رغم محاربته الفساد.. لماذا يتظاهر النيجيريون ضد الرئيس بخاري؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت وكالة الأناضول التركية الضوء على المظاهرات ضد عنف الشرطة التي انتشرت في نيجيريا ـ إحدى أكبر الدول اقتصاديا في إفريقيا ـ لتمتد إلى العديد من الولايات والمناطق في البلاد، حيث "أريقت الدماء في المظاهرات التي حصلت في العاصمة أبوجا وفي لاغوس، المركز التجاري للبلاد".

وقالت الوكالة في مقال للكاتب غوك خان قاواق: "قُتل ما لا يقل عن 70 شخصا في هذه الأحداث فيما جرح المئات، وجرى إعلان حظر التجول في ولايات لاغوس وريفرز ودلتا بجنوب البلاد".

وبعد أن حدثت خسائر في الأرواح وتحولت المظاهرات السلمية إلى عمليات نهب وصراعات، جرى طرح القضية على جدول الأعمال الدولي تزامنا مع تصريحات الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.

وقال الكاتب: إن النيجيريين طالبوا بإلغاء فريق مكافحة السرقة الخاص (سارس) متهمين إياه بـ"انتهاك حقوق الإنسان"، في المظاهرات التي بدأت بعد مقتل شاب بداية أكتوبر/تشرين الأول في ولاية دلتا النيجيرية على يد المجموعة التي تم تشكيلها كفريق تابع للشرطة.

وامتدت المظاهرات، التي بدأت في 8 أكتوبر/تشرين الأول، في الولايات الجنوبية ذات الأغلبية المسيحية، إلى الولايات الشمالية ذات الأغلبية المسلمة، مع دعوة تحالف المجموعات الشمالية للتظاهر في 19 ولاية. وقد توقفت الحياة بسبب المظاهرات التي جرت في العديد من الولايات، وخاصة في أبوجا ولاغوس، وفقا للكاتب.

ويعتبر قاواق أن المظاهرات التي تستمر في نيجيريا منذ بداية الشهر، قد أخذت مكانها بالفعل بين أكبر وأبرز المظاهرات والاحتجاجات ليس فقط بالنسبة للبلد بل في القارة الإفريقية أيضا. 

ولكن وبسبب الهجمات التي شنت على المتظاهرين والنهب الذي حصل، انحرفت التظاهرات السلمية عن هدفها وانخفضت المشاركة فيها نسبيا.

فريق سارس

ويلفت إلى أن نيجيريا تحاول التعامل مع العديد من المشاكل في مجال الأمن. فبينما تحارب الحكومة جماعة بوكو حرام والعصابات المسلحة في الشمال، تقاوم السكان الأصليين في بيافرا (IPOB) والقراصنة والمسلحين والعصابات في الجنوب. 

ويضيف قائلا: بدأ فريق مكافحة السرقة (السارس)، الذي تأسس في عام 1992 لمكافحة حالات السرقة المتزايدة في لاغوس باعتبارها الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان والعاصمة الأولى للبلاد، في العمل في ولايات مختلفة من البلاد اعتبارا من عام 2009، بعد زيادة جرائم القتل في الجامعات.

ولكن فيما بعد أصبح السارس، الذي يقوم على توفير الأمن، يعرف بانتهاكاته لحقوق الإنسان ضد المواطنين الأبرياء في السنوات الأخيرة، حيث يقال: إن أعضاءه، الذين وصفهم كثير من النيجيريين بـ "العصابة المسلحة"، قاموا بمضايقة أو قتل الأبرياء بحجة مكافحة السرقة.

وبحسب الكاتب التركي فإنه على الرغم من أن مقر الشرطة النيجيرية أعلن العام الماضي إيقاف أنشطة الفريق، فإنه لم يحدث أي تغيير واستمر أعضاء السارس في وظائفهم. وعقب بدء التظاهرات، دعا الرئيس محمد بخاري المتظاهرين إلى "العودة إلى ديارهم"، وتعهد بإلغاء عمل السارس ومعاقبة المجرمين.

مشاكل متسلسلة

ويشير قاواق إلى حقيقة أن عنف الشرطة يحدث في نيجيريا منذ سنوات بالفعل، فقد تم توثيق 82 حالة عنف بين 2017-2020 من قبل المنظمات الدولية. كما يتحدث البعض عن مقتل ما لا يقل عن 70 شخصا في هذه المظاهرات المناهضة للسارس.

ويضيف: أن الشرطة، وهي المهنة الأكثر انخراطا في الفساد والرشوة، لا تحظى بأي احترام بين الشعب. ووفقا لبيانات المكتب النيجيري للإحصاء لعام 2017، فإن 46.4 ٪ من رجال الشرطة يتلقون رشاوي. 

ومن الجدير بالذكر هنا أن للرواتب المنخفضة أيضا تأثيرا مهما على تورط الشرطة في الرشوة. وفي الواقع، انتشرت الرشوة والفساد في كل جزء من نيجيريا تقريبا، لذلك نرى أن المواطنين الذين يتجاهلون تحذيرات الشرطة أكثر حرصا وحذرا في تعاملهم تجاه الجنود.

وينوه الكاتب إلى أن من أهم أسباب انتشار المظاهرات بين الشباب خاصة هي المشاكل الاقتصادية في البلاد، حيث إن 70٪ من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما عاطلون عن العمل في دولة يزيد عدد سكانها على 200 مليون نسمة. 

وإضافة إلى أن النوع الجديد من القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا (كوفيدـ19) أدى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد بشكل كبير.

كما يؤكد الكاتب أن عدم القدرة على استخدام الموارد الجوفية لتنمية البلاد ولصالح الناس في نيجيريا والتي تعد أهم مركز للنفط والغاز الطبيعي في إفريقيا، يعد أحد العوامل التي تزيد من البطالة فيها. 

 وعلى الرغم من حقيقة أن جزءا كبيرا من أراضيها خصبة، فإن عدم الاهتمام بالزراعة لسنوات عديدة، أدى إلى زيادة البطالة والفقر.

ويرى الكاتب أن هذا الوضع يسبب أيضا انعدام العدالة في توزيع الدخل، ففي واقع الأمر، يعيش أكثر من 40 ٪ من السكان تحت خط الفقر في نيجيريا، البلد الذي ترتفع فيه الفيلات الفاخرة بجوار خيام اللاجئين.

من ناحية أخرى، يبدو أن الشرطة النيجيرية تستخدم العنف ضد المدنيين في معظم حالات الطوارئ الناشئة وتقوم بقمع الحوادث عن طريق تخويف الأشخاص المعنيين بالأمر. 

وعلى الرغم من أن هذا قد يكون حلا على المدى القصير، فإن هذا الوضع الذي ينتهك حقوق الناس ويذل كرامتهم، يتسبب في حدوث رد فعل في المجتمع لينعكس على الشوارع كما هو الحال اليوم.

دور الشتات النيجيري

ويشير قاواق إلى أنه وبسبب الأنشطة التبشيرية في السابق وتجارة الرقيق، فإن أسلوب التعليم الغربي أكثر انتشارا في الجنوب كما أن أغلبية النيجيريين الذين تفرقوا خارج البلاد من الجنوبيين. 

وهذا ما يجعل النشاط النقابي والفكري والإعلامي أكثر شيوعا في ولايات الجنوب منها في الشمال. لهذا السبب، بدأت المظاهرات في نيجيريا أولا في الولايات الجنوبية ثم امتدت إلى الشمال بشكل محدود.

ويضيف: "كما يمكن اعتبار هذه التظاهرات، وهي الأكبر مقارنة بها في السنوات الماضية، استمرارا للمظاهرات التي انطلقت في العام 2019 بقيادة الصحفي والسياسي الجنوبي والمرشح الرئاسي وموييلي سووري (Omoyele Sowore)، بنطاق أوسع".

وقد أطلق سووري "دعوة للثورة" مدعيا أن الانتخابات الرئاسية لعام 2019 كانت غير موثوقة وبدأ المظاهرات مع أنصاره.

ويتابع قائلا: إن للشتات النيجيري، الذي ذكرناه في السابق، تأثيرا مهما على الرأي العام العالمي بشأن المظاهرات. 

فقد رفع النيجيريون في كندا وإنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة المظاهرات إلى جدول الأعمال العالمي تحت عنوان #EndSARS. ولوحظ أن الشتات النيجيري في حرب بيافرا الأهلية بين عامي 1967 و1970، لعب دورا فعالا في المسألة أيضا.

الزعيم المحارب للفساد

ويستطرد الكاتب: "بعد نحو أسبوعين من بدء المظاهرات، قال الرئيس بخاري، في تصريح له إنهم سمعوا مطالب الناس بوضوح، وأنه تم العمل عليها وتحقيقها، ودعا إلى إنهاء الاحتجاج".

ويذكر أن السياسي بخاري ذا الخلفية العسكرية، والذي أصبح رئيسا مع الانقلاب عام 1983، فاز في انتخابات 2015 و2019 أيضا وبقي في الحكم لفترتين، وهو مسلم من شمال نيجيريا من قبيلة الفولاني. أما المظاهرات فتستمر في ولايات الجنوب.

وبحسب الكاتب التركي فإن بخاري زعيم يحارب الفساد اليوم، كما فعل من قبل في عهد النظام العسكري بين عامي 1983 و1985. 

فيما يرى الكثير من الناس أن نظام بخاري العسكري هو الأفضل في تاريخ البلاد في الأنظمة العسكرية. وقد ترشح بخاري، الذي تقاعد من الجيش برتبة عميد، إلى رئاسة البلاد كمدني وفاز في الانتخابات في العامين 2015 و2019.

ويضيف: "على الرغم من أن بخاري قدم وعودا مثل حل مشكلة بوكو حرام ومحاربة الفساد وتحسين الاقتصاد، فإن هذه المشاكل لم يتم حلها".

 من ناحية أخرى، يحاول بخاري، الذي يلفت الانتباه بنهجه المسيطر في مجال الاقتصاد، اتخاذ خطوات في المجال الاجتماعي والاقتصادي من خلال حظر الواردات ومحاربة الفساد من أجل دعم إنتاج الأرز المحلي.

تحول غير متوقع

ووفقا لقاواق فإن المظاهرات التي بدأت سلمية تحولت إلى صراع بعد أسبوعين، وذلك في خضم الاعتداءات على معارضي السارس بالحجارة والعصي والمناجل من قبل مجهولين، والتدخل القاسي لقوات الأمن ضد المتظاهرين ونهب الأسواق وعمليات الهروب من السجون.

ويختم الكاتب مقاله قائلا: "حتى لو تم تلبية مطالب المتظاهرين وإلغاء السارس، يبدو من الصعب تحقيق حل على المدى الطويل في البلاد التي تواجه تحديات سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة".

 وعندما نتذكر أن 70 مرشحا قد تقدموا للترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، يمكننا أن نقرر بسهولة أن هناك معارضة هشة في البلاد. 

فقد دعم عتيق أبو بكر، زعيم المعارضة الرئيسية في نيجيريا المتظاهرين، ولذا يمكننا أن نرى أنه إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن المظاهرات معرضة لخطر التحول إلى مواجهة بين السلطة والمعارضة. 

ويشير الكاتب إلى أن التظاهرات التي بدأت باحتراف وبطريقة منظمة لها استجابة اجتماعية وهذا الدعم يتزايد يوما بعد يوم.

ومع ذلك، فإن الإصابات وخسائر الأرواح التي حدثت في المظاهرات قد تتسبب في تشويه المطالبات المعقولة وفقد مشروعيتها، بحسب تقديره.