"الرصاص الراجع".. قصة تزايد القتلى بأفراح اليمن في السنوات الأخيرة

12

طباعة

مشاركة

يعتاد اليمنيون في الأعراس والمناسبات الاجتماعية على إطلاق الرصاص في الهواء، تعبيرا عن ابتهاجهم وفرحهم، غير أن تلك الفرحة كثيرا ما تتحول إلى مآس وحزن، جراء سقوط الرصاص على رؤوس وأجساد المارة.

كثيرا ما تقع هذه الحوادث يومي الخميس والجمعة، حيث يحتفل فيهما معظم اليمنيين بإقامة مراسم الزواج والعرس، حتى أن البعض أصبح يخشى الخروج في هذين اليومين خوفا من أن يكون هدفا لما تعرف بظاهرة "الرصاص الراجع" من السماء.

غياب الإحصاءات

فضلا عن كوارث "الرصاص الراجع"، فإن إطلاق النار بشكل عشوائي في الأعراس والمناسبات الاجتماعية تصيب أحيانا الحاضرين بشكل مباشر، حيث يفقد من يطلق الأعيرة النارية السيطرة على سلاحه، فيتسبب بإصابة الحاضرين أو مقتلهم.

ورغم التنبيهات والتحذيرات الكثيرة وحملات التوعية المجتمعية بأضرار تلك الممارسات، إلا أن كثيرين ما يزالون يمارسونها دون اكتراث لأي أرواح قد تسقط أو إصابات قد تحدث.

في 21 يناير/كانون الثاني 2021، سقط مدرس يدعى خالد الولي، جراء إطلاق الرصاص في أحد الأعراس بمدينة إب وسط اليمن، في حادثة تسببت بحزن كبير لدى معارفه ومقربيه بالمدينة.

ورغم المأساة التي خلفتها الحادثة، ما تزال تلك الممارسات مستمرة وتشهد تزايدا يوما بعد آخر، وتأتي ضمن عشرات الحوادث التي اعتاد اليمنيون سماعها كل أسبوع في معظم المحافظات.

في واقع الأمر، ليس هناك إحصائية دقيقة أو منتظمة بعدد ضحايا "الرصاص الراجع"، بسبب تعدد السلطات وتقاسمها بين الحكومة الشرعية والحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، وبسبب عدم قيام السلطة الأمنية بمهامها ودورها في إجراء مسوحات لأعداد الضحايا.

لكن متحدث وزارة الداخلية في صنعاء العميد عبد الخالق العجري كشف أن عدد ضحايا "الرصاص الراجع" عام 2019، بلغ أكثر من 80 معظمهم من النساء والأطفال.

وفي محافظة عدن (جنوب) وحدها حين بلغ عدد ضحايا الرصاص الراجع عام 2018، 60 شخصا، وفق تصريح لإدارة أمن عدن، في حين تبقى كثير من المحافظات بدون إجراء إحصاءات رسمية أو دقيقة أو منتظمة بشكل دوري.

فشل أمني

في 2016، أصدرت السلطات المحلية بمديريات الوادي والصحراء بمحافظة حضرموت (وسط) القرار رقم 96، والذي يقضي بمنع إطلاق النار في المناسبات والأعراس، إلا أن تطبيقه باء بالفشل رغم تشكيل لجنة أمنية مختصة لتنفيذه.

بعض المجتمعات اليمنية لجأت إلى تنظيم حملات توعية، فخطباء المساجد كثيرا ما يحذرون من خطورة هذه الممارسات، بالإضافة إلى ذلك قام ناشطون بتدشين حملات إلكترونية على مواقع التواصل، من بينها هاشتاج تحت عنوان #لاتقتلونا_بأفراحكم، الذين دشنه أبناء محافظة تعز (جنوب).

وهناك صفحات أخرى على مواقع التواصل مخصصة لتسليط الضوء على ضحايا "الرصاص الراجع" من بينها صفحة "الراجع قاتل" على فيسبوك، والتي يشرف عليها بعض الشباب المتطوعين.

أحمد مصلح وهو طبيب يمني يعمل في مستشفى الثورة بصنعاء، قال لـ"الاستقلال": "تأتينا حالات لضحايا الرصاص الراجع، ومعظمها حرجة أو مميتة، فهو عادة ما يصيب الرأس أو الرقبة أو الكتفين، لأن الأعيرة النارية تسقط بشكل رأسي، وبعض العيارات تكون قاتلة عندما تصل لعمق الرأس أو تصل للقلب، أو تتسبب بنزيف".

يتابع مصلح: "هناك حالات لأطفال أو كبار توفوا ولم نستطع إنقاذهم، لأن العيار يكون قد أصاب الضحية في مكان مميت، وتعرض لنزيف، وهناك حالات يتم إنقاذها، وهي الحالات التي تكون الإصابة فيها سطحية، أو تمت السيطرة على النزيف من قبل المسعفين بشكل عاجل".

يضيف الطبيب اليمني: "مثل هذه الحالات تزايدت في الخمس السنوات الأخيرة، بسبب تزايد انتشار السلاح، وفي كل الحالات التي استقبلناها يضطر الأمن التابع للمشفى لتقييد الحادثة ضد مجهول، وللأسف فإن الأرواح تذهب هباء ثمنا لتصرفات طائشة ومستهترة وغير مكترثة لحياة الآخرين".

مجتمع مسلح

سبب تفشي تلك الظاهرة يعود إلى أن المجتمع اليمني مسلح في الأساس، فضلا عن كونه مجتمعا تسوده ثقافة قبلية وعسكرية تمجد السلاح، وتعتبره إحدى لوازم الشجاعة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن السلاح في كثير من المناطق اليمنية يعد جزءا من الزي اليومي، خصوصا في المناطق الريفية والبدوية، وقد يُعاب اجتماعيا من يترك حمل السلاح، بكونه (عاريا).

ويمنح القانون اليمني المواطنين حق حيازة سلاح شخصي مع كمية من الذخائر، وتقدر إحصائيات غير رسمية في عام 2014 وجود ما لا يقل عن 60 مليون قطعة سلاح في اليمن، أي أن كل مواطن يمتلك قطعتي سلاح في البلد الذي يبلغه تعداد سكانه نحو 25 مليون نسمة.

أما مركز "استقصاء الأسلحة الصغيرة"، وهو مركز بحثي سويسري يعنى بإحصاء عدد الأسلحة الصغيرة وقضايا العنف المسلح في العالم، فقد قدر عدد الأسلحة في اليمن بنحو 80 قطعة سلاح لكل 100 مواطن.

وفي مؤتمر صحفي عُقد بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، في يونيو/حزيران 2018، كشف مدير المركز إيريك بيرمان عن وجود مليار قطعة سلاح صغيرة في دول العالم، من بينها 875 مليون قطعة بأيدي المدنيين.

وأضاف بيرمان أن أمريكا تحتل المركز الأول عالميا بمعدل 120 قطعة لكل 100 نسمة، في حين تأتي اليمن في المركز الثاني عالميا والأولى عربيا بمعدل 82 قطعة سلاح لكل 100 مواطن.

وفي 2017 أجرى معهد الدراسات العليا للدراسات الدولية والدولية في جنيف مسحا قال فيه إن الولايات المتحدة تحتل المركز الأول عالميا، بمعدل 120 قطعة سلاح لكل 100 مواطن، في حين تأتي اليمن في المركز الثاني بمعدل 53 سلاح لكل 100 مواطن.

ومع تضارب الإحصاءات في تقدير عدد السلاح، إلا أن اليمن ما تزال الأولى عربيا والثانية عالميا، وهي مكانة تحتلها لعدة سنوات، وانعكس هذا الأمر على ظاهرة حمل السلاح عموما، وعلى إطلاق الأعيرة النارية في الهواء، على وجه الخصوص.