بتواطؤ رسمي.. كيف يدير حزب الله اللبناني شبكته المالية في العراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال شبكة حزب الله اللبناني المالية تشهد تمددا كبيرا في البلدان التي يمتلك فيها نفوذا سياسيا وعسكريا، ويعد العراق أحد هذه الدول.

الولايات المتحدة من جانبها، تقوم بمطاردة مصادر تمويل حزب الله في هذه البلدان، ورصدت مكافأة من أجل الحصول على معلومات عن شبكات الحزب المالية.

في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تقود إلى تفكيك الآليات المالية للحزب الذي تعتبره واشنطن منظمة إرهابية.

مصارف لبنانية

رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة في العراق جراء تراجع أسعار النفط الذي يشكل 95 بالمئة من إيرادات البلد، إلا أن البنك المركزي العراقي أقدم على بيع الدولار إلى مصارف لبنانية.

القرار صدر نهاية أبريل/ نيسان 2020، أي أواخر أيام حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي أطاحت به تظاهرات شعبية عراقية، والذي عرف بميله الشديد للمعسكر الإيراني في العراق.

المستفيد الأكبر من قرار البنك المركزي العراقي، هو حزب الله الذي تربطه علاقات وثيقة مع المصارف اللبنانية العاملة هناك، والتي تتسلم مبالغ مالية كبيرة بشكل أسبوعي حالها حال المصارف العراقية، بحسب مصدر مصرفي تحدث لـ"الاستقلال".

المصدر العراقي الذي طلب عدم الكشف عن هويته قال: إن "مصارف لبنانية مثل مصرفي عودة وبلوم، وغيرهما، يمنحهم البنك المركزي العراقي مليون دولار أسبوعيا، بسعر صرف 1191.5 دينارا عراقيا مقابل الدولار الواحد، وهم يبيعونها للمواطن العراقي بقيمة 1255 دينارا مقابل الدولار الواحد".

وأضاف: أن "مزاد العملة للبنك المركز العراقي يمثل أحد أبواب الفساد الكبرى في البلاد، وأن الغرض من بيع الدولار بهذا الفرق إلى المصارف سواء العراقية أو اللبنانية هو تربيح مالكيها، وليس كما يدعون أنه بهدف استيراد البضائع من الخارج".

وتابع: "لو قارنا حجم المستورد بقيمة الدولار الذي يبيعه البنك المركزي يوميا سنجد فرقا كبيرا، أي أن قيمة حجم البضائع المستوردة لن تصل بأي شكل من الأشكال إلى ما يبيعه البنك المركزي من الدولار، وهذا ما يؤكد أن العملة الصعبة تذهب إلى منافذ أخرى، وأبرزها المصارف اللبنانية التي تتعامل مع حزب الله وإيران".

وحسب إحصائية نشرت في 31 مارس/آذار 2020، فإن 10 مصارف لبنانية تعمل في العراق، هي: "البلاد العربية (بي بي أي سي)، بيلوس، عودة، بنك مد، بلوم، إم إي أي بي، آي بي إل، فرنسبك، الاعتماد اللبناني، واللبناني الفرنسي".

وفي تقرير نشره "معهد الدفاع عن الديمقراطيات الأميركي" في 23 سبتمبر/ أيلول 2020، تناول فيه مصادر تمويل شبكة حزب الله بشكل تفصيلي، معتبرا البنوك اللبنانية إحدى المحطات المهمة لتمويله.

وأوضح المعهد الأميركي أن الحزب تربطه علاقة قوية بعدد من البنوك اللبنانية، فهو مسؤول رئيسي عن الانهيار المالي في لبنان جراء هذا التعاون المشبوه، ومن أبرز هذه بنوك، هي: "عودة، بلوم، البنك اللبناني الفرنسي، وغيرهم".

أموال طائلة

وفي 10 يوليو/ تموز 2020، أظهر نص أرسله الخبير العراقي هشام الهاشمي إلى عدد من أصدقائه، قبل اغتياله ببغداد في 6 يوليو/ تموز 2020، أنه كان يعد دراسة حول قيام مقربين من حزب الله اللبناني بتعاملات مالية في العراق لتمويل الحزب في لبنان وتمويل المليشيات العراقية الموالية لإيران.

وقدّر الخبير في شؤون الأمن والجماعات المسلحة، أن هذه التعاملات في العراق تعود على حزب الله اللبناني، بنحو 300 مليون دولار سنويا.

وأكد أن دراسته اعتمدت على "مجموعة من المصادر المتنوعة، منها وثائق للاستخبارات العسكرية العراقية رفعت عنها السرية، وسجلات مكالمات هاتفية، ومقابلات مع ضباط ومسؤولين عن التجسس وعن مكافحة نشاطات غسيل الأموال لجماعات شيعية في عدد من الدول".

ومن أبرز الشخصيات اللبنانية المتهمة بإدارة أموال حزب الله اللبناني في العراق هو محمد كوثراني الذي رصدت الولايات المتحدة في 11 أبريل/ نيسان 2020، مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إليه.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية: إنها توفر المكافأة لمن يمنح معلومات تتعلق بنشاطات كوثراني وشبكة اتصالاته ومعاونيه كجزء من الجهود الساعية إلى كبح "الميكانيكية المالية" لحزب الله اللبناني.

تصنيف الولايات المتحدة لكوثراني على لوائح الإرهاب ومطاردته، جاء بعد تقرير نشرته وكالة "رويترز" في فبراير/ شباط 2020، كشفت فيه أن إيران اختارت القيادي في حزب الله، لإدارة المليشيات الموالية لها في العراق، خلفا للجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي قتل بغارة أميركية في 3 يناير/ كانون الثاني من العام نفسه.

وفي حديث سابق مع "الاستقلال" وعقب ذلك، قال حاتم الفلاحي الباحث العراقي بمركز "راسام" للدراسات السياسية والإستراتيجية: "حزب الله اللبناني له تأثير كبير في العراق، ولديه ملفات واسعة يديرها في البلد بما فيها الملف الاقتصادي".

وأضاف: أن "كوثراني حصل على مقاولات من وزارات تدر له أموالا طائلة على حزب الله، إضافة إلى أن الكثير من الأموال المهربة التي تخرج من العراق تذهب إليه، من خلال التنسيق مع قادة الحزب في لبنان".

استثمارات ضخمة

مع تسلم نوري المالكي المقرب من إيران، رئاسة الحكومة العراقية عام 2006، والذي استمر حكمه مع الولاية الثانية حتى عام 2014، فتح الباب على مصراعيه أمام حزب الله اللبناني للدخول إلى مجال الاستثمارات في بغداد ومدن أخرى جنوبي العراق.

رؤساء الوزراء الذين أعقبوا المالكي، لم يوقفوا تمدد حزب الله الاستثماري داخل العراق، ولا سيما بعد مرحلة اجتياح تنظيم الدولة للبلاد عام 2014، وتشكيل قوات الحشد الشعبي، والتي بسطت سيطرتها على مفاصل الدولة ومنافذ الاقتصاد المهمة في العراق.

خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "روسيا اليوم" في 22 مايو/ أيار 2020، وجه السياسي العراقي المقيم في واشنطن انتفاض قنبر، اتهامات ضد مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة الحالية، عندما كان رئيسا لجهاز المخابرات في الفترة من يونيو/حزيران 2016 وحتى مايو/أيار 2020.

الاتهامات ـ وفق قنبرـ تمثلت في منح الكاظمي مقاولات بناء دور سكن وكافتيريا تابعة للمخابرات العراقية إلى شخصيات لديها علاقة وثيقة مع حزب الله اللبناني.

وفي يونيو/ حزيران 2017، نقلت تقارير صحفية عن مسؤولين في حكومة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أن الشركات، التي يملكها لبنانيون ينتمون إلى حزب الله، قد نجحوا في السيطرة على عقود استثمار وتنمية ضمن خطة بغداد 2016.

شملت هذه العقود مشاريع إعمار وعقود تجهيز دوائر ومؤسسات وتراخيص في القطاع السياحي في البلاد، فضلا عن عقود تجهيز مواد غذائية تابعة لوزارة التجارة العراقية، بأكثر من 312 مليون دولار، ما يجعلها تتفوق على شركات أخرى تعمل في بغداد، وتتبع للإمارات وتركيا ومصر والصين.

وحسب التقارير، فإن من أبرز استثمارات الحزب، التي ترتبط بشكل وثيق بمصارف إسلامية عراقية وإيرانية، مثل الهدى، وإيلاف، والبلاد الوطني الإسلامي، والجنوب الإسلامي، هو فندق "كورال"، ذو الأربع نجوم.

الفندق مملوك لشركة "وروك"، المسجلة في وزارة التخطيط على أنها شركة فرنسية، إلا أنها لا تمتلك أية قاعدة بيانات ضمن الشركات الفرنسية المعتمدة لدى باريس، وإنما يملكها لبناني يحمل الجنسية الفرنسية، يلقب باسم الحاج أبو ياسين، وهي تدير أيضا فندق "بابل" عبر كريم نوري، أحد أعضاء "حزب الله" الناشطين في بغداد.

ويُتخذ فندق "كورال" مقرا لاجتماعات وفعاليات الأحزاب السياسية والمليشيات في العراق، وتتم فيه استضافة وفود الحوثيين والمعارضة البحرينية وشخصيات سورية ضمن نظام بشار الأسد، وفقا لمسؤولين في الحكومة العراقية.

المسؤولون أكدوا أن إدارة وكوادر تلك الشركة والفندقين هي لبنانية وسورية، وأن هذه الفنادق استثنيت من قرارات عدة تتعلق بالملف الأمني، بينها قاعدة بيانات النزلاء التي يجب أن تقدم بشكل دوري إلى قيادة عمليات بغداد.

وأفادت التقارير بأن حزب الله اللبناني حصل على عقود استثمار ضمن خطة تنمية وإعمار بغداد، كان آخرها تأهيل بناية وزارة التخطيط ومركز الاتصالات في الحارثية، ومقر بدالة العلوية، وبناء جسر العلاوي، وسط بغداد.

عقود الاستثمار تضمنت أيضا، وفق التقارير، تجهيز الشركات والمؤسسات الحكومية بالمحابر وأثاث المكاتب والأجهزة الإلكترونية، فضلا عن شركات السياحة الدينية بين بغداد ودمشق وبيروت وطهران، و6 شركات للتحويل المالي.

وفي السياق ذاته، قال الصحفي اللبناني فرج الله عبجي: إن "رجال الأعمال المتنفذين التابعين لحزب الله اللبناني ينتشرون في جميع أنحاء العراق، ولديهم استثمارات كبيرة، ما جعلهم عناصر فاعلة في البلاد، وأصحاب تأثير على القرار السياسي فيه.

وأكد عبجي خلال تصريحات صحفية في 10 أبريل/ نيسان 2018، أن "وجود حزب الله اللبناني ضمن صفوف قوات الحشد الشعبي، يمكنه من السيطرة على الأرض، وهذا يجعله لا يحتاج حتى للتخفي وراء الاستثمارات، حيث إن وجوده أصبح مُعلنا من خلال وجوده العسكري".