلى في: أنني لا أكترث لأطروحات الحزب ومرجعياته، وأنا مستعد للدوس عليها وتجاهلها، وبالتالي من هنا تكمن خطورة تصريح رباح".

وأضاف فاضلي "لقد كان المفروض من رباح القول بأننا في العدالة والتنمية مطالبون بالجواب على الواقع المستجد، وبأن الحزب يحتاج لتحديث أطروحته وفق الواقع المستجد، لا تجاهل أطروحة ومرجعيات الحزب وقرارات مؤسساته".

ورأى الباحث أنه "تصريح رباح يلغي أي دور للحزب السياسي وأطروحاته وبرامجه التي تعاقد من خلالها مع المغاربة، ويحول الحزب من حزب سياسي إلى حزب وظيفي أسوأ من نموذج الحزب الإداري".

وأكد فاضلي على أن "المطلوب من رباح هو التعبير عن مواقف الحزب الذي مكنه من الوصول للمناصب التي يشغلها، فبدون الحزب كان سيكون نكرة في العمل السياسي إلا إذا اتخذ مسارا آخر مع حزب آخر، وبما أن الرباح قرر العمل مع العدالة والتنمية فالمفروض فيه التعبير عن رؤية الحزب، لا الدوس على أطروحات الحزب ومرجعياته وبرامجه".

وسجل أن "قيادة العدالة والتنمية في أزمة للتعامل مع تصريحات رباح، فهذا الأخير سيتخذ توقيع العثماني لاتفاقية التطبيع لتبرير تصريحاته، وبالتالي فلا يعول على القيادة الحالية لمحاسبة الرياح على تصريحاته".

ومضى فاضلي قائلا: "وبالتالي محاسبة رباح يجب أن تتم من قبل مناضلي الحزب سواء في المجلس الوطني أو في المؤتمر المقبل، مع فضح النهج الذي يسير ويروج له رباح وأمثاله".

محاولة ضد بنكيران

مسعى محاسبة الوزير رباح، تعد هي الأولى لوزير من العدالة والتنمية، لكن هذا التمرين ليس جديدا داخل "المصباح"، فلقد حاول برلمان الحزب عام 2011 مباشرة إجراءات عزل أمين عام الحزب في تلك المرحلة عبد الإله ابن كيران.

وكان عدد من أعضاء في المجلس الوطني للحزب، قد تداولوا مشروع ملتمس سيتم رفعه إلى مكتب المجلس الوطني، يقضي بإقالة بنكيران من رئاسة الحزب.

واستند الأعضاء إلى المادة 79 من النظام الداخلي والتي تنص على أن للمجلس الوطني أن يعارض مواصلة الأمين العام لمسؤوليته وذلك بالموافقة على طلب الإقالة، ولا يقبل هذا الطلب إلا إذا وقعه على الأقل ثلث أعضاء المجلس.

وتحدثت المبادرة في حينه عما أسمته "تحمل المسؤولية الحزبية وقياما بواجب النصح للحزب، بعد أن سبق لبنكيران الإدلاء بتصريحات يعبر فيها عن أن الحزب لن يشارك في مسيرات حركة 20 فبراير (عام 2011)، دون العودة للهيئة ذات الاختصاص التي هي الأمانة العامة مما يُعتبر خرقا واضحا للمقتضيات القانونية المنظمة لعمل الحزب".

وفي السياق، رفضت -مصادر الحزب- تشبيه مسار إقالة ابن كيران، بمسعى محاسبة رباح، "فالأمر ـ بالنسبة إليهاـ متعلق بسياقين مختلفين، الأول فيه مجال للتأويل والتقدير والاختلاف السياسي، أما مسألة التطبيع فهي مرتبطة بمبادئ الحزب ومرجعيته وهويته ومواثيقه، التي لا تتم العضوية في الحزب إلا بعد إعلان الاستعداد للالتزام بها". 

 وتعد مساعي محاسبة وزير من العدالة والتنمية، محطة غير مسبوقة في تاريخ الحزب الإسلامي المغربي، وبرأي المراقبين، فإنه مهما كانت نتائج هذه المحاولة فإنها تزيد تعميق الخلافات داخل الحزب، بشكل يضعف القيادة الحالية في وقت تحتاج إلى التفاف الجميع استعدادا للانتخابات البرلمانية، وبعدها الجمعية العامة للحزب.