ليس فقط مؤامرات أبوظبي.. هذه أسباب قطع الصومال علاقته مع كينيا

12

طباعة

مشاركة

منتصف ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن الصومال قطع علاقته الدبلوماسية مع جارته كينيا، وطلب من الدبلوماسيين الكينيين المغادرة في غضون 7 أيام، وكلف في ذات الوقت دبلوماسييه في "نيروبي" بالعودة إلى البلاد، في تصعيد هو الأعلى منذ اندلاع الأزمة بين البلدين مؤخرا.

وحسب البيان الرسمي الصادر عن الخارجية الصومالية، الذي بثه التلفزيون الرسمي، فإن القرار قد جاء "للحفاظ على السيادة الوطنية بعد تدخل كينيا المتعمد في الشؤون الداخلية للصومال".

Press release (for immediate release) The Federal Government of Somalia recalls its Ambassador to the Republic of Kenya...

تم النشر بواسطة ‏‎Ministry of Foreign Affairs of Somalia‎‏ في الأحد، ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠

ويأتي الحديث عن أجندة "كينيا" الحليف السياسي للإمارات، في ظل رغبة كل من "الإمارات وكينيا" بتغيير الواقع السياسي في الصومال، والإطاحة بالرئيس الحالي "محمد عبدالله فرماجو" الذي ساءت علاقته بالأمير "محمد بن زايد" ولي عهد "أبوظبي" والحاكم الفعلي للإمارات، منذ 2017، إثر انفتاح "فرماجو" على كل من قطر وتركيا وتوقيع جملة اتفاقيات مع البلدين.

حشد ميليشيات

مؤخرا، زادت حدة التوترات بين "الصومال وكينيا"، عقب اتهامات وجهتها "مقديشو" إلى "نيروبي" بالتدخل في شؤونها الداخلية، وقيامها مؤخرا بمحاولة التأثير في مجريات الانتخابات البرلمانية في الصومال.

وتأتي هذه التوترات بعد سلسلة من الخلافات السابقة، كان أبرزها النزاع على  الحدود البحرية النفطية بين الجارتين، ثم اتهامات الصومال بخرق الطائرات الكينية لمجالها الجوي، فضلا عن اتهام "نيروبي" بالتحشيد ودعم ميليشيات على الحدود بين البلدين.

في بيان صدر يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2020، حذرت وزارة الإعلام الصومالية من التصرف الذي تقدم عليه "كينيا" في حشد ميليشيات للهجوم على القوات الصومالية بمنطقة "بيليت هاوو" الحدودية.

وقالت الوزارة في بيانها إن "تصرف كينيا سوف يتسبب بتفجير الموقف، ويشكل خطرا على المنطقة برمتها"، داعية كينيا إلى "سرعة إيقاف تسليح الميليشيات التي تستفز قواتها وتهاجمها على المناطق الحدودية".

أزمة الانتخابات

التدخل في الانتخابات كان آخر فصول الأزمة بين البلدين، حيث اتهمت "الصومال" "كينيا" بالتدخل في العملية الانتخابية بإقليم "جوبالاند" جنوبي البلاد، بغية فرض أجندة معينة، تسعى من خلالها "نيروبي" للإطاحة بالرئيس الصومالي الحالي "محمد عبدالله فرماجو" في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويحظى "أحمد مدوبي" بدعم كيني، وتعترف به "نيروبي" رئيسا لإقليم "جوبا لاند"، في موقف أتى معارضا للحكومة الفيدرالية الصومالية التي لا تعترف به رئيسا للإقليم، وترفض نتائج الانتخابات التي أجريت في ديسمبر/كانون الأول 2020، وتصفها بـ"المشبوهة وغير الدستورية".

كان مجلس الأمن قد عقد جلسة افتراضية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصومال، "جيمس سوان": "من المؤسف أن نموذج التصويت المتفق عليه لا يفي بالمتطلبات الدستورية الخاصة بالاقتراع العام المباشر للبرلمان".

ودعا "سوان" إلى أن "تتم العملية المتفق عليها بطريقة عادلة وشفافة ومقبولة على نطاق واسع، وأن تكون سلمية، وفيها مشاركة أوسع وشاملة أكثر مما كانت عليه قبل 4 أعوام".

وحسب البيان الرسمي لوزارة الخارجية الصومالية، فإن "التدخلات الكينية في الشأن الصومالي الداخلي في جنوب البلاد، والضغط على رئيس حكومة ولاية جوبالاند أحمد مدوبى، قد أتت لتنفيذ أجندة كينية، تهدف لعرقلة مسار الانتخابات في البلاد".

بالإضافة إلى ذلك، تتهم "مقديشو" "نيروبي" بدفع  "أحمد مدوبي" إلى التراجع عن الاتفاقات بين الإقليم والحكومة الفيدرالية في "مقديشو"، بشأن الانتخابات والإشكالات السياسية، والتي كان قد جرى التوصل إليها في سبتمبر/أيلول 2020.

وتستضيف "كينيا" قادة الأحزاب الصومالية المعارضة، وتشرف على تنظيم فعاليات تسعى من خلالها للإطاحة بالرئيس "فرماجو"، والحكومة الحالية.

وحسب الجدول الزمني الانتخابي، من المفترض اختيار أعضاء مجلسي البرلمان الاتحادي بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، وانتخاب الرئيس الاتحادي من قبل البرلمان الجديد في شباط/فبراير 2021.

 

 

النزاع البحري

ومع أن التوترات الأخيرة كانت بسبب تدخلات "كينيا" بالانتخابات الصومالية، بحسب "مقديشو"، إلا أن أصل الخلاف يعود إلى منتصف ستينيات القرن الماضي، بعد أن نال البلدان استقلالهما، ونشأت إثر تلك السيادة، خلافات على الحدود البحرية بينهما، والتي تحوي حقولا للنفط.

زادت حدة التوتر حول منطقة النزاع النفطية بدءا من 2009، حينما رفض البرلمان الصومالي التصديق على مذكرة تفاهم، قضت بحل الخلاف وديا بين البلدين.

واتجهت "مقديشو" في 2014. نحو محكمة العدل الدولية، بينما رفضت "نيروبي" ذلك الإجراء بحجة أن المحكمة غير مختصة للنظر في ذلك الأمر، غير أن الدعوى أدرجت للنظر بمحكمة العدل بعد ذلك بعامين.

كان من المتوقع أن تصدر محكمة العدل قرارها النهائي في يونيو/حزيران 2020، غير أن القيود المفروضة بسبب "جائحة كورونا" تسبب بتأخير الجلسة النهائية للنطق بالقرار، إلى 15 مارس/آذار 2021.

وتعد هذه هي المرة الثالثة التي يتم تأجيل الفصل فيها في القضية الخلافية بين البلدين الجارين، ما أدى إلى تفاقم النزاع بين البلدين، وخلق قضايا خلافية جديدة زادت من تعقيدات الأزمة.

كما أتاح هذا النزاع مساحة واسعة للخلاف، ومنحت فرصة للاستقطابات والتجاذبات الدولية والمحلية، بشكل انعكس على طبيعة العلاقة السياسية والدبلوماسية بين البلدين، فضلا عن تشكيله ضغوطا على الحكومة الفيدرالية في الصومال واتهامها بالفشل في التوصل لحل النزاع مع كينيا.

 

 

جذور الأزمة

الكاتب والصحفي "عبد القادر محمد" يرى أن القمة الاستثنائية الأخيرة لدول الهيئة الحكومية للتنمية الإفريقية "إيغاد" في جيبوتي ساهمت في تهدئة النزاع المتصاعد، والحيلولة دون عسكرته على الحدود بين البلدين.

وقال في حديثه مع "الاستقلال": "يبدو أن المحاولة لاقت نجاحاً نسبياً، لكن الجذر الحقيقي للتوتر بين البلدين يكمن في تنازعهما على تبعية مثلث بحري في المحيط الهندي يحتوي على مخزونات هائلة من النفط والغاز بالإضافة إلى الثروة السمكية".

يضيف الصحفي المتخصص في الشأن الإفريقي: "هذا النزاع يرتبط بمصالح دولية لشركات نفطية، ودول ذات مصالح كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والنرويج تدعم كلاً من الطرفين، والنزاع مرفوع إلى محكمة العدل الدولية منذ أغسطس/آب 2014، وكان من المفترض صدور القرار النهائي صيف هذا العام لكن تم تأجيله إلى مارس 2021، نتيجة التدابير المتعلقة بكورونا".

يتابع عبد القادر: "قبول الطرفين بحكم المحكمة قد يفتح الباب لتهدئة الأجواء والوصول إلى تسويات سياسية، وإن رفض أحدهما فلن نشهد نهاية قريبة لهذا التأزم وسيكون مرشحاً للتطور أكثر".

المشهد السياسي

أما عن المشهد السياسي المحتمل بعد انتخابات الرئاسة يقول عبد القادر محمد: "من الصعب التكهن بمرحلة ما بعد الانتخابات، لأن الطريق إلى الانتخابات نفسها تكتنفه العديد من العوائق والمشاكل المتعلقة بالخلافات الكبيرة، حول إجراءات العملية الانتخابية بين الرئيس فرماجو وتكتل المعارضة الرئيسي المتمثل في مجلس اتحاد المرشحين من جهة، وبين الحكومة المركزية في مقديشو وبعض حكومات الولايات من جهة أخرى".

يضيف عبدالقادر: "يأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد الحراك المعارض في الشارع، وزيادة الاصطفافات القبلية والعشائرية وعسكرتها، بالإضافة إلى وجود الجماعات الإرهابية جنوب ووسط البلاد".

وعن إمكانية حل المشاكل الداخلية بين الحكومة الفيدرالية في "مقديشو" والإقليم في "جوبالاند"، وأثر ذلك على التسوية بين الصومال وكينيا، يقول الصحفي عبد القادر: "الخلاف بين مقديشو وكيسمايو (عاصمة جوبلاتد) متعلق بالعديد من الملفات السياسية والأمنية والقانونية غيرها، منها على سبيل المثال تحديد النظام السياسي الأنسب لحكم البلاد، في سيناريو مشابه للحالة الإثيوبية".

يضيف عبدالقادر:" يحول تراكم طبقات من الخلافات والشكوك بين العاصمتين المركزية والإقليمية دون التوصل إلى توافقات جذرية قريبة، ولا سيما عند الأخذ بعين الاعتبار العامل الخارجي حيث يمثل الصراع المحلي جزءاً من الصراع الكيني الصومالي".

وتابع: "تتمتع جوبالاند بدعم وتغطية كاملتين من نيروبي، وبالتالي إذا لم تتوصل الأخيرة ومقديشو إلى طي صفحة خلافهما الحدودي، فلن يكون من السهل رؤية توافقات بين محمد عبد الله فرماجو وأحمد محمد مادوبي". 

وختم الصحفي حديثه بالقول: "الانسحاب المتوقع للقوات الأميركية والإفريقية من الصومال العام القادم، يزيد من التحديات الأمنية في البلاد، وأيضا نفوذ اللاعبين الدوليين والإقليميين المؤثرين داخل الساحة الصومالية، كل هذه عوامل تزيد من ضبابية الصورة أمام المراقب لرسم مسارات ما بعد الانتخابات الصومالية".