"دولة منبوذة".. مجلة أميركية: هذه صورة السعودية لدى إدارة بايدن
كشفت مجلة أميركية، عن خطوات سعودية مرتقبة تهدف لإرضاء إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بمراجعة علاقات الولايات المتحدة مع المملكة.
وأوضح تقرير (The Hill) أن "السعودية تستعد لعلاقة أكثر صرامة مع إدارة بايدن بعد 4 سنوات منحها فيها الرئيس دونالد ترامب خطا مباشرا إلى المكتب البيضاوي وعرض الدعم، حتى في الوقت الذي أثارت فيه بعض سياساتها وإجراءاتها الجدل وازدراء الحزبين الجمهوري والديمقراطي".
وأكد أن "العلاقة بين ترامب والسعودية كانت مصدر توتر دائم بين البيت الأبيض والعديد من الجمهوريين في الكونغرس، الذين انزعجوا من تورط الرياض في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ودعم البيت الأبيض الجامح للحرب السعودية في اليمن، كما أثارت هذه الإجراءات انتقادات شديدة من الديمقراطيين".
مملكة منبوذة
وأشارت المجلة إلى أن "بايدن قد وصف السعودية بأنها منبوذة، ووعد بأن تكون له يد قوية في العلاقات الأميركية مع هذا البلد، خاصة في مواجهة الرياض بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان".
واعتبرت أن "سنوات ترامب كانت فترة ذهبية في بعض النواحي للسعوديين، حيث قامت إدارة الحزب الجمهوري بتوجيه الولايات المتحدة بشكل حاد نحو الرياض من خلال انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الإيراني (عام 2018)، كما أدت سياسات الإدارة المعادية لإيران بشدة إلى ضربة عسكرية قتلت قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني".
وتتوقع السعودية التي عبرت عن استيائها من مفاوضات إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مع طهران، علاقة أكثر توترا مع فريق "بايدن".
وأكدت المجلة أن "المملكة تعمل بالفعل على تهدئة المياه المضطربة بين واشنطن والرياض، مع الإفراج المتوقع عن ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة (لجين الهذلول) وتقارب محتمل مع قطر بعد حصار دام لسنوات لبلد يضم أحد مقار القيادة المركزية الأميركية في المنطقة".
من جانبه، علق "آرون ديفيد ميللر"، من مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي" وقدم المشورة لكل من الإدارات الجمهورية والديمقراطية حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط على الوضع الحالي للسعوديين: "ليس لديهم أصدقاء هنا.. الكونغرس معاد، وإدارة ترامب في طريقها للخروج، وإدارة بايدن أوضحت ماهية وجهات نظرها".
ومن المتوقع، أن تفرج السعودية في مارس/آذار عن الناشطة البارزة في مجال حقوق المرأة "الهذلول".
واعتقلت "الهذلول" في 2018. بتهم تتعلق بالإرهاب، وحكم عليها في 28 ديسمبر/كانون الأول 2020، بالسجن قرابة 6 سنوات بتهم تنتقدها منظمات حقوق الإنسان باعتبارها ذات "دوافع سياسية"، لكن عقوبتها "تترك الباب مفتوحا أمام إمكانية الإفراج المبكر عنها".
فيما قال الباحث المقيم بمعهد "دول الخليج العربية" بواشنطن، حسين إيبش، عن الحكم: "لا أعتقد أن هذه صدفة".
وغرد مستشار الأمن القومي الجديد لبايدن، "جيك سوليفان"، أن الحكم "غير عادل ومقلق" وأن "إدارة بايدن ستقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان أينما حدثت".
ملف الحصار
وتتطلع السعودية أيضا إلى اتخاذ خطوات لحل الحصار الذي تفرضه على قطر منذ 4 سنوات، والذي كان نتيجة إحباط "الرياض" من علاقات الدوحة مع "طهران".
وفي 30 ديسمبر/كانون الاول2020، دعا العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبد العزيز"، أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" إلى اجتماع مجلس التعاون الخليجي في 5 يناير/كانون الثاني 2021، فيما اعتبر محاولة لبدء "حل النزاع".
وقال إيبش: "أعتقد أن هذا شيء قد يروق بشدة لإدارة بايدن.. لا أعتقد أنهم يريدون أن يرثوا مقاطعة قطر".
وفي سياق متصل، أوضح التقرير أن السعوديين متشككون في أن تكون إدارة "بايدن"، إدارة "أوباما 2.0"، مع عودة العديد من الوجوه والمسؤولين من الإدارة الديمقراطية السابقة في أدوار مختلفة في إدارة "بايدن".
ويشمل ذلك "سوليفان"، الذي كان المفاوض الرئيس في المحادثات الأولية التي أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، و"أنتوني بلينكين"، مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية.
وعمل "بلينكين" مستشارا للأمن القومي لبايدن عندما كان نائبا لأوباما، وأيضا عندما كان نائبا لوزير الخارجية بين عامي (2015 و2017).
