مارادونا.. كيف دعم اليسار في أميركا اللاتينية وهاجم الولايات المتحدة؟

4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"إذا لم يكن دييجو مارادونا أفضل لاعب كرة قدم في العالم، فمن المحتمل أن يكون ثوريا"، هكذا وصف موقع ريميزدا الأميركي في مارس/آذار 2015، أسطورة كرة القدم العالمي الأرجنتيني، الذي توفي في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عن عمر ناهز 60 عاما بعد نوبة قلبية. 

ترك مارادونا خلفه عقودا من الإثارة داخل البساط الأخضر، لكنه لم يكن مجرد لاعب كرة قدم، حيث كان للسياسة جزء مهم من حياته بدعمه اليساريين في أميركا اللاتينية. 

فأسطورة كرة القدم لم يتورع يوما عن التعبير عن آرائه السياسية، خاصة عندما كان الأمر يتعلق بدعم السياسيين اليساريين في أميركا اللاتينية، وكانت تجمعه علاقات قوية برئيس كوبا الراحل فيدل كاسترو ورئيس فنزويلا الراحل هوجو تشافيز والرئيس الفنزويلي الحالي نيكولاس مادورو. 

كما عرف عن مارادونا انتقاداته الصريحة للكنيسة الكاثوليكية وبابا الفاتيكان والسياسيين والسياسة الخارجية للولايات المتحدة ومعظم أنظمة السلطة بشكل أساسي. 

وعاش مارادونا حياة مليئة بالعاطفة والشدة المتمردة وكانت له مواقف متشددة ضد "الإمبريالية العالمية" المتمثلة في الولايات المتحدة، وتحدث كثيرا عن الأطفال المشردين الذين ينشؤون في ظروف مشابهة للفقر المدقع الذي نشأ فيه هو نفسه.

وولد مارادونا في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1960 في فيلا فيوريتو إحدى مقاطعات العاصمة الأرجنتينية بوينس آيريس، ونشأ في أسرة شديدة الفقر، وكان ترتيبه الخامس بين إخوته الثمانية. 

علاقته باليسار

كان مارادونا زائرا متكررا لكوبا وكانت علاقته عميقة وشخصية وسياسية في ذات الوقت برئيسها الراحل فيدل كاسترو الذي كان يسميه دائما والده الثاني.

البداية كانت في يوليو/تموز 1987، بعد فوزه بكأس العالم في المكسيك. وبصفته نجم فريق نابولي الإيطالي الذي فاز للتو بالكرة الذهبية، أجرى مارادونا أول زيارة له إلى جزيرة الكاريبي التابعة لكوبا.

لكن وبدلا من حضور حفل توزيع الجوائز الذي أقامته شركة "يونايتد برس إنترناشوينال" التي لم تعد موجودة الآن، سافر النجم الأرجنتيني إلى كوبا لتلقي الجائزة التي قدمتها وكالة "Prensa Latina"، التي كرمت الرياضيين من أميركا اللاتينية.

ووصفت علاقة مارادونا بكوبا بأنها رمز للتمرد في حياته المهنية، وكانت زيارته الأولى وكذلك تجربته مع كاسترو المنتمي أيديولوجيا إلى اليسار، مثل الحب من النظرة الأولى، كما شكلت تلك الزيارة مسار الفكر السياسي للأسطورة.

وعن لقائه الأول بكاسترو في 1987 يقول مارادونا: "قضينا حوالي خمس ساعات نتحدث عن كوبا والأرجنتين وعن (الثوري تشي) جيفارا، وببساطة وقعت في حب فيدل، بدا لي وكأنه وحش يدافع عن الأرض، إنه السياسي الوحيد الذي لا يمكن لأحد أن يطلق عليه لصا".

واتخذت صداقتهما غير المتوقعة شكلا أكثر تحديدا عندما قضى مارادونا الفترة بين عامي 2000 و 2005 في هافانا للتخلص من إدمان المخدرات.

وقال مارادونا عن تلك الفترة: "لقد فتح أبواب كوبا أمامي عندما كانت العيادات في الأرجنتين تغلق أبوابها لأنهم لم يريدوا وفاة مارادونا بأيديهم".

وكما رسم وشما على ذراعه اليمنى لتشي جيفارا رسم على ساقه اليسرى وشما آخر لكاسترو تعبيرا عن حبه له. وفي حديثه عن وفاته في عام 2016 ، قال مارادونا: "لقد بكيت مثل الطفل الصغير، إنه أعمق حزن أعرفه بعد والدي".

ومن المفارقات التي تذكر هنا أن يغادر مارادونا الحياة في نفس اليوم الذي توفي فيه كاسترو قبل أربع سنوات في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.

خلال تلك الفترة اشتهر عن مارادونا دعمه السياسيين اليساريين في أمريكا اللاتينية، وكما دعم كاسترو في كوبا دعم الزعيم الفنزويلي هوغو شافيز، في وقت كان فيه شافيز ينفذ خططا جذرية لإعادة توزيع الدخل والتعليم على فقراء البلاد، حيث كان مارادونا مولعا بالثورة البوليفارية في فنزويلا.

وفي عام 2007 وخلال ظهوره إلى جوار شافيز الذي كان يقدم برنامجا أسبوعيا في التلفزيون الفنزويلي قال مارادونا: "أنا أؤمن بتشافيز، أنا تشافيزي، كل ما يفعله كاسترو، كل ما يفعله تشافيز بالنسبة لي هو الأفضل، أنا أكره كل شيء يأتي من الولايات المتحدة، أنا أكرهها بكل قوتي".

كما دفعته صداقته القوية بتشافيز الذي توفي عام 2013 إلى دعم الرئيس الفنزويلي الحالي، نيكولاس مادورو في مواجهة الولايات المتحدة والمعارضة المدعومة من أميركا التي فرضت عقوبات وحصارا قويا على كراكاس. 

وفي عام 2017، عندما واجه مادورو انتقادات من جميع أنحاء أميركا اللاتينية، قال أسطورة كرة القدم الأرجنتينية: إنه مستعد للقتال من أجل النظام اليساري. 

وكتب مارادونا على صفحته الرسمية في فيسبوك حينها: "نحن تشافيزا حتى الموت. عندما يأمر مادورو، أرتدي ملابسي كجندي من أجل فنزويلا حرة، أن أقاتل ضد الإمبريالية وأولئك الذين يريدون أخذ أعلامنا، وهو أقدس شيء لدينا، تحيا الثورة".

وزار مارادونا فنزويلا عدة مرات التقى خلالها بمؤسس الحركة الاشتراكية في بوليفيا إيفو موراليس والذي أصبح بعد ذلك رئيسا لبوليفيا في الفترة بين عامي 2006 و 2019، كما التقى خلال زياراته المتكررة أيضا لولا دا سيلفا الذي شغل فيما بعد منصب رئيس البرازيل في الفترة بين 2003 و2010. 

كرهه لأميركا 

كان مارادونا منتقدا دائم لنهج الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية وغيرها من بلدان العالم، إذ وصفه موقع ذي ناشون الأميركي بأنه كان معارضا قويا لحرب العراق ويرتدي قمصانا تظهر الرئيس الأسبق جورج بوش الابن على أنه "مجرم حرب". 

وقال الموقع في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: إن مارادونا قال ذات مرة "أنا أكره كل ما يأتي من الولايات المتحدة. أنا أكره ذلك بكل قوتي" وهو ما جعله بطلا للملايين الذين يعيشون تحت حذاء هذا البلد، بحسب وصف ذي ناشون.

وفي نوفمبر / تشرين الثاني 2005 شارك مارادونا في مظاهرة حاشدة في منتجع مار دل الأرجنتيني ضد مشاركة جورج بوش في القمة الرابعة للأميركيتين.

في عام 2017 حاول مارادونا الحصول على تأشيرة للذهاب إلى الولايات المتحدة لحضور جلسة قضائية ضد زوجته السابقة إلا أن إجابته على سؤال وجه له داخل السفارة الأميركية حرمته من الحصول على التأشيرة. 

كان السؤال مباشرا: كيف تنظر إلى الرئيس دونالد ترامب؟، وكانت الإجابة واضحة: دمية!.

وفي يوليو/تموز من نفس العام، وصف مارادونا ترامب بأنه مجرد كوميدي "إنه مثل الرسوم المتحركة بالنسبة لي، إذا تحدثنا عن السياسة، في كل مرة أراه على التلفزيون، أقوم بتبديل القناة".

اعتاد مارادونا على التعبير عن ما يدور بداخله بوضوح وأحيانا أخرى بوقاحة، وهو ما لم يسلم منه أيضا بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثاني.

وخلال لقاء تلفزيوني في يوليو/تموز 2000 استذكر مارادونا لقاء عقده قبل سنوات مع البابا يوحنا بولس الثاني في زيارة للفاتيكان عندما كان لاعبا في نادي نابولي الإيطالي، ووصف البابا بـ "ابن العاهرة" كونه يعيش تحت سقف ذهبي ثم يذهب إلى البلدان الفقيرة ويقبل الأطفال. 

وقال مارادونا: "دخلت الفاتيكان ورأيت السقف الذهبي، وقلت لنفسي كيف يمكن أن يعيش ابن العاهرة هذا بسقف ذهبي ثم يقول إن الكنيسة كانت قلقة بشأن رفاهية الأطفال الفقراء، بع السقف الخاص الخاص بك ثم افعل شيئا"، وفق تعبيره.