إحياء السلطنات القديمة.. خطة السعودية والإمارات لتفتيت اليمن

12

طباعة

مشاركة

تحديات جديدة باتت تواجه اليمن، وتجعل الأزمة أكثر تعقيدا، من خلال إعادة إحياء سلطنات ما قبل الدولة والرموز السياسية لتلك السلطنات، التي ذابت في نسيج الدولة وأصبحت جزءا من اليمن الحديث.

عملت السعودية التي تسيطر على محافظة المهرة، على دعم "عبد الله بن عفرار"، نجل آخر سلاطين سلطنة آل عفرار، التي تشمل المهرة وسقطرى، وقامت بدفعه إلى الواجهة، بغية استخدامه كورقة لدعم أجندتها في محافظتي "المهرة وسقطرى".

بدوره قام "عبد الله بن عفرار" بتبني أجندة التحالف، فدعم الوجود السعودي في المهرة، والوجود الإماراتي في سقطرى، وتمكن من تجميع حشود قبلية من أبناء "المهرة" تدعم أجندة التحالف، وتقف في مواجهة الحشود التي تعارض مشاريع التحالف في كل من المهرة وسقطرى.

علاوة على ذلك، طالب "عبد الله بن عفرار" في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2020، باحترام الحقوق والاتفاقيات في تجاوز الإقصاء والتهميش لحقوق آل عفرار فيما أسماه "إقليم المهرة وسقطرى".

"ابن عفرار" طلب من الحكومة الشرعية في سلسلة تغريدات منحه منصبا على إقليم المهرة وسقطرى، مهددا باستخدام القوة قائلا: "ليعلم أبناء محافظتي المهرة وسقطرى بأن الحقوق لا تنتزع إلا بالقوة وأن القوة لا تأتي إلا بوحدة الأمة".

السلطنة العفرارية

وتعد سلطنة "آل عفرار" آخر سلطنات المهرة التي كانت تبسط سيادتها على المهرة وسقطرى، وتسمى السلطنة العفرارية، وكانت عاصمتها قشن، وكان يحكمها آل عفرار أبرز قبائل المهرة.

غدت السلطنة جزءا من المحمية البريطانية عام 1866، وفي عام 1967. أصبحت جزءا من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وبقي السلاطين كمشايخ وواجاهات اجتماعية.

من جانبهم، قام أبناء محافظتي المهرة وسقطرى باختيار السلطان "محمد عبد الله آل عفرار" رئيسا للمجلس العام لأبناء المحافظتين، بدلا عن عبد الله بن عيسى بن عفرار، الذي قرر المجلس إعفاءه من منصبه.

جاء ذلك في مؤتمر عقد في 28 ديسمبر/كانون الأول 2020. في المهرة، وحضره مشايخ وشخصيات اجتماعية ومكونات سياسية، وحظي المؤتمر بدعم من "مسقط" التي تخشى من الأجندة السعودية الإماراتية في المهرة، المحافظة التي تمثل امتدادا لأمنها القومي.

ويعد المجلس العام هو الهيئة السياسية التي تجمع أبناء محافظتي المهرة وسقطرى "رعايا سلطنة آل عفرار سابقا، وفي المؤتمر دعا محمد بن عفرار الحكومة الشرعية إلى بسط نفوذها على كامل التراب السقطري وقطع الطريق على المشاريع الخارجية في أرخبيل سقطرى".

وتعهد ابن عفرار في ذات الوقت بالتزامه بإعادة تصحيح مسار المجلس، وفقا للمبادئ التي تأسس عليها، مشددا على أن أولويات المجلس في هذه المرحلة هي طرد الاحتلال والحفاظ على سيادة المهرة وفقا لحدود 1967.

في واقع الأمر، فإن ذلك الإجراء قد أتى كرد فعل على تمكين "عبد الله بن عيسى بن عفرار" الذي تبنى أجندة التحالف، ومثلت الإطاحة به وتنصيب محمد آل عفرار بديلا عنه، سحبا للبساط من تحت أقدام الرياض أبوظبي.

إعادة إحياء

وبين الإطاحة والتعيين، عادت فكرة سلطنة آل عفرار والسلطان الشرعي للواجهة من جديد، ما قد يلعب دورا في تفتيت الجنوب وتقسيمه إلى كانتونات، بالتزامن مع خطر تقسيم اليمن ذاته إلى جنوب وشمال، وفق مراقبين.

يقول "محمد عبد السلام"، رئيس مركز أبعاد للدراسات في تدوينة على فيسبوك: "إحياء عهد السلاطين في المهرة وإعادة آل عفرار كرمزية لآخر أسرة حكمت سلطنة المهرة وسقطرى، لَيس أمرا اعتباطيا، بل هو ضمن مخطط تفكيك اليمن".

ويضيف عبد السلام: "استطاعت السعودية أن تستقطب عبد الله بن عيسى آل عفرار من عمان الداعمة له فاختارت مسقط محمد آل عفرار بديلا عنه، وتدعم الإمارات الأسرة لاستعادة سلطنتهم المندثرة".

وتابع: "تلعب الرياض وأبوظبي ومسقط بنار إحياء السلطنات في اليمن، ولا نستبعد أن هذا التفكيك سيستدعي كيانات ما قبل الدولة في الخليج أيضا!"

 

كان البروفيسور العماني والعميد السابق بجامعة السلطان "قابوس"، الدكتور "حيدر اللواتي"، قد حذر من تقسيم اليمن إلى أجزاء وكانتونات قائلا: "هدف الحرب على اليمن، هو تقسيم البلد، ليبقى فقيرا منكوبا ومدمرا".

وأضاف "اللواتي"، في تغريدة على تويتر: "يريدون تقسيم اليمن ليبقى فقيرا منكوبا ومدمرا مشتعلا ثم تفتيت الجنوب إلى أقاليم، والأقاليم إلى كانتونات تمثل مناطق نفوذهم ومصالحهم وقواعدهم، يريدون استباحة أراضيه وجزره وموانئه وخيراته!. اليمن ليس لقمة سهلة، ومن يشعله ويتورط فيه سيحترق! هذه سنن التاريخ!".

في حين تقول دراسة لـ"مركز أبعاد"، نشرت في 25 مارس/آذار 2019: إن "اليمن يواجه سيناريو التقسيم"، وهو الأكثر خطورة على حد وصف الدراسة التي أضافت: "اليمن يواجه سيناريو التقسيم بسبب تصادم أهداف الفاعلين إقليميا ودوليا ببعضهم البعض، وتناقض أهداف عاصفة الحزم مع المصالح الإستراتيجية للإمارات والسعودية".

 الخطة "ب"

تهدف السعودية إلى تنفيذ أجندتها في "المهرة" التي تحكم السيطرة العسكرية عليها، في مقابل سيطرة الإماراتيين على أرخبيل سقطرى، ويرى مختصون أن السعودية والإمارات لن يجدا حرجا من تقسيم الجنوب ذاته وتفتيته لتتمكن من تنفيذ أجندتها ومشاريعها في هذه المنطقة الإستراتيجية.

في أبريل/نيسان 2016، كشف تقرير نشره موقع "جلوباليست" الأميركي عزم السعودية تنفيذ ما أسمته الخطة "ب"، التي قال الموقع عنها: إنها تتضمن تفكيك وتقسيم اليمن، في حال عجزت دول تحالف الرياض وأبوظبي في فرض سيطرته على كامل البلاد.

وفي يونيو/حزيران 2019، كشف رئيس الوزراء اليمني السابق الدكتور "أحمد عبيد بن دغر" عن مخطط يستهدف اليمن، قائلا: إنه "يتجاوز فكرة انفصال الجنوب عن الشمال، ويسعى لتقسيم جنوب اليمن إلى عدة دويلات هزيلة ضعيفة ومسلوبة الإرادة".

وأضاف "ابن دغر" في تدوينة على صفحته بفيسبوك، مخاطبا الإمارات، بشكل ضمني: "أنتم خطوة لاحقة في مخطط التقسيم. من السذاجة الاعتقاد بأن مخطط التقسيم يستهدف اليمن فقط، وأنه مخطط يتعداه للمنطقة بأكملها. اليمن ليس سوى عتبة واحدة في سلم المؤامرة في المنطقة".

 

فكرة التقسيم طالما كانت جزءا من تصور دولي لحل أي صراع في اليمن، وسبق لوزير الدفاع الأميركي "جيمس ماتيس" أن طرح بمؤتمر المنامة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. فكرة "إقامة حكم ذاتي في الأقاليم المتصارعة"، لحل الصراع في اليمن.

وتر المناطقيات

العمل على وتر المناطقيات وإحياء الصراع القبلي، تجربة خاضتها الإمارات وما زالت تخوضها في استقطاب أبناء يافع والضالع، وهم من يسمون تاريخيا بـ"الطغمة"، في مقابل أبناء أبين وشبوة، الموالين للرئيس هادي، وهم من يسمون تاريخيا بـ"الزمرة".

ومن أجل تنفيذ أجندتها، لا تقف جهود "أبوظبي" على تأسيس حالة الانقسام بين شطري الشمال والجنوب فحسب، بل تتعداها لتعميق الصراع الداخلي بين أبناء الشطر الواحد، وإعادة إحياء الصراع بين الأجنحة السياسية في الجنوب، الذي عانى من الصراع المسلح قبل إعلان الوحدة في 1990.

كانت آخر فصول الصراع المناطقي قد أتت عقب مذبحة 13 يناير/كانون الثاني 1986، أي قبل إعلان الوحدة بأربع سنوات، وراح ضحيتها عشرات السياسيين، أبرزهم رئيس الدولة في الجنوب سالم ربيع علي، وحل مكانه رئيس الحزب عبد الفتاح إسماعيل، ثم تصفية علي عنتر وعلي شايع في أحداث يناير الدموية.

الصراع الذي يحياه الجنوب عبر تكتلات خطيرة يهدد بعضها بعضا، ويهدد بتقسيم الجنوب ذاته إلى أجزاء، حذرت منه صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية في يوليو/تموز 2017، حينما كشفت عن دعم الإمارات للجنوبيين، مضيفة أن الكتلة الجنوبية في اليمن المدعومة من أبوظبي "لا تواجه الانقسام فحسب، بل هي خطر حقيقي على الصراع الداخلي".