آفريل هاينز.. خبيرة التعذيب المروع ترأس أعلى منصب استخباراتي بأميركا

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بتعيينها مديرة لأجهزة الاستخبارات الوطنية، أصبحت "آفريل هاينز" أول امرأة في التاريخ الأميركي تتولى المنصب شديد الأهمية، بعد مسيرة لا تخلو من جدل، ومواقف ومشوار يحتاج إلى تفسير، يمهد لتوقع منهجيتها الخاصة داخل الإدارة الأميركية.

وفي 21 يناير/كانون الثاني 2021، وافق مجلس الشيوخ على تعيين المسؤولة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، في منصبها، بناء على ترشيح الرئيس الجديد جو بايدن.

وقالت المحامية السابقة في وكالة الأمن القومي، سوزان هينيسي، إن اختيار "هاينز لهذا المنصب يظهر أن بايدن يعترف بالحاجة لاستعادة ثقة الأفراد في مجتمع الاستخبارات، واحترام إشراف الكونغرس من الحزبين عليه، وذلك بعدما مرّت الاستخبارات الوطنية بتجربة صعبة وقاسية خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب".

نشأة صعبة

ولدت هاينز في 29 أغسطس/آب 1969، بحي مانهاتن في مدينة نيويورك، في كنف عائلة مرموقة، حيث كان والدها توماس، أستاذا للكيمياء الحيوية، وهو الذي ساعد في تأسيس كلية الطب بجامعة نيويورك، وهناك شغل منصب رئيس قسم الكيمياء الحيوية.

أما والدتها أدريان رابين، التي تنتمي إلى الديانة اليهودية، عملت فنانة ورسامة، ويذكر أنها شكلت الصدمة الأولى في حياة هاينز، عندما أصيبت بمرض السل وتوفيت، ولم تكن هاينز قد بلغت بعد الـ15 عاما، حيث تركت الحادثة أثرا في أعماقها وشخصيتها.

التحقت هاينز بمدرسة "هانتر كوليدج" الثانوية في منهاتن، وتصنف المدرسة كأفضل ثانوية عامة بالولايات المتحدة، وبعد تخرجها سافرت إلى اليابان لمدة عام والتحقت بـ"كودوكان" (المقر الرئيس لمجتمع الجودو في جميع أنحاء العالم)، في العاصمة طوكيو. 

وفي عام 1988، التحقت هاينز بجامعة شيكاغو، لتدرس في قسم الفيزياء المتقدمة، وخلال دراستها عملت في إصلاح محركات السيارات بورشة ميكانيكي، وعام 1991 تلقت تدريبات الطيران في ولاية نيو جيرسي، وهناك التقت بزوجها المستقبلي ديفيد دافيغي، وبعدها بعام تخرجت من الجامعة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الفيزياء المتقدمة. 

المرحلة الأصعب في فترة شباب هاينز، عندما انتقلت رفقة زوجها إلى بالتيمور في ولاية ماريلاند، وسجلت كطالبة دكتوراه في جامعة جونز هوبكنز، لكنها انسحبت من دراستها، واشترت مع زوجها في مزاد علني حانة، وحوّلاها إلى موقع لبيع الكتب، ومقهى منفصل.

وفي المكتبة قدمت عددا من القراءات الأدبية، بما في ذلك "القراءات الشبقية" (الإباحية)، وهو ما أثار جدلا واسعا بعد ذلك بسنوات، عندما تم تعيينها من قبل الرئيس الأسبق باراك أوباما، لتكون نائبة مدير وكالة الاستخبارات المركزية. 

عام 1998، عادت هاينز لاستكمال دراستها مرة أخرى، حيث التحقت بمركز القانون التابع لجامعة جورج تاون، وفيه حصلت على درجة الدكتوراه في القانون عام 2001.

مسيرتها المهنية 

في 2001، حصلت هاينز على أول وظيفة في القطاع الحكومي، مع تعيينها كموظف قانوني في مؤتمر لاهاي للقانون الدولي، وعام 2006 عملت بمكتب الاستشارات القانونية لوزارة الخارجية الأميركية، وبعدها في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية. 

وشهد عام 2008 نقلة كبيرة في حياة هاينز عندما عملت في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، كنائب كبير مستشاري الأغلبية الديمقراطيينفي مجلس الشيوخ، والنقطة الأهم المتعلقة بهذه الجزئية أنها عملت تحت إدارة بايدن (آنذاك)، وبدأت مسيرتها مع الرجل الذي سيصبح رئيسا للولايات المتحدة بعد سنوات. 

تدرجت هاينز في المناصب، وفي عام 2010 أصبحت نائبا مساعدا للرئيس ونائب مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي في البيت الأبيض. 

وفي أغسطس/آب 2013، اختيرت نائبة لمدير الاستخبارات المركزية، ثم نائبة لمستشار الأمن القومي عام 2015، لتكون أول امرأة تتولى المنصبين، ويذكر أن هذه المناصب تتمتع بخصوصية، حيث لا يخضع مكتب نائب مدير الاستخبارات لسلطة مجلس الشيوخ.

نقاط سوداء

لا يخلو ملف عمل هاينز، من انتقادات وقلق بشأن قضايا عدة، لاسيما الحقوقية، حيث تعرضت لانتقادات من قبل حقوقيين، أثناء عملها في وكالة الاستخبارات المركزية لما وصف بدورها في برنامج الهجمات بالطائرات المسيرة الذي اعتمدته إدارة أوباما، والذي تقول المنظمات الحقوقية الدولية إنه "تسبب في مقتل مئات المدنيين".

الاتهامات تطورت أيضا إلى ربطها بالتواطئ في استخدام وكالة المخابرات المركزية لأساليب التعذيب المروعة أو ما أطلق عليها "أساليب الاستجواب المعززة" التي اعتمدت منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، واستمرت لسنوات طويلة، وذهب ضحيتها عدة متهمين تحت مسمى "الإرهاب". 

وفيما يخص عمليات "القتل المستهدف" بدون طيار، انتقد اتحاد الحريات المدنية الأميركي بشدة، سياسة أوباما بشأن القتل بتلك الطائرات باعتبارها فشلت في تلبية المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وظهر ذلك أثناء تسريب البريد الإلكتروني للجنة الوطنية الديمقراطية خلال الحملة الرئاسية لعام 2016 الداعمة لهيلاري كلينتون، وكانت هاينز ضمن "الفريق المتورط". 

بعد هزيمة هيلاري، التحقت هاينز مباشرة باللجنة الوطنية للحزبين للخدمة العسكرية والوطنية والعامة، والتي تم إنشاؤها من قبل الكونغرس لوضع توصيات لإلهام المزيد من الأميركيين، خاصة الشباب، للمشاركة في الخدمة العامة ومراجعة عملية الخدمة العسكرية الانتقائية. 

النقطة السلبية الأخرى المتورطة فيها هاينز، كانت عام 2018 عندما أيدت ترشيح ترامب، لجينا هاسبل في منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وهو ترشيح أثار في حينه جدلا واسعا، للملف الأسود الذي امتلكته هسبل، خاصة مشاركتها في مواقع التعذيب السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية بين عامي 2002 و2003.

وقد اعترفت هاسبل بدورها في المساعدة في تدمير أشرطة فيديوهات التعذيب المروعة من قبل محققي الوكالة.

وتسبب دعم هاينز لوجود هسبل على رأس المنظومة، الكثير من التساؤلات تتعلق بسياستها ومنهجيتها.

قائدة أوركسترا

ولمعرفة مدى أهمية المنصب الذي تشغله هاينز، تحدث تقرير صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عنها وعن خطورة منصبها الجديد في تقرير بعنوان "بايدن يرشح هينز مديرا للاستخبارات الوطنية.. ستكون أول امرأة تشغل هذا المنصب".

وقالت الصحيفة: إن "الغرض الحقيقي من منصب مدير الاستخبارات الوطنية، هو أن يكون هناك شخص يؤدي دور قائد أوركسترا فعال لـ17 وكالة استخباراتية، تقع ضمن نطاق اختصاصاتها، حتى تكون مخرجاتها بمثابة السيمفونية المتناغمة وليست نشازا".

وأضافت أن "مهمة عمل هاينز مع الإدارة الجديدة ستكون من أسهل ما يكون، إذ أنها تعرفهم جميعا".

وأكدت الصحيفة الأميركية أن "تعيين بايدن لهاينز في منصب مدير الاستخبارات الوطنية يمثل في حد ذاته تحولا تاريخيا، باعتبارها أول امرأة تشغل أعلى منصب استخباراتي في البلاد". 

وذكرت كذلك أنه "سيكون تحولا في اتجاه الاستقرار، إذ أن بايدن بهذا يعين خبيرة في شؤون الأمن القومي والتي يتوقع منها أن تعيد الصرامة والاستقلالية لمنصب اكتنفته المكائد السياسية وسوء الإدارة، خلال عهد ترامب". 

وأردف التقرير أن "أول مهام عمل هاينز يجب أن يكون استعادة دور مدير الاستخبارات الوطنية بصفته مزودا غير مسيس للأعمال الاستخباراتية ومديرا لمجتمع الاستخبارات الوطنية بأفرعها المختلفة". 

واستشهدت "واشنطن بوست" بحديث ليزا موناكو، التي عملت مستشارة للأمن الداخلي في إدارة أوباما، عن هاينز عندما قالت: إنها "ستكون ملتزمة بشدة بمبدأ أن أفضل خدمة نقدمها لصانعي السياسة تتمثل في إجراء تحليل دقيق وشامل لما يحدث دون محاولة للخداع أو المواربة". 

ويذكر أن ترامب استخدم منصب مدير الاستخبارات الوطنية، كذراع نافذة ضد خصومه، واعتبرها وسيلة لتصفية الحسابات مع الوكالات التي لم يثق في عملها وغالبا ما كان يلقى عليها باللائمة في التشكيك في شرعية انتخابه. 

وكان جون راتكليف، عضو الكونغرس الجمهوري السابق والموالي البارز لترامب والذي يتعرض لانتقادات شديدة من ضباط المخابرات، هو الذي يرأس الاستخبارات الوطنية، لتخلفه هاينز، في مسيرة متوقع أن تكون مختلفة عن نهج سابقيها.