ويعتبر "بلينكين"، على وجه الخصوص، جزءا من جيل الشباب من مستشاري السياسة الخارجية الذين خدموا في إدارة "أوباما" ودعموا جهوده من أجل التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط.
وبينما قال بايدن: إنه "سيعيد تقييم" العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، فقد أشار إلى أنه يتطلع أكثر لاستعادة التوازن على المسرح العالمي بدلا من اتخاذ تحول ثوري في السياسة.
وقال فريق "بايدن" الانتقالي: إنه ليس في موضع مناسب للتعليق، بخلاف ما قاله الرئيس المنتخب خلال الحملة الانتخابية، وأشار إلى تعليقاته السابقة التي تناولت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.
وأصدر "بايدن" بيانا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في الذكرى الثانية لمقتل خاشقجي (بقنصلية الرياض بإسطنبول)، قال فيه: إن إدارته ستعيد تقييم علاقة الولايات المتحدة بالسعودية، وتنهي دعم واشنطن للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.
كما أعرب عن دعمه للنشطاء والمعارضين والصحفيين السعوديين، قائلا: إن الولايات المتحدة "لن تتحقق من قيمها عند الباب لبيع الأسلحة أو شراء النفط".
ورقة مساومة
وفي السياق، قالت الزميلة البارزة في مركز سياسة الشرق الأوسط بمعهد "بروكينغز"، تمارا كوفمان ويتس: إن "إعادة التقييم ضرورية لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب التي استفادت منها السعودية في ظلها في ظل إدارة ترامب".
وأكدت أن "التغيرات في أسواق الطاقة العالمية تعني أن دور السعودية في أسعار النفط العالمية لم يعد مهيمنا كما كان في السابق"، مشيرة أن "الشرق الأوسط بشكل عام أقل مركزية بالنسبة للإستراتيجية الأميركية العالمية".
وأضافت ويتس: "لكن لا يمكنك اعتبار العلاقات أمرا مفروغا منه بشكل عام وأعتقد أن هذا صحيح هنا".
ويشمل ذلك تقارير عن محاولة الحكومة السعودية خطف أحد منتقديها على الأراضي الأميركية، وتقييمات مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن المملكة تستخدم مرافقها الدبلوماسية لمساعدة مواطنيها على الهروب من الملاحقة القضائية في المحاكم الأميركية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اتهمت وزارة العدل موظفين سابقين ومواطنا سعوديا بالعمل "كعملاء غير شرعيين لحكومة أجنبية".
وقالت "ويتس"، التي شغلت منصب نائب الرئيس ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في إدارة أوباما: "ربما تكون هذه الرغبة في إعادة التقييم ناتجة عن السلوك السعودي المقلق للغاية الذي شهدناه خلال السنوات القليلة الماضية، ولكنه مدفوع أيضا بهذه الاتجاهات التي لا يمكن تجاهلها حقا".
وتمتلك "الرياض" ورقة مساومة رئيسة مع إدارة "بايدن" حول ما إذا كانت ستطبع العلاقات مع إسرائيل، في أعقاب توسط إدارة "ترامب" في تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين "تل أبيب والإمارات والبحرين والسودان والمغرب".
وبينما تحافظ السعودية على علاقات أمنية هادئة مع إسرائيل في مواجهة إيران، اتخذت خطوات صغيرة لتليين العلاقات -مثل فتح المجال الجوي للرحلات الجوية التجارية الإسرائيلية- إلا أنها لم تعلن حتى الآن تطبيع العلاقات بشكل كامل بسبب التزام العاهل السعودي الملك "سلمان" بالقضية وحقوق الفلسطينيين.
وفي ذات السياق، قال "ميللر"، من مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي": "أظن أنها مسألة تتعلق بالتوقيت فقط حين يقرر السعوديون اتخاذ خطوة أخرى نحو التطبيع مع إسرائيل، فسيستخدمون ذلك كوسيلة لتنشيط علاقتهم المتدنية للغاية مع ما يتوقعونه من إدارة بايدن القادمة".
فيما قال "إيبش" من معهد "دول الخليج العربي": إن "العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تعتبر تحالفا مشحونا ولكنه ضروري، يقوم على أهداف وقيم مشتركة".
وأوضح أن "هذا يشمل احتياج الولايات المتحدة إلى علاقات مع السعودية كجزء من تحالفات أوسع لمواجهة الطموحات العالمية من قبل الصين، والأنشطة المزعزعة للاستقرار من قبل روسيا، والحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط".
وختم الباحث "إيبش" تصريحه بالقول: "أما الرياض من جانبها فهي بحاجة إلى الأمن الذي توفره الولايات المتحدة كقوة عالمية لضمان سلامتها الوطنية، وبالتالي الدولتان عالقتان مع بعضهما البعض".