رقم صعب حسم نجاحه.. هل يفي بايدن بوعوده الانتخابية لمسلمي أميركا؟

12

طباعة

مشاركة

قبل انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كان غالبية المسلمين في الولايات المتحدة قد عزموا أمرهم وقرروا التصويت لرئيس جديد يعترف بحقوقهم، ويرفع عنهم العنصرية والتمييز.

المرشح الديمقراطي "جو بايدن"، الذي يستعد لدخول البيت الأبيض بعد أيام قلائل، كان قد وعد المسلمين بالاهتمام بحقوقهم وإيلاء الأهمية لظاهرة الإسلاموفوبيا "التي ساهمت في صعودها سياسات ومواقف الرئيس دونالد ترامب"، حسبما قال "بايدن".

كما وعد "بايدن" أيضا بإلغاء حظر السفر، وتحقيق العدل للمسلمين الأميركيين، الذين عانوا من خطاب الكراهية لمدة 4 سنوات، خلال حكم ترامب.

وعلى مستوى "الحكام الديكتاتوريين" في العالم العربي والإسلامي، وعد بايدن مسلمي أميركا "ألا يكتب خطابات للدكتاتوريين، وسيسعى إلى وضع القيم الديمقراطية والدبلوماسية الأميركية عبر العالم، والحديث بصوت عال عن انتهاكات حقوق الإنسان والاستهداف العنيف والملاحقة للأقليات المسلمة"، بل وسيحلّ الأزمات في سوريا وغزة واليمن، فهل يفي بايدن بوعوده؟.

قلبوا الموازين

وفق دراسة أجراها مركز "بيو" الأميركي للأبحاث، عام 2017، يوجد حوالي 3.45 ملايين مسلم في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل حوالي 1.1 في المائة من السكان في البلاد.

ومن المتوقع بحلول عام 2040، أن يتجاوز عدد السكان المسلمين في الولايات المتحدة عدد السكان اليهود، ويصبحون ثاني أكبر مجموعة دينية في البلاد بعد المسيحيين، وفق الدراسة.

وخلال 4 سنوات مضت توصل المسلمون الأميركان إلى قناعة بأن الرئيس الجمهوري "دونالد ترامب" قد خذلهم، وأظهر لهم عداءات غير مسبوقة، وقيد الهجرة، وفي عهده تصاعدت ضدهم جرائم الكراهية.

خلال الأسبوع الأول من توليه منصبه، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً يحظر استقبال مهاجرين من 7 دول ذات أغلبية مسلمة، وهو قرار لا يزال ساري المفعول ويجري تمديده حتى اليوم.

أجهض ترامب حقوق المسلمين المدنية والدينية واتهم الإسلام والمسلمين ضمنا بالإرهاب خلال عدة مناسبات، وزعم أن "هناك كثير من المسلمين لا يحبوننا"، وحرض على المسلمين خلال زيارته للهند وأعقب ذلك موجة من حرق الهندوس المتطرفين للمساجد وتدميرها.

مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (CAIR)، أكد أن مسلمي أميركا خرجوا للتصويت في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بأرقام قياسية، مسجلين نسبة مشاركة (84 %)، بعد أن كانت النسبة (60 %) فقط في انتخابات عام 2016.

وحسب ما أكدت (3) منظمات أميركية وهي مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR)، ومركز (Jetpac)، ومركز (MPower Change)، في تقرير موسع أصدرته يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، "حقق المسلمون مشاركة قياسية في الانتخابات الأخيرة، هي الأولى في تاريخ الانتخابات الأميركية، سواء في عدد المرشحين المسلمين من جهة، أو في حجم التصويت والمشاركة من جهة ثانية".

وجاء فوز الرئيس "جو بايدن"، بعد تصويت (69 %) من المسلمين له مقابل (18 %) لترامب (كان التصويت (25 %) لترامب في انتخابات 2016)، حسب استطلاع للرأي أجراه (CAIR)، يوم (5) نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تحت عنوان "استطلاع اقتراع الناخبين المسلمين في الانتخابات الرئاسية لعام 2020″.

ووفق الاستطلاع، فإن أسباب تصويت المسلمين بكثافة لبايدن، كانت ذات شقّين: الأول متعلق بقرارات ترامب التي أضرّت بالمسلمين، خصوصا قرارات منع الهجرة من الدول الإسلامية، وتصاعد "الإسلاموفوبيا" ضدهم، والثاني مرتبط بوعود بايدن للمسلمين.

"نهاد عوض"  المدير التنفيذي لـ(CAIR)، أكد أن أصوات المسلمين الأميركيين والعرب في ولاية "ميشيغان" أهدت بايدن الفوز بالرئاسة، فهناك 270 ألف مسلم، ورغم أن هذا العدد يمثل 2.75 في المئة فقط من سكان الولاية، إلا أنه امتلك قدرة على تغيير توازنات الانتخابات الأميركية.

أيضا نجح ما يقرب من 60 ألف مسلم في كل من ولايتي أريزونا وجورجيا، ونحو 150 ألفا بولاية فلوريدا، وحوالي 128 ألفا بولاية بنسلفانيا، من تشكيل قوة لعبت دورا في تغيير التوازنات في الانتخابات، وقلب هذه الولايات لصالح بايدن في نهاية التصويت، بحسب مركز (MPower Change).

وعود بايدن

في 20 يوليو/تموز 2020، ظهر بايدن في مقطع مصور موجه لمسلمي أميركا يطلب دعمهم ويستشهد فيه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن رأى منكم منكراً فليغيره"، كي يغيروا معه حكم ترامب باعتباره منكرا.

وخلال أيام الحملة الانتخابية، خاطب بايدن الأميركيين المسلمين من أبناء البلد والمهاجرين، واعدا بدعمهم، وإلغاء القرارات التي فرضتها إدارة ترامب على المسلمين.

بایدن قال وقتها: "سأدرج الأصوات الأميركية المسلمة كجزء من إدارتي، إذا كان لي الشرف بأن أكون رئيسا فسوف أنھي الحظر المفروض على المسلمين من اليوم الأول".

وتابع: "الجالیات المسلمة ھي أول من شعر بهجوم دونالد ترامب على جالیات السود والسمر في ھذه الدولة من خلال حظره السيئ للمسلمين.. تلك المعركة ھي افتتاحية لأربع سنوات من الضغوطات والإهانات المستمرة والھجمات ضد الجالیات الأميركية المسلمة".

وخلال خطابه الخاص للمسلمين الذي نُشر على موقع حَمْلته على الإنترنت تحت عنوان "قمة مليون صوت مسلم"، استضافتها منظمة الدعوة "Emgage Action" لتعبئة الناخبين المسلمين، وعدهم بايدن بإلغاء كل القيود التي فرضها ترامب، وإعطاء المسلمين حقهم الطبيعي في العيش في كل الولايات الأميركية.

مخاوف قائمة

اعتاد الأميركيون المسلمون على سماع الخطب والوعود من المرشحين للانتخابات، باعتبارهم كتلة مؤثرة، دون أن يتحقق الكثير من هذه الوعود، بسبب اعتبارات عديدة تتحكم في القرار الأميركي الداخلي، وفق متابعين.

فكثيرا من يتحكم في قرارات أي رئيس أغلبيته البرلمانية في مجلسي النواب والشيوخ، وقد حافظ الديمقراطيون على أغلبيتهم في مجلس النواب، لكنها باتت أغلبية ضئيلة، وخسروا – حتى الآن- أغلبيتهم في مجلس الشيوخ، لهذا تثار مخاوف من ألا يتمكن بايدن من تنفيذ بعض وعوده لهم.

ووفق مراقبين، فإن الطريق لن تكون معبّدة أمام بايدن لتنفيذ كل وعوده الانتخابية، لأن حكمه سيكون من دون أغلبية كبيرة في مجلس الشيوخ على الأقل، ما يعني وجود المزيد من العراقيل لإدارته من طرف الجمهوريين لأي مساع تصب في اتجاه مصالح الجاليات العربية والمسلمة.

أيضا هناك مصالح اللوبيات والصناعات المختلفة وتنظيمات اليمين المسيحي الإنجيلية المتطرفة التي تعادي بايدن، وظهروا عقب هزيمة ترامب في تجمعات عديدة وهم يحملون السلاح.

كذلك يخشى المسلمون أن يكون بايدن نسخة أكثر من باهته من أوباما الذي وعد – مثل بايدن – في حملته الانتخابية بنفس الوعود تقريبا، ولم ينفذ أغلبها، ويقولون: إن مرشحي الحزب الديمقراطي كثيرا ما يعدون وعودا براقة لجذب تصويت الاقليات في أميركا، لكن المرشح الديمقراطي يظل يعد على مدار فترة رئاسته دون تنفيذ.

صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تلخص مطالب المسلمين من بايدن في عنوان لتقرير لها 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 قائلة: "يريد الناخبون المسلمون أكثر من مجرد مقعد على طاولة الرئيس المنتخب جو بايدن".

وتنقل عن "يوسف شهود"، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة كريستوفر نيوبورت بولاية فرجينيا، قوله: "إن أنشطة التوعية للمنظمات الأميركية المسلمة أدى إلى إقبال تاريخي، والآن يتوقعون نوعًا من الصوت لهم، نوعًا ما من التمثيل، ومراعاتهم ليس فقط في القرارات المتعلقة بالمكان الذي يعيش فيه المسلمون، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالسياسة الأميركية ككل".

تغير المعادلة

لكن هناك سبب قوي سيضطر "بايدن" لمراعاة مصالح المسلمين يتمثل في فوز مرشحيهم في انتخابات النواب والولايات ومجالس الإدارات بنسبة قياسية، وهؤلاء سيدعمونه أيضا وسيضغطون عليه لتنفيذ وعوده، كما أشار تقرير المنظمات الأميركية الثلاثة "CAIR، Jetpac، MPower Change".

وكشف التقرير أن المسلمين الأميركيين ترشحوا لشغل مناصب سياسية بأرقام قياسية في انتخابات 2020، حيث ترشح 170 مسلما لمجالس النواب والولايات في 25 ولاية، فاز منهم 62.

ووفق الأرقام التي أوردها التقرير، ترشح 22 مسلما للانتخابات في كاليفورنيا و19 في ميشيغان و27 في مينيسوتا و22 في نيوجيرسي، كما ترشح 22 مسلمًا للكونغرس (مجلسي الشيوخ والنواب) في 14 ولاية.

فاز 5 مسلمين جدد في انتخابات الكونغرس، وهم "موري تورنر" (27 عاما)، لعضوية المجلس التشريعي لولاية أوكلاهوما، و"سامبا بالده" في ولاية ويسكونسن، و"فادي قدورة" (40 عاما) بولاية إنديانا، و"ويلسون أنطون" ذات البشرة السمراء (28 عامًا) بولاية ديلاوير، و"إيمان جودة" بولاية كولورادو.

بينما أعيد انتخاب (3) وهم: "إلهان عمر ورشيدة طليب وأندريه كارسون"، وترشح 48 مسلما على مقاعد المجلس التشريعي في 22 ولاية، فاز منهم 22، وترشح 16 لمقاعد المقاطعات في 10 ولايات، فاز منهم 6، وفاز 13 مسلما بمقاعد بلدية.

أيضا ترشح 35 لمناصب لجان المدارس أو مجلس الإدارة في 5 ولايات، فاز منهم 12، وترشح 6 لمناصب قضائية فاز منهم 4.

وحسب "نهاد عوض"، المدير التنفيذي لمنظمة (CAIR): "عمل المرشحون المسلمون الذين ترشحوا لشغل مناصب سياسية مع مجموعات متنوعة من الائتلافات لغرس التغيير السياسي في مجتمعاتهم وتحقيق العدالة للجميع، لهذا حازوا ثقة كثيرين".

مضيفا: "نجح المرشحون المسلمون في تدشين حملات شعبية مكونة من ائتلافات متنوعة تناضل من أجل مستقبل عادل للجميع، ودعم وحماية الحقوق المدنية والحريات لكل مسلم أميركي، وتعزيز الحرية والعدالة".

وتابع: "هذه الائتلافات ليست خاصة بالمسلمين فقط، لكن من عرقيات وأديان أخرى، لكنهم يطالبون مثل المسلمين بحقوق وحريات من "بايدن" سيضطر مع نواب الكونغرس للرضوخ لها".

وهو ما عبرت عنه أيضا "ليندا صرصور"، مؤسِّسة منظمة "MPower Change"، وهي أكبر منظمة للعدالة الاجتماعية والعرقية يقودها المسلمون في أميركا، بقولها "فوز هذا العدد الكبير من المرشحين المسلمين يعتبر نجاحا للجالية المسلمة في أميركا من مجالس إدارة المدارس وصولاً للتأثير إلى قاعات الكونغرس".

وطبيعي أن يؤدي هذا لأن يكسر المسلمون الصور النمطية لهم ويسهموا في مكافحة العداء والرهبة من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، كما يقول محمد ميسوري، المدير التنفيذي لـ "Jetpac"، وهي منظمة مدنية تسعى لتنوع التمثيل للشعب الأميركي في الحكومة.

ويرى "ميسوري" أن "النمو السريع للسلطة السياسية للمسلمين الأميركيين في جميع أنحاء البلاد، حين ينظمون أنفسهم"، مؤكدا: "تعد زيادة تمثيلنا السياسي جزءاً مهماً في هزيمة التصاعد العنيف لظاهرة "الإسلاموفوبيا".