50 مليار دولار خسائر.. كيف سرقت أبوظبي نفط اليمن طوال 5 سنوات؟

4 years ago

12

طباعة

مشاركة

يعد القطاع النفطي في اليمن الركيزة الأساسية في الموازنة العامة للدولة والقطاع الرئيسي الذي تعول عليه البلاد في تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل لتقليل حجم البطالة.

إلا أن أطماع الإمارات واحتلالها أجزاء كبيرة وحيوية في اليمن حالت بين استمرار استخراج المنتجات البترولية وتصديرها، وتسببت في أزمة كبيرة في الموازنة اليمنية والنقد الأجنبي.

وبحسب الكاتب والصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي اليمني عبد الواحد العوبلي فإن القطاع النفطي اليمني يمثل ما بين 50 إلى 60 % من إيرادات الموازنة، كما أنه يمثل ما بين 70 إلى 80% من الصادرات اليمنية. 

ويقول العوبلي لـ"الاستقلال": إن اليمن كان ينتج نحو 150 ألف برميل يوميا قبل الحرب في 2014، مشيرا إلى أن شركات النفط لم تعد تنشر أي تقارير رسمية توضح أرقام الإنتاج مع دخول التحالف السعودي الإماراتي إلى البلاد، وتعطيل أبوظبي الموانئ وحقول النفط والغاز. 

وتتفق الأوساط السياسية والشعبية في اليمن على وصف الإمارات بأنها "دولة محتلة" في ضوء سياساتها القائمة على التحكم بالشريط الساحلي اليمني بالكامل وشل جميع القطاعات المدرة للإيرادات.

ومع استمرار الإمارات في تطبيق تلك السياسات، تتواصل المطالبات الرسمية اليمنية برفع يد أبوظبي عن أراضيها وحقول النفط والغاز. وكان آخرها تصريحات محافظ شبوة محمد صالح بن عديو والتي أكد فيها أن أبوظبي تعيق عمل منشأة بلحاف للغاز في المحافظة بعد أن حولتها إلى ثكنة عسكرية.

وأكد ابن عديو في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن الإمارات أوقفت تصدير الغاز منذ خمس سنوات وسرحت مئات العاملين ورفضت مغادرة المنشأة حتى اللحظة. وطالبها بإخراج قواتها منها محذرا من خروج العاطلين عن العمل في احتجاجات واسعة بسبب عدم السماح باستئناف العمل وتوقف مصدر دخلهم.

كما دعا ناشطون يمنيون الحكومة الشرعية إلى إخراج القوات الإماراتية من منشأة بلحاف وميناء شبوة المستخدم لتصدير النفط والغاز المسال، وسط مخاوف من أن يؤدي أي ضرر محتمل للمنشأة بحرمان البلاد من مليارات الدولارات سنويا بسبب تخريبها، بحسب ما نشرته صحيفة ذي ناشون بريس الأميركية.

ونقلت الصحيفة عن الباحث اليمني عبد الرحمن حامد قوله: إن وجود القوات الإماراتية والوكلاء المسلحين في ميناء شبوة ومنع الحكومة الرسمية من تصدير الغاز، حرم اليمن من 20 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، في ظل ما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية حادة.

وأعربت الصحيفة الأميركية عن خشية المراقبين من أن يفقد اليمن موردا اقتصاديا رئيسيا يوفر للموازنة العامة أكثر من 40 ٪ من إجمالي الإيرادات.

ويعد مشروع بلحاف ثاني أضخم مشروع للغاز المسال في الشرق الأوسط وهو أكبر استثمار اقتصادي في تاريخ اليمن الحديث. ودخل المشروع حيز التنفيذ في عام 2009 بطاقة إنتاجية بلغت 6 ملايين و700 ألف طن، وفق ما نشرته قناة المهرية الفضائية اليمنية.

وأشار تقرير للفضائية اليمنية في 23 يوليو / تموز 2020 إلى أن الإمارات سيطرت على المشروع في عام 2016 بعد طرد المليشيات الحوثية منه وحولته إلى ثكنة عسكرية وسجن تمارس فيه أبشع الانتهاكات بحق المعتقلين المعارضين لوجودها بالإضافة إلى مقر لتحركاتها في شبوة وحضرموت.

تعطيل المؤسسات

ويشير المختص العوبلي إلى أن التحالف السعودي الإماراتي، حرص منذ بداية الحرب على تعطيل مؤسسات الدولة المدرة للإيرادات والسماح لمليشيات نافذة وقوات تابعة للإمارات بالسيطرة على هذه المؤسسات وسرقتها.

وهو ما حدث في محافظة حضرموت، حيث استطاعت مليشيات تابعة للإمارات السيطرة عليها وعلى جميع المؤسسات التابعة للدولة بما فيها النفطية.

كما اتبعت الإمارات سياسة أخرى في مأرب وشبوة التي يوجد بها ميناء بلحاف لتصدير الغاز، حيث أكد العوبلي إصرار الإمارات على تعطيل عمل تلك المنشأة نكاية في جماعة الإخوان المسلمين (ممثلة في حزب الإصلاح) التي تسيطر على المنطقتين إداريا. 

وأوضح العوبلي أن التحالف بقيادة السعودية والإمارات بات يسيطر على كامل الساحل البحري لليمن ويمنع عمل كل الموانئ والمطارات.

وقال: "حرصوا على تقويض الاقتصاد اليمني والتأكد من عدم حصول اليمنيين على أي موارد عبر فرض شخصيات ونافذين ومليشيات مسلحة تقوم بالاستيلاء على موارد النفط وسرقته وتهريبه، بهدف شل الحكومة بحيث تظل تابعة ولا تستطيع اتخاذ أي قرار بمعزل عن التحالف". 

وأضاف: "عطلوا أيضا النظام المصرفي بشكل كامل حتى أنه لا توجد بنوك تعمل وباتت الأموال كلها في اليمن تتحرك من خلال السوق السوداء".

وأردف العوبلي أن إيرادات النفط الخام التي تخرج من ميناء الضبة كان من المفترض أن تذهب إلى البنك المركزي اليمني ولكنها تذهب إلى حساب خاص في البنك الأهلي التجاري السعودي لينفق منه الرئيس عبد ربه منصور هادي وجماعته بعيدا عن النظام القانوني للدولة".

ويؤكد أنه "من المفترض أن تخضع هذه الأموال لرقابة البنك المركزي ووزارة المالية وهو ما لا يحدث".

واتهم العوبلي جميع المسؤولين الحاليين بـ"التورط والعمالة للسعودية والإمارات"، مضيفا أنهم تعمدوا تحويل البلد إلى كتلة من الفوضى عبر استبعاد أي مسؤول "محترم" ويده نظيفة عبر جملة "لا يصلح" والحفاظ على المسؤولين الذين يمكن أن يتبعوهم. 

ويؤكد الناشط اليمني سليمان الدغيش لـ"الاستقلال" أن الإمارات اشترت الكثير من المسؤولين في الحكومة الشرعية وتقوم بفرض قرارات التعيينات الوزارية وتفعل ما تشاء بفضل المسؤولين الذين اشترتهم من أمثال رئيس الحكومة والبرلمان والكثير من الوزراء. 

أما الناشط صالح المهري فيرى أن الرئاسة اليمنية والحكومة الموجودة في الرياض أصبحت عبارة عن حكومة معترف بها دوليا لشرعنة الوجود السعودي الإماراتي في اليمن وأيضا لتبييض الأعمال القذرة التي يقوم بها التحالف، وفق تعبيره.

وأضاف المهري في حديث لـ"الاستقلال": "كل من الرئيس هادي وحكومته وقيادات الأحزاب السياسية أصبحوا مسلوبي الإرادة، حقيقة أصبح اليمن يعيش تحت وصاية سعودية إماراتية".

احتلال مبكر

يستثمر في قطاع النفط اليمني عشرات الشركات المحلية والأجنبية، ولكن مع دخول قوات التحالف اضطرت نحو  10 شركات عالمية إلى مغادرة اليمن في 2015 كما توقفت الشركات المحلية بسبب السيطرة الإماراتية. 

ويشير العوبلي إلى أن الشركة الدولية الوحيدة التي استطاعت استئناف العمل هي شركة "OMV" النمساوية التي تمتلك الإمارات 25% من أسهمها وأن الأمر لم يستغرق وقتا طويلا حيث أنهت الإمارات كامل الإجراءات للشركة في غضون أسبوع واحد لاستئناف العمل، فيما عاد عدد قليل جدا من الشركات المحلية إلى العمل لكن بنسب بسيطة جدا.

وعن أسباب عدم عودة الشركات العالمية الأخرى أكد أن العراقيل والمشاكل الأمنية التي تسببها المليشيات المسلحة التابعة للإمارات عملت على تعطيل عودة هذه الشركات.

كما اتهم شركة توتال الفرنسية بالتواطؤ والربط بين توريد فرنسا للسلاح إلى السعودية وبين تعطيل مشروع بلحاف للغاز في شبوة الذي تديره شركة توتال. 

وأضاف: "فرنسا تبيع السلاح للسعودية وما تتحصل عليه من بيع الأسلحة أكبر بكثير مما تتحصل عليه من مشروع الغاز اليمني ولذلك شركة توتال متورطة في هذه الحرب". 

ويقول المهري: إن الإمارات بدأت مبكرا في عملياتها لاستهداف الاقتصاد اليمني من خلال بناء مكونات ومليشيات مسلحة، وذلك منذ تحرير العاصمة المؤقتة عدن في يوليو/ تموز 2015.

وأشار إلى أن ذلك تم من خلال عملية استقطاب حركات ومكونات سياسية وعسكرية تحت مسمى النخب، حيث بدأت التجربة في عدن ثم تلتها شبوة وحضرموت وأبين ولكنها فشلت في المهرة ومن هنا كانت البداية الحقيقية لتحويل مناطق النفط إلى أخرى خاضعة لسيطرتها تمهيدا لسرقة الثروات.

كما قال الدغيش: إن الإمارات أنشأت مليشيات تابعة لها باسم الحزام الأمني والنخبة الشبوانية والحضرمية والكثير من الأسماء ثم وضعتها في شبوة وحضرموت وسيطرت على المنشآت والموانئ وحقول النفط بذريعة حمايتها من تنظيم القاعدة الذي انسحب من كل المناطق التي كانوا موجودين بها بدون أي مواجهة مع قوات أبوظبي.

وأضاف المهري: "وهنا يجب أن أنوه بأن غالبية مناطق النفط شرق اليمن كانت توجد بها شركات مثل توتال الفرنسية التي كانت تنسق مع الحكومة اليمنية".

ولكن ومنذ أحداث 2011 استقدمت شركات حماية خاصة، قبل أن تسقط تلك المناطق تحت يد ما يسمى بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي اختفى بشكل كامل مع دخول التحالف السعودي الإماراتي إلى شبوة وحضرموت من خلال تمثيلية تحرير المناطق المحررة أصلا في مطلع 2016"، وفق قوله.

وأوضح المهري أن المخطط الإماراتي لا يستهدف قطاع النفط فقط ولكن الاقتصاد اليمني برمته بما في ذلك قطاعات أخرى بينها السياحة والاستثمار.

وبين أن الإمارات تعمل مع أعوانها على استمرار حالة الشلل التي تصيب الاقتصاد اليمني والتي يتأثر بها المواطن بشكل مباشر وغير مباشر، مشيرا إلى أن هذا الاستهداف بدأ مع احتلال عدد من الجزر وعلى رأسها أرخبيل سقطرى ضمن الأجندة الإماراتية لاحتلال تلك المناطق.

وكشفت وكالة الصحافة اليمنية في أبريل/نيسان 2018 أن الإمارات تصدر أكثر من 4 ملايين برميل كل 3 أشهر بقيمة إجمالية تصل إلى 240 مليون دولار أميركي - يشير السعر العالمي في هذه الفترة إلى أن سعر البرميل يتجاوز 60 دولارا-، وهو ما يعني أن أبوظبي تصدر النفط شهريا بما يعادل 80 مليون دولار أميركي من حضرموت فقط.

وأشار تقرير لصحيفة العربي الجديد اللندنية في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى أن التقديرات الحكومية تؤكد أن خسائر اليمن من توقف صادرات النفط والغاز بلغت نحو 50 مليار دولار بالإضافة إلى الأضرار الناجمة عن الحرب.

ومنذ 6 أعوام، يعيش اليمن حربا عنيفة ما زالت مستمرة، بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف، وجماعة الحوثي، المدعومة إيرانيا.

وتسببت الحرب، بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، وبات 80 بالمئة من السكان بحاجة لمساعدات، ودفع الصراع الملايين إلى حافة المجاعة